أعمال الخير وتأثيرها الإيجابي في حياتنا

هل سبق ومررت بلحظاتٍ شعرت فيها أنَّك في المكان الذي يُفترَض أن تكون فيه؟



ملاحظة: يتحدَّث هذا المقال عن تجربةٍ شخصيَّةٍ للأخصَّائية في العلاقات العامَّة والمدونة: "ميغان نيكول أونيل" (Megan Nicole O`Neal)، والتي تحدِّثنا فيه عن أعمال الخير وتأثيرها الإيجابي في حياتنا.

حدث ذلك الأمر معي بينما كنت أمشي خمسين ميلاً لدعم أمي في ماراثونٍ أُقيم لصالح مرضى التصلب اللويحي (MS)، وكانت قد أُصِيبت بهذا المرض في عام 2008. وفي كلِّ سنةٍ تقريباً، كنت أتودَّد إلى أصدقائي وعائلتي لجمع التبرعات بما يقارب 2.500 دولارٍ، وهو الحدُّ الأدنى لقبول مشاركتي في هذا السباق. من ثمَّ تقدَّمت بعددٍ هائلٍ من الأميال في وقتٍ قصيرٍ جداً، لقد قطعت 450 ميلاً من أجل أمي.

يمكنك أن تتخيَّل أنَّ بعد 32 ميلاً يصبح من الصَّعب جدّاً أن تجد مكاناً في جسدك لا يؤلمك. في ذلك اليوم الحار والمشمس في سان دييغو، قمنا أنا وعمَّتي بأخذ استراحةٍ في مقهى، آملين أن تعزِّز القهوة طاقتنا لفترة ما بعد الظَّهيرة في الأميال المتبقيَّة؛ وعندما طلبنا الحساب أخبرتنا النَّادلة أنَّ الذين كانوا يجلسون خلفنا قاموا بتسديد المبلغ كشكرٍ لنا على مشاركتنا في الماراثون. لقد أثَّر ذلك الموقف بي كثيراً.

مع مرور الزمن، أدهشني وعائلتي قدرة المسير السنوي على تغيير حالنا بعد معرفة نتيجة التشخيص الصَّادمة، بالإضافة إلى تحفيزه الكبير لي في وضع هدفٍ لحياتي، حيث قرَّرت في السنة الماضية أن أترك عملي وأنضمَّ إلى الجمعيَّة الوطنيَّة لمرضى التَّصلب اللويحي؛ ولعلَّ ما أثلج صدري مصادفتي لشخصٍ غريبٍ لم أكن أعرفه من قبل، ومساعدته لي في رحلة البحث عن علاجٍ لوالدتي. لو يدرك هؤلاء الغرباء وقع مبادراتهم اللطيفة تلك على أنفسنا.

جعلني ذلك أتذكَّر مصطلح "تأثير الفراشة"؛ أصل ومنشأ "نظريَّة الفوضى"، والتي تطرح فكرة كيف أنَّ فِعلاً صغيراً قد يكون قادراً على أن يغيِّر الطَّريقة التي يتجلَّى بها التاريخ مع مرور الأيام وبشكلٍ مضاعفٍ. ماذا إن فعلت الأعمال الخيِّرة فعلها بالنَّهج نفسه؟

انتاب "ماركوس أنور" (Marcus Anwar) -أحد مؤسِّسي شركة (Classified Canada)- شعوراً بالقلق عندما كان يقف في طابور الدفع، ظنَّاً منه أنَّه قد لا يملك المال الكافي لدفع ثمن المشتريات، وهمس بقلقه إلى صديقه الذي كان بجانبه. كان شهر تشرين الثاني من عام 2015، عندما استعدَّ لبدأ عمله لدى (ohmy.ca) -موقع بيعٍ وشراءٍ مصنّف- حيث لم يكن وضعه الماديُّ ميسوراً. في كلِّ الأحوال، الرَّجل الذي كان يقف أمامه طلب من المحاسب أن يضيف ما اشتراه ماركوس إلى فاتورته، وكان المبلغ الإضافي حوالي 200 دولار.

يتذكر ماركوس: "قلت للسيد: شكراً لك، لكنك لست بحاجةٍ إلى القيام بذلك. إلا أنّه ردّ، أيها الشاب، لقد كنت في مكانك في يومٍ من الأيام، لا تقلق. فقط استَمِرَّ في العمل بجدٍّ وكن متحفّزاً، أنا متأكدٌ من أنّك ستنجح. كنت عاجزاً عن الكلام، وحتى الآن، أتذكر ما فعله بالنسبة لي كما كان بالأمس. لن أنسى أبداً ذلك".

استغلَّ ماركوس المال الذي وفَّره عند شرائه الحاجيات لتوظيف مصمِّم جرافيك، وهو من ساهم بدوره في تطوير العمل؛ وهو الرَّجل الذي لولا وجوده لما كان الحال كما هو عليه بالنسبة إلى نجاح عمل ماركوس.

إقرأ أيضاً: 9 تصرفات لطيفة لمساعدة الآخرين والمحافظة على البيئة

وفي حقبة السبعينيات، ومع بداية فصل الشتاء، وجد فريدريك شيلتون (Frederick Shelton) -مدير شركة (Shelton and Steele)، والبالغ من العمر 17 سنة في حينه- نفسه مشرَّداً لا يعرف من أين سيحصل على وجبةٍ تسدُّ رمقه، أو كيف سيتدبَّر أمره في الليالي الباردة، حالماً بملجأٍ دافىءٍ وقهوةٍ وكعكةٍ بالمجَّان.

لذا ساقته خطاه ولأول مرةٍ إلى الكنيسة الميثوديَّة، حيث التقى بالقسِّ "كلينت جوردان" (Clint Jordan)، ومن ثمَّ قام القسُّ بدعوته ليبقى في الكنيسة مع باقي أفراد العائلة ضيفاً لفترةٍ مؤقتةٍ لستَّة أشهر، إلى أن يحين أوان انضمامه إلى الجَّيش.

قال فريدريك: "في الليلة الأولى كنت خائفاً لدرجة الموت. لم يغمض لي جفن، وأطلت الانتظار آملاً أن يأتي أحدٌ منهم ويطلب منِّي المغادرة، لا أتذكَّر بالضَّبط كم استمرَّ الحال هكذا، لكنَّني متأكِّدٌ أنَّه ليس أقلَّ من أسبوع".

وبعد ثلاثين سنةٍ، قام القسُّ جوردان بترتيب مراسم الزَّفاف لفريدريك، ومازال الاثنان على تواصل؛ وبعد انتهاء مدَّة خدمة فريدريك في الجيش، افتتح شركته الخاصة (Shelton & Steele LLC) وأصبح المدير التنفيذي فيها، وأدارها بنجاحٍ كبيرٍ.

في بعض الأحيان، يتضح أنَّ قبول المساعدة من غريبٍ يتعارض مع جميع العادات التي أنشأنا المجتمع عليها مثل: الغرباء خطرون. ومع وجود كمٍّ من تلك الأقاصيص التي تجعلنا متيقِّظين، هنالك في المقابل العديد من الأُناس الصَّالحين الذين يذكِّروننا دوماً بأهميَّة التمتع بقلوبٍ رحيمة، وهذا ما التمسته "بريتني باكيت" (Brittany Paquet) -المصوِّرة ومنظِّمة الحفلات- عن تجربةٍ منذ 10 سنواتٍ خلت عندما تعرَّضت إلى موقفٍ أشبه بكابوسٍ لا أحد يطيق حدوثه: ثقبٌ في عجلات السيارة بينما كانت على الطَّريق السَّريع.

تقول بريتني: "لم أكن أملك أدنى فكرةٍ عن التَّعامل مع الموقف، فلم يسبق لي وأن تعرَّضت إليه من قبل".

اتجهت بريتني من المخرج التالي إلى أقرب موقفٍ للسيارات، بغية تقويم الأضرار؛ وفجأةً هرع رجلٌ لمساعدتها وقام بتغيير العجلة في أقلِّ من عشرة دقائق.

تقول بريتني: "مددت يدي إلى محفظتي لأعطيه بعض النقود، ولكن عندما بحثت عنه لم أجده، وكأنَّه لم يكن. حدث ذلك في فترة الأعياد، وأقسمت عندها أنَّ من رأيته ما كان إلَّا ملاكاً وليس بشراً".

وبينما لا يمتلك الكثيرون منَّا الخبرة الكافية لتغيير عجلةٍ مثقوبةٍ، نرى المبادرات البسيطة كالمعجزة.

استحضرت ذاكرة مطوِّر البرامج (جو فلانغن) يوماً عصيباً مرَّ به، حيث كان متوتِّراً ومتأخِّراً وفي مزاجٍ مضطَّرب، إلى أن لمح عبارةً من مجهولٍ على الزجاج الأماميِّ لسيارته مضمونها: "أنت ذو أهميَّة".

يقول جو: "لم أعرف حقيقةً من ترك تلك الرسالة، لكنَّها كانت فعلاً كلُّ ما أحتاجه حينها. ألهمني ذلك الموقف أن أفعل الشيء ذاته مع الآخرين، وهذا ليس إلاَّ لخلق يومٍ مميِّزٍ لهم كما حدث معي بالضبط".

إنَّ جو ليس الوحيد الذي وجد نفسه مجبراً على أن يستمرَّ في فعل الخير بعد المبادرة اللطيفة التي حدثت معه.

فقد قرَّر كلٌّ من الكاتبة "ميلاني موسن" (Melanie Musson) وزوجها أن يذهبا مع بناتهم لتناول العشاء في الخارج؛ وكان ذلك نادر الحدوث نوعاً ما باعتباره أمراً مكلفاً كثيراً، عندما أحضر النَّادل الفاتورة لهم، أخبرهم أنَّ صاحب المطعم قد سدَّد الحساب عنهم.

تقول ميلاني: "أخبرنا النَّادل أنَّ ذلك اليوم كان الذِّكرى السنويَّة لوفاة زوجة ربِّ العمل؛ لذا قرَّر ألاَّ يأخذ المال لقاء الطعام"، وعلَّقت ميلاني على ما حصل بقولها: "بفعله هذا أثبت كم كان حبُّهم صادقاً، وكم هي عزيزةٌ على قلبه. أثارت هذه القصَّة مشاعري حقيقةً". وبعد مضيِّ سبع سنينٍ على ذلك، كانت كلَّما مرَّت ميلاني بالمطعم -ما يقارب ثلاث مرَّاتٍ أسبوعيَّاً- تتذكَّر ما حدث في ذلك المساء.

وأضافت: "لطالما حاولت أن أفعل كلَّ شيءٍ على أكمل وجه، لكنَّني أخفقت حتَّى في معرفة من حولي. لعلَّ عمل الخير هذا جعلني أفهم النَّاس أكثر".

ومع مرور الأيام تدرك أنَّه كلَّما عرفت الآخرين أكثر، رغبت بمساعدتهم أكثر. فمثلاً: تحبُّ ميلاني أن تشتري دوماً القهوة للغرباء؛ كما يقوم كلٌّ من ماركوس وخطيبته بتوزيع أربع بطاقاتٍ مسبقة الدَّفع بقيمة 250 دولاراً على المحتاجين في المتاجر في يوم عيد الميلاد؛ وإنَّ فريدريك غالباً ما يكون بيته مفتوحاً للضيوف المحتاجين إلى مأوى أو طعام. من الواضح أنَّ عمل الخير أمرٌ معدٍ.

إقرأ أيضاً: 9 نصائح لتكون مصدر سعادة للآخرين

تقول العازفة المتجوِّلة ناتاليا باروز (Natalia Paruz): "ما أسهم في تغيير وجهة نظري فيما يتعلَّق بموضوع الإنسانية مصادفةُ شخصٍ ما يقوم بعمل خيرٍ دون مقابل". بينما كانت تعزف عند محطَّة المترو، وقعت عيناها على رجلٍ كان قد انضمَّ إلى مجموعة عابري سبيلٍ تقف بقربها، وقد أطرب عزفها مسامعه، ممَّا لفت انتباه امرأةٍ من بين الحشود، وسرعان ما قامت بشراء CD، وخطَت نحوه خطاها قائلةً بابتسامةٍ لطيفةٍ: "هذه هي الموسيقى التي كنت تسمعها، خذه فهو لك".

تقول ناتاليا: "من الشَّائع أنَّ النَّاس في نيويورك لا يأبهون لبعضهم بعضاً، لكن ما رأيته في الواقع بعيدٌ كلَّ البعد عن ذلك. في الحقيقة إنَّهم طيبون ولطفاء وعلى أهبَّة الاستعداد دوماً ليبرهنوا على حبِّهم بالأفعال. وباعتباري فنَّانة، أقول لك أنَّ جُلَّ ما يحتاجه النَّاس هو أن يتفهَّموا بعضهم أكثر".

هنالك العديد من اللحظات التي كان لها أثرٌ كبيرٌ في حياتي، أكثر من أيِّ اهتمامٍ قد يعيره لي شخصٌ ما؛ وعلى الرَّغم من كثرة مشاغلي، كنت أمرُّ بالمحتاجين وأنا يحدوني الأمل بأن أقدِّم إليهم العون، لكنَّ خطواتي سارت باتِّجاه معاكسٍ لرغبتي. لا جدل في أنَّ النّية الخيِّرة أمرٌ في غاية الرَّوعة، إلَّا أنَّها لا تغير مجرى الحياة.

مع وضع كلِّ ما جرى في عين الاعتبار، يتضح أنَّه حتَّى تراهات الأمور تفعل فعلها؛ إذ أنَّ لأعمال الخير بالغ الأثر في حياتنا، فهي تُحدِث نقلةً نوعيَّةً في حياة العديد من النَّاس.

إقرأ أيضاً: الإحسان حبل الخير الموصول من دون انقطاع

وفي عالمٍ يعجُّ بمن يسلِّط الضَّوء على الاختلافات، فلنأخذ وقتنا بالاهتمام بمن حولنا. لربَّما قد يبدو أمراً صعباً، لكنَّ الحبَّ عملةٌ نادرة.

 

المصدر




مقالات مرتبطة