أساسيات لتقبُّل أعدائك

قد تخاطب نفسك عند قراءة عنوان المقال، وتقول: "لماذا يجب أن أتقبَّل أعدائي؟ إنَّهم آخر الأشخاص الذين أرغب في تقبُّلهم، فهم لا يحاولون سوى إلحاق الأذى بي"، أنا أفهم تلك المشاعر تماماً، فقد شعرتُ بنفس الطريقة لسنوات عديدة، ومن الواضح أنَّ التفكير في تقبُّل الأشخاص الذين يتسبَّبون في حزننا، أمرٌ مثيرٌ للأعصاب، وقد يكون القيام بذلك صعباً جداً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "دانيال ميلر" (Daniel Miller)، ويقدِّم لنا فيه 5 أساسيات لتقبُّل أعدائنا.

مع ذلك، أصبحت أدرك الآن أنَّني عانيت بسبب رفضي لتقبُّل الأشخاص الذين كرهتهم أو احتقرتهم بلا داعٍ، سواء من حيث المعاناة الشخصية أم الاستجابات غير المُجدية لأفعالهم البغيضة.

فوائد تقبُّل وجود الخصوم والأعداء:

يأتي الخصوم والأعداء بأشكال عديدة، بما في ذلك المنافسين التجاريين معدومي الضمير، والرؤساء المتسلطين، وزملاء العمل غير الودودين، وخصومنا في المحاكم، والمنافسين الرياضيين، والمتنمرين والمهووسين بالسيطرة.

لكن مع مرور الوقت، فهمت فوائد تقبُّل هؤلاء الأشخاص على أساس هويتهم وطبيعتهم، وعلى طول الطريق، تعلَّمت بعض الأدوات والاستراتيجيات الهامَّة لتقبلهم، والتي سأشاركها معك الآن.

تتمثَّل إحدى الفوائد في أنَّ تقبُّل أعدائك يساعدك على تجنُّب أو على الأقل تقليل المواجهات وحالات الانتقام الضارة والمكلفة أحياناً والتوتر والتفاقم المرافقين لها، ومع ذلك، فإنَّ أهم فائدة - أو هدية، كما أحب أن أسميها - لتقبل أعدائك كما هم، هي أنَّك سوف تتخذ القرارات التي تناسبك.

اسمح لي أن أوضِّح ذلك بقصة حقيقية من حياتي؛ كان لدي منذ سنوات عدَّة مستأجر نمَت أعماله بسرعة وتوسَّعت عن مساحة المستودعات في إحدى عقاراتي، وقد تسبَّب ذلك في مشكلات خطيرة؛ لأنَّ شاحنات التوصيل الخاصة به كانت تفرغ مخزوناً ضخماً باستمرار في مناطق وقوف السيارات في العقار، وهذا أعاق وصول المستأجرين المجاورين إلى مستودعاتهم ومواقف السيارات الخاصة بهم.

كانت هذه الأعمال تنتهك شروط عقد إيجار المستأجر بوضوح؛ لذلك اشتكى المستأجر في الوحدة المجاورة له من أنَّه كان يعاني بسببه وأظهر صوراً توثِّق العوائق.

تحدثنا إلى المستأجر الذي سبَّب المشكلة وعرضنا عليه الصور، ونفى أن يكون تفريغ المخزون قد أعاق جاره، ثمَّ التزم لبضعة أيام، ولكنَّه عاد بعد ذلك إلى التفريغ حيث لم يكن من المفترض أن يفعل ذلك.

ثمَّ انتقل المستأجر المجاور من شقته بعد شهر من ذلك، وفي هذه المرحلة شعرت أنَّني أمام خيارين، إمَّا رفع دعوى للحصول على تعويضات مالية لخرق اتفاقية الإيجار وخسارة المستأجر الآخر، وكذلك طلب أمر قضائي ضد انتهاكات عقد الإيجار الأخرى، أو دفع مبالغ باهظة لمراقبي وقوف السيارات من أجل المساعدة على تقليل المخالفات.

بسبب غضبي من مخالفات المستأجر، كان رد فعلي الأول هو رفع دعوى قضائية، وعندما استغرقت عطلة نهاية الأسبوع للتفكير ملياً في الموقف، بدأت أفكر في خيار آخر، وقد أدركت أنَّ الحقائق الأساسية هي:

  1. كان المستأجر يفعل ما يفعله لأنَّه لم يكن لديه خيار نظراً لنمو عمله السريع، وليس لأنَّه كان يحاول إيذائي عمداً، وقد تقبَّلت ذلك، وهذا خفَّف من غضبي.
  2. قد يتطلَّب الأمر مالاً ووقتاً وكثيراً من التعقيدات لمتابعة الإجراءات القانونية، ومع أنَّنا على الأرجح سنربح القضية، فقد لا نتمكَّن من تحصيل التعويضات.

هكذا استنتجت أنَّني أحتاج إلى تقبُّل المستأجر، وتقبُّل الوضع على ما كان عليه، فلقد كان المستأجر يتصرَّف للحفاظ على العمل التجاري، ولم يكن لدي فرصة كبيرة لإيقافه.

لذلك؛ اخترت خياراً ثالثاً، وهو ألا أفعل شيئاً وأشاهد كيف ستسير الأمور، ولقد أبلغت أيضاً أنَّ إيجار المستأجر سيزداد كثيراً إذا بقي بعد انتهاء عقد إيجاره، ثمَّ بعد شهرين انتقل ذلك المستأجر، وقد كان الجانب المشرق في القصة هو أنَّني أجَّرت العقار ذاته لمستأجر جديد بمعدل أعلى بنسبة 20%، ممَّا زاد من أرباحنا التشغيلية وقيمة العقار.

5 أساسيات لتقبُّل أعدائك:

لا يُعدُّ تقبُّل أعدائنا وخصومنا كما هم أمراً سهلاً؛ إذ يبدأ الأمر بفهم ما لا يعنيه التقبل:

1. فهم التقبل:

إنَّ التقبُّل لا يعني التبرير أو التغاضي عمَّا فعله أو يفعله شخص ما، ولا يعني إنكار قيمنا ومبادئنا أو عدم القدرة على الاعتناء بأنفسنا، بل يعني تقبُّل الحقيقة الأساسية للموقف أو الشخص دون حكم أو مشاعر سلبية، مثل الخوف والغضب والاستياء.

فمن خلال تقبُّل أعدائنا بطريقة متوازنة، سنتمكَّن من التعرُّف إلى الخيارات والفرص التي تفيدنا بأفضل شكل؛ إذ ينتقل مع التقبُّل تركيزك من الآخرين إليك وإلى ما يمكنك القيام به لخدمة احتياجاتك الخاصة بأفضل شكل ممكن.

2. عدم التصرف أو التفاعل باندفاع:

تمهَّل وخذ الوقت الكافي لتقييم مكامن الخطر في شكواك ضد شخص ما وأهميته، فعند القيام بذلك فكِّر ما إذا كان يمكنك تغيير الشخص أو تغيير ما يفعله، وتذكَّر أنَّه حتى ولو كنت تشعر أنَّه من الممكن أن يكون لديك بعض التأثير في عدوِّك، ففكِّر فيما إذا كان النجاح في ذلك يستحق التكلفة والطاقة والمعاناة.

يمكنك طرح بعض الأسئلة على نفسك أيضاً، مثل: "هل من الأفضل أن أترك هذا الأمر في الوقت الحالي؟"، أو "هل أبالغ في أهميته؟".

3. معالجة مخاوفك:

إنَّ مخاوفنا ممَّا يمكن أن يفعله أو سيفعله عدونا لإلحاق الأذى بنا تجعلنا نظهر ردود فعل بدلاً من معالجة واكتشاف ما يمكننا القيام به لحماية أنفسنا أو الاعتناء بها، فعندما يهيمن الخوف على أفكارنا وأفعالنا، يكون ثمَّة أمل ضئيل في تقبل عدونا بطريقة تسمح لنا باتخاذ الخيارات التي تفيدنا بأفضل شكل، سواء كان ذلك في العمل، أم في شؤوننا الاجتماعية، أم في أي مكان آخر؛ إذ إنَّ معظم مخاوفنا وهمية، وتتلاشى وتزول بمجرد فحصها عن كثب.

شاهد أيضاً: 7 طرائق لتمنع الكارهين من تدمير حياتك

4. معالجة غضبك:

إنَّ الشعور بالغضب والاستياء عندما يؤذينا شخص ما هو أمر طبيعي، لكنَّ الأمر الهام هو معالجة هذه المشاعر في الوقت المناسب وعدم السماح لها بالبقاء، فإنَّ الاستمرار في الشعور بالغضب والاستياء يسبِّب لنا الأذى.

كما قالت الممثلة الأمريكية الراحلة "كاري فيشر" (Carrie Fisher): "الاستياء أشبه بشرب السم، ثمَّ انتظار موت الشخص الآخر".

إذ يحجب الغضب الأشياء التي يهدِّدها الخطر فعلاً، وما يمكننا القيام به لعلاجه بصرف النظر عمَّا حدث لنا أو فعله لنا شخص آخر، فما يزال لدينا خيار في هذا الشأن، إمَّا يمكننا البقاء متورطين في غضبنا واستيائنا، أو محاولة إيجاد طرائق لإبطاله قبل أن يؤثر فينا جداً.

فلا داعي لأن يُنظر إلى الأمر على أنَّه شيء صحيح أو خاطئ، فحتى لو كنَّا على حق، لن يكون هناك فائدة إذا بقينا غارقين في هذه المشاعر السلبية؛ إذ يعدُّ الانتقام خياراً أيضاً، لكن في أحسن الأحوال يجعلنا نشعر بالتحسُّن لفترة قصيرة فقط (إذا حصل ذلك)، ويؤدي على الأرجح إلى تفاقم عذابنا.

إقرأ أيضاً: ما هو مفهوم التسامح؟ وما فوائده وأهميته؟

5. التفكير في دورك:

يجب أن تفكِّر دائماً فيما إذا كان لديك دور ما في السلوك المزعج للآخرين، على سبيل المثال هل كنت متعجرفاً أو فظاً أو تجاهلتهم؟ وهل أسأت فهم ما قالوه أو فعلوه؟ يتطلَّب الأمر الشجاعة والصدق الذاتي للاعتراف بأنَّك قد تكون مخطئاً بصورة جزئية على الأقل.

أظنُّ أنَّه يجب عليك دائماً التأكُّد ممَّا إذا كنت مسؤولاً بطريقة ما، ففي بعض الأحيان لا يمكننا رؤية دورنا فيما حدث؛ لأنَّ "لدغة" العدو تجعل ذلك صعباً بالنسبة إلينا، ومع استثناءات قليلة لقد تعلمت أنَّه بصرف النظر عن مقدار براءتي أو ما إذا كنت على حق بشأن شيء أزعجني، لقد كنت مسؤولاً بطريقة ما عمَّا حدث.

إقرأ أيضاً: طرق التعامل مع الأشخاص الكارهين لك والحاقدين عليك

في الختام:

عندما تتعامل مع عدو أو شخص مزعج، أطلبُ منك أن تحاول أن تتقبَّله كما هو، فلا تبالغ في رد الفعل أو في الانتقام، تمهَّل لمعالجة غضبك وخوفك، وتجنَّب أخذ الموقف على محمل شخصي، ولا تفترض أنَّ ثمَّة نيَّة لإلحاق الأذى بك، بل فكِّر فيما إذا كان لديك أي دور فيما حدث.

عند القيام بهذه الأمور، لاحظ ما إذا كنت تشعر بأنَّك أكثر هدوءاً، وأكثر واقعية، وأقل انزعاجاً، وأكثر تركيزاً على الاهتمام باحتياجاتك، وأكثر قدرة على اتخاذ قرارات أفضل.

المصدر




مقالات مرتبطة