أسباب الأزمة المالية العالمية وطرق التخلص من آثارها

الاقتصاد العالمي بأكمله يشهد أزمة مالية كبيرة، وكثيراً ما يتم تشبيه هذه الأزمة بالأزمة التي حدثت في عشرينيات القرن الماضي؛ والتي عُرِفَت بأزمة الكساد الكبير، والتي كانَت تُعَدُّ أسوأ كارثة مالية واقتصادية في القرن العشرين.



نتجَ عن تلك الأزمة عن انهيار سوق الأوراق المالية في وول ستريت في عام 1929 بحسب الاعتقاد السائد، ومن ثم تفاقمت الأزمة بسبب السياسة الحكومية الخاطئة للحكومة الأمريكية، وكانت النتيجة خسائر فادحة في الدخل والإنتاج وارتفاع معدلات البطالة حينها.

لكنْ لم تكُنْ أزمة الكساد في أولى الأزمات المالية في الولايات المتحدة الأمريكية؛ بل بدأت أول أزمة مالية في عام 1790؛ إذ كان هاملتون وزيراً للخزنة وأَسَّسَ البنك الأول في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد عامين وضعَ خطَّةً بهدف إنقاذ مالي حكومي، لكنْ عندها كانت الأسواق قد انهارت بسبب عمليات المضاربة وفقدان العملة الصعبة.

بعد تلك الأزمة المالية تتالَت الأزمات؛ إذ وصل العدد إلى ما يقارب 11 أزمة مالية في أمريكا؛ لذلك من الضروري تسليط الضوء على الأزمة المالية الراهنة والتي تفرض على العالَم بأكمله الكثير من التحديات، فالآثار السلبية الناتجة عنها لا تؤثر فقط في الدول النامية؛ وإنَّما تصل إلى الدول المتقدِّمة أيضاً.

مفهوم الأزمة المالية العالمية:

الأزمة المالية هي حالة حرجة جداً تواجه المنظومة الاجتماعية، ويفقد فيها أحدُ الأصول المالية الهامَّة جداً قدراً كبيراً من قيمته وبشكل حاد وغير مُتوقَّع؛ فيعجَز المستهلكون والشركات أيضاً عن سداد ديونهم والتزاماتهم نتيجة نقص السيولة والنقد وأيضاً الأصول التي يمكن تحويلها إلى أموال؛ والسبب بتقلُّص السيولة هو زيادة طلب النقود مقارنةً بعرضها؛ إذ يزداد سحب الأموال الموجودة في البنوك والأصول المالية الهامة المتعددة، مثلاً الموارد الطبيعية كالنفط والمعادن والماء والنباتات، والممتلكات العقارية التي تتضمن الأراضي والمباني، وينتُجُ عن الأزمة المالية الخلل والاضطرابات في عمل الوظائف الحيوية للمنظومة الاجتماعية.

أمَّا الأزمة المالية العالمية؛ فعندها تحدث حالة التراجع الاقتصادي الحرجة والحادة في الأسواق العالمية، وتتمثَّل بانخفاض القيمة المالية للأصول كما ذكرنا آنفاً؛ فيمتنع المستهلكون عن شراء السلع والخدمات ويسحَب العملاء أموالهم الموُدَعة في البنوك خوفاً من تراجُع قيمة العملة بشكل أكبر.

الخصائص الأساسية للأزمة المالية العالمية:

تبرز الخصائص الأساسية للأزمة المالية في النقاط الآتية:

  1. حدوث الأزمة المالية العالمية بشكل مُفاجِئ وعنيف جداً يجعلها تستقطب اهتمام مختلف الطبقات والفئات.
  2. التداخُل والتعقيد والتشابك في العوامل والأسباب المؤدية إلى حدوث الأزمة المالية العالمية.
  3. عدم وجود معلومات كافية عنها.
  4. التصاعد المتواصل والأحداث المتسارعة بشكل لا يَسمح كثيراً بمجابهتها والحد من تطوُّرِها.
  5. سيادة القلق والاضطراب والخوف من آثار الأزمة المالية العالمية في مختلف النواحي والفئات في المجتمعات التابعة إلى دول العالم النامية والمتقدمة.

شاهد بالفديو: أنواع الأزمات التي تحدث في المجتمع

تأثير الأزمة المالية العالمية في الدول النامية:

ضرر الأزمة المالية العالمية يلحق مختلف الدول، لكنْ دائماً المتضرر الأكبر هو الدول النامية، وإليك أبرز آثار الأزمة المالية العالمية في الدول النامية:

1. انهيار المؤسسات المالية والبنوك:

حيازة المؤسسات المالية والبنوك للأصول المرهونة بالرهن العقاري؛ والتي تُعرَف باسم الأصول السامة "الملوَّثة" هي مصدر القلق الأساسي للبنوك عند حدوث أزمة ماليَّة عالميَّة، وما يزيد من تأثُّر الدول النامية في الأزمات هو ارتباط البنوك في الدول النامية بروابط ضعيفة مع البنوك الدولية؛ إذ تعتمد في تمويلها على الدول المتقدِّمة؛ لذلكَ عند حدوث أزمة ماليَّة في تلك الدول، ستتأثَّر الدول النامية سلباً، وإضافة إلى ما سبق فإنَّ انخفاض أسعار البورصة وأسعار العقارات يخفض من رأس مال المؤسسة المالية أو البنوك وغير ذلك من الشركات الكبيرة؛ فتنخفض السيولة والنقد في النتيجة.

2. انخفاض العائد من صادرات الدول النامية:

الأزمة المالية تؤدي إلى اضطراب اقتصادات الدول المتقدِّمة ودخولها في حالة من الخمول، ومن ثم سينخفض الطلب على السلع من الدول المتقدمة، ولأنَّ النمو الاقتصادي للدول النامية يعتمد كثيراً على الصادرات؛ فالأزمة المالية العالمية ستتسبَّب بانخفاض الطلب على صادرات الدول النامية، وستتعرَّض التجارة في الدول النامية إلى ضغوطات جسيمة.

3. انخفاض التدفُّقات المالية الواردة من دول العالَم:

التي تعتمد عليها الدول النامية في تنميتها، وتكون على شكل استثمارات وتحويلات مالية؛ فخلالَ حدوث أزمات مالية من الطبيعي أن تنخفض التدفقات المالية؛ ومن ثم تحدث أضرار جسيمة في الاقتصاد في الدول النامية.

إقرأ أيضاً: التضخم الاقتصادي: مفهومه، وأسبابه، وآثاره، وطرق مكافحته

أسباب الأزمة المالية العالمية:

مُختلَف الأزمات المالية العالمية كانت مسبوقة بأسباب متشابهة أدَّت إلى حدوثها، وأبرز أسباب الأزمة المالية العالمية هي كما يأتي:

1. منح القروض بشكل مفرط:

عادةً ما يسبق حدوث الأزمات المالية العالمية استقرار في الاقتصاد وازدهار أيضاً يدفع البنوك والمصارف إلى تقديم تسهيلات كبيرة بهدف تشجيع الناس على أخذِ القروض، ولكنَّ تلك القروض قد تكون خطرة على البنك؛ مثل قروض الإسكان طويلة الأمد وذات التكلفة العالية جداً.

2. اقتراض كميات كبيرة:

إذ يرغبُ المُستثمِرون في امتلاكِ الأصول؛ ومن ثم يسحبون القروض الكبيرة ليتمكنوا من شراء العقارات، لكنْ فيما بعد عند انخفاض أسعار العقارات على اختلافها سيصبح ذلك القرض نقمة على المستثمر؛ وذلك لأنَّ العقارات التي اشتراها ستُكبده خسائر فادحة ومن ثم سيكبد البنك أيضاً خسائر جسيمة.

3. قلة الدراسات المالية الدقيقة:

قد يُسيءُ المتخصصون تقدير الوضع الراهن ولا يستطيعون ضبط المؤسسات المالية أو كبح جماح البنوك والمصارف؛ والتي بدورها تشجِّع الناس على اقتراض المال بكميات كبيرة من خلال ما تُقدِّمُ لهم من تسهيلات، فوجود جهات تضبط تلك القرارات المالية للمؤسسات والبنوك يساعد على عدم تفاقُم الأزمات المالية لاحقاً أو حتى عدم الوقوع فيها من البداية.

طرائق التخلُّص من آثار الأزمة المالية العالمية:

من الممكن أن تتَّخِذَ الدول بعض الإجراءات لتخفيف آثار الأزمة المالية العالمية قدر الإمكان وتقليل حدَّتها، ومنها ما يأتي:

  1. تطوير القوانين التي تخص الشركات الكبرى والمؤسسات الماليَّة والبنوك؛ إذ يتم الحد من الممارسات غير العادلة وتطبيق العقاب المناسب في حال حدوث أي شكل من أشكال المخالفات.
  2. نشر الوعي الاستثماري الكافي الذي يلزم أصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبرى، وتوفير المعلومات اللازمة عن نشاطات الأسواق المالية داخل الدولة أو خارجها على مستوى العالَم بأكملِه.
  3. إعادة النظر من قِبَل المصارف والبنوك في برامجها المُتَّبعة لمنحِ الائتمان بما يسمح بإعطاء المزايا للقروض الإنتاجية إن قارنَّاها مع القروض الاستهلاكية.
  4. وضع الضوابط التي تنظِّم التدفقات المالية من وإلى البلد بما يضمن انسجام التدفقات مع واقع وحال السوق المالية.
  5. التشجيع على إقامة المزيد من المصارف الإسلامية؛ فرغم أنَّها تجربة حديثة، ولكنَّها أثبتت نجاحها في الكثير من الدول العربية والأوروبية.

شاهد بالفديو: أسباب الأزمة المالية العالمية وطرق التخلص من آثارها

بعض الأمثلة عن الأزمات المالية العالمية:

أزمة الكساد الكبير التي ذكرناها في مقدمة حديثنا عن الأزمة المالية العالمية لم تكُنْ الأزمة المالية العالمية الوحيدة في التاريخ؛ بل يوجد غيرها الكثير، وهذه بعض منها:

1. انهيار البورصة في عام 1929:

الذي بدأ في شهر تشرين الأول؛ إذ حدث انهيار قوي في أسعار الأسهُم بعد مرور فترة من المضاربة في البورصة، كما تمَّ الاقتراض بشكل كبير في تلك الفترة لشراء الأَسهُم كما كان أحد أسباب الانهيار هو الفائض الكبير في المعروضات من مُختلَف السلع؛ فتسبَّبَ ذلك بانخفاض الأسعار انخفاضاً حاداً ثم حدثَ كساد استمرَّ حوالي 12 عاماً.

2. أزمة نفط أوبك في عام 1973:

قرَّرَت الدول الأعضاء في المنظمة التي تُصدِّر البترول إيقاف تصدير النفط إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم تسبَّبَ انقطاع صادرات النفط بشكل مفاجئ بارتفاع كبير في أسعاره؛ فحدثَتْ أزمة اقتصادية في الولايات المتَّحدة الأمريكية وفي الكثير من الدول الأخرى، وفيما بعد حدث ركود اقتصادي أَطلَقَ عليه الاقتصاديون المتخصصون حينها اسم الكساد التضخمي.

3. الأزمة المالية العالمية في عام 2007-2008:

التي تُعَدُّ أسوأ كارثة اقتصادية حدثت بعد أزمة انهيار سوق الأوراق المالية "البورصة" في عام 1929 وأزمة الكساد الكبير أيضاً، وبدأت هذه الأزمة المالية العالمية بأزمة إقراض الرهن العقاري في عام 2007؛ إذ توسَّعَت عملية الائتمان العقاري مع رهن العقارات؛ فتسبَّبَ ذلك بانخفاض أسعار العقارات بشكل كبير ومفاجِئ، وفيما بعد توسَّعَت إلى أزمة مصرفيَّة عالمية؛ إذ فشلت العديد من البنوك في عام 2008 وأُجريَت العديد من الخطط لإنقاذ الاقتصاد بهدف الحد من انتشار تضرُّر القطاع المصرفي، ولكنَّ هذه الأزمة تسبَّبَت بدخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود.

إقرأ أيضاً: مفهوم صناديق الاستثمار وأنواعها وأهميتها

في الختام:

الأزمة المالية العالمية هي حالة حرجة للاقتصاد تحدُث في الأسواق العالمية نتيجة تراجُع القيمة المالية للأصول؛ فيعجَز كل من المستهلكين والبنوك عن سداد ديونهم نتيجة انخفاض السيولة والنقد، كما يسحب العملاء أموالهم من البنوك خوفاً من تراجُع قيمة العملة بشكل أكبر، ومن أسباب الأزمة المالية العالميَّة نذكُر زيادة نسبة الاقتراض لتوسيع شراء الأصول، إضافةً إلى سوء التنظيم والسياسة السائدة في المصارف؛ والتي تجعل المؤسسات المالية متساهلة جداً في منح القروض.

أما عن كيفية التخلُّص من آثارها؛ فيمكن اتِّخاذ بعض الإجراءات التي تحدُّ من تفاقم الأزمة المالية العالمية؛ كنشر الوعي الاستثماري الكافي بين أصحاب رؤوس الأموال، ووضع الضوابط على التدفقات المالية من وإلى كل بلد، إضافةً إلى قيام البنوك بإعادة النظر في برامجها المُتَّبَعة لمنحِ الائتمان.




مقالات مرتبطة