أسباب نشوء الأزمات وكيفية إدارتها

شهد المجتمع العربي في المدة الأخيرة ظروفاً وأحداثاً سياسية وأمنية عديدة اجتاحت دول العالم العربي كلها، وأثقلته بأزمات مختلفة (عسكرية واقتصادية واجتماعية وعقائدية وتعليمية) وغير ذلك، وعانى أفراده عقباتها وتأثيراتها السلبية؛ فهي أزمات خارجة عن إرادتهم وأصبحت واقعاً يعيشونه خلال حياتهم اليومية.



يضاف إلى واقع الحال التطور الذي يشهده العصر الحالي في شتى مجالات الحياة، والتغيير الواسع والمستمر في العلوم والمعارف الإنسانية والتكنولوجيا وما أحدثه هذا التطور من أزمات، سواء على مستوى الدول عامة أم على مستوى ومنظماتها ومؤسساتها خاصة؛ إذ أثرت هذه الأزمات في الحياة سلباً وزادت من تعقدها وزاد حجم المشكلات التي يصعب على المنظمات حلها من خلال التفكير النمطي القديم أو التغلب عليها باستخدام الأساليب التقليدية، الأمر الذي دفع بعضهم إلى البحث عن منهج جديد لمعالجة تلك الأزمات فكان أسلوب (إدارة الأزمات)، الذي يُعدُّ أحدث الاتجاهات الإدارية التي يستطيع اتباعه في هذا المجال.

إدارة الأزمات هي أسلوب معرفي هام تتطور تطوراً كبيراً في السنوات الأخيرة، وتوسع ليشمل مفاهيم جديدة مثل (تخطيط الأزمات) و(التنبؤ بالأزمات)؛ فإدارة الأزمات فرع هام ومتميز من فروع علم الإدارة، وأصبح له أصوله المنهجية وقواعده التي يسير وفقها.

نحن نعيش في عالم الأزمات، ومواجهتها تتطلب إدارة واعية، بعيدة عن الارتجال، تعتمد على الطرائق العلمية والمنهجية في مواجهتها.

مفهوم الأزمة وتعريفها:

مفهوم (الأزمة) مفهوم شامل لشتى مجالات الحياة الإنسانية بدءاً من الحديث عن حدوث أزمة ثقة في العلاقة بين شخصين وصولاً إلى القول بحدوث أزمة بين الدول، ولا ننسى حدوث أزمات نفسية خاصة بالفرد بعينه؛ فمفهوم الأزمة لا يعرف حدوداً فاصلة فقد تبدأ من فرد واحد وتمتد لتشمل المنظمة أو المجتمع بأكمله.

الأزمة تنطوي على عنصر المفاجئة والتحول، وتؤدي إلى أوضاع غير مستقرة في وقت قصير، وتنتح عنها غالباً آثاراً سلبية تستلزم اتخاذ قرار للمواجهة.

من التفسيرات لمفهوم الأزمة:

1. "ميتروف" "Mitroff":

الأزمة حالة تفكك تؤثِّر في النظام ككل وتهدد افتراضاته الأساسية وجوهر وجوده.

2. "محمد عبد الغني هلال" في كتاب (مهارات إدارة الأزمات):

نتيجة نهائية لتراكم مجموعة من التأثيرات، أو حدوث خلل مفاجئ يؤثِّر في المقومات الرئيسة للنظام، ويشكِّل تهديداً واضحاً لبقاء المنظمة أو النظام نفسه.

3. أبو مايلة:

نقطة تحول أساسية في أحداث متتابعة ومتصارعة تسبب صدمة وتوتراً وضغطاً، مما يضعف من إمكان الفصل السريع والمؤثِّر، وقد تقود إلى نتائج غير مرغوبة خاصة في حالة عدم وجود استعداد أو قدرة على مواجهتها.

إذاً الأزمة هي أحداث تتلاحق بسرعة، ونتائجها تتراكم بقوة؛ لذا فهي تتطلب إعمال الفكر والتمعن وتقييم الذات لمواجهة الأحداث الطارئة، والتغلب عليها أو على الأقل الحد من خطورتها؛ فهي تنطوي على تهديد للقيم أو للأهداف أو لإحداث ضرر في المصالح؛ وذلك خلال وقت قصير قد لا يسمح بدراسة المشكلة كما يجب؛ ومن ثَمَّ اتخاذ القرار بسرعة؛ فالأزمة يمكن أن يتعرض لها فرد أو جماعة أو منظمة، ولا نستطيع مواجهتها بالأساليب الروتينية التي اعتادوا عليها، فهي تهدِّد النظام بأكمله بالزوال والانهيار، وتتطلب إدارة واعية قادرة على المواجهة وتحقيق الانتصار.

خصائص الأزمة:

  • عدم التأكد: الأزمة سريعة، غير معروفة النتائج أو طول مدتها، يصعب التنبؤ بها.
  • الخسائر الكبيرة: عندما تُذكر كلمة أزمة فهذا يعني وجود خسائر كبيرة أو شيء ذي قيمة مفقودة أو سوف يُفقد خلال الأزمة أو بسببها، والاستجابة للأزمة هنا هي محاولة منع حدوث ذلك.
  • التعقد والتشابك في عناصرها.

شاهد بالفيديو: السمات الثمانية للقيادة الرشيدة عند الأزمات

أنواع الأزمات:

  1. الأزمات العالمية: مثل الحروب.
  2. الأزمات القومية: هي الأزمات التي تصيب منطقة معينة مثل المنطقة العربية.
  3. الأزمات المحلية: هي الأزمات التي تصيب جانباً واحداً أو محدداً من مجتمع كبير، مثل حدوث زلازل في مدينة ما.
  4. الأزمات التنظيمية: هي الأزمات التي تصيب المنظمات مثل منظمات الأعمال والمؤسسات الرسمية.
  5. الأزمات الأسرية: هي الأزمات التي تصيب أسرة ما على وجه التحديد مثل حالة وفاة أحد أفرادها.
  6. الأزمات الفردية: هي الأزمات التي تصيب فرد بعينه مثل المرض أو الإفلاس أو ترك العمل.

أسباب نشوء الأزمات عامة:

غالباً ما تكون الأزمة نتيجة لأسباب عدة، وليس لسبب بعينه؛ إذ تنتج الأزمة عن تفاعل مجموعة من العوامل المختلفة في الأهمية، ومن تلك الأسباب:

1. سوء الإدراك:

الإدراك هو عملية استيعاب المعلومات التي حصل عليها الفرد بنفسه، أو التي وصلت إليه وحدها دون تدخُّل مباشر منه، فإذا تمت هذه العملية على نحو غير سليم نتج عنها اتجاه أو توجُّه غير سليم أيضاً وهذا الاتجاه أو التوجه يقود إلى أزمة.

2. سوء التقدير وإصدار الأحكام:

الذي ينشأ غالباً عن أسباب ذاتية متعلقة بالفرد نفسه، مثل المغالاة في الشعور بالثقة بالنفس واستصغار الآخرين والاستخفاف بهم.

3. الرغبة في إظهار القوة وعظمة الشأن:

قد يعمد المدير أو صاحب المنصب الإداري إلى إظهار مكانته، وإثباتها عبر استعراضٍ لقوته وتعنيف الآخرين، وهذا السبب من أكثر الأسباب المؤدية إلى حدوث أزمات.

4. الفكر الجماعي الخاطئ:

قد يرأس المجموعة قائد يتخذ قرارات خاطئة تؤدي إلى أزمات.

5. الإدارة غير الرشيدة:

هذه الإدارة التي لا تعتمد على التخطيط في عملها، ولا تبني لنفسها نظام معلومات متكاملاً ولا تحاول حل الصراعات الإدارية التي تنشأ في المؤسسة، إضافة إلى عدم اهتمامها بإيجاد نظام رقابة فاعل؛ فهي تعمل في جو من الفوضى العارمة التي تقود بالضرورة إلى حدوث أزمات.

6. تعارض المصالح:

اختلاف المصالح هو السبب الأول لنشوء الأزمات وقيام الصراعات.

7. سوء الفهم:

الناتج عن تداخل المعلومات وتشويشها وعدم القدرة على إيجاد الرابط بينها.

8. الأخطاء البشرية:

مثل قلة الخبرة والتعب وعدم التركيز في العمل وتشتت الذهن.

9. فقدان الأمل:

الإحباط واليأس من حل المشكلات وعدم توافر الرغبة لدى صاحب القرار في اتخاذ قرار لمواجهة المشكلة وأسبابها.

10. فقدان الثقة:

سواء بالأشخاص أم المنظمات أم الأنظمة القائمة أم الإدارات المختلفة؛ فانعدام الثقة لأي سبب أدى إلى غياب الإيمان بما يقوله الآخر؛ ومن ثَمَّ تبدأ الأزمات بالظهور.

11. افتعال الأزمات:

يوجد من يحاول التمويه أو التغطية على الأزمات الحقيقية أو محاولة تحقيق مكاسب على حساب الآخرين أو غير ذلك فيعمد إلى افتعال أزمات أخرى.

12. تجاهل إشارات الإنذار المبكر:

التي تشير إلى إمكان حدوث أزمة مثل كثرة الشكوى من قضية ما.

13. التكنولوجيا الحديثة:

مثل تطوير تكنولوجيا معينة قد تسبب خطراً على الأمن الوطني لبعض الدول.

14. مشكلات ميكانيكية:

مثل الأعطال الفنية.

15. الخوف من الاعتراف بالأخطاء:

بسبب تغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة.

16. نقص الإمكانات المادية وضعف التمويل:

سواء في المجتمع عامة أم في منظمة بعينها أم حتى أسرة أم على المستوى الشخصي؛ فالأسباب الاقتصادية هي من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى قيام الأزمات.

17. أسباب خارجة عن إرادة الإنسان وقدرته:

عندما لا يستطيع أحد التحكم بحدوثها مثل الزلازل والبراكين والأعاصير والتقلبات الجوية الحادة واندلاع الحرائق وحالات الوفاة المفاجئة.

مراحل نشوء الأزمة:

المرحلة الأولى، مرحلة التحذير والإنذار:

عادة ما يسبق حدوث أزمة مؤشرات عدة تُعدُّ بمنزلة تحذير أو إنذار؛ فالمرحلة الأولى هي تحديد إشارات بداية الأزمة، ومع خلو هذه المرحلة من الأحداث، فإنَّها لا تقل أهمية عن المراحل اللاحقة للأزمة؛ إذ إنَّ نجاح حل الأزمة يرتبط بآليات الإنذار المبكر لوجود الأزمة.

المرحلة الثانية، مرحلة ميلاد الأزمة:

هذه المرحلة تعني مرحلة الظهور المادي الفعلي للأزمة؛ وذلك نتيجة للفشل في التعامل مع مؤشرات الأزمة والقضاء عليها قبل الاندلاع، هذا الفشل يعود إلى أسباب عدة منها: التهاون بالحل والاستهانة بتلك المؤشرات وعدم فاعلية الحل الذي اتخذه فريق إدارة الأزمة وغير ذلك.

المرحلة الثالثة، الأزمة المزمنة:

هنا تصعب السيطرة على الأزمة نتيجة تفاعلها مع العوامل المؤثِّرة فيها الداخلية والخارجية؛ ومن ثَمَّ تغدو الأزمة أصعب وأكثر تشابكاً وتعقيداً ويزداد حجم التكلفة الناتجة عنها.

المرحلة الرابعة، حل الأزمة وتسويتها:

في هذه المرحلة تبدأ أسباب الأزمة بالانحسار نتيجة تأثير الحلول التي اتخذها فريق إدارة الأزمة.

إقرأ أيضاً: 4 خطوات للتغلب على الأزمات التي تعانيها الشركات

مفهوم إدارة الأزمات:

تمت مواجهة الأزمة في الماضي عبر القرارات الفردية، لكن اليوم ومع تطور الحياة واختلاف القيم والمعايير والمبادئ التي تحكم الشعوب لم تعد تلك الطريقة ناجحة؛ ففي السابق كانت الأزمات أكثر بساطة، أما اليوم فقد ازدادت تشابكاً وتعقيداً؛ لذلك أصبح حل الأزمات يتم عن طريق التفكير الجماعي.

علم إدارة الأزمات هو من فروع علم الإدارة واسع الانتشار، ويُقصَد به الوسائل والأدوات والجهود كلها التي تُستخدَم لحل الأزمة، والتغلب عليها والتعلم من الجوانب الخاصة بالأزمة من أجل تفادي الأزمات في المستقبل؛ فإدارة الأزمات هي:

  • علم يهتم بصياغة السيناريوهات المناسبة للتصدي لما يحدث.
  • تحتاج إدارة الأزمات إلى كفاءات إدارية مدرَّبة تدريباً جيداً، ويملكون مهارات عالية يوظفونها في حل الأزمات، وتفادي حدوثها.
  • تقوم إدارة الأزمات على الأسلوب العلمي في إيجاد الحل للأزمات.
  • تعتمد إدارة الأزمات على الاستفادة من الخبرات والتجارب السابقة؛ إذ توظف تلك الخبرات في اتخاذ القرارات.

تهدف إدارة الأزمات إلى:

  • استقراء مصادر التهديد والأخطاء التي من الممكن أن تحدث.
  • تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة وتوفير الإمكانات المادية والبشرية التي تمنع تكرار الأزمة.
  • تحديد دور كل جهاز من الأجهزة المعنية بحل الأزمة.
  • توفير نظام من الاتصالات الفاعلة والمحافظة على الثقة مع جميع الأطراف الداخلة في الأزمة.
  • وقف اتساع الأزمة من خلال التعامل السريع معها.

شاهد بالفيديو: 8 أساليب للقيادة الناجحة في أوقات الأزمات

كيفية إدارة الأزمات؟

تُدار الأزمة وفق خطوات متتالية؛ إذ إنَّ كل خطوة منها تنطوي على أعمال وخطوات فرعية، وهي:

المرحلة الأولى، اكتشاف الخطر:

تتضمن الانتباه إلى مؤشرات الأزمة ورصد الإشارات التي تنبئ بقدوم أزمة؛ ومن ثَمَّ تفسير هذه الإشارات التي رُصدت رصداً مناسباً، إضافة إلى جمع المعلومات من أجل التخطيط لتجنب الأزمة الوشيكة أو التخفيف من حدة آثارها.

المرحلة الثانية، الاستعداد لمواجهة الأزمة والوقاية من الأزمات المستقبلية:

تتضمن إجراء التحضيرات التي يمكن أن تسهم في التنبؤ بالأزمة ومحاولة اتخاذ الإجراءات للتخفيف من حدتها.

المرحلة الثالثة، احتواء الأضرار:

تتضمن الاعتراف بأسباب الأزمة واستيعاب ما وقع من نتائج وآثار وحشد الإمكانات المادية والبشرية لمعالجتها ووضع الحلول الممكنة التطبيق لإنهائها.

المرحلة الرابعة، استعادة التوازن:

هي العمليات التي يقوم بها فريق إدارة الأزمة بغرض استعادة التوازن والقدرة على ممارسة النشاطات المعتادة وتطويرها.

المرحلة الخامسة، الاستفادة من الخبرات المتحصلة بعد نهاية الأزمة:

بعد انتهاء الأزمة واستعادة العافية والنشاط لا بُدَّ من الرجوع للأزمة وتحليل أحداثها ومجرياتها بكل واقعية لاستخلاص النتائج والعِبَر وحصد الخبرة وتوظيفها عند التعرض لأزمة مشابهة في المستقبل، كما تُتخذ الإجراءات لمنع تكرار حدوثها لمعرفة كيفية التعامل معها في المستقبل.

كيف يواجه فريق إدارة الأزمات الأزمة؟

  • الاستعداد لمواجهة الأزمة ووضع الخطط واتخاذ الإجراءات للوقاية منها.
  • تدريب الأفراد على مواجهة الأزمات وعقد الدورات والبرامج التدريبية لأجلها.
  • تحقيق الاتصال الفاعل والتنسيق المناسب بين أعضاء فريق إدارة الأزمة.
  • الوجود في مكان الأزمة لرصد الأحداث والمتغيرات عن قرب.
  • تفويض السلطات من أجل السرعة في اتخاذ القرارات.
  • ضرورة بناء نظام فاعل للإنذار المبكر في المؤسسات والمنظمات والدول أيضاً.
  • العمل على تبسيط الإجراءات من أجل اختصار الوقت واتخاذ الخطوات الكفيلة بالسيطرة على أحداث الأزمة.
  • إنشاء غرفة عمليات من أجل إدارة الأزمة إدارة علمية وفق المنهج الإداري العلمي القائم على وظائف رئيسة هي التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة والمتابعة والتقويم.
إقرأ أيضاً: أهمية استثمار أزمة اليوم للاستعداد لأزمات الغد

في الختام:

الأزمة عبارة عن حالة حرجة تتشابك وتتعقد فيما بينها؛ إذ تختلق حالة من الخلل وعدم التوازن والضغط المزعج الذي يحتاج إلى حل؛ إذ أصبحت قضية إدارة الأزمات قضية عامة تخلو من الترف، وإدارة الأزمة تعني وجود خطة يضعها فريق إدارة الأزمات قبل حدوث الأزمة؛ فإدارة الأزمات عمل قائم على التخطيط والتدريب المستمر للتعامل مع الأزمات بمختلف أنواعها.




مقالات مرتبطة