أمثلة على مهارات الذكاء العاطفي في العلاقات والعمل والحياة

لا يمكن أن نتجاهل مدى انتشار مصطلح الذكاء العاطفي بيننا في هذه الأيام، وهذا ليس غريباً طالما أنَّ الذكاء العاطفي يُعَدُّ عاملاً من أهم عوامل نجاح الفرد في مختلف جوانب الحياة؛ إذ تعج أيامنا بكثير من أمثلة الذكاء العاطفي واستخداماته؛ سواء من خلال تأثير الذكاء العاطفي في العلاقات الأسرية أم العلاقات العامة أم تأثيره في تربية الأبناء، كما توجد أمثلة عن الذكاء العاطفي في التعليم والعمل أيضاً، ولقد باتت معدلات الذكاء العاطفي لدى الفرد معياراً أساسياً يمكن أن نقيس عليه مدى كفاءَة الفرد وجودة حياته في مختلف الأصعدة، وفي مقالنا هذا سنستعرض معاً عزيزي القارئ أمثلة عن الذكاء العاطفي وأثره في مختلف جوانب الحياة.



قصص وأمثلة عن مهارات الذكاء العاطفي:

أولاً: الذكاء العاطفي في الحب

عندما يتعلق الأمر بعلاقة الحب، لدينا جميعاً قائمة بالأمنيات الشخصية والصفات التي نريدها في الحبيب، إلَّا أنَّ مهارات الذكاء العاطفي تُعَدُّ مفتاحاً رئيساً للنجاح والاستمرار في هذه العلاقة؛ إذ يجب على كلا الشريكين العمل بنشاط على ممارسة ذكائهما العاطفي (EQ)، والعمل على اكتساب تلك المهارات، من أجل الحصول على أكبر فرصة للعلاقة.

من الشائع بالنسبة إلينا وفي علاقة الحب أن تكون لدينا "قائمة مرجعية" لما نبحث عنه في شخص آخر هام، وغالباً ما يكون الذكاء العاطفي مفقوداً في هذه القائمة، على الرغم من أنَّ مهارات الذكاء العاطفي يجب أن تكون على رأس الأولويات في تلك القائمة التي نريدها في الشريك أو الحبيب.

من الرائع أن يكون لديك حبيب ذكي يتمتع بمعدل ذكاء عاطفي مرتفع، فإنَّ مواعدة شخص لديه معدل ذكاء مرتفع يُعَدُّ أمراً مميزاً جداً، وخلصت دراسة بحثية - أُجريَت عام 2001 بعنوان "الذكاء العاطفي والعلاقات بين الأشخاص" بقيادة الدكتورة نيكولا شوت وفريقها البحثي - إلى بعض النتائج المثيرة للاهتمام؛ إذ وجدت الدراسة رضى زوجياً أعلى لدى الأزواج الذين وصفوا بعضهم بعضاً بأنَّهم أذكياء عاطفياً، وقد دلَّت تلك الدراسة بشكلٍ جلي على أنَّ مهارات الذكاء العاطفي تُعَدُّ أمراً بالغ الأهمية في العلاقات.

ويوجد شقَّان للذكاء العاطفي وهما إدراك مشاعرك "ملاحظة ماهيتها ومعرفة كيفية إدارتها" بالإضافة إلى إدراك مشاعر الآخرين "المتعاطفين"، ويمكن القول إنَّ الشخص الذكي عاطفياً يملك "حاصلاً عاطفياً" أو (EQ) مرتفعاً، فإن كنتَ ترغب في علاقة سعيدة وطويلة الأمد، فلا شك في أنَّ العثور على شريك يتمتع بذكاء عاطفي عالٍ سيساعدك على تحقيق أهداف علاقتك، ولا توجد علاقة مثالية، لكن عندما يكون معدل ذكائك أنت وشريكك مرتفعاً، يمكنكما إدارة الصعود والهبوط معاً بشكل أفضل، ويمكن أن تحلَّا النزاعات معاً بشكل أفضل وتتواصلا بشكل أفضل.

شاهد بالفيديو: أسس الذكاء العاطفي بين الزوجين

ثانياً: الذكاء العاطفي في العلاقات

إنَّ النجاح في عالمنا المعاصر مقرون بمدى نجاح المرء في إدارة علاقاته بشكل صحيح؛ إذ يمكن تعزيز إدارة العلاقات الشخصية من خلال الذكاء العاطفي، وتُشير الدلائل إلى أنَّ الأشخاص الذين لديهم مستويات أعلى من الذكاء العاطفي يقودون وظائف أكثر نجاحاً ويرعون علاقات أفضل من أولئك الذين لديهم ذكاء عاطفي منخفض، كيف لا إن كان تعريف الذكاء العاطفي أنَّه القدرة على فهم المشاعر الخاصة ومشاعر الآخرين، والقدرة على تنظيم وإدارة هذه المشاعر، ومن خلال هذا التعريف يمكن لنا أن ندرك مدى أهمية مهارات الذكاء العاطفي في بناء وتعزيز العلاقات مع الآخرين.

ويُعَدُّ الوعي الذاتي مهارة من أهم مهارات الذكاء العاطفي التي تساعدنا على التحكُّم بمشاعرنا وزيادة قدرتنا على التأقلم، وفي العلاقات توجد العديد من الأسئلة التي نطرحها على أنفسنا؛ على سبيل المثال: هل أدَّبتُ طفلي بشكل صحيح؟ هل يمكنني قبول أنَّ شريكي يتمتع بعقلية مهنيَّة ويقضي الكثير من الوقت في العمل؟ هل من العدل أن يقضي شريكي وقتاً أطول في ملعب الجولف مقارنةً بالمنزل؟ عملية الوعي الذاتي بسيطة.

تؤدي محدودية الوعي إلى تشتيت الانتباه والحجج وضعف العلاقة؛ لذلك يمكن أن يؤدي الفهم الواضح والقدرة على مناقشة الأمور إلى علاقات أفضل، وسيكون أحد الاقتراحات لزيادة الوعي الذاتي هو مناقشة الخطط في بداية كل أسبوع، ويُعَدُّ التأمل الذاتي أيضاً أداة مفيدة لزيادة الوعي الذاتي، أمَّا من حيث الجوهر، فيؤدي الوعي الذاتي المتزايد إلى توازن أفضل بين الأسرة والعمل والحياة الاجتماعية.

كما يرتبط مفهوم التنظيم الذاتي بالذكاء العاطفي، والذي يتعلق بفهم كيفية تفاعل جسمك مع المشاعر؛ إذ يمكن تصنيف المشاعر على أنَّها إيجابية أو سلبية، وتوفر المشاعر الإيجابية للناس تأكيدات تؤدي إلى زيادة الاتجاه والتركيز، والأشخاص الذين يعانون من مشاعر إيجابية سيكونون بشكل عام أكثر سعادة ويشعرون بالتوازن العقلي.

تغذي المشاعر السلبية الجسم بمشاعر اليأس والتوتر والقلق وحتى الاكتئاب، وهذه القضايا تدفع الناس إلى فقدان السيطرة؛ لذلك يجب على الناس محاولة تنظيم شعورهم والتعرُّف إلى مشاعر شركائهم، ويُعَدُّ تنظيم مشاعرك هاماً؛ وذلك لأنَّ العلاقات تتقلب بين السعادة والحزن.

ويُعَدُّ التعاطف من أهم عناصر الذكاء العاطفي التي يجب على المرء التمتُّع بها؛ فهو ضروري عند دعم بعضنا بعضاً، وقد يكون عدم التعاطف مع من تحب ضاراً ويجب معالجته، والتعاطف هو فهم الاحتياجات والرغبة والتقدير.

لتعزيز التعاطف سيكون من المفيد تحديد احتياجات الشركاء وفحص طرائق تلبيتها، ويجب أن نتساءَل عما إذا كنَّا نفهم احتياجات أحبائنا؛ أي هل نحن قادرون على التفكير فيما يفكرون فيه أو يتصرفونه؟ يجب ألَّا نحاول أن نكون متمركزين حول "أنا"؛ وإنَّما في الواقع يجب أن نتحدث عن "نحن"؛ إذ إنَّ إجراء مناقشات حول كيفية دعم بعضنا بعضاً يعزز الاحتياجات والرغبة التعاطفية.

إقرأ أيضاً: الذكاء العاطفي وأهميته في العلاقات مع الآخرين

ثالثاً: الذكاء العاطفي في التربية

دائماً عندما يفكر الآباء أو المربون في تربية الأبناء، فإنَّ أول ما يخطر في بالهم هو موضوع التعليم والدراسة، إلَّا أنَّه من الهام جداً عدم التقليل من قيمة العافية العاطفية للطفل، ومع توسُّع استخدام مهارات الذكاء العاطفي باتت تلك المهارات جزءاً أساسياً من المناهج الدراسية في مختلف الأنظمة التعليمية حول العالم، ولكنَّ السؤال الأهم الذي يطرح نفسه هو:

كيف يمكن أن يستخدم الآباء والمربون الذكاء العاطفي في تربية الأبناء؟ وكيف يمكن تعزيز تلك المهارات لديهم؟

أولاً وقبل كل شيء يجب على الآباء والمعلمين وأي بالغين يعملون مع الأطفال أن يعطوا أمثلة جيدة عن التواصل الفعال واللطيف والقبول والتفهُّم تجاه جميع الناس؛ وذلك من خلال إيجاد استراتيجيات عملية للتعامل مع ما نشعر به نحن والآخرون؛ وبذلك سنكون أكثر قدرة على تنظيم عواطفنا بدلاً من السماح لهم بتنظيمنا.

على سبيل المثال عندما أريد أن أعلِّم طفلي كيف يشعر بمزيد من المشاعر الإيجابية، علي أن أعلمه كيف يغيِّر ما يفكر فيه؛ مما يغير حالته، وعلِّم طفلك عندما يشعر بقلق أكبر أن ينظر إلى شيء ثابت ويأخذ أنفاساً عميقة بطيئة ومريحة لاستعادة الشعور الإيجابي.

غالباً ما يشعر الأطفال الذين يعانون من اختلافات في التعلُّم بالاختلاف بطريقة ما، وقد يصبحون منفصلين، ومن ثم من الهام أكثر التحقُّق معهم ودعمهم في تعلُّم كيفية إدارة عواطفهم بشكل فعال؛ وذلك من خلال تعليمهم استخدم مفردات دقيقة لوصف مشاعرهم، مع دعم أطفالك أيضاً في تطوير مفردات دقيقة؛ على سبيل المثال بدلاً من القول إنَّك "سعيد" بموقف ما، يمكنك استخدام كلمات مثل "منتشٍ" أو "فوق القمر"، وهذه الدقة في التعبير لا تعطي المحادثة توهجاً من المشاعر المتزايدة فحسب؛ بل تزيد أيضاً من مفردات الطفل، وتُشير الدراسات والأبحاث إلى أنَّ الأطفال الذين تكون لديهم مهارات في الذكاء العاطفي هم أكثر قدرة على التعبير عن عواطفهم، وأكثر قدرة على إجراء مجاراة منطقية لمشكلاتهم، وهم أكثر كفاءَة في العملية التعليمية من غيرهم الذين لا يملكون تلك المهارات.

إقرأ أيضاً: الذكاء العاطفي عند الأطفال: تعريفه، ومقوماته، وأهميته، وطرق تنميته

رابعاً: الذكاء العاطفي في التعليم

كشفت الأبحاث أنَّ الذكاء العاطفي لا يقل أهمية عن الذكاء المعرفي؛ وذلك لأنَّ الطلاب الأذكياء عاطفياً مجهزون بشكل أفضل للتعامل مع المشاعر السلبية التي قد تعطل عملية التعلُّم؛ فعلى سبيل المثال الطلاب الذين يملكون معدلاً مرتفعاً في مهارات الذكاء العاطفي يمكنهم التغلُّب بسرعة على ضغوطات الامتحان والاستمرار في الإجابة عن الأسئلة، كما يمكنهم التغلُّب على الملل والحفاظ على التركيز في أثناء ممارسة عملية التعلُّم.

فلا يكفي أن يكون الطالب ذكياً ومجتهداً؛ وللحصول على ميزة إضافية للنجاح يجب على الطلاب امتلاك مهارة فهم مشاعرهم لكي يتمكنوا من إدارتها، ويُعَدُّ الذكاء العاطفي مفيداً للغاية لموضوعات مثل اللغة الإنجليزية والتاريخ والدراما والفنون الإبداعية؛ إذ تحتاج إلى فهم المشاعر الإنسانية، وعلى مستوى الدراسة الجامعية؛ يتميز الطلاب الجامعيون الذين يتمتعون بمعدل عالٍ من مهارات الذكاء العاطفي بمجموعة من الصفات؛ وهي كالتالي:

  • من المحتمل أن تكون لديهم مستويات أقل من القلق والاكتئاب.
  • من المرجَّح أن يكونوا نشطين اجتماعياً ومشاركين.
  • من المرجَّح أن يكونوا في حالة جيدة ويشعروا بصحة جيدة.
  • كما هو الحال مع المدرسة الثانوية، ستكون لديك أيضاً فرصة أفضل لبناء روابط مع أساتذتك وأقرانك.

شاهد بالفيديو: 7 نصائح ذهبية لتنمية الذكاء العاطفي عند الأطفال

خامساً: الذكاء العاطفي في العمل

مثل كل الجوانب السابقة؛ لا تقل أهمية مهارات الذكاء العاطفي في العمل عن باقي القطاعات الحياتية الأخرى؛ إذ لا توجد مفاجآت هنا، ويستمر الذكاء العاطفي في التأثير في نجاحك بمجرد دخولك القوى العاملة، وهذا ينطبق بشكل خاص على الوظائف التي تنطوي على لقاءات عاطفية "مثل العمل مع العملاء أو قيادة فريق أو التعامل مع النزاعات".

هذا لا ينطبق فقط على الوظائف الدنيا؛ بل حتى كبار قادة الأعمال هم بحاجة إلى استخدام مهارات الذكاء العاطفي لكي يبقوا قادة أعمال، ويُعَدُّ استخدام الذكاء العاطفي مهارة حاسمة لإدارة الفريق، وخاصةً عندما تكون الأوقات صعبة، ووفقاً للعديد من الدراسات، فإنَّ الأشخاص الذين يتمتعون بمعدل عالٍ من الذكاء العاطفي يتميزون بما يلي:

  • أداء أفضل في وظائفهم.
  • تمتع بعلاقات شخصية أقوى.
  • تمتع بصحة عامة ورفاهية أفضل.
  • امتلاك الحافز الشخصي الذي يدفعهم إلى تحقيق ما يريدون من العمل الذي يقومون به.
إقرأ أيضاً: 7 طرق لتنمية الذكاء العاطفي

في الختام:

الذكاء العاطفي ليس شيئاً تشغِّله بين عشية وضحاها؛ بل هو مهارة متطورة تستغرق وقتاً وجهداً واعياً لتطويرها على مر السنين، ومن خلال التفكير في الأمر الآن، فإنَّك تمنح نفسك بداية رائعة في الرحلة للحصول على مستوى عالٍ من الذكاء العاطفي.

بات الذكاء العاطفي سمة رئيسة هامة يبحث عنها الناجحون والمميزون، وانطلاقاً من تلك الأهمية يجب على كل فرد العمل على اكتساب تلك المهارات وتطبيقها على أرض الواقع لتحقيق النجاحات في مختلف جوانب الحياة.




مقالات مرتبطة