أخطاء فادحة يرتكبها الأهل في تربية أطفالهم

لا شكَّ في أنَّ عملية تربية الطفل هي عملية صعبة ومعقدة، وقد تكون الأصعب على الإطلاق؛ وذلك لأنَّ الطفل يتميز ببنية نفسية وعاطفية هشة، وخصوصاً أنَّ مرحلة الطفولة هي مرحلة بناء المفاهيم الأساسية في الحياة، بالإضافة إلى أنَّ معظم الأطباء النفسيين يُرجعون سبب الكثير من الأمراض النفسية عند البالغين أو حتى الكهول إلى مرحلة الطفولة.



هل يُعَدُّ الثناء المستمر أمراً جيداً في تربية الطفل؟

يعتقد بعض الأهل أنَّ الطفل بحاجة إلى التحفيز والثناء الدائم والمستمر من أجل بناء ثقته بنفسه وتشجيعه على الانطلاق في الحياة، وقد يبدو هذا الكلام منطقياً بالنسبة إلى الكثيرين من الناس، لكن في حقيقة الأمر للثناء المتكرر والزائد عن حده آثار سلبية في الطفل بخلاف ما هو مُتوقع.

إذ إنَّ توجيه الثناء أو المديح على كل الأمور التي يفعلها الطفل، يجعل جميع أفعاله مقرونة بأمر واحد وهو الثناء، وتتولد لديه الرغبة في إنجاز المهام بهدف واحد فقط؛ وهو الحصول على المديح.

وفي حال كان الأهل يكافئون طفلهم على كل فعل يقوم به مهما كان صغيراً - سواء من خلال شراء الحلوى أم الألعاب أم منحه النقود - فإنَّ ذلك له آثار سلبية أكبر؛ إذ قد يتعود الطفل على أنَّه يوجد مقابل مادي لقاء كل عمل يقوم به، وقد يرفض القيام بأي نشاط لا يحقق منفعة مادية.

ما هو البديل المناسب للثناء المستمر في تربية الطفل؟

التصرف الصحيح البديل عن هذه الأساليب الخاطئة ليس أن نلغي المديح أو المكافئة؛ وذلك لأنَّ لهما الكثير من الفوائد التي تحفز الطفل وتُشعره بأهمية ما يمكن أن ينجزه من أعمال؛ لذا من الأفضل أن نراعي ما يأتي:

  1. يجب على الأهل تجنب الإفراط في المكافأة أو المديح؛ لأنَّ ذلك سيؤدي إلى فقدان التأثير الإيجابي لها.
  2. يجب على الأهل عدم إعطاء مكافأة في حال قيام الطفل بواجباته الاعتيادية؛ وذلك من أجل تكريس مفهوم الواجب الذي قد يؤديه الإنسان دون مقابل.
  3. من الهام قيام الأهل بتوضيح فكرة المكافأة للطفل على أنَّها مكافأة تخص الجهد والإصرار الذي قام به بصرف النظر عن النتيجة النهائية.
  4. يجب ألَّا تقتصر مكافأة الأهل لطفلهم على تحقيقه للهدف أو نيله لعلامة ممتازة في الامتحان.
  5. يجب أن تكون المكافأة أو الثناء مكافأة جهد بالدرجة الأولى؛ لأنَّ ذلك يعلِّم الطفل أهمية الجهد وتصبح النتيجة النهائية تحصيل حاصل.

كيف يمكن استخدام المديح والثناء بشكل إيجابي بالنسبة إلى طفل لديه امتحان؟

إذا كان لدى طفلك امتحان في مادة الرياضيات، وأنت تراقبه من حين إلى آخر، فتجده يدرس بكل جد واجتهاد، ولا يضيع الوقت إلَّا باستراحة بسيطة يشحن بها طاقته للعودة من جديد إلى طاولة الدراسة؛ هنا يجب على الأهل تقديم الثناء والمديح على هذا الجهد المتواصل والحثيث الذي يقوم به ولدهم، وهو جهد غير عادي؛ لأنَّه لا يقوم به كل يوم، ويمكن أن تكون المكافأة كأساً من العصير أو قطعة من الحلوى أو تقديم الوجبة التي يحبها، مع التأكيد على أنَّ سبب المكافأة هو رؤيتهم لهذا التعب والجهد وتقديرهم له.

يفرح الطفل حين يرى ويسمع ويلمس تقدير أهله لجهوده ودراسته وثقتهم به؛ إذ يقولون له: "إذا استمررتَ بالدراسة بهذه المثابرة وبهذا الجهد فالعلامة تحصيل حاصل"، إنَّ هذا الكلام ينزع من قلبه الكثير من القلق والكثير من الضغط النفسي الذي يعيشه أي تلميذ في فترة الامتحانات.

مقارنة الطفل بأقرانه:

إنَّ أكثر ما يمكن أن يؤذي الطفل من الناحية النفسية ومن ناحية ثقته بنفسه وقدراته هو مقارنته بأشخاص آخرين، وللأسف الشديد يتصرف الكثيرون من الأهل هذا التصرف جاهلين آثاره السلبية؛ إذ يتولد لدى الطفل اعتقاد بأنَّ عليه أن يكون أفضل من أجل أن يتفوق على من حوله، وليس من أجل أن يطور نفسه.

بالإضافة إلى إحساس الطفل بنقص القيمة مقارنةً بغيره من الطلاب؛ مما قد يسبب الكثير من الاضطرابات النفسية في حياته المستقبلية مثل اضطرابات القلق أو الاضطرابات الاكتئابية؛ وذلك بسبب بدء حالة من نقص تقدير الذات تتطور وتنمو مع الزمن.

شاهد: قواعد هامة في تربية الطفل الوحيد

عدم امتلاك معايير ثابتة في تربية الطفل:

يوجد الكثيرون من الأهل الذين لا يملكون معايير ثابتة للتعامل مع أطفالهم؛ إذ إنَّهم يميلون إلى التسامح مع أطفالهم في حالات معينة ومن بعد ذلك قد يغضبون منهم لمجرد قيامهم بالأمور نفسها التي تم التسامح معها فيما مضى.

هذه الازدواجية في التربية لها آثار كارثية في شخصية الطفل؛ إذ يختلط عليه مفهوم الخير والشر ويصبح مرتبكاً حيال التمييز بين ما يجوز وما لا يجوز؛ مما يعزز لديه شخصية مترددة، وقد يصبح عاجزاً عن اتخاذ قرار حاسم في المستقبل.

في حالة انفصال الوالدين عن بعضهما، قد يسعى كل طرف إلى إظهار المحبة والمودة لطفلهِ أكثر، وقد يسمح له بالكثير من الأشياء منها ما يجوز ومنها ما لا يجوز؛ وذلك بقصد أن يعبر له عن حبه أكثر، ولا يعرف الأبوان في هذه الحالة بأنَّهما يؤذيان الطفل؛ وذلك من خلال إخضاعه إلى معايير متغيرة في التعامل، فقد يظن أنَّ كل شيء مسموح له في هذه الحياة، ولا وجود لأي قانون ثابت.

الكذب على الطفل أداة سيئة في التربية:

كثيراً ما يكذب الأهل على الطفل من أجل السيطرة عليه أو دفعه إلى تنفيذ الأوامر سواء كانت تلك الأوامر لمصلحته الطفل أم لمصلحتهم، مثل الأم التي تقول لابنها بأنَّ عليه أن يأكل السبانخ لأنَّه إن لم يفعل ذلك فإنَّ الوحش سيأكله، ومع الوقت سيخف تأثير مثل هذه الكذبة لأنَّه سيكتشف زيفها، وفي جميع الأحوال هي كذبة سيئة لأنَّها تدفع الطفل إلى الشعور بالخوف والقلق الذي قد يرافقه إلى مراحل متقدمة من حياته.

يجب أن تتعامل الأم مع طفلها الذي يرفض تناول السبانخ لأنَّه لا يحبها بطريقة أكثر منطقية وعقلانية بما يتناسب مع المرحلة العمرية للطفل؛ إذ يمكن أن تقول له: وأنا أيضاً لم أكُن أحب تناول السبانخ لكن بعد أن ذهبت إلى الطبيب وأخبرني عن الفوائد الكثيرة الموجودة في السبانخ أصبحت أتناولها بشكل مستمر، وأنت كذلك يجب عليك أن تتناولها فهي تجعل جسمك أقوى في مواجهة الأمراض، وتجعلك تتذكر ما حفظته لمدة أطول، وتساعدك على نيل علامات أعلى في المدرسة.

بهذه الطريقة نستطيع أن نقنع الطفل بأن يتناول السبانخ من أجل فوائدها، وليس خوفاً من أن يأكله الوحش، كما أنَّنا نزرع في دماغه طرائق التفكير المنطقية الصحيحة، ويتعلم دماغه تطبيق هذا التفكير في بقية الأشياء والقضايا التي تعترضه في الحياة.

هل من الصحيح السماح للأطفال الصغار بمشاهدة التلفاز؟

يسمح الكثيرون من الأهل لأطفالهم الصغار بمشاهدة التلفاز متى أرادوا ذلك وفي أي عمر كان، وهذا خطأ شائع؛ إذ أثبتت جميع الدراسات والأبحاث الحديثة الآثار الكارثية لمشاهدة التلفاز بالنسبة إلى الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم حدَّ الأربع سنوات؛ وذلك لأنَّ أول أربع سنوات في حياة الطفل هامة جداً من أجل بناء وتطوير مهاراته الفكرية والعقلية والعاطفية، وفطرة الإنسان تقتضي خروجه في الطبيعة وتعرُّفه إلى الأشياء من حوله بشكل حقيقي وواقعي وليس بشكل افتراضي، ويمكن القول إنَّ التلفاز له تأثير مثبط في التطور الروحي والحركي للطفل، ويؤدي إلى خسارة مرحلة هامة وحساسة في تطوُّره.

إقرأ أيضاً: النجاح في تربية الطفل: 6 طرق فعّالة لتنمية ذكاء الطفل في سنٍ مبكر

هل من الصحيح السماح للأطفال باستخدام الهواتف الذكية؟

لا يقتصر الأمر على مشاهدة التلفاز؛ بل يتعداه إلى استخدام الهواتف المحمولة أو الأجهزة الذكية التي يَعُدُّها الأطباء النفسيون ذات تأثير سلبي مضاعف؛ إذ يقول الدكتور رفيف المهنا الاختصاصي في الطب النفسي: إنَّ ابنته تبلغ من العمر سبعة عشر عاماً، وهي حتى الآن لا تملك رقماً أو هاتفاً محمولاً خاصاً بها، وهي مقتنعة بذلك إذ تود أن تعيش حياتها بشكل طبيعي وبعيد كل البعد عن العالم الافتراضي.

يكمل الدكتور رفيف حديثه عن الآثار السلبية لاستخدام الأطفال للأجهزة الذكية، ويقول على الرغم من عدم وجود أيَّة توصيات من منظمة الصحة العالمية تتعلق بمخاطر استخدام الأجهزة الذكية في أعمار صغيرة، إلَّا أنَّ لها دور كبير في نشوء المرض النفسي أو الاضطراب النفسي مثل القلق والاكتئاب وغيرها؛ والسبب في ذلك هو العزلة الاجتماعية التي تجعل الطفل في حال استغناء شبه كامل عن محيطه الاجتماعي؛ مما ينعكس سلباً على قدراته ومهاراته الاجتماعية في المستقبل؛ إذ يؤكد الدكتور رفيف على أهمية العلاقات الاجتماعية السوية في الوقاية من الأمراض والاضطرابات النفسية وعلاجها.

لماذا لا تُصدَر توصيات بخصوص أضرار استخدام الهواتف الذكية على الأطفال؟

يُرجع المهنا سبب سكوت منظمة الصحة العالمية عما يتعلق باستخدام الأطفال للأجهزة الذكية إلى موضوعات اقتصادية وتجارية بحتة؛ إذ إنَّ مثل هذه التوصيات قد تؤدي إلى خسارة شريحة واسعة من المستخدمين، ومن ثم حدوث خسارة مادية هائلة لشركات تصنيع الهواتف المحمولة قد تصل إلى مليارات الدولارات.

إقرأ أيضاً: أهم 10 نصائح في تربية الأطفال تربية سليمة

في الختام:

لا شك في أنَّ تربية الطفل هي عملية صعبة ومعقدة وبحاجة إلى متابعة مستمرة وإلى اطلاع دائم على آخر الأساليب الحديثة في مجال تربية الطفل، مع التأكيد على ضرورة طلب مساعدة الطبيب أو المعالج النفسي في حال مواجهة الطفل لمشكلات جدية، ويَنصح الكثيرون من الأطباء النفسيين بأن يكون هناك مراجعات دورية لعيادة الطبيب النفسي كل ستة أشهر على الأقل.

المصادر: 1،2،3




مقالات مرتبطة