أهمية أخذ استراحة قصيرة في أثناء العمل وفقاً للأبحاث

هل تجد أنَّه من الصعب عليك التركيز في مهمة لفترة طويلة؟ أو هل راودك شعور أنَّك تتشتت بسرعة وسهولة ومن الصعب عليك التحلي بالإرادة الكافية والدافع لإنجاز الأمور؟ إذا كانت إجابتك على الأسئلة التي ذُكِرَت في الأعلى بـ "نعم"، فربما عليك النظر في أخذ استراحة قصيرة خلال اليوم.



وقبل التطرق إلى أهمية أخذ استراحة قصيرة خلال اليوم، يجدر بنا ذكر كيفية عمل الإرادة والسبب الذي يجعلك تواجه صعوباتٍ في التركيز والإنتاجية في العمل.

كيف تعمل الإرادة؟

تشبه الإرادة عضلات الجسم في أنَّها تتعرض للإرهاق عندما نستخدمها مراراً وتكراراً دون أخذ أيَّة استراحة، كما يمكِن تشبيهها ببطارية هاتفك المحمول؛ حيث تشحنه بالكامل في الصباح وتستخدمه طوال اليوم لتبادل الرسائل النصية، والتحقق من البريد الإلكتروني ولعب الألعاب؛ وبالتالي تستهلك كامل الشحن، وكذلك الأمر بالنسبة إليك؛ فمتى استخدمتَ كامل قوَّتك في أثناء مرور النهار، ستنخفض طاقتك؛ وبالتالي عليك تجديدها ثانية، وإذا أهملتَ هذا الأمر، فسيجتاحك الإرهاق ولن تقوى على إنجاز أيَّة مهمة مهما بلغَت سهولتها.

وهذا بالضبط ما يَحدث لإرادتنا؛ حيث تكون في أعلى مستوياتها في الصباح الباكر عقب نيل نوم هادئ وكافٍ في الليل، وبعد النهوض ومرور اليوم واتِّخاذ القرارات، ستستهلكها وستعاني من صعوبة في التركيز في أثناء العمل وسيتشتت انتباهك بسرعة، وإذا أبيتَ أن تتوقف وواصلتَ عملك، فستكون النتيجة استهلاك طاقتك كلها، لتعاني بعدها من الإرهاق وفقدان التركيز.

ما أهمية أخذ استراحات قصيرة في أثناء فترة العمل؟

هناك بحث أجراه "جوناثان ليفاف" (Jonathan Levav)، وهو أستاذ مساعد في قسم الأعمال التجارية في جامعة كولومبيا (Columbia University)، عن الأحكام القضائية التي أصدرها القضاة، وكانت النتائج صادمة ومفاجئة.

فقد اكتشف أنَّهم أصدروا قرارات متساهلة في بداية اليوم وبعد أخذ استراحة الغداء، وقد قال فيه: "تزداد احتمالية أن يُطلَق سراحك إذا كنتَ من بين أول ثلاثة سجناء يُنظَر في أمرهم بمقدار ضعفين إلى ستة أضعاف مقابل أن تكون من بين آخر ثلاثة سجناء يُنظَر في حكمهم"؛ أي بعبارة أخرى: من المرجح أن يُطلَق سراح السجناء في بداية اليوم أو بعد أخذ استراحة قصيرة، لدرجة أنَّ بعض القضاة يرفضون تقديم المزيد من قرار إطلاق السراح المشروط عندما يشعرون بالتعب عقب اتخاذ قرارات عدَّة وفقدان السيطرة على إرادتهم.

شاهد بالفيديو: 6 أمور عليك فعلها عندما ينهكك العمل

وباختصار، من الهام أخذ فترات من الراحة للمحافظة على إنتاجيتك وحافزك، فضلاً عن قوة إرادتك، وإليك بعض الأسباب التي تدفعك لأخذ استراحات قصيرة خلال اليوم:

1. زيادة الإنتاجية:

في الوقت الذي تُقرِّر فيه أخذ استراحة لبعض الوقت، فإنَّك تساعد عقلك على أداء المهام بصورة أفضل؛ لأنَّ العمل لساعات طويلة دون مُتَنَفَّس يستهلك طاقتك؛ وبالتالي يتوجب عليك تجديدها.

2. المحافظة على الصحة العاطفية:

قد يؤثر جلوسك خلف شاشة الحاسوب المحمول تأثيراً سلبياً في صحتك الجسدية والعاطفية؛ فجسدك مُصمَّم ليتحرك، وعندما تتبع نمط حياة صحي، فسيسمح ذلك بتدفق الدم في جسمك، مما يحافظ على صحتك الجسدية والعاطفية على حد سواء.

3. الحد من الإجهاد:

وهذا أمر بديهي للغاية؛ فمن المُحبَّذ أخذ استراحات قصيرة، لأنَّها من الاستراتيجيات الجيدة لمعالجة الإجهاد، كما أنَّك ترهِقُ عقلك وجسدك عندما تفكر كثيراً حول مشكلة ما، أو تقضي ساعات كثيرة في العمل؛ ولذا تساعدك الراحة على إعادة تجديد طاقتك وإعطاء جسدك فترة للاسترخاء.

إقرأ أيضاً: 5 استراتيجيات تساعدك على استئناف العمل بعد أن تفقد حماستك تجاهه

4. تعزيز الإبداع:

يؤدي العمل لفترات طويلة دون أخذ فترات راحة إلى الإرهاق، وحينما تشعر بالتعب، لن تتمكن من مواصلة العمل، ولن تكون قادراً على الإبداع، أما عندما يكون عقلك نشطاً فقد تتدفق الأفكار الإبداعية بسهولة أكبر.

ووفقاً لمقالة نُشِرَت في مجلة "سايكولوجي توداي" (Psychology Today)، من المرجح أن يزداد إبداعك بعد أخذ قسط من الراحة، كما تنص المقالة على أنَّك إذا أردتَ أن تكون كاتباً أفضل، فعليك ممارسة المشي باستمرار؛ لذا حينما تواجه مشكلةً مثل: "قفلة الكاتب"، اخرج في نزهة قصيرة سيراً على الأقدام لتسترجع صفاء ذهنك.

5. الحصول على أداء أفضل:

لا فائدة من قضاء ساعات طويلة في العمل دون التركيز وتحصيل الأداء المطلوب، وإذا أردتَ زيادة الإنتاجية وتقديم عمل بجودة عالية، فينبغي أن تكون طاقتك في أعلى مستوياتها، حيث يتطلب ذلك أخذ قسط من الراحة كي تُجدِّد طاقتك وإرادتك وتركيزك.

وقد قال الرئيس الأمريكي "أبراهام لينكولن" (Abraham Lincoln): "أمهِلني ست ساعات لأقطع شجرةً، وسأقضي الساعات الأربع الأولى في شحذ الفأس"؛ أي من الأفضل أن تقضي ساعتين من العمل الجاد وبتركيز عالٍ ومستمر بدل قضاء ستٍّ منها وأنت متعب لتُقدِّم عملاً بجودة رديئة؛ فالهدف هو النوعية وليس الكمية.

إقرأ أيضاً: كيف تأخذ فترات راحة أفضل لزيادة إنتاجيتك

6. قد يكون لفترات الراحة قدرة على إحداث تغيير في حياتك:

يجدر بك قراءة الكتاب الذي ألَّفه الكاتب الأمريكي "دانيال بينك" (Daniel Pink) بعنوان: "متى: الأسرار العلمية للتوقيت المثالي" (When: The Scientific Secrets of Perfect Timing)، لأنَّه سيمكِّنك من فهم التأثير الإيجابي لأخذ استراحة وكيف يكون له قدرة على إحداث تغيير في حياتك.

ووفقاً للكاتب، تُعزِّز فترات الراحة أداء الطلاب؛ فأطفال المدارس الدنماركية الذين أجروا اختباراتهم في فترات بعد الظهيرة كانت نتائجهم أسوأ من أولئك الذين أجروها في الصباح؛ وبالتالي فإنَّ الحل الأفضل بالنسبة إلى السياسات التعليمية هو تحديد أوقات الامتحانات في الصباح.

ومع ذلك، اكتشفَ الباحثون أنَّ هناك حلَّاً بديلاً آخر وهو إعطاء فترة استراحة من عشرين إلى ثلاثين دقيقة قبل الاختبار، وقد كتب "بينك" (Pink) في كتابه: "يؤدي إجراء الاختبارات في فترات بعد الظهيرة دون أخذ استراحة إلى تحقيق درجات تُعادل قضاء وقت أقل في المدرسة كل عام، إلا أنَّ إجراء الاختبار ذاته بعد أخذ فترة راحة تعادل 20 دقيقة يفضي إلى درجات توازي درجات الطلاب الذين يقضون ثلاثة أسابيع إضافية في الفصول الدراسية"، وقد كانت هذه النتائج ذات فوائد أكثر على أولئك الأطفال الذين يعانون من ضعف في الأداء عادةً.

ومهما بدا أنَّه لا جدوى من أخذ استراحة قصيرة في أثناء اليوم وأنَّها غير ذات أهمية، إلا أنَّ ذلك غير صحيح، لأنَّها قادرة على إحداث تغيير في حياتك، فتخيَّل كيف يمكِن لهذه الاستراحة القصيرة أن تُحسِّن من أدائك في العمل وتؤثِّر فيك إيجابياً حين تواظب على هذا المنوال لثلاثة أشهر وتدرجه ضمن عاداتك اليومية، وبذلك تصبح ناجحاً في كل ما تفعله، وتُحقِّق نتائج باهرة مقارنة بأولئك الذين لم ينعموا باستراحة قصيرة.

ولهذا السبب ذكر "بينك" (Pink) أنَّ أخذ استراحة قصيرة قبل إجراء اختبار يُحسِّن من درجات الطلاب، مما يخلق مجتمعاً أكثر ثراءً وثقافةً؛ وبالتالي ينبغي عدم إهمال تلك النقطة.

الخلاصة:

لا يملك أحد قوة إرادة لا محدودة، ولا يستطيع أحد التركيز لمدة ثماني ساعات متواصلة؛ لأنَّنا جميعاً بحاجة إلى أخذ فترة استراحة للاسترخاء وإعادة تجديد طاقتنا.

وعليك فهم أنَّ رحلة النجاح طويلة؛ ولذا عليك تنظيم محطات صغيرة للاستراحة وإعادة شحن طاقتك قبل أن تحرز تَقدُّماً آخر.

المصدر




مقالات مرتبطة