أسباب قضم الأظافر لدى الأطفال والبالغين وعلاجه

يمر الإنسان بأزمات نفسية كثيرة، لكنَّه عوضاً عن مواجهتها والاعتراف بها ومحاولة حلها، يميل إلى استخدام أساليب ملتوية للتخفيف من حدتها وقسوتها، دون أن يعلم أنَّ أساليباً كهذه تعرِّضه إلى الإدمان على عادات سلبية يصعب عليه التخلص منها، ويبقى أسيراً وراضخاً لها، وغير قادر على إلغائها أو استبدالها ببدائل أكثر إيجابية.



يوجد اليوم عدد كبير من الآباء الذين لا يحملون من مزايا الأبوة إلَّا اسمها، ولا يدركون أساليب التربية الناجحة؛ فعوضاً عن أن يكونوا مصدر الأمان والاستقرار والحب لأولادهم، يتحوَّلون إلى مصدر للضغط النفسي والروحي، الأمر الذي يعزِّز تبنِّي الأولاد ممارسات قسرية بهدف التخفيف من كمِّ الضغظ الذي يعيشونه في بيوتهم.

يقبع وراء كل عادة سلبية يلجأ إليها الإنسان أسباب جوهرية عائدة إلى جيناته أحياناً، وإلى بيئته ومحيطه في أحيان أخرى؛ ولكي يدرأ الإنسان سلبيات الأمرين، عليه أن يكون قوياً وشجاعاً ومرناً وصبوراً، ويشغل ذاته بعادات سليمة وصحية تجعل حياته جنة على الأرض.

نحن محكومون بعاداتنا؛ لذا فلنكن واعين لها، ولنجعل من كل عادة سلبية فرصة كي نتعمق أكثر في أنفسنا، وندرك خفايا روحنا وترسباتنا النفسية المنسية على مر السنين، ممَّا يساعدنا على إطلاق أجمل ما لدينا من طاقات وأفكار.

دعونا نغوص في سلوك يبدو أنَّه سخيف، لكنَّه قد يكون دليلاً على خفايا نفسية هامة:

قضم الأظافر، ما بين الفطرة والقسرية:

ما مِن طفل إلَّا وبدأ رحلة استكشافه العالم من خلال فمه، والذي يعدُّ سبيله للتعرف على الأشياء من خلال تحسسها عن طريقه، وما ينتج عن ذلك من إحساس بالمتعة واللذة.

تستمر هذه الحالة حتى عمر السنتين، وتحديداً في الفترة التي تبزغ فيها أسنانه، وما يرافق ذلك من رغبة ملحة في حك لثته بأظافره، ثمَّ قضم هذه الأظافر؛ لكن في حال استمر ذلك إلى ما بعد سن الثلاث سنوات، فينبغي عندها الوقوف عند الأمر وتفسيره؛ ذلك لأنَّه قد تحوَّل بذلك إلى سلوك قهري وعادة ملحة تؤثر سلباً في الفرد وتعيقه عن ممارسة نشاطاته اليومية، وتُلقِي بظلالها عليه من خلال تأثيرها في تقييم الناس له، حيث يعتقد الناس أنَّ مَن يعاني من عادة قضم الأظافر مِن فئة المراهقين أو الراشدين شخص لا يتمتع بشخصية واثقة، ولديه عدم قدرة على السيطرة على حياته.

إقرأ أيضاً: أهم الحلول للتخلص من العادات السيئة عند الأطفال (1)

أسباب قضم الأظافر:

1. العامل الوراثي:

تشير الدراسات إلى أنَّ معاناة أحد الأبوين من هذه العادة السلبية يمكن أن يزيد من احتمال الاستعداد الوراثي لإصابة الابن بها.

2. العامل البيئي:

تعدُّ البيئة الأسرية للطفل من أهم الأسباب التي تقف وراء اكتسابه سلوكات سلبية؛ إذ يكون الابن الذي ينشأ في بيئة غير متماسكة وغير واعية يتبع أبواه فيها أسلوب الأوامر والفرض والضرب في التربية عوضاً عن أسلوب الحوار والإقناع، يكونُ معرَّضاً إلى اكتساب أسلوب قضم الأظافر كوسيلة للتخفيف من حجم المعاناة النفسية التي يعاني منها.

عندما يعيش الطفل حالة متوترة يقضم فيها أظافره، يُعطِي ذلك للمخ فرصة الانشغال بأمر آخر غير التوتر، ممَّا يُعطِيه إحساساً بالراحة والهدوء.

3. مظاهر النمو:

يمكن لسوء تعامل الأهل مع ابنهم في حال استمراره بعادة قضم الأظافر إلى ما بعد عمر الثلاث سنوات، ولجوئهم إلى استخدام أسلوب الزجر والتوبيخ والإهانة بدلاً من الصبر والهدوء والإقناع وتبيان مساوئ العادة على الصحة لكون الأظافر منبتاً للجراثيم والأمراض؛ يمكن أن يصيب الطفل بردة فعل عكسية، فيميل أكثر إلى ممارسة العادة كنوع من الانتقام واسترداد الحق، ممَّا يجعل الأمر يزداد سوءاً، وتتطور الحالة من عادة طبيعية في مرحلة عمرية معينة إلى سلوك قهري مُلِّح.

4. جذب الانتباه:

قد يميل الطفل المحروم من حنان الأهل ورعايتهم ودفئهم إلى ممارسة سلوكات سلبية لكي يجذب اهتمامهم إليه؛ وهذا ما يُسمَّى "جذب الانتباه السلبي".

5. التقليد:

لكي يربي الوالدان طفلهما تربية سليمة، يكفي أن يتحكمَّا بتصرفاتهما وسلوكاتهما، حيث يحاكي الطفل تصرفات أهله تماماً، دون أن يأبه بالكلام؛ فلغة الفعل أقوى بكثير من لغة القول لدى الطفل؛ لذلك على الآباء الذين يقضمون أظافرهم أن يتوقعوا تقليد أبنائهم لهم تماماً.

6. مشكلة في الأظافر:

قد يميل المراهق إلى قضم أظافره في حال عدم تقليمها بالطريقة الصحيحة، أو في حال معاناته من الفطور وتوسُّف طبقة الجلد المحيطة بالظفر؛ وقد تتطور هذه المسألة إلى عادة لديه مع مرور الوقت.

علاج قضم الأظافر لدى الأطفال:

  1. تنبِّهنا عادة قضم الأظافر إلى وجود مشكلة ما لدى الطفل، فتقودنا إلى البحث عن الأسباب الكامنة وراء هذه العادة؛ فقد يكمن السبب في نقص الحنان والاهتمام، أو في وجود ضغوطات نفسية.
  2. الابتعاد تماماً عن الضرب والتوبيخ كوسيلة لعلاج المسألة؛ ذلك لأنَّها ستزيد الوضع سوءاً، وتجعل الطفل في حالة إصرار على ممارسة العادة السلبية، واعتماد أسلوب الحوار الفعال والإقناع والهدوء بدلاً من ذلك، والعمل على تبيان أضرار الأمر بدلاً من التلقين والأوامر.
  3. الابتعاد تماماً عن السخرية من حالة الطفل كأسلوب استفزازي لدفعه إلى الإقلاع عنها.
  4. الابتعاد تماماً عن التخويف والترهيب كطريقة للعلاج.
  5. الفهم العميق لمراحل تكوُّن عادات الإنسان، إذ نستطيع من خلاله حل المشكلة؛ حيث تمر العادة بثلاث مراحل: الحافز، والسلوك، والمكافأة.

الحافز عبارة عن شيء ما يدفع الطفل من أجل القيام بقضم أظافره، وهنا علينا أن نراقب تصرفات أطفالنا، ونسجل المثيرات التي دفعت الطفل إلى ممارسة هذه العادة، كالخلافات بين الأبوين، أو سوء معاملة أحدهما له، أو الخلافات بين الطفل وإخوته؛ ومن ثمَّ نسجِّل عدد مرات ورود الحافز وأوقاته خلال اليوم، وننتبه بعد ذلك إلى الحالة الشعورية التي يكون الطفل عليها في أثناء وجود الحافز، كأن يكون قَلِقاً ومتوتراً وجائعاً وخائفاً؛ ومن ثمَّ نحدِّد المكان الذي يقضم أظافره فيه (أمام الناس، أو في المنزل، أو في المدرسة)، والأشخاص الذي يمارس العادة أمامهم بالمعدل الأعلى (الأب، والأم).

تمكِّننا هذه المعلومات من تغيير سلوك الطفل بعد تثبيت كلٍّ من الحوافز والمكافآت؛ فمثلاً: في حال ورود الحافز لدى الطفل كتعامل الأب بقسوة معه، تستطيع الأم تغيير سلوك الطفل من خلال إعطائه شيئاً ما في يده (كاللعبة)، أو معانقته والاهتمام به بدلاً من السماح له بقضم أظافره؛ حيث يخلق تكرار السلوك الجديد مساراً عصبياً في مخ الطفل، عوضاً عن المسار العصبي القديم الخاص بقضم الأظافر، ويُعطِي هذا المسار إحساس الراحة ذاته للطفل (عنصر المكافأة).

قد يحتاج الطفل إلى 21 يوماً أو أكثر من أجل بناء عادة جديدة عوضاً عن عادة قضم الأظافر، وعلى الأهل خلال هذه الفترة أن يكونوا صبورين ومرنين في التعامل مع ابنهم، ويمنحوه الكثير من الحب والاهتمام والرعاية.

شاهد بالفيديو: أهم النصائح لحماية الطفل من المشاكل النفسية

علاج قضم الأظافر لدى الكبار:

  1. يصبح البالغ أكثر استبصاراً بوضعه، وأكثر قدرة على إصلاحه بعد البحث في داخله عن دوافع الأمر وإدراكه الأسباب الكامنة وراء سلوكه السلبي؛ حيث يبدأ الإصلاح من خلال اتباع سلوكات بديلة أكثر إيجابية، كأن يضع في يده لعبة اسفنجية تقلِّل من الحاجة الملحة إلى قضم الأظافر، أو يقوم بتمرينات الاسترخاء والتنفس العميق وضبط الأعصاب بدلاً من تفريغ الطاقة السلبية في قضم الأظافر.
  2. قد يكون الضغط النفسي هو السبب الكامن وراء قضم الأظافر في أغلب الحالات؛ لذا على البالغ إدراك ضرورة مواجهة التحديات والأزمات النفسية وليس الهروب منها، الأمر الذي يجعله يُطوِّر من نفسه لاكتساب مهارات التعامل مع الضغوطات، ومهارة رؤية الأمور من منظور مختلف، والقدرة على الاستفادة من التجارب السلبية، واستنباط الدروس الإيجابية منها، والبحث عن الغاية من تجلِّيها في حياته؛ حيث ستبعده هذه المهارات عن تبنِّي أساليب التخدير للهرب من الواقع وممارسات التفريغ الخاطئة للطاقة السلبية كقضم الأظافر.
إقرأ أيضاً: عادة قضم الأظافر لدى المراهقين وطرق التخلص منها

الخلاصة:

"الطاقة لا تفنَى ولا تُخلَق من العدم، بل تتحوَّل من شكل إلى آخر"؛ لذلك احترفوا تحويل طاقتكم السلبية بطريقة مدروسة إلى طاقة إيجابية نافعة، فنحن بحاجة إلى تحويل واعٍ لا اعتباطي، ويفضي إلى تفريغ مثمر للطاقة السلبية واستبدالها بطاقة حياة وبهجة.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة