أسباب انخفاض أداء الموظفين والحلول المقترحة لتجنبها

تسعى المنظمات والمؤسسات العامة والخاصة إلى تحقيق أهدافها سواء على الأمد القريب أم البعيد بالاعتماد على مواردها البشرية؛ إذ يمثل العاملون في أيَّة منظمة الدعامة الحقيقية التي تستند إليها هذه المنظمة في تحقيق أهدافها بكفاءة وجودة عالية؛ لذا ترتبط كفاءة المنظمة مهما كان مجال عملها ونشاطها بكفاءة أداء مواردها البشرية، فهم القادرون على التوظيف الصحيح لباقي موارد المنظمة المادية.



نظراً لتأثر هذه الموارد في سير العمل إيجاباً أو سلباً نادت التوجهات الحديثة في الإدارة للاهتمام بالموارد البشرية وبكل ما من شأنه أن يؤدي إلى تحسين أدائها، سواء من خلال تدريبهم أم ترقيتهم أم تحفيزهم أم تطوير مسارهم المهني والوقوف المستمر على أدائهم وتحديد مدى توافق كل منهم مع العمل الذي يقوم به.

فهذه العملية أصبحت أساس التنمية البشرية، ويُقصد بها قياس كفاءة العامل وتحليل أدائه ومن ثم تقييمه وإصدار الحكم عليه، فعملية التقييم هي المرحلة التي ترصد الأخطاء وتحدد نقاط الضعف ومن ثمَّ بناء البرنامج الذي يناسب العامل لتحسين أدائه والوصول بإنتاجيته إلى أقصى كفاءة ممكنة.

يمكن القول إنَّ انخفاض أداء العامل لا يمكن أن يحدث بلا سبب، فهل تكمن المشكلة في الأساليب أو الاستراتيجيات أو طرائق العمل التي تتبعها المنظمة، أم أسباب تعود إلى الموظف نفسه؟ سوف نتعرف من خلال المقال الآتي إلى الأسباب التي تؤدي بالموظف إلى خفض إنتاجيته وتدنِّي أدائه، وما هي الحلول التي يمكن وضعها لتجاوز تلك المشكلة؟

أولاً: الأداء الوظيفي وانخفاض أداء الموظفين

يُقصد بالأداء النتيجة التي يتم الحصول عليها في كل مجال عمل مهما كان، والذي يمكن قياسه من خلال وحدات قياس محددة تناسب طبيعة عمل تلك الجهة، فهو عبارة عما ينجزه الفرد في ميدان عمله نتيجة مجموعة الجهود الذهنية أو البدنية التي يبذلها.

أما الأداء الوظيفي، فيعني الناتج النهائي والمتحصل لجميع النشاطات التي يقوم بها الفرد داخل منظمة ما، ويعكس درجة تحقيق الفرد للمهام المكونة للوظيفة التي يشغلها؛ إذ يعكس الكيفية التي تتحقق بها هذه المهام، ولا بد ضمن هذا الإطار التمييز بين مفهومين غالباً ما يتم الخلط بينهما عند الحديث عن الأداء الوظيفي وهما "الجهد والأداء"، فالجهد يعني الطاقة المبذولة في العمل، بينما الأداء يقاس بالنتائج التي يحققها الفرد في عمله.

وحدد معجم المصطلحات الاجتماعية معنى الأداء الوظيفي "القيام بأعباء الوظيفة من المسؤوليات والواجبات وفقاً للمعدل الذي يُفترَض أن يؤديه العامل الكفء المدرَّب، ويمكن معرفة هذا المعدل عن طريق تحليل الأداء؛ أي دراسة كمية العمل والوقت الذي يستغرقه وإنشاء علاقة عادلة بينهما، وللتمكن من ترقية الموظف تجرى له اختبارات أداء ويعتمد في ذلك على تقارير الأداء؛ أي الحصول على بيانات من شأنها أن تساعد على تحليل وفهم وتقييم أداء العامل لعمله وسلوكه فيه في فترة زمنية محدودة.

أصبحت كل المنظمات على اختلاف النشاط الذي تمارسه تهتم بقياس أداء الموظفين لديها وبشكل يفوق اهتمام الموظفين أنفسهم، فالأداء بالنسبة إلى المنظمة مرتبط بدورة حياتها بدءاً من مرحلة الظهور مروراً بمرحلة البقاء والاستمرارية ومن ثم مرحلة الاستقرار، وانتقالاً لمرحلة التميز والريادة والوصول إلى السمعة الحسنة؛ إذ تتوقف قدرة المنظمة على الانتقال من مرحلة إلى المرحلة التالية على أداء موظفيها الذين يخضعون للتقييم بصفة مستمرة لضمان الأداء الجيد.

لكن في بعض الحالات تكون نتيجة هذه التقييمات سلبية؛ بمعنى أنَّها تشير إلى انخفاض أداء الفرد، والانخفاض يشير هنا إلى الاختلال في أداء الفرد لمهام وظيفته؛ فيبدأ الفرد بإهمال وظيفته وترك الأعمال التي يجب عليه القيام بها والموكلة إليه حصراً، وهذا يؤثر في درجة إتقانه وانخفاض إنتاجيته.

في عالمنا العربي قامت دراسات كثيرة وعديدة تبحث في إنتاجية العامل العربي؛ وتوصلت في معظمها إلى انخفاض إنتاجية العامل العربي إذا ما تمت مقارنتها بإنتاجية العامل في البلاد الأجنبية، كما أشارت بعض الدراسات إلى أنَّ عدد الساعات الفعلية للموظف العربي لا يتجاوز 30 دقيقة على افتراض أنَّ المعدل الوسطي لعدد ساعات الدوام في معظم الدول العربية 8 ساعات.

شاهد: 8 طرق لتحفيز العاملين على العمل

ثانياً: أسباب انخفاض أداء الموظفين

تتعدد الأسباب التي تؤثر في أداء الموظف؛ لذا من الصعب تحديدها بدقة، فمنها ما يتعلق بمعارف العامل ونوع تعليمه وعدد سنوات خبرته ومقدار ما يعرف من مهارات، ومنها ما يعود إلى التكوين الانفعالي للعامل وكذلك إلى المحيط الاجتماعي الخاص به، ومنها ما يتعلق بظروف العمل داخل المنظمة؛ لذا يمكن أن نحصر هذه الأسباب بشكل تقريبي في الآتي:

1. الدافعية:

تُعَدُّ الدافعية القوة المحرِّكة التي تقود الفرد وتوجه سلوكه وتحافظ على استمراريته حتى تشبع حاجاته، فالإنسان عموماً يعيش حياته مدفوعاً لتحقيق أهدافه التي تمثل غاية الحياة ومعناها بالنسبة إليه، ومن هنا يمكن أن نتساءل فيما إذا كانت الوظيفة التي يشغلها العامل يوجد فيها ما يحب أو دافع قوي وأسباب تحفزه لبلوغ الأداء الجيد أم ليس هناك أي شيء يدفع الفرد للإنجاز ضمن هذا العمل.

2. عبء العمل:

يُقصد بعبء العمل كثرة الضغوطات التي تمارَس على الموظف بحيث يصبح عاجزاً عن أداء المهام الموكلة إليه بإتقان وكما يجب خلال الوقت المتاح له؛ لذا يكون في حاجة إلى منحه المزيد من الوقت لإنجازها.

3. عدم توافق الوظيفة التي يشغلها الفرد مع مؤهلاته:

عدم توافق الوظيفة مع قدرات الفرد والمؤهلات التي يمتلكها يؤدي به إلى تدني أدائه، فإذا كانت أعمال الوظيفة أقل من إمكانات الموظف شعر بالملل وعدم الرغبة في إنجاز أشياء تبدو سهلة بالنسبة إليه، وبخلاف ذلك إذا كانت تلك المهام تتطلب قدرات ومهارات تفوق مقدرته أُصيب بالإحباط والعجز عن أداء هذه المهام وانخفض أداؤه.

4. طبيعة العمل والمسؤولية التي يتحملها الموظف في العمل:

المسؤولية التي يتحملها الموظف في العمل لا سيما إن كان مسؤولاً عن غيره من الموارد البشرية تجعله يتحمل كماً كبيراً من الضغط النفسي الذي يؤثر في أدائه ويدفع به نحو الانخفاض.

5. بيئة العمل المادية:

تتعلق بالبيئة المادية كل العوامل الموجودة في بيئة العمل وتؤثر في سلامة العامل وصحته الجسدية والنفسية، مثل الإضاءة والتهوية ودرجات الحرارة وأثاث المكاتب والنظافة وسواها من الأشياء التي تُعَدُّ ضرورية لبيئة عمل مثالية، فعدم وجودها يؤدي إلى ضعف إقبال العامل نحو العمل، ومن ثمَّ تدني أدائه.

6. المستقبل الوظيفي:

شعور الموظف بعدم وجود فرصة للتطور في المسار الوظيفي ورفع مستواه العملي قد يجعل لديه حالة من عدم المبالاة بإنجاز المهام بإتقان للوصول إلى الأداء المثالي؛ بل قد يصل الأمر إلى نفوره من العمل وهروبه منه.

7. الضوضاء المزعجة:

من أكثر العوامل التي تفقد الموظف تركيزه وتشغله عن أداء مهامه هي الضوضاء التي تعوقه وتمنعه عن إتقان عمله.

8. العوامل الفنية:

العوامل التكنولوجية المستخدَمة في العمل والآلات والمعدات التي تسهل عمل الموظف أو تجعله أصعب، ولا يكفي هنا وجودها؛ بل مقدار معرفة العامل بكيفية العمل عليها.

9. ضعف الأجور المادية والحوافز والمكافآت:

مهما تنوعت أهداف الموظف وأسباب عمله، يبقى العامل المادي هو العامل الرئيس لإقبال الموظف على العمل، فضعف الأجور يؤدي بالعامل إلى فقدان الدافع للعمل ومن ثمَّ تدني أدائه.

10. التحيز ضد الموظف في العمل:

فقد يفضِّل الرئيس عاملاً أو مجموعة منهم أكثر من غيرهم فيعطيهم ميزات خاصة بهم؛ وذلك بناءً على أسباب شخصية خاصة به أو نفسية أو اجتماعية وليست أسباباً عملية، فيشعر الموظف بقلة التقدير من قِبل الرئيس لأي عمل يقوم به ومن ثمَّ لا يكترث بتنفيذ عمله كما يجب.

11. غياب الدعم من قِبل الإدارة:

قد يتعرض الموظف خلال أدائه لمهامه لمجموعة من الصعوبات التي تعرقل عمله أو قد يضطر إلى بذل المزيد من الجهود التي تُشعره بالتعب والتي كان من الممكن التخفيف منها فيما لو كانت ثمة إدارة داعمة تساعده على حل ما يواجهه من عقبات في العمل.

12. غياب تقييم الأداء والإشراف الكافي المرتبط به:

غياب تحليل الأداء والكشف عن نقاط ضعف الموظف وتمكينه من تجاوزها عن طريق خطة منهجية منظمة، يتسبب في استمرار هذه النقاط وتمكُّنها من الموظف بالشكل الذي ينعكس في شكل انخفاض أدائه.

13. سوء التواصل الفعال وغيابه في بيئة العمل:

الاتصالات بين الرؤساء والموظفين وبين الموظفين مع بعضهم له تأثيره الكبير في إنجاز الموظف، فالإدارة الفعالة التي تتواصل تواصلاً جيداً مع موظفيها وتستمع لآرائهم وتحقق المزيد من الرضى الوظيفي تتميز بأداء موظفيها المرتفع والنقيض من ذلك صحيح.

14. غياب التفويض:

يميل معظم الموظفين لنيل قسط من الحرية في طريقة اختيار طريقة عملهم وأداء واجباتهم والحصول على بعض الصلاحيات ضمن وظيفتهم، وغياب ذلك يؤدي إلى انخفاض إنتاجيتهم.

شاهد أيضاً: 6 طرق مبتكرة لتعزيز إنتاجية الموظفين

ثالثاً: ما هي الحلول التي يمكن اتخاذها لتحسين أداء الموظفين؟

1. تحفيز الموظفين:

أي إثارة شعور داخلي لدى الفرد يحرك سلوكه وينشطه ويدفعه للعمل، والتحفيز مؤشر لا يمكن رؤيته بالعين المجردة لكن يمكن الاستدلال إليه من خلال سلوك الفرد وقدرته على أداء عمله كما يجب، ويمكن أن يكون التحفيز مادياً أو معنوياً:

2. الحوافز المادية:

تتمثل في الأجور والرواتب المرتفعة والعلاوات وزيادة الأجور مع ارتفاع تكاليف المعيشة والمشاركة في الأرباح، بالإضافة إلى المكافآت التي تُمنح على أساس الأداء المتميز والمزايا الاجتماعية مثل الضمان الصحي.

3. الحوافز المعنوية:

مثل ترقية الموظف ومنحه شهادات التكريم عند إنجازه ما يستحق ومشاركته في اتخاذ القرار.

4. تحسين التواصل وبناء الشراكة الفعالة في بيئة العمل:

يتم ذلك ببناء شبكة علاقات داخلية متميزة، وتنسيق العمل بين الموظفين، وتسهيل انتقال المعلومات بينهم، وبناء فرق العمل لإنجاز المهام التي تتطلب الجهد والوقت.

5. التوقعات:

ينبغي تحديد الهدف الذي يتوقع من كل موظف أن يؤديه وتعميمه، ويُترك للموظف اختيار الطريقة التي تناسبه لإنجاز هذا الدور.

6. التدريب:

يحتاج الموظفون إلى تنمية مهاراتهم وتطوير أدائهم باستمرار لتحقيق التلاؤم المناسب مع متطلبات العصر، بالإضافة إلى ضرورة تدريبهم على أداء الأعمال الجديدة التي توكل إليهم، فمن أهم النتائج التي يحققها التدريب الرضى الوظيفي وتخفيض التكاليف وزيادة الإنتاجية وضمان الاستمرار.

7. التعليم التنظيمي:

هو القدرة على تحسين الأداء ضمن إطار ثقافة تنظيمية؛ إذ تستطيع هذه الثقافة السائدة تغيير سلوك الموظف نتيجة للخبرة والتجارب التي يمر بها وتعزيز هذا السلوك من خلال التغذية الراجعة.

8. الأمان الوظيفي:

من الضروري تقديم الضمانات للموظف وكل ما يمكن أن يُشعره بالثقة تجاه المنظمة ويضمن له الاستمرار في عمله، بالإضافة إلى منحه الأجر المناسب لجهده الذي يكفل له الحياة الكريمة ومن ثمَّ حصول المنظمة على ولائه.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح مهمة لتحقيق الرضا الوظيفي

9. توفير بيئة العمل المناسبة والمريحة:

من مكاتب مريحة وتهوية جيدة وإضاءة وسواها.

10. إجراء تقييم لأداء الموظفين بشكل دوري:

للوقوف على نقاط ضعفهم وإيجاد الحل المناسب قبل تفاقم المشكلة.

11. تفويض بعض الصلاحيات للموظف:

وإشعاره بأهمية وجوده في هذه الوظيفة.

إقرأ أيضاً: 4 طرق فعالة لتحسين الأداء الوظيفي بشكل كبير

في الختام:

ينتج عن انخفاض أداء الموظف سلبيات كثيرة تنعكس على أداء المنظمة عموماً، فانخفاض إنتاجية العامل وانخفاض جودة منتجاته أو جودة العمل الذي يقوم به يتسبب بالهدر وزيادة في التكاليف وبطء نمو أعمال المنظمة، كما ينعكس ضعف أداء العامل على مواكبة المنظمة للتغيرات وعدم تبنيها استراتيجيات متطورة تمكِّنها من تقديم خدماتها بالشكل الأمثل والاحتفاظ بالميزة التنافسية ومن ثمَّ خسارتها؛ لذا يجب تفادي مشكلة انخفاض أداء الموظفين بعلاج الأسباب الحقيقة الكامنة وراءها، وتقديم ما تيسر من إمكانات داخل المنظمة لتحسين بيئة العمل، وتحفيز الموظفين وتدريبهم على تقديم أفضل ما لديهم بما يخدم مصلحتهم ومصلحة المنظمة.

المصادر:

  • 1
  • المبروك محمد الشيباني و سهام حسن المريمي و ابراهيم البشير جرجر، ضغوط العمل وأثرها على أداء العاملين في المصارف التجارية، مجلة كلية الآداب العدد التاسع والعشرون الجزء الثاني ، 2020.
  • غازي حسن عودة الحلايبة، أثر التحفيز في تحسين الأداء لدى العاملين في مؤسسات القطاع العام في الأردن، كلية إدارة الأعمال، جامعة الشرق الاوسط.
  • قاسم صباح، دور الالتزام التنظيمي ودوره في تحسين أداء العاملين، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة محمد خيضر- بسكرة، 2019



مقالات مرتبطة