أنا أستمتع بالعمل والتعلم، لكن بشروطي

من أصعب الأسئلة في الحياة هو سؤال "ماذا تريد أن تفعل في حياتك؟" خاصة عندما لا تكون لديك فكرة عما تريد القيام به أو أنَّك تمر بمرحلة انتقالية، فلا أستطيع أن أخبرك كم مرة أخفقتُ في الإجابة عن هذا السؤال، ومن الصعب أيضاً الرد على هذا السؤال حتى عندما تعرف ما تريد فعله في حياتك ولكنَّك لم تفعل ذلك بعد؛ لأنَّك لا تعرف كيفية تحقيق ذلك.



إنَّها مفارقة أليس كذلك؟ أنت لست صادقاً مع نفسك لأنَّك لم تمنح نفسك الحرية بأن تكون على طبيعتها الحقيقية، وهذا ليس شعوراً ممتعاً بكل تأكيد، فلن تجيب أبداً عن هذا السؤال بثقة حتى تخصص وقتاً للبدء بالتعرف إلى نفسك بشكل منهجي، فهل أنت جاهز للبدء بالتعرف إلى نفسك الآن؟

لكن كيف تبدأ برحلة "التعرف إلى نفسك"؟ إنَّه موضوع كبير وطويل؛ لذا قد يكون البدء به صعباً، فإذا كنت تشعر بالضياع فسوف يوضح لك هذا المقال كيفية التعرف إلى نفسك.

ما هي أول خطوة في طريق تغيير حياتك؟

توجد أسباب لا حصر لها تجعل الناس يريدون تغيير حياتهم، فقد يكون لديك دافع لسد الديون، أو أن تصبح مستقلاً مادياً، أو تكتسب المزيد من السيطرة على حياتك، أو تقضي المزيد من الوقت مع العائلة، أو تسافر أكثر، أو تركز أكثر على شغفك، أو تقلل من توترك.

بصرف النظر عن دوافعك، أعتقد أنَّ عملية تغيير حياتك تبدأ بجعل عملك يعمل من أجلك، ولفهم الطريقة التي تريد أن تعمل بها، عليك أولاً التعرف إلى نفسك، إنَّه أهم موضوع لم تتعلمه أبداً.

يحاول معظم الناس تصميم نمط حياتهم من خلال تصميم أنفسهم ليشبهوا شخصاً آخر، ولكنَّ هذا خاطئ تماماً، وأعتقد أنَّ تصميم نمط حياة خاص بك يدور حول قبول هويتك ومواءمة احتياجاتك مع أهدافك، وليس نسخ بعض الخبرات أو التجارب عبر الإنترنت أو بناءً على نصائح "خبير" في تصميم نمط الحياة.

فكلما تعلمت المزيد عن نفسك ستكون أكثر جاهزية لتصميم نمط حياة فريد ومناسب لقيمك واحتياجاتك وقدراتك ودوافعك، وخاصةً إذا كنت تفكر في العمل على نفسك، فأنت بحاجة إلى التعرف إلى نفسك أولاً، فلا أستطيع أن أخبرك عن عدد رواد الأعمال الذين يبنون أعمالاً بحثاً عن المزيد من الحرية، لكن ينتهي بهم الأمر في أماكن بائسة جداً؛ لأنَّهم أسسوا مشروعاً تجارياً يتماشى مع احتياجات عملهم.

ما هي أهم الموضوعات التي يجب عليك معرفتها من أجل بناء نمط حياة ناجح؟

حياتك موضوع ضخم وواسع، وهناك الكثير لتعرفه وتتعلمه، وفيما يأتي "الموضوعات" الرئيسة التي أعتقد أنَّك بحاجة إلى معرفتها لبناء نمط حياتك:

  1. إنتاجيتك الشخصية.
  2. سؤال نفسك "لماذا".
  3. تحديد مجموعة القيم الخاصة بك.
  4. معرفة دوافعك.
  5. تعلُّم كيف تتعلم.

1. ما هي الإنتاجية الشخصية؟

كيف تريد العمل؟ وماذا كنت تريد أن تفعل في العمل؟ ولماذا تعمل؟ لقد تعلمنا جميعاً أن نعمل بطريقة قد لا تبدو طبيعية بالنسبة إلينا بصفتنا أفراداً، وأعتقد أنَّ معظمنا لا يحبون العمل لأنَّنا لا نعمل بطريقة مناسبة لنا، على سبيل المثال، تمتد فترة الذروة في العمل بالنسبة إليَّ نحو الساعة 7 صباحاً حتى 12 ظهراً كل يوم، فأنا أفضل مزيجاً من العمل وحدي والتعاون مع الآخرين، وأريد أن تستند قيمة عملي إلى جودة العمل الذي أقوم به، وليس مقدار الوقت الذي "أقضيه" في مكان العمل.

إضافة إلى ذلك، أحتاج إلى قضاء ساعة على الأقل كل يوم في أداء نشاط بدني بالخارج مثل المشي أو العمل في الفناء أو التجديف لتنشيط نفسي، وأريد أيضاً حرية تقرير مقدار الوقت الذي أقضيه مع عائلتي.

شاهد بالفديو: 10 طرق لزيادة الإنتاجية في العمل

2. أنا أريد أن أعمل لكن وفق شروطي:

الاحتياجات التي ذكرتها آنفاً هي العناصر الضرورية لتحسين "إنتاجيتي الشخصية"؛ فإنَّها ليس ما يجعل الجميع منتجين، ولكنَّها تجعلني منتجاً، وعلى الأرجح ستكون عناصر إنتاجيتك الشخصية مختلفة عن الآخرين أيضاً، فلن أكون صاحب إنتاجية عالية إذا اضطررت إلى إنفاق معظم طاقتي في محاولة مواءمة أسلوب عملي مع معيار واحد يناسب الجميع، ومن أكثر التجارب استنزافاً في حياتي كانت العمل وفق ظروف لا تتوافق مع احتياجات إنتاجيتي.

اعتقدت ذات مرة أنَّ الإنتاجية تعني إنجاز المزيد في وقت أقل، كما اعتقدت أنَّ إدارة وقتي بفاعلية هي مفتاح إنتاجيتي، وأنا أدرك الآن أنَّ مفتاح إنتاجيتي يدور حول كيفية إدارة طاقتي المحدودة، وكان هذا من أهم العوامل التي دفعتني إلى اتخاذ قرار العمل بما يتماشى مع احتياجاتي وطاقتي.

فقد يكون لدي 10 ساعات في اليوم للعمل، ولكنَّني أدرك الآن أنَّ لدي 3 إلى 4 ساعات فقط من الطاقة لإنشاء عمل عالي الجودة، فصدق أو لا تصدق، أقضي الآن وقتاً أقل في العمل مما كنت أقضيه في المكتب، ومع ذلك فأنا أكثر إنتاجية، وأنا مدين بذلك لتعلُّم ما جعلني منتجاً شخصياً.

3. سَل نفسك "لماذا":

قد يكون سؤالاً بسيطاً للغاية، لكن من الصعب على الكثير منا الإجابة عنه، فهل تساءلت يوماً لماذا؟ أعتقد أنَّ هذا السؤال يسبب لنا الكثير من المعاناة؛ وذلك لأنَّنا بصفتنا مخلوقات اجتماعية لا نحب أن نخيب آمال الآخرين، ونريد أن نشعر بالقبول ونحن متحمسون لذلك ونتوق إليه دائماً ولا نستطيع العيش دون أن نمارسه من حين إلى آخر، فالناس لا تحب أن يسألها أحد لماذا أو كيف؛ بل البشر يحبون أن توافقهم الرأي ليس إلا.

ماذا وراء سعيك إلى المال؟ ولماذا تعمل؟ ومن بين جميع الخيارات المختلفة للعمل، لماذا تقوم بالعمل الذي تقوم به؟ فإذا كنت ترغب في تصميم حياتك حول العمل الذي طالما رغبت في القيام به، يجب أن تكون واضحاً بشأن "لماذا"؛ أي الغرض الخاص أو السبب الذي يدفعك للعمل كل يوم.

إذا لم تكن متأكداً تماماً مما تريد القيام به، فاسأل نفسك لماذا لا أريد القيام بالعمل الذي أقوم به الآن؟ وما هي الجوانب التي تستمتع بها والتي لا تستمتع بها؟ لقد طورت عادة سؤال نفسي "لماذا" عن أي شيء أنا على وشك القيام به أو أفكر في القيام به، ولقد كانت واحدة من أسهل عادات الوعي الذاتي وأكثرها فاعلية بالنسبة إليَّ.

فهذا السؤال البسيط يوقفني قليلاً وأنا في الطريق إلى هدفي؛ لذا يمكنني أن أتوقف لحظة للتأكد من أنَّ قراري يتماشى مع احتياجاتي وهدفي النهائي من كل هذا السعي، فلا أستطيع أن أخبرك كم من الوقت والطاقة والقلق وفَّره عليَّ هذا السؤال البسيط، وبمجرد أن تعرف "لماذا"، ستتدفق جميع قراراتك وأفعالك لتصميم نمط حياتك المثالي.

4. ما هو دور قيمك الشخصية في تحديد شكل حياتك وعملك؟

ما هو الهام بالنسبة إليك؟ وما هو نوع العمل الذي ترغب في القيام به؟ قيمك هي رموزك الشخصية التي تستخدمها لتوجيه أفعالك وردود أفعالك على الظروف المتنوعة، فإنَّها توفر لك مجموعة من المعايير التي تشرف على تصميم حياتك وعملك، قد تكون قيمك هي أساس إنتاجيتك الشخصية.

فإحدى قيمي الأساسية، تفضيل الخبرات على الممتلكات المادية، وعندما أكون على وشك شراء منتج مادي، أفكر دائماً في كيفية توظيفه لتعزيز تجاربي وخبراتي دون الانتقاص منها.

أنا أيضاً أقدِّر البساطة ولا أبحث بالضرورة عن الطريق السهل للوصول إلى القمة بسرعة؛ بل أبحث عن أفعال تحقق أفضل استفادة من وقتي وطاقتي، وأنا أبحث باستمرار عن طرائق لتقليل عدد القرارات التي أحتاج إلى اتخاذها كل يوم أو عدد الخطوات اللازمة للوصول إلى هدفي.

إقرأ أيضاً: كيف تحدِّد قيمك الشخصية لتعيشَ حياةً ملؤها الإنجاز؟

5. ما الذي يجعلك متحمساً للقيام بأمر ما دون إكراه؟

إذا كنت تريد العمل لنفسك، عليك أن تفهم بوضوح مصادر تحفيزك، فهل هو المال؟ أم العمل مع الآخرين؟ أم قضاء المزيد من الوقت مع العائلة؟ أم منافسة؟ أم مساعدة الآخرين؟ أم حل مشكلة كبيرة؟ فدوافعك هي كيف تعيش وتتصرف وفقاً لقيمك، فيجب عليك أن تَعُدَّها رئيسك الجديد، وستحتاج أيضاً إلى معرفة كيفية تسخير قوة دوافعك لتزويدك بمصدر مستدام للطاقة في أثناء بناء أسلوب حياتك الذي تريده وتطمح إليه.

شاهد بالفديو: 9 استراتيجيات فعّالة لتحفيز ذاتك عندما تفتقد إلى الحماس

6. كيف تحب أن تتعلم؟

ربما تحب أن تجرب وتتعلم من أخطائك، أو ربما لديك دافع مختلف تماماً؛ إذ يتعلم معظم الناس بشكل أفضل عندما يكونون في مجموعات متعاونة؛ لذا فإنَّ إجبارهم على الجلوس وحدهم للعمل في مهمة ما، سيكون بمنزلة تعذيب، على سبيل المثال، القراءة هي شكل مخيف من التعلم بالنسبة إلى بعض الناس؛ لذلك يفضلون الاستماع للدروس أو المحاضرات الصوتية، وقد تكون متعلماً بصرياً وتحتاج إلى رؤية المفاهيم مرسومة وعرضها في سياقات مختلفة.

قد تكون الشهادة الرسمية التي يقودها مدرب هي الشيء الذي تحتاجه لتعلُّم مهارة جديدة، أو ربما تستطيع التعلم بمرونة أكبر من خلال مشاهدة سلسلة من مقاطع الفيديو على (YouTube)، فلا تهم الطريقة التي تختارها إذا كانت تتماشى مع دوافعك وأسلوب التعلم الخاص بك.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح تساعدك على الاستفادة من أخطائك

في الختام:

عندما تعطي شخصاً إجابة تعتقد أنَّه يريد أن يسمعها، فأنت ترضي مشاعرك بالقبول الاجتماعي، لكن قد ينتهي بك الأمر بخيبة أمل شخص ما، هو أنت نفسك؛ لذا نصيحتنا لك في نهاية هذا المقال هي أن تراعي نفسك دائماً وتحترمها؛ وذلك لأنَّها هي الوحيدة التي ستبقى لك عندما يرحل الجميع.

المصادر:

  • 1.
  • كتاب العادات السبع الأكثر فعالية /ستيفن كوفي.




مقالات مرتبطة