أهم الاضطرابات التنفسية عند حديثي الولادة
تُعَدُّ الأمراض أو الاضطرابات التنفسية من الأمور كثيرة الحصول عند حديثي الولادة؛ لأنَّ الوليد يمر بمراحل عدة ينتقل فيها من الحياة في داخل الرحم إلى العملية التنفسية الطبيعية.
من الشائع أن تترافق هذه التغيرات التنفسية مع اضطرابات أخرى في الجهاز القلبي الوعائي والجهاز الدوراني، الذي يمر بكثير من التغيرات أيضاً؛ إذ يتحول الدوران الجنيني إلى الدوران الطبيعي.
تكثر كذلك الاضطرابات التنفسية عند حديثي الولادة؛ لأنَّ المراكز العصبية التي تنظم عملية التنفس تكون غير مكتملة النضج، فيحدث ما ندعوه نوبات توقف التنفس.
ما هي الأسباب المؤدية إلى اضطراب الوظيفة التنفسية عند حديثي الولادة؟
- مشكلة تعوق دخول الهواء: وقد تكون من منشأ عصبي مثل نوبات توقف التنفس، أو قد يكون السبب رئوياً مثل الريح الصدرية أو الانخماص الرئوي.
- خلل على مستوى تبادل الغازات: كما في تناذر الرئة المبلولة أو ما يسمى بالرئة المبلولة وداء الأغشية الهلامية، وسوء التصنع القصبي الرئوي.
- مشكلة تعوق عملية التروية الدموية للرئة: مثل تشوهات القلب الخلقية وارتفاع الضغط الشرياني.
- مشكلة على مستوى نقل الأوكسجين إلى الخلايا: على سبيل المثال: انحلال الدم أو فقر الدم أو سوء وظيفة القلب.
ما هي أعراض الاضطرابات التنفسية عند حديثي الولادة؟
عموماً، هي أعراض العسرة التنفسية مثل تسرع عملية التنفس لتكون أكثر من 60 حركة تنفسية في الدقيقة الواحدة، والسحب فوق القص أو السحب الوربي أو الشرسوفي، الأنين الزفيري، حركة خنابتي الأنف، الزراق.
1. تناذر الشدة التنفسية:
يسميه الأطباء أيضاً داء الأغشية الهلامية، وهو أكثر أسباب العسرة التنفسية عند الأطفال الخدج؛ إذ إنَّه في غالب الحالات يصيب الخدج الذين وُلِدوا قبل الأسبوع 32 الحملي.
ويكمن السبب الرئيس لداء الأغشية الهلامية في نقص السورفكتانت في الأسناخ الرئوية؛ وهذا يؤدي إلى انخماص هذه الأسناخ، ومن ثمَّ مشكلة في التبادل الغازي؛ الأمر الذي يؤدي إلى حدوث العسرة التنفسية.
ما هي الآلية المرضية لتناذر الشدة التنفسية؟
في الوضع الطبيعي، توجد مادة السورفكتانت على الوجه الداخلي للأسناخ الرئوية، وتُعَدُّ هذه المادة ذات طبيعة شحمية بروتينية تعمل على زيادة قوى التوتر السطحي؛ إذ تمنع انخماصها وتبقيها متوترة أو منتفخة من أجل مرور الهواء داخلها، ولكن في حال نقصان السورفكتانت، كما يحصل عند الخدج، تنخمص الأسناخ الرئوية، وتتجمع السوائل فيها وتتأذى بشدة؛ وهذا يسبب نقصاً في التهوية الرئوية، ويضر بعملية التبادل الغازي.
من الممكن أيضاً أن نرى نقص السورفكتانت عند وليد الأم السكرية، وفي حالات نقص الأكسجة حول الولادة.
تحت المجهر، يمكننا أن نشاهد انخماصات مجهرية منتشرة، مع توذم الشعريات الدموية، وبعد 8 ساعات، قد نرى أغشية هيالينية منتشرة حمضية التلون، وقد نرى نزفاً، وبعض السائل الأمنيوسي في الأسناخ، مع التهاب منتشر وانتفاخ في المادة الخلالية.
ما هي أسباب تناذر الشدة التنفسية؟
- ولادة الطفل قبل الأسبوع 32 الحملي.
- حدوث الحماض، ونقص الأكسجة أو الاختناق، والبرد الشديد، والعدوى البكتيرية، كلها تسبب نقص تصنيع السورفكتانت.
- وجود الداء السكري عند الطفل، أو قصور الدرق الخلقي؛وهذا يسبب تأخراً في نضج الرئة.
- الفتق الحجابي الذي يضغط على الرئة ويعوق نموها.
- دخول السوائل إلى الأسناخ، والتوذم وحدوث النزف، كلها عوامل تقلل من تصنيع السورفكتانت.
- توجد عوامل وراثية أيضاً مثل الذكور، كما أنَّ العرق الأبيض يصاب أكثر من غيره.
- تزيد الولادة القيصرية من الإصابة، بسبب عدم وجود شدة، ومن ثمَّ عدم تحريض الكورتيزونات.
ما هي أعراض تناذر الشدة التنفسية؟
قد تظهر العلامات مباشرة بعد الولادة، وقد تتأخر ساعة أو أكثر، وهنا يحتاج الوليد في أغلب الحالات إلى إنعاش.
لنستعرض معاً أبرز مظاهر العسرة التنفسية عند الوليد:
- زيادة عدد مرات التنفس أكثر من ستين مرة في الدقيقة.
- علامات السحب فوق القص، وسحب وربي.
- حركة غير عادية لخنابتي الأنف.
- الأنين الواضح.
- تكون الأصوات التنفسية بالسماعة الطبية طبيعية، ولكن قد نسمع خراخر ناعمة في أثناء الشهيق.
- تُظهر صور الصدر الشعاعية اليسيرة انخماصات منتشرة بشكل شبكة حبيبية تشبه مظهر الزجاج المبرغل.
- في التحاليل المخبرية، يرتفع تركيز غاز ثنائي أوكسيد الكربون في الدم الشرياني، وينخفض تركيز الأوكسجين، وتزداد حموضة الدم وينقص بروتينه، ويرتفع تركيز البوتاسيوم.
علاج تناذر الشدة التنفسية:
من الأفضل أن تُعالَج الشدة التنفسية في العناية المشددة الخاصة بالولد؛ إذ يُزوَّد الوليد بالأوكسجين عالي التركيز بحسب تركيز الأوكسجين في الدم الشرياني، ويجب الحرص على ألَّا يتجاوز ضغط الأوكسجين في غازات الدم الشرياني حاجز 160 ميليمتراً زئبقياً، من أجل تجنب حدوث التليف خلف البلورة.
يُمنَع منعاً باتاً تغذية الطفل بأيِّ شيء عبر الفم؛ إذ يُعطى السوائل الوريدية السكرية غالباً، ويتم إصلاح الحماض من خلال تزويد الجسم بـ بيكربونات الصوديوم، ومن الممكن أن نلجأ أيضاً إلى جهاز التهوية الآلية.
إنَّ العلاج النوعي لهذه الحالة هو مادة السورفكتانت داخل الرغامى، غير أنَّ هذا الدواء باهظ الثمن، ومن الممكن أن يسبب نزفاً رئوياً.
كيف يمكن الوقاية من تناذر الشدة التنفسية؟
يُعَدُّ منع حدوث الخداجة حجرَ الأساس في الوقاية، ويكون ذلك من خلال الحرص على أن تكون الولادة في مستشفى مجهز من أجل تجنب نقص الأكسجة، وكذلك معالجة الأم التي تعاني من السكري، وتدفئة الطفل للوقاية من أذيات البرد، والوقاية من مشكلات الوهط القلبي الدوراني والحالات المؤدية إلى الحماض، ويمكن أيضاً إعطاء الديكساميتازون للحامل لتحريض إنتاج السورفكتانت؛ إذ إنَّ إعطاءه بعد الولادة لا يفيد.
كما يجب التنويه إلى أنَّ جهاز التهوية الآلية قد يسبب ذات الرئة، والاسترواح الصدري، والنزف الدماغي ضمن البطينات، وعسر التصنع القصبي.
2. الزلة التنفسية العابرة (Transient Tachipnoea of Newborn):
تسمى أيضاً "تناذر الرئة المبلولة" (Wet Lung Syndrome)، وهي عبارة عن عسرة تنفسية تصيب حديثي الولادة بتمام الحمل، ومن الممكن أيضاً أن تصيب الحامل، فتزيد هذه الزلة بشكل مُترقٍّ خلال الساعات الأولى عقب الولادة؛ وذلك بسبب استنشاق الطفل للسائل الأمنيوسي وتراكمه في الرئة.
تتظاهر الرئة المبلولة بتسرع في عدد مرات التنفس يصل حتى 100 حركة في الدقيقة الواحدة، مع ظهور علامات السحب القصي والأنين ورقص خنابتي الأنف، من الممكن ملاحظة زرقة تستمر يوماً أو يومين ثم تزول بشكل عفوي.
تُعالَج الرئة المبلولة من خلال إعطاء الأوكسجين والمدرات البولية من أجل تسريع الشفاء؛ إذ تُشخَّص الحالة بدايةً من خلال رئوية الكثافات الخطية الهلالية على الصورة الشعاعية اليسيرة، ومن خلال ظهور العلامات السريرية المذكورة آنفاً.
3. تناذر استنشاق العقي:
هو دخول السائل الأمنيوسي الذي يحوي على العقي (براز الجنين) إلى الطرق التنفسية، وتحدث هذه الحالة في الحمل المديد، وقصور وظيفة المشيمة، ونقص الأكسجة حول الولادة.
من خلال الإيكو، نلاحظ عند الجنين تنفساً سطحياً في الحالات الطبيعية، أمَّا في حالات التألم الجنيني، فنلاحظ أنَّ حركات التنفس تكون عميقة؛ إذ يخرج العقي ويسد الطرق التنفسية، ومن ثمَّ انخماص الأسناخ الرئوية.
في تناذر استنشاق العقي، يكون الجنين مغطى بستارة خضراء من العقل، وبالسماعة الطبية نسمع خراخر رطبة، وفي الحالات الشديدة، يمكن أن يحدث قصور القلب، ومن ثم وفاة الطفل.
يُعالَج استنشاق العقي من خلال سحب المفرزات قبل أن يقوم الوليد بأول تنفس، ومن ثم نجري التنبيب الرغامي، ونقوم بغسل القصبات بشكل متكرر حتى تصبح خالية من العقي، ومن الممكن أن تتطلب الحالة جهاز التهوية الآلية، وكذلك لا ننسى الصادات والأوكسجين والوسائل الوريدية.
4. ذات الرئة عند حديثي الولادة (Pneumonia):
ذات الرئة الولادية، أو ما يسمى أيضاً بذات الرئة داخل الرحم، تكون غالباً ذات سبب فيروسي، وتظهر خلال الأيام الأولى بعد الولادة؛ إذ يساعد على حصولها أمور عدة، مثل تمزق جيب المياه في وقت باكر، فضلاً عن المخاض الطويل، وإصابة الحامل بالعدوى، والحمل المديد.
يمكن تصنيف ذات الرئة الولادية إلى نوعين:
- ذات الرئة المبكرة: وهي التي تحصل خلال أول يومين من الولادة، وتسببها الإيكولاي أو الكليبسيلا أو العقديات.
- ذات الرئة المتأخرة: وهي التي تحصل بعد يومين من الولادة؛ ويكون السبب في الغالب هو عدوى من المستشفى.
في حال وجود ذات الرئة عند حديثي الولادة، نلاحظ علامات الشدة التنفسية، وأعراض إنتان عام، فيكون السعال دائماً في البداية، ومن الممكن أن نسمع خراخر فرقعية وفقاعية أو تنفساً نفخياً.
تُشخَّص ذات الرئة عند حديثي الولادة من خلال الصورة الشعاعية؛ إذ نرى كثافات ذات حدود غير واضحة ومظهر فقاعي غير متناظر غالباً، مع انصباب جنب خفيف. ومن خلال التحاليل المخبرية، يمكن أن نلاحظ ارتفاعاً في تعداد الكريات البيضاء، ونقصاً في الصفيحات، وارتفاعاً في الشعرات الالتهابية.
تُعالَج ذات الرئة من خلال إعطاء السيفالوسبورينات والصادات الحيوية الأخرى؛ وذلك بحسب معطيات الزرع والتحسس، وفي حال ظهور ذات الرئة في الأيام الأولى، فذلك يجعل الإنذار سيئاً.
في الختام:
إنَّ أيَّ عرض عند الوليد قد يكون قنبلة موقوتة؛ لذا يجب على وجه السرعة إخبار طبيب الأطفال المختص؛ ذلك لأنَّ أجهزة الجسم لديه تكون ضعيفة، ومنها الجهاز المناعي، الذي يكون ضعيفاً في بداية حياته، وأيَّة جرثومة أو فيروس يستطيع الوصول إلى أيِّ مكان في جسمه، كالجهاز العصبي والدماغ.
دمتم أنتم وأطفالكم بخير وصحة وعافية.
المصدر: مقرر طب الأطفال جامعة طرطوس - سوريا.