أدوارك في الحياة

لِنَقلِ وعَكسِ رسالتنا ومهمتنا في الحياة لابدّ أن نعيشها ونحيا بها، ونحن نعيش ونحيا من خلال أدوارنا، فلكل منّا أدوارٌ يعيشها في حياته، فعلى الصعيد الاجتماعي مثلاً نعيش كأب وأخ وابن (أو كأم وأخت وابنة)، وعلى الصعيد المهني نلعب دوراً مهنياً مُعيناً كمهندس أو طبيب أو محام، أو دوراً حسب العمل الذي نقوم به.



الدعوة هنا من أجل مراجعة أدوارك وتفحُّصِها عن قرب، والبحث عن الأدوار التي يجب أن تقوم بها في حين أنّك تتجاهلها، فنحن نتضايق كثيراً عندما نشعر بأنّنا مُقصِّرون في دور ما، في حين أنّنا ناجحون جداً في أدوار أخرى، فالحياة ليست وظيفة نعمل فيها أو علاقة ما أو أسرة، بل هي كل هذه الأمور مُجتمعة مع بعضها البعض. فإنّ عملية تحديد الأدوار تساعدنا على رؤية الأدوار التي نهملها، وفي نفس الوقت تعطي لحياتنا معنى آخر، وتساعدنا على العيش فيها بتوازن.

كيف تُحدّد أدوارك في حياتك؟

1. اكتب الأدوار التي تلعبها في حياتك:

قد لا تتضح أدوارك في الحياة من المرة الأولى، وقد يستغرق هذا الأمر شهراً أو أكثر كي تكتب كل الأدوار التي تلعبها في حياتك (تذكّر: قد تتغيّر أدوارك بمرور الوقت، فقد يظهر دور جديد كأن تتزوج مثلاً أو تنخرط في دور اجتماعي جديد). قد يخطر على بالك أن تُسمي دورك على مستوى العائلة بالدور العائلي، وقد تُفصّل فيه كأن تكتب دورك كأب، ابن، زوج... ونفس الشيء على مستوى العمل، فقد تختار أن تُفصّل في أدوارك كدور المدير، التسويق، المبيعات وهكذا.

2. قاطع أدوارك مع رسالتك في الحياة وحدِّد ما يتوافق معها.

3. اكتشف أية أدوار إضافية يجب أن تمارسها لتحقيق أهداف رسالتك في الحياة.

4. جَمّع الأدوار في سبعة أدوار رئيسية على الأكثر، كي تضمن التركيز الذهني عليها.

5. اقرن كل دور بالأهداف النهائية التي يجب أن تحقّقها في نهاية حياتك:

اسأل نفسك عند كل دور: ما هي الأهداف النهائية التي أريد تحقيقها في هذا الدور؟ ما هي النتيجة النهائية التي أريد الوصول إليها في حياتي لهذا الدور؟

إقرأ أيضاً: العمل/ النوم/ العائلة/ اللياقة/ الأصدقاء... أيّ ثلاثة منها ستختار!

6. حافظ على دور المُقيّم المتوازن: وفي هذا الدور تقوم بشيئين:

الأول مراجعة أدوارك بشكل دوري لرؤية الدور الذي تُقصّر فيه، من أجل أن تضع الحلول لهذه التقصيرات، وذلك لضمان العيش بتوازن بين أدوارك، ولكي لا تنجح في دور على حساب دور آخر، والشيء الثاني الذي تقوم به هو تقييم احتياجاتك وطرق إشباعها (كأن تُنفق وقتاً في الرياضة أو الكتابة أو إشباع الروح..)، وفي نفس الوقت العمل على التطوير الذاتي. إنه الدور الذي يُذكّرنا بألّا ننسى أنفسنا في غمار العمل، وبأن نقوم بالصيانة الدورية لحياتنا وبقية أدوارنا.

على افتراض أنّك قمت بتحديد أدوارك، أعتقد أنك -على الأغلب- اكتشفت بأنّ هناك الكثير من الأدوار في حياتك لم تكن تلعبها سابقاً! وكانت مُهمَلة سابقاً، فأنت الآن تُحدِّد الأدوار التي ستنظر من خلالها إلى حياتك لتضمن التوازن فيما بينها ولتضمن جودة حياة عالية. وبعد أن حدَّدت أدوارك حاول الإجابة على الأسئلة التالية:

  • هل تتوافق أدواري مع رسالتي في الحياة؟
  • هل أحافظ على التوازن بين أدواري؟
  • هل يستهلكني دور معين على حساب بقية الأدوار؟
  • هل أُهمل الوقت المُخصَّص لأي دور؟
  • ما تأثير تحديد الأدوار، وتحقيق أهدافها، على حياتي الشخصية؟

ولاحظ معي أن النشاط الواحد قد يخدم عدة أدوار، كأن أقوم بنشاط الذهاب إلى نادي السباحة (دوري كرياضي) وآخذ معي أطفالي (دور الأب) وأن أعلمهم السباحة (دوري كمعلم) وأن أشرك معي أحد أصدقائي وأطفاله في الرحلة (دوري كصديق) وهكذا أكون قد قمت بعدة أدوار معاً وفي نشاط واحد.

وهناك شيء مهم لابدّ من الانتباه إليه، ففي الواقع أنت تعيش أدواراً مختلفة ولكنها لنفس الشخص، فأنت تعيش دورك في العمل، وأنت نفسك الذي تعيش دورك في المنزل، وتعيش دورك مع الخالق، أنت نفسك الذي تعيش دورك في المجتمع، فهذه الأدوار كلها لكينونة واحدة ألا وهي أنت، فهي أدوار لشخص واحد ذي رؤية واحدة، ولابدّ أن تُوازِن بينها.

إقرأ أيضاً: كيف أحقق التوازن بين عملي وحياتي الخاصة؟

فلا تنظر إلى أدوارك كأجزاء مُنفصلة عن بعضها البعض، فإذا كنت تنظر إليها كأجزاء منفصلة فهذا سينعكس على حياتك، كأن تفصل ما أنت عليه أثناء العمل عمّا تقوم به من دور في منزلك! فذلك يُسبِّبَ التمزُّق والازدواجية داخل نفسك، إن التفاعل بين الأدوار يُساعدك في القضاء على هذه الازدواجية، ويوَّفر عليك وقتاً وجهداً كبيرين.

يقول غاندي: "لا يمكن للمرء أن ينجح في قسم من حياته بينما هو لا يُحسِن صنعاً في باقي الأقسام، فالحياة كُلٌّ لا يمكن تجزئته"، فعندما ننظر إلى أدوارنا على أنها أدوار منفصلة، فنحن نستخدم عقلية تفتقر إلى الحس بالزمن، حيث نرى الزمن محدوداً، وبالتالي فإنّ إنفاقه في دور معين يعني فقدانه من الأدوار الأخرى!

عندما تكون لنا رسالة في الحياة، ونبني أدوارنا من خلالها، يصبح فهمنا لأدوارنا أعمق، ونستطيع أن نعيشها بتوازن وتفاعل أكبر فيما بينها.

وهنا يصبح السؤال التالي مُهمَّاً: هل تنبع جميع أدوارك من رسالتك في الحياة؟ أم أنّك كتبتها فقط من أجل التباهي بها أمام الناس، أو من أجل إرضائهم، أي أنّ أدوارك تعكس ما يريدك الآخرون أن تكون، إذا كانت كذلك، فانتبه.. فالأدوار التي لا تنبع من الرسالة الشخصية لن يكون لها تلك القوة الدافعة، ولن تزوِّدك بتلك الطاقة الضخمة، وذلك لأنها لا تأخذ وقودها من ذاتك وحرارتها. أما الأدوار النابعة من الرسالة الشخصية فستجدها مليئة بالعاطفة والطاقة، وستدفعك إلى الأمام بقوة هائلة.

لن تجد دوراً ذا أهمية أكثر من دور آخر، حيث أنّه مهما صغر الدور، عندما لا تُعطيه حَقّه فإنّه سيؤثر على غيره من الأدوار، ولن يكون من المنطقي أن تنجح في دور وتفشل في دور آخر، كأن تنجح في العمل وتفشل في العلاقة مع الخالق، فالنجاح والفشل في أي دور سينعكس على بقية الأدوار الأخرى وبالتالي على حياتك كلها.

كلّما كانت نظرتنا شاملة وعميقة ومُتَّسِعَة لكل الأدوار كلّما كنا أقدر على العيش بتوازن وانسجام بين كل أدوارنا، وكلّما كنا أبعد عن خطر الاستغراق في دور واحد على حساب بقية الأدوار، ومن هنا تأتي أهمية التمعن في أدوارنا وفي مراجعتها بشكل دوري.

 

المصادر:

  • كيف تخطط لحياتك - د. صلاح صالح الراشد - مركز الراشد
  • إدارة الأولويات - ستيفن كوفي - مكتبة جرير
  • من هنا ابدأ إدارة وقتك - فرنسيس كي - مكتبة جرير



مقالات مرتبطة