أهمية إعطاء الأولوية لشغفك

يتشتت البشر بسرعة بسبب أمور تشد انتباههم، فلا عجب أنَّه من الصعب السعي وراء شغفنا؛ إذ يمتلئ العالم بأشياء مثيرة للاهتمام يمكن متابعتها أو القيام بها أو اكتسابها، ونريد جميعنا شيئاً في مرحلة ما من حياتنا؛ فمثلاً نريد مزيداً من المال ومنزلاً جديداً وسيارة وهاتفاً ذكياً والسفر حول العالم والزواج وتأليف كتاب وبدء عمل تجاري والحصول على وظيفة جديدة، والاستثمار في سوق الأوراق المالية، ونرغب في القيام بكلِّ هذه الأمور في الوقت نفسه.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب داريوس فوروكس (Darius Foroux)، ويُحدِّثنا فيه عن كيفية إعطاء شغفك الأولوية.

هكذا يتصرف معظمنا، فلدينا قائمة لا حصر لها من الأشياء التي نرغب فيها، ونتخذ قرارات سيئة في حياتنا تبعاً لرغباتنا، والنتيجة هي أنَّنا نعاني تناقضات داخلية، وأعتقد أنَّنا نعلم جميعاً أنَّنا لا نستطيع تحقيق كلِّ شيء، وهذا ينطبق خاصة على حياتنا المهنية؛ فنريد جميعاً أن نحظى بمهنة نحبها، ونريد تحويل شغفنا إلى مهنة، لكن لأنَّنا نريد كلَّ شيء، فإنَّنا لن نقترب من هذا الهدف، وأحد الأشياء الرئيسة التي تعلمتها هو أنَّ المزيد لا يعني الأفضل.

الحدُّ من خياراتك:

أجد نفسي مع ذلك أقوم بمزيد من العمل باستمرار، فلماذا يحدث ذلك؟ أعتقد أنَّها طبيعتنا؛ إذ نرغب دائماً في أكثر ممَّا يمكننا تحقيقه بالفعل؛ فخياراتنا لا حدود لها.

يمكننا اختيار في عالم اليوم أيَّة مهنة نريدها، وتوجد بالطبع حدود لقدراتنا، لكن طالما بقينا ضمن ما يسميه رجل الأعمال وارن بافيت (Warren Buffett)، وتشارلي مونجر (Charlie Munger): "دائرة الكفاءة" (circle of competence)، يمكننا تحويل شغفنا إلى مهنة.

لكن هذا صعب لأنَّنا نسارع إلى الخروج من تلك الدائرة، ونريد القيام بأشياء لا تتناسب ومعرفتنا ومهاراتنا وخبراتنا ونقاط قوتنا، وهذه كارثة، فإذا كنت ترغب في الحصول على وظيفة متواضعة وحياة مُحبِطة، فعليك اتباع رغباتك، لكن إذا كنت تريد تحقيق المزيد في حياتك، فمن الأفضل أن تحد من خياراتك؛ فإنَّها في الأساس الفكرة نفسها التي كانت لدى المستشار الإداري بيتر دراكر (Peter Drucker) عندما قال: "إنَّ المهن الناجحة جميعها مبنية على نقاط القوة".

شاهد بالفديو: 14 نصيحة لتحويل شغفك إلى أفكار قابلة للتنفيذ

اتبع هذه القاعدة البسيطة:

عند تقييم الفرص الوظيفية، قل هذا لنفسك: "إذا كان هناك شيء لا يقع ضمن دائرة كفاءتي، فسأرفضه"، وهذا يقلل تقليلاً كبيراً من خيارات حياتك المهنية، ويمكنك فهم هذا من خلال قراءة الكتاب الكلاسيكي عن الخيارات، والذي يدعى مفارقة الاختيار (The Paradox of Choice) من تأليف الكاتب باري شوارتز (Barry Schwartz)؛ إذ يقول: "تعلُّم كيفية الاختيار أمر صعب، وتعلُّم كيفية الاختيار الجيد، أصعب، وتعلُّم كيفية الاختيار الجيد في عالم مليء بالخيارات غير المحدودة يظل أمراً صعباً للغاية".

الدرس الذي يمكننا استخلاصه من كتابه هو أنَّ مزيداً من الخيارات تسبب خللاً في وظائف الدماغ؛ فنحن ببساطة نصاب بالشلل عندما يكون لدينا كثيراً من الخيارات، وهذا يعني أنَّنا يجب أن نحسِّن قدرتنا على الرفض، وأنا أعاني هذا طوال الوقت؛ إذ أعرف جيداً أنَّني لا أستطيع فعل كلِّ شيء، وإذا نظرت إلى الأشخاص الذين حققوا النجاح في أيِّ مجال، ستلاحظ أنَّهم نجحوا في شيء واحد فحسب؛ فكم من شخص نجح في أكثر من مهنة أو مهارة؟ انسَ الشخصيات التاريخية مثل الفنان ليوناردو دافنشي (Leonardo Da Vinci) أو أيِّ عبقري آخر؛ فالخلاصة هي أنَّ الناس يحققون النجاح في مجال محدد عملوا فيه بمهارة.

إقرأ أيضاً: كيف أُحدِّد شغفي؟

كلُّ شخص لديه مهارة خاصة به:

أعتقد أنَّ السبب الأساسي الذي يجعلنا سيئون في اتخاذ الخيارات هو أنَّنا نكره أن نغفل عن كلِّ الأشياء الرائعة التي تقدمها الحياة؛ فعندما تختار شيئاً واحداً؛ فإنَّك تستغني عن أشياء أخرى كثيرة، وهذه حقيقة لا يمكننا التعايش معها؛ لكنَّنا بحاجة إلى قبول ذلك وقبول ما لدينا، ويجب أن نتوقف عن التفكير في كلِّ الاحتمالات الأخرى في العالم.

كما قال باري شوارتز: "البديل للرغبة الدائمة في المزيد هو أن تكون قنوعاً؛ فالقناعة هي القبول بشيء جيد بما فيه الكفاية، وعدم القلق بشأن احتمال وجود شيء أفضل".

ففي مرحلة ما، يجب أن نتوقف عن التفكير في الاحتمالات اللانهائية، ويجب أن نقبل من نحن في الحياة، فبدلاً من محاولة الحصول على شيءٍ لا يناسبك، تقبَّل حدود إمكاناتك، والأهم من ذلك أنَّك تتقبَّل أيضاً نقاط قوتك؛ فكلُّ شخص لديه نقاط قوة، وتذكر أن تفكر فيما تريده في حياتك المهنية، مثل رغبتك في الاستيقاظ متحمساً للذهاب إلى العمل أو فعل شيء تحبه وتجيده.

إقرأ أيضاً: كيف تنمّي مهاراتك الشخصية؟ 5 نصائح لتحقيق ذلك

في الختام:

ستتعلم في بعض الأحيان أن تحب الأشياء التي تجيدها، وأحياناً تصبح ماهراً في الأشياء التي تحبها، وفي الحالتين كلتيهما، هذه هي حياتك المهنية، فلماذا لا تحقق أقصى استفادة منها؟ لا ترضَ بمهنة مُحبِطة، فأنت تتحمل مسؤولية ذلك.




مقالات مرتبطة