أسباب ضغوط القيادة وكيفية التعامل معها

لعلَّك مررتَ بهذه التجربة من قبل: تستعدُّ للقاء بمديرك منذ أيام لتطلب منه الترقية التي تستحقها بجدارة؛ وعندما يحين وقت ذلك اللقاء، تشعر بالتوتر وتتعرق راحة يدك ويغمرك إحساس شديد بالإثارة.



هذا هو نوع التوتر الذي نحتاجه لتقديم أفضل أداء لدينا. تنسب الأستاذة في جامعة ستانفورد (Stanford) كيلي ماكغونيغال (Kelly McGonigal)، في حديثها الشهير على منصة تيد (TED) الفضل إلى التوتر في تعزيز إبداعنا ولياقتنا البدنية وأنظمتنا المناعية ومهارات حل المشكلات، طالما أنَّنا نتعامل معه بالطريقة الصحيحة.

لسوء الحظ، عندما يعاني معظم الناس من ضغوط القيادة، لا يعود سبب ذلك إلى توقُّع تحدٍ قادم؛ بل هو عادةً شعور بالرهبة مرتبط بالسعي المستمر إلى فعل المزيد بموارد أقل.

يتعاظم الشعور بالرهبة بسبب عملية اجترار الأفكار في كثير من الحالات؛ أي التفكير في تجارب سابقة أو تخيُّل سيناريوهات مستقبلية وربط المشاعر السلبية بها، ولكن لا يعني ذلك أنَّ التفكير في الأحداث الماضية أمر سيء بالضرورة، وإنَّما التركيز عليها يؤدي إلى نتائج صحية ضارة؛ فاجترار الأفكار هو المسبِّب الأول للتوتر.

وكي تقلل من ضغوط القيادة والإنهاك، وتصبح أكثر مرونةً، يجب على القادة أولاً أن يدركوا مقدار الوقت الذي يقضونه في اجترار الأفكار التي لا تسفر عن نتائج مفيدة.

والخطوة التالية هي تحويل تلك الطاقة السلبية إلى تأمل، وهو الجانب الإيجابي من اجترار الأفكار، ويكون القادة الذين يمارسون التأمل أكثر قدرةً على النجاح في الوقت الحالي والاستعداد للمستقبل، بعيداً عن ندم الماضي والقلق بشأن المستقبل.

3 طرائق تؤثر من خلالها ضغوط القيادة فيك:

تُسهم قائمة طويلة من متطلبات مكان العمل المرتبطة بالمهام والتعامل مع الموظفين والناس في اجترار الأفكار وضغوط القيادة من إدارة الصراع إلى صنع القرار وتنمية الأفراد.

عندما تتعرَّض الاستجابات الفيزيولوجية في جسدك لهذه المطالب المجهِدة، قد تعتقد أنَّك تفهم ما يعنيه أن يكون للتوتر "تأثير سلبي في صحتك"، لكنَّ بعض الآثار الجانبية الأكثر ضرراً لضغوط القيادة تمر دون أن يلاحظها أحد على الأمد القصير، ولا تَظهر إلا على الأمد الطويل.

إذا كنتَ تشعر بالتوتر باستمرار، فمن المحتمل أنَّك تمارس اجترار الأفكار كثيراً، مما يؤثر في جسمك من خلال 3 طرائق رئيسة:

  • يؤثر اجترار الأفكار في صحتك من خلال إطلاق نوعين من الهرمونات في نظامك: الهرمون الأول هو الأدرينالين الذي يسبب تسارع نبضات قلبك؛ فعندما يضخ قلبك الدم بشكل أسرع، يصل الدم إلى جدران الشرايين وتتراكم اللوحات داخل الشرايين، وبمرور الوقت، قد يؤدي ذلك إلى زيادة خطر الإصابة بنوبة قلبية، وأما الثاني فهو الهرمون الستيرويدي، الكورتيزول، فمن أجل إنتاج الكورتيزول، يوقف جسمك إنتاج خلايا الدم البيضاء، ودون إنتاجها بصورة كافية، يضعف جهازك المناعي، ويزداد احتمال تعرضك للإصابة بالمرض.
  • يؤثر الضغط النفسي في مواقفك: يفكر الأشخاص الذين يمارسون اجترار الأفكار كثيراً بصوت عالٍ بسبب التوتر غالباً؛ حيث لا يؤدي اجترار الأفكار بصوت عالٍ إلى استدامة المشاعر السلبية المرتبطة بتجاربهم فحسب؛ بل يؤثر أيضاً في مواقف ومرونة من حولهم؛ فالحديث السلبي مع النفس غير مفيد خاصةً في الأوقات المضطربة.
  • يؤثر اجترار الأفكار في إنتاجيتك: من الصعب التركيز إذا كنتَ تقضي معظم وقتك في اجترار الأفكار. ونتيجة لذلك، تكون أقل إنتاجيةً في العمل غالباً.
إقرأ أيضاً: 9 استراتيجيات للتغلب على الانشغال بالتفكير الزائد

7 استراتيجيات للتخلص من ضغوط القيادة:

وفقاً للدراسات، يلجأ القادة غالباً إلى النشاطات الحسية كشكل من أشكال إدارة الإجهاد، وتتراوح هذه النشاطات بين النشاطات التي تُوفر تحفيزاً بدنياً صحياً، مثل: الجري، والسلوكات المحفوفة بالمخاطر، مثل: لَكْمُ جدار في حالة الإحباط، أو الإفراط في تناول الطعام.

نظراً لأنَّ القادة يعتمدون بشدة على النشاطات الحسية، فمن الضروري العثور على أنشطة مناسبة، مثل: ممارسة الرياضة أو الاستماع إلى الموسيقى، والتي تخفف من توترك وتُسهم في صحتك العامة أيضاً.

يمكِن للقادة اتخاذ الإجراءات التالية لمواجهة الآثار الضارة للتوتر، بالإضافة إلى الاعتماد على النشاطات الحسية الإيجابية:

7 استراتيجيات لمواجهة ضغوطات القيادة

1. إدراك الإشارات التي تدل على التوتر:

تعلَّم أن تنتبه إلى استجابات جسمك لضغوط القيادة؛ فما الذي يثير شعورك بالتوتر، وما هي استجاباتك الفيزيولوجية لها؟ وهل تشعر بارتفاع معدل ضربات قلبك؟ وهل تشعر بالحر؟ وهل تشد فكَّك؟ كلما أدركتَ أنَّ جسدك يدخل في وضع الإجهاد في وقت مبكر، كانت لديك القدرة على اتخاذ إجراء للسيطرة عليه بسرعة أكبر.

2. دمج الصحة والنظام الغذائي في روتينك اليومي:

يساعد النشاط الحسي الصحي (مثل: ممارسة الرياضة) القادة على تقليل قلقهم، وتحسين نومهم، وتعزيز مناعتهم لتجنُّب نزلات البرد والإنفلونزا، وقد تدعم التمرينات والتغييرات الغذائية صحة الدماغ، ولكنَّها أكثر استدامةً عندما تدمجها في روتينك اليومي تدريجياً، فابدأ بإضافة المزيد من الفواكه والخضروات إلى نظامك الغذائي، مع تقليل السكريات والدهون والصوديوم، ثمَّ التزِم بممارسة الرياضة لمدة 30 دقيقة على الأقل، مرتين في الأسبوع.

3. الحفاظ على الحدود بين الحياة الشخصية والعمل:

يبدأ هذا بتحديد التوقعات، فشارِك ساعات عملك وقنوات التواصل المفضلة لديك مع فريقك، وتحكَّم بقدر ما تستطيع في برنامجك لتعيش من أجل هدف في العمل والمنزل.

إقرأ أيضاً: 10 نصائح تساعدك على إيجاد التوازن بين حياتك الشخصية وحياتك المهنية

4. الاستعانة بكوتش لمساعدتك في البقاء على المسار الصحيح:

يمكِن للكوتش أن يدعمك ويساعدك على اكتشاف سبل لتعزيز طاقتك وزيادة وقتك، حيث يمكِنكما معاً تحديد مسؤولياتك الأساسية، وأي منها هي أنماط سلوك أنشأتَها، ولكنَّها غير ضرورية.

5. إنشاء مجلس إدارة شخصي:

احرص أن يكون لديك مجموعة دعم تساعدك على التعامل بشكل إيجابي مع التوتر والقيادة، حيث يمكِن أن تُقدِّم هذه المجموعة المتنوعة أنواعاً مختلفة من الدعم، ويجب أن تشمل أقرانك، ومديرك، وأحد أفراد العائلة، وصديقاً موثوقاً به، فكن واضحاً بشأن أهدافك في إدارة الإجهاد، واطلب من مستشاريك مساعدتك في البقاء على المسار الصحيح.

6. ممارسة فن التعافي:

لقد أدرك الرياضيون منذ فترة طويلة أنَّ الضغط على النفس بشدة طوال الوقت يؤدي إلى مكاسب قليلة في الأداء أو معدومة على الأمد الطويل؛ لذا احرص على منح نفسك فترات راحة متكررة طوال اليوم، وانهض من على مكتبك وتجوَّل أو اخرج للحصول على بعض الهواء النقي، وبعد العمل على مشروع أو مَهمة لفترة طويلة، خذ إجازةً، أو على الأقل استرخِ في أثناء وجودك في المنزل، وتعرَّف إلى الممارسات الأخرى للتعافي من ضغط العمل.

7. التركيز على الحاضر:

عندما تجد نفسك في حالة من اجترار الأفكار، تواصل مع حواسك الخمس، ثمَّ عد إلى الحاضر، وأعِد تركيز انتباهك بسؤال نفسك: ما الذي يمكِنني التحكم فيه الآن؟

إقرأ أيضاً: 5 أسباب كي تعيش اللحظة الحالية وتتوقف عن المبالغة في التخطيط

مواجهة ضغوط القيادة من خلال زيادة التركيز والتأمل:

إحدى الطرائق الرئيسة للتخلص من ضغوط القيادة هي من خلال ممارسة اليقظة الذهنية والتفكير العميق في الأمور.

يؤدي عدم القدرة على التركيز في طلب معيَّن في كثير من الأحيان إلى إجهاد القيادة؛ نظراً لأنَّ المهام تأتي من كل اتجاه على ما يبدو، فمن السهل على القادة أن يشعروا بالإرهاق التام وأن يحتاروا من أين يبدؤون.

يبدأ "جون رايان" (John Ryan)، وهو المدير التنفيذي لإحدى الشركات، كل يوم بعمل روتيني اعتمد عليه لسنوات عدَّة، بدلاً من البدء مباشرة بالتحقق من حساب بريده الإلكتروني، فيحتسي كوباً من القهوة، ويقرأ فقرةً موجزة ​​من أحد كتبه المفضلة عن القيادة، ثمَّ يراجع قائمةً مختصرة من المبادرات الاستراتيجية التي تحتاج إلى اهتمامه.

يقول "رايان": "بعد التأمل، سأضع في الحسبان الإجراءات المطلوبة لكل بند في القائمة، فإما أن أتخذ هذه الإجراءات على الفور، وإما أن أُخصِّص وقتاً في البرنامج اليومي في وقت لاحق من ذلك اليوم. فتبدأ اجتماعات اليوم، وتزداد رسائل البريد الإلكتروني حتماً، لكنَّ هذا جيد لأنَّني استمتعتُ بالفعل بالمساحة البيضاء اللازمة للشعور بالتركيز والسيطرة".

بالإضافة إلى استخدام "المساحة البيضاء" -وهي وقت فراغ يساعدك على التحكم في برنامجك- يوصي "رايان" أيضاً بالإجراءات التالية، والتي قد تساعدك في التركيز على الأولويات:

قد تساعد كل من هذه السلوكات في وضع مَهمة مرهقة في منظور الأهداف العامة لمؤسستك، فهي لا تخفف ضغوط القيادة في الوقت الحالي فحسب؛ بل تساعدك أيضاً على التخلص من التوتر في المستقبل، حتى قبل أن تبدأ المهمة.

 

المصدر




مقالات مرتبطة