أخطر آليات الدفاع التي نستخدمها في حياتنا (الجزء الثالث)

لقد تحدَّثنا في الجزء الثاني من المقال عن 4 آليات دفاع، وهي الإسقاط، والتكوين العكسي، والنكوص، والتبرير، وذكرنا بعض الأمثلة عنها وطرائق التعرف إليها، وسنتابع الحديث في هذا الجزء الثالث والأخير عن بقية الآليات؛ لذا تابعوا معنا.



1. الانشغال عن المشكلات:

تظهر هذه الآلية عندما تُحوِّل مشاعرك المتضاربة أو الرغبات غير الملبَّاة أو الدوافع غير المقبولة إلى وسائل للإنتاجية؛ إنَّه الموقف الذي تقضي فيه يوماً مرهقاً في العمل، ثمَّ تمارس رياضة المشي لتسترخي، أو تتشاجر مع شريك حياتك، ثمَّ تلجأ إلى الموسيقى للترويح عن نفسك.

عند استخدام هذه الآلية للتعامل مع موقف لا يمكنك فعل شيء حياله بصورة فعَّالة، فإنَّ الانشغال عن المشكلات في الواقع أحد أمثلة آليات الدفاع الإيجابية، ويمكن أن يساعدك على تحقيق الأهداف، لكن عندما تستخدمه بصورة روتينية لتجنُّب معالجة مشكلة يجب حلها للمضي قدماً، يمكن أن يكون لذلك تداعيات سلبية.

أمثلة عن آلية الانشغال عن المشكلات:

  1. يواجه الرجل مشكلات في التحكم بأعصابه، لذلك ينضم إلى "دوري الرجبي" (Rugby league)، حتى يتمكَّن من التخلص من عدوانيته بطريقة مقبولة اجتماعياً.
  2. تشعر امرأة بالإحباط لأنَّ ابنتها أهملت مرةً أخرى الاتصال بها في عيد ميلادها، وبدلاً من الاتصال بها للتعبير عن استيائها، فإنَّها تشغل نفسها عن الأمر وتقضي ثلاث ساعات في تنظيف الأرضيات والنوافذ.
  3. يُفرِّغ الرجل الذي يفتقر إلى الثقة بنفسه كل طاقته في حياته المهنية، بدلاً من العمل على تحسين صحته العامة ولياقته البدنية.

طريقة التعرف إلى آلية الانشغال عن المشكلات:

هل تجد نفسك تقوم بأعمال شاقة، أو تمرينات مكثَّفة، أو جلسات عمل طويلة ومرهقة عندما لا تحتاج فعلاً إلى القيام بها؟ هل يمكنك ربط هذه الأمور بأفكار التخلُّص من التوتر أو محاربة بعض المشاعر الأخرى؟ إذا كان الأمر كذلك، فمن المُرجَّح أنَّك تستخدم آلية الانشغال عن المشكلات، فمن خلال إدراك أنَّ هذه الآلية تتطابق مع تعريف آلية الدفاع اللاواعي، يمكنك اتخاذ خطوات لمعالجة هذا السلوك.

شاهد بالفيديو: 5 نصائح لاكتساب مهارة حل المشكلات

2. الانفصال:

الانفصال من أقوى آليات الدفاع؛ إذ يركِّز علم النفس الذي يدرس الانفصال على الهروب من الواقع؛ أي فصل نفسك عقلياً عن جسمك (تبدد الشخصية)، أو عن البيئة (الانفصال عن الواقع)، لإبعاد نفسك عن التجارب المربكة.

فإنَّ الانفصال أمر شائع يحدث بعد الصدمة، لأنَّه يوفِّر هروباً مؤقتاً، لكن عند استخدامه لفترة طويلة يُنشئ انفصالاً عن نفسك الحقيقية، وهذا يجعلك غير قابل للتأثر بالتجارب الإيجابية والسلبية على حدٍّ سواء.

أمثلة عن آلية الانفصال:

  1. تجد امرأة ما نفسها تأكل بنهم للهروب من مشاعر الخجل وكراهية الذات.
  2. يجد الرجل غير السعيد في حياته المهنية صعوبةً في التركيز على عمله، لذلك يسرح بتفكيره كثيراً، ويجد أنَّ هذا الحل أسهل من القيام بالعمل الضروري لابتكار حياة مهنية مجزية.
  3. ضغط والدا طبيبة عليها لتعمل في هذه المهنة، مع أنَّها كانت تحلم بأن تكون رياضية، لهذا تنفصل عن واقعها من خلال ممارسة أحلام اليقظة المتعلقة بالرياضة، بدلاً من الاعتراف بالاضطراب الوظيفي الذي تعاني منه.

طريقة التعرف إلى آلية الانفصال:

ليس بالضرورة أن يكون لديك تشخيص سريري لاستخدام آلية الانفصال، والتي تتراوح من معتدلة إلى شديدة، فقد تجد صعوبة في البقاء حاضراً ذهنياً أو البقاء راسخاً جسدياً؛ إذ تعدُّ جميع أنواع الإدمان أمثلة عن آلية دفاع الانفصال الشديد.

إقرأ أيضاً: اضطراب قلق الانفصال عند الصغار والكبار: أسبابه، وأعراضه، وطرق علاجه

3. التجنب:

آخر آلية في قائمة آليات الدفاع هي واحدة من أكثر الآليات شيوعاً، وهي التجنب؛ إذ يتعرَّف علم النفس إلى التجنُّب بوصفه ظاهرة شبه عالمية، لأنَّه من طبيعة البشر الابتعاد عن كل ما هو غير مريح، لكن عندما نتجنَّب المشكلات لفترة طويلة، فإنَّها تزداد سوءاً، وتوجد عدة طرائق واعية واللاواعية لتجنُّب حدوث مشكلة، ومن ذلك أمثلة آلية دفاع التجنب الآتية.

أمثلة عن آلية التجنب:

  1. موظف غير سعيد في عمله لذلك يماطل، بدلاً من البدء في مشروع صعب كُلِّف به.
  2. يواجه زوجان مشكلات في حياتهما الزوجية، فبدلاً من معالجة مشكلات علاقتهما، يغيِّر كل شخص فيهما مسار النقاش عندما يتحدثان عن هذا الأمر.
  3. يصبح صديقان غير ودودَين مع مرور السنين، فبدلاً من تقبُّل أنَّ صداقتهما لم تعد مُرضية، يستمر أحدهما في عيش ما يُسمَّى وهم الصداقة من خلال الدعوات المتكررة لقضاء الوقت معاً.

طريقة التعرف إلى آلية التجنُّب:

التجنُّب هو من آليات الدفاع التي يسهل التعرف إليها، لأنَّه غالباً ما ينتج عن تصرف واعٍ ومتعمد، فلمعرفة ما إذا كنت تتجنَّب مشكلةً ما بدلاً من مواجهتها، اسأل نفسك: هل يتضمَّن تعريف آلية الدفاع الشخصي الخاصة بي التجنُّب؟ إذا كانت إجابتك "نعم"، فيجب أن تتخذ خطوات لمواجهة مشكلاتك مباشرةً.

كيف تعوقك آليات الدفاع؟

يمكن أن يمنعك الاستخدام المناسب لآليات الدفاع عن النفس والأنواع الأخرى من تحقيق أهدافك وعيش الحياة التي تحلم بها، وذلك لأنَّها جميعها لا تواجه ما يحدث بالفعل، فلعيش حياة استثنائية، يجب أن تكون صادقاً مع نفسك وتتحمَّل مسؤولية مشاعرك.

طرائق التغلب على آليات الدفاع:

الآن بعد أن أصبح لديك قائمة بآليات الدفاع التي قد تستخدمها في حياتك، لا يوجد أي عذر لتجنُّب مواجهة ما تشعر به فعلاً، ففي حين لا يمكنك أن تتوقع التخلص من آليات الدفاع تماماً من حياتك، يمكنك التعامل مع أكثر الأنواع ضرراً حتى تتمكَّن من التواصل بصورة أفضل مع الآخرين والاهتمام بصحتك العاطفية، ولتحقيق ذلك اتبع الطرائق الآتية:

1. الوعي بالذات:

آليات الدفاع هي وسيلة لتجنُّب مشاعرك الحقيقية، فهي تميل إلى الظهور بوصفها طريقة لحماية أنفسنا عندما نشعر بالضعف، والخطوة الأولى للتغلُّب عليها هي تقبُّل أنَّك تستخدمها في المقام الأول، وبمجرد أن تتمكَّن من معرفة متى تستخدمها، يمكنك التعمُّق في التعرف إلى مشاعرك.

اسمح لمشاعرك بالظهور كما هي، ثمَّ تصرف لتغيير حالتك بدلاً من دفن ما تشعر به، فبمجرد تحديد طريقة تعاملك مع التوتر أو المواقف السلبية، يمكنك بسهولة تغيير حالتك، ومع مرور الوقت، ستتمكَّن من التعامل مع مشكلاتك بصورة مباشرة أكثر، وهذا سيساعدك على الشعور بمزيد من الرضى عموماً.

2. تحمُّل المسؤولية:

تكون آليات الدفاع غالباً وسيلةً لإلقاء اللوم على أمر آخر سوانا، فنحن نعتقد أنَّ الحياة تقف ضدنا، بدلاً من تحمُّل المسؤولية عن دورنا في الظروف التي تواجهنا، والحقيقة هي أنَّ الحياة نعمة، وتمنحنا الامتياز والفرصة والمسؤولية لرد الجميل لنصبح أفضل، لذلك مهما حدث، تحمَّل المسؤولية.

لكي تصبح أفضل، يجب أن تتقبَّل أنَّه لا يمكنك التحكُّم بالطريقة التي يتصرف بها الآخرون، وإنَّما يمكنك التحكُّم بالطريقة التي تتفاعل بها معهم، ويمكنك التحكُّم بعواطفك، وهذا هو الفرق بين أولئك الذين تركوا الحياة تأخذ مجراها، والأشخاص الذين يصنعون الحياة بأنفسهم.

إقرأ أيضاً: 9 نصائح لتحمل المسؤولية عن أفعالك وعيش حياة أكثر سعادة

3. تغيير الأنماط:

كلنا نعلق في الأنماط، وغالباً لا تخدمنا، فبمجرد أن تتعلَّم تحمُّل مسؤولية مشاعرك، ستكون مستعداً لتغيير تلك الأنماط والتوقف عن استخدام آليات الدفاع، فيمكن أن تساعدك استراتيجيات، مثل ممارسة اليقظة الذهنية والامتنان على تغيير طريقة تفكيرك ورؤية العالم بطريقة أكثر إيجابيةً.

وتسمح لك كتابة اليوميات بالتعامل مع مشاعرك والبدء في رؤية الأنماط التي تعوقك، كما يمكنك مناقشة أفكارك مع كوتش محترف بحيث يحاسبك عندما تتخذ قرارات غير صحيحة؛ إذ توجد عدة أدوات متاحة، والأمر كلَّه يتعلق بالعثور على مجموعة الأدوات المناسبة لك.

في الختام:

يتعامل جميع الناس مع آليات الدفاع، وهذا أمر طبيعي، لكن عندما تعتمد بصورة كبيرة على آليات الدفاع هذه، وتختلق الأعذار عندما يمكنك إحراز تقدُّم، فقد حان الوقت لتحليل سلوكك وتغيير أسلوبك؛ إذ يتطلَّب العمل بعد التخلص من آليات دفاعك جهداً، لكنَّه يستحق ذلك.

المصدر




مقالات مرتبطة