أهمية الثقافة التنظيمية في مكان العمل

أصبحت الطريقة التي نتعامل بها مع بعضنا بعضاً في العمل أكثر أهمية من أي وقت مضى؛ حيث تتمتع كل شركة بثقافة منذ اليوم الذي يُتَّخذ فيه القرار بتشغيلها، وسواء كانت ثقافتك تشكلت من تلقاء نفسها أم عن سابق إصرار وتصميم، فهي موجودة؛ وهي تحكم جميع السلوكات الصريحة والخفية؛ الواضحة وغير الواضحة، والتي من المقبول ممارستها في مكان عملك.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب سكوت كيس (Scott Case)، والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته في إنشاء ثقافة عمل ناجحة في شركة أبسايد (Upside).

السلوك هو القوة الدافعة، إنَّه ليس القواعد التي كتبتها، أو أَملتَ تطبيقها؛ بل هو في الواقع كيف يتصرف الناس، لا سيما في أثناء تفاعلهم مع بعضهم بعضاً.

الثقافات الأكثر صحة؛ هي تلك التي يكون فيها الأشخاص الذين أسسوا الشركة وأولئك الذين ينضمون إليها لديهم فهم مُتبادل للقيم والتوقعات المشتركة.

في الآونة الأخيرة، اكتَشفَت الشركات التي اعتَقدَت أنَّ الجميع متفقون على قيمها أنَّهم ليسوا كذلك؛ إذ واجهت كل من شركة غوغل (Google) وشركتي كوينبيس (Coinbase) وبيسكامب (Basecamp) مثلاً صراعات كبيرة بين تعريف الثقافة الذي حددته "القيادة" وما يفعله "الفريق" وما يهتم به، وعلى الرغم من أنَّ هذه الشركات جميعها كانت قد دوَّنت قيمها، إلا أنَّه قد كان هناك مجال كبير لاختلاف التفسيرات.

حتى لحظة حدوث هذه الصدامات، "اعتقدَ" الجميع أنَّهم يتشاركون القيم والثقافة نفسها، فكيف أخطؤوا الفهمَ إذاً؟

الحقيقة هي أنَّ الثقافة التنظيمية جادَّة وفوضويَّة وإنسانية وشخصية ومُعقَّدة، لا توجد صيغة لبنائها، ولكن هناك مبادئ يمكننا استخدامها؛ لنكون هادفين بشأن الثقافة التي نبنيها، فيما يلي ثلاثة أشياء نعتقد أنَّها أكثر أهمية الآن من أي وقت مضى:

1. الثقة:

إذا كنت قد قرأت كتاب الاختلالات الخمسة للفريق (The 5 Dysfunctions of a Team)، فأنت تعلم أنَّ الثقة هي الخطوة الأولى في بناء ثقافة تنظيمية قوية، فإذا كان الزملاء لا يثقون ببعضهم بعضاً، فلن يكونوا صادقين مع بعضهم بعضاً، وإذا لم يكونوا صادقين مع بعضهم بعضاً، فقد حُكم عليهم بالفشل.

ولا يوجد شيء ضريبته أسوأ على أي منظمة أكثر من عدم الثقة، فالثقة هي ما يدفع الفريق إلى التقدم، إنَّها مثل زيت محرك السيارة، تحتك من دونه أجزاء المحرك ببعضها بعضاً ويفشل عمله، ولكن مع وجودها، يقلُّ الاحتكاك وستأخذك السيارة إلى أي مكان تريده.

أسرع طريق إلى الثقة - والطريق الأكثر إزعاجاً - هو استعدادنا لأن نكون متواضعين، عندما يشعر أعضاء الفريق بالراحة في مشاركة أفكارهم، فإنَّهم سيعملون معاً بشكل أكثر فاعلية، وسيشاركون التغذية الراجعة بشكل أسرع وأكبر من أجل مصلحة الشركة، حتى لو كان ذلك يعني اعتراضهم على أمر ما، أو قد يشيرون - كما رأينا خلال الجائحة - إلى ما قد نغفله نحن كقادة، مثل كيفية تعامل زملائنا مع العمل من المنزل، وزيادة جرائم الكراهية، والعدالة الاجتماعية، وحتى الخطاب السياسي الحماسي.

وفي المقابل، إذا كان الزملاء لا يثقون ببعضهم بعضاً، أو يخشون التعرُّض للعقاب لقولهم "لا أعرف" أو "لقد أفسدت الأمر"، فقد تعاني الشركة بأكملها نتيجة لذلك، وعلى المستوى الفردي، يؤدي انعدام الثقة والضعف بين أعضاء الفريق إلى القلق والتوتر، مما يُقلِّل من الإنتاجية، أما على مستوى الشركة، يضرُّ هذا النوع من الثقافة التنظيمية السلبية بالاحتفاظ بالموظفين ويخنق الابتكار.

كيف نُنشئ ثقافة تنظيمية عالية الثقة؟ كقادة، نحن نُحدد الثقافة التنظيمية من خلال كوننا متواضعين مع فرقنا وتشجيعهم على مشاركة ما يشعرون به بصراحة أيضاً، والأهم من ذلك، لا تعاقب الناس على صدقهم، طالما أنَّهم محترمون ويتحدثون من منطلق يتماشى مع قيم الثقافة التنظيمية.

في بداية الجائحة، انتقلت شركة أبسايد (Upside) إلى العمل عن بُعد كلياً وأنشأت عادةً يفعلها موظفوها يومياً: كل صباح في الساعة 8:45 صباحاً، نعقد اجتماعاً لمدة 15 دقيقة على برنامج زوم (Zoom) نتحدث فيه عن التحديثات السريعة في الشركة، وتتراوح الأحاديث من تقدمنا في تحقيق أهداف الشركة إلى الفائز بالمسابقات المسليَّة التي نجريها كل الأسبوع.

وفي أحد اجتماعاتنا الشهرية، ذَكر أحدهم حقيقة أنَّه "يكره" تكرار اجتماعات الفِرق، أَخذتُ تغذيته الراجعة بالحسبان وتحدَّثتُ إلى أشخاص آخرين في جميع أنحاء الشركة للاستماع لوجهة نظرهم، اعتقدَ بعضهم أنَّه يمكنهم تغيير الإيقاع، لكنَّ الغالبية العظمى شعرت أنَّ اجتماع الساعة 8:45 صباحاً يومياً يعزز الثقافة التنظيمية، حافظنا على الإيقاع والتوقيت، وأخبرتُ الشخص الذي عبَّر عن رأيه بالسبب، وأخبرتُه كم كنت ممتناً لأنَّه عبَّر عن وجهة نظره.

عزَّزَ هذا الموقف اعتقادي بأنَّ الشركات الناجحة تزدهر من خلال التغذية الراجعة، ولكنَّه ذكَّرني أيضاً بأهمية المصادر المتعددة للتغذية الراجعة على جميع المستويات والأنواع لتقليل مخاطر فقدان الرؤى الهامة.

في شركة أبسايد (Upside)، طرحنا مجموعة متنوعة من الطرائق للحصول على تغذية راجعة من الفريق، بخلاف استطلاعات الموظفين والطرائق الفردية؛ الطريقة المفضلة لدي هي منتدى "اسألني أي شيء" الشهري؛ حيث يُشجَّع الموظفون على طرح الأسئلة الصعبة ويُحتفى بالتواضع، تماماً مثل اكتشاف العملاء، ومن الهام توفير الفرص لفريقك لتقديم تغذية راجعة ومن الضروري معرفة ما يجب فعله بها.

شاهد بالفديو: 6 طرق للحفاظ على الحماس وإثارة إلهام الآخرين في العمل

2. الأفراد:

بدأت العديد من المنظمات بسرعة العمل من المنزل عندما بدأت الجائحة، إما الشركة بأكملها أو مجموعات كبيرة من الموظفين واسعي المعرفة؛ نتيجة لذلك، أصبحنا نعرف بعضنا بعضاً على مستوى أعمق بكثير، فنحن حرفياً نتواصل من منازلنا.

على سبيل المثال إذا أخبرت زملائي بأنَّه لدي أربعة أولاد، فستظل هذه الفكرة حقيقة بالنسبة إليهم حتى يظهر ابني الذي يدرس في الجامعة في أحد الاجتماعات التي أجريها عبر مكالمات الفيديو، أصبحنا نتعرف إلى الحياة الشخصية لبعضنا بعضاً أكثر من أي وقت مضى، وأعتقدُ أنَّ هذا شيء عظيم، ولكنَّه يشكِّل صعوبة على العديد من ثقافات العمل.

بعض الأشخاص لديهم أطفال يقتربون منهم في أثناء الاجتماعات الداخلية، أو لديهم كلب ينبح في الخلفية في أثناء تقديمهم لعرض تقديمي أمام العميل، وقد قاطَعَت كلابي الكثير من الاجتماعات التي أجريتها عبر تطبيق زووم لإخباري بأنَّ عامل البريد قد أوصل البريد مرة أخرى، في حين أنَّ هذه المواقف يمكن أن تكون "مُشتِّتة" للعمل بالمعنى التقليدي، إلا أنَّها تكشف عن حجم المشتتات التي قد تتعامل معها فِرقنا يومياً.

فلنأخذ مثلاً زملائنا في مشروعٍ متخصص بعلاج مشكلة العنصرية، كيف يتجاوز زملاؤنا من السود الأيام التي تبثُّ فيها الأخبار أنَّ مدنياً أَعزلَ آخر قُتل برصاص الشرطة؟ ماذا يفعل ذلك لقدرتهم على التركيز على العرض التقديمي الذي يجب عليهم تقديمه في موعد محدد؟

كيف تبدو الحياة اليومية لزملائنا الآسيويين الذين يعانون من الكراهية والعنف من قِبل المُتعصِّبين الذين يلومون المجتمعات الآسيوية بشكل خاطئ على بدء الجائحة؟ هل يمكن أن يكون هناك شيء ما خارج العمل قد سبَّب ضعف أدائهم غير المعهود يوم الجمعة الماضي؟

بالطبع، نحن نتحدث عن قضايا العنصرية والتمييز المنتشرة هنا، وأنا أعترفُ تماماً بأنَّ ثقافة شركتنا لن تُغيِّر العالم بين عشية وضحاها، ولكن، على الأقل، يمكننا بالتأكيد القيام بدورنا في خلق ثقافة تنظيمية تساعد فريقنا على المثابرة وهم يمرون بكل ذلك من خلال منحهم مساحة للتحدث عن كل ما يمرون به.

يُحدِّد هذا المثال ما نعنيه حقاً بالتنوع والشمول؛ إذ يُعَدُّ إظهار التقدير الحقيقي والتعاطف أمراً هاماً للأفراد الذين يعانون من التوتر أو القلق وهو يُحدِّد طريقة سير بقية الفريق.

بعد وفاة جورج فلويد (George Floyd)، شاركنا واحدة من أقوى التجارب لثقافتنا في شركة أبسايد (Upside)، لم يكن من الممكن أن أبقى مكتوف اليدين في هذه اللحظة؛ حيث شعرتُ بأنَّني مضطرُّ إلى مخاطبة الفريق، ليس فقط بسبب الأهمية الجوهرية لهذه القضية؛ بل لأنَّ عدم التصرُّف كان سيشكل مشكلةً بالأهمية نفسها لفريقنا، بدلاً من سرد الأولويات التي كان علينا العمل عليها ذلك اليوم، خطَّطتُ للتحدث عن الصدمة المشتركة لدينا، ما لم أخطط له هو أن تتغلب عليَّ المشاعر أمام فريقنا بأكمله، لكنَّ جهازي النطاقي (limbic system) المسؤول عن الوظائف الانفعالية في جسمي لم يوافقني، وتسبَّب لي بالكثير من البكاء.

آمل أن يكون ذلك قد منحَ الآخرين الفرصة ليشعروا بالراحة مع كونهم ضعفاء أحياناً.

إقرأ أيضاً: القيادة الخدمية: اهتم بفريقك أولاً ومن ثم بنفسك

3. الدعم:

نحن نحتاج إلى إدراك أنَّنا جميعاً نتعامل مع مجموعة من المشكلات في حياتنا، ومن الضروري - من وجهة نظر الثقافة التنظيمية - أن نفهم أنَّ تلك الصعوبات "الشخصية" تؤثر في العمل أيضاً، يقضي العديد من موظفينا بدوام كامل وقتاً في التواصل مع زملائهم في العمل أكثر مما يقضونه مع عائلاتهم، مما يعني أنَّهم يعتمدون على بعضهم بعضاً للحصول على الدعم ويجب أن تسمح الثقافة التنظيمية في شركتنا للجميع في الفريق بالشعور بأنَّهم جزء من بيئة عمل شاملة.

يمكننا بصفتنا قادة الشركة دعم زملائنا؛ ليكونوا أكثر نجاحاً من خلال خلق ثقافة تقبلُ الجميع، وهذا يعني تمكين فِرقنا من دعم بعضها بعضاً ومنحهم حرية التعبير عن أنفسهم.

بالنسبة إلى بعض الأشخاص، قد يعني ذلك منحهم وقتاً خاصاً بهم - مثل الإجازات - للتعامل مع المشكلات التي تؤثر فيهم خارج العمل، وقد يرغب الآخرون في التحدث عنها أمام الجميع أو مع أفراد مُعيَّنين - راجع فكرتي الأولى المذكورة آنفاً حول إنشاء ثقافة الثقة - لا يوجد دليل تعليمات ليساعدك على هذا، عليك ببساطة أن تكون متعاطفاً ومستعداً للاستماع، وأسوأ شيء يمكننا القيام به هو تجاهُل هذه القضايا الاجتماعية الشائِكة، والتَّظاهُر بأنَّها لن تؤثر في أداء فريقنا خلال يوم "العمل"؛ وذلك لأنَّها بالتأكيد ستؤثر.

إذا شجَّعنا التواصل واستمعنا للتغذية الراجعة فنحن قادرون على إجراء تعديلات عند الحاجة، وعلى الاعتراف بأنَّنا قد لا نكون قادرين على "إصلاح" كل شيء.

لقد كنتُ أقود الشركات منذ عقود، ولست قائداً مثالياً، أنا أؤمن بأنَّه يجب أن نتمتع بالقوة، وأتوقَّع أن يخبرني فريقي عندما أُخطِئ، أرغب في مواصلة التعلُّم وتحسين طريقة دعم الفريق.

في شركة أبسايد (Upside)، كنَّا حريصين جداً على السعي إلى بناء ثقافة تنظيمية تضمُّ مختلف الأفراد ووجهات النظر، يهتمُّ الناس ببعضهم بعضاً ويدعمون بعضهم بعضاً بشكل طبيعي؛ مما أوجدَ مساحة لي كقائد للتعلُّم والمشاركة وفتح عيني على بعض الأشياء التي كنت غافلاً عنها.

نتيجة لذلك، تمكَّنتُ من إجراء بعض المناقشات الصعبة مع عدد من زملائي الذين وثقوا بي بما يكفي للتحدث معي حول الأشياء الصعبة، والأفضل من ذلك، أنَّ البيئة التي أنشأناها في الشركة تُمكِّن أعضاء الفريق من التحدُّث إلى بعضهم بعضاً ودعم بعضهم بعضاً، وهذا شيء يجب أن نفخر فيه.

إقرأ أيضاً: 8 صفات يجب أن تتوافر في كل فريق عمل ناجح

هل من الممكن تغيير الثقافة التنظيمية؟

تتمثل الخطوة الأولى لتغيير الثقافة التنظيمية في تحديد الثقافة الحالية، والطريقة لمعرفة ذلك هي إجراء بحث عن الفريق والتحدُّث مع عَيِّنَة وسؤالهم عما إذا كان هناك ثقة عالية بينهم؟ هل التواضع مقبول؟ هل يعرف أعضاء الفريق بعضهم جيداً؟ هل يدعم زملاء الفريق بعضهم بعضاً؟ ما هي السلوكات والقيم الواضحة والمقبولة بين زملائك؟ كيف تتوافق هذه القيم مع القيم المكتوبة؟ ما مدى انفتاح الناس على الحديث عن موضوعات العِرق أو نوع الجنس أو التمييز العنصري؟ هل أنت مستعد حقاً، بصفتك قائداً، إلى الاستماع وإحداث التغيير؟

نحن نراقب باستمرار هذه الأسئلة - وأسئلة أخرى - ونضع أهدافاً واضحة على مستوى الشركة لمعالجتها، نبدأ على نطاق صغير، ونُجري التجارب ونُعدِّل، إنَّه عمل شاق، لكنَّ معظم الأشياء التي تستحق القيام بها تتطلب العمل الشاق، إذا كنت قائداً يتمتع بثقافة تنظيمية رائعة، فأنا أحبُّ أن أسمع رأيك، أما إذا كنت قائداً تواجه بعض الصعوبات، فسأكون سعيداً بدعمك.

المصدر




مقالات مرتبطة