أثر التفكير المخالف للواقع على حياتنا

هل تساءلت يوماً ما الذي كان ليحدث إذا لم يحدث أمر معين؟ أو كيف يمكن أن يكون الموقف مختلفاً تماماً إذا تصرفنا أو قلنا شيئاً آخر؟ مثل مواقف الإعجاب التي مررنا بها في سن المراهقة فخجلنا وبقينا صامتين ولم نكشف عن مشاعرنا، لكن حتى بعد مرور سنوات لا يسعنا إلا أن نتساءل ماذا كان ليحدث لو أنَّنا اعترفنا بمشاعرنا؟ فربما كانوا يبادلوننا المشاعر نفسها، ولعلَّ علاقتنا كانت ستتطور، وبعدها نتزوج.



التفكير المخالف للواقع:

يقدم المؤلف الفرنسي ألبير كامو (Albert Camus) تعريفاً رائعاً للحياة: "مجموع كلُّ من يندمج في عملية تفكير محددة تسمى التفكير المخالف للواقع (Counterfactual thinking)". درس الخبير في علم النفس الاجتماعي واتخاذ القرار، الدكتور نيل روزي (Neal Roese) هذا النوع من التفكير على نطاق واسع، وأوضح أنَّنا عندما نتصور كيف يمكن أن تكون الأمور أسوأ، مثل أن تفكر "أنا سعيد جداً لأنَّ سيارتي فقط التي تأذت في هذا الحادث، فلو كنت أسير أسرع قليلاً، كان من الممكن أن أتعرض للإصابة"، فنحن نمارس بذلك التفكير المخالف للواقع التنازلي (Downward counterfactual thinking)، ممَّا يؤدي إلى شعور متزايد بالراحة والتفاؤل وحتى الامتنان؛ أي يجعلنا نشعر بتحسن.

بخلاف ذلك عندما نكتشف ما كان يمكننا القيام به بأفضل مما فعلناه - التفكير المخالف للواقع التصاعدي (Upward counterfactual thinking) - مثل أن تفكر "لو درست أكثر من أجل هذا الاختبار لكنت حصلت على درجات أفضل"، فإنَّنا غالباً ما نشعر بالذنب والندم ويمكن أن نلوم أنفسنا؛ ولذلك قد يكون من المغري تجنُّب هذا النوع من التفكير، وما يرتبط به من تأثير سلبي، لكنَّ ذلك سيكون ضاراً بنا.

شاهد بالفديو: 7 خطوات تساعدك على التعلم من أخطاء الماضي

النظر للتفكير المخالف للواقع التصاعدي بوصفه تجربة علمية:

أثبتت الأبحاث أنَّ التفكير المخالف للواقع التصاعدي (Upward counterfactual thinking) هو آلية تكيفية مذهلة تسمح لنا بفهم أين ارتكبنا خطأ لتجنُّب تكراره في المستقبل، ويشرح أحد أفلام ديزني "الأسد الملك" (The Lion King) هذه الفكرة تماماً؛ إذ يلوم سيمبا (Simba)، وريث العرش نفسه على وفاة والده؛ فقد ترك وطنه لسنوات في محاولة للاختباء ونسيان ذنبه، وعندما عثر عليه القرد رفيكي (Rafiki) أخيراً، قدَّم له معلمه الحكيم نصيحة غيرت حياته.

عندما يقول سيمبا - موضحاً - إنَّه يخشى العودة ومواجهة ماضيه، يضربه القرد على رأسه بعصا، ويصرخ سيمبا قائلاً: "لِمَ فعلت هذا؟"، ليرد عليه القرد الحكيم: "لا يهم، إنَّه في الماضي"، وبعد هذه الكلمات يحاول القرد ضرب الأسد مرة أخرى، لكن هذه المرة تجنَّب سيمبا الهجوم ممَّا يثبت النقطة والتي هي "يمكننا التعلم من ماضينا" وأن نصبح أفضل.

معرفة ما يجب القيام به، لكن عدم التصرف بناءً عليه لا يجعلنا أفضل؛ وذلك لأنَّ معرفة أنَّنا يجب أن ندرس أكثر للحصول على درجات أفضل هو جزء من العملية، لكن إذا لم ندرس في الواقع، فهذا معدوم الفائدة، والأسوأ من ذلك أنَّ الإفراط في التفكير المخالف للواقع، يمكن أن يزيد من مخاوفنا، ويبقينا في حالة من التأثير السلبي مع تأثير خطير في صحتنا العقلية.

نتيجة لذلك، فإنَّ أحد المبادئ الأساسية عند ممارسة التفكير المخالف للواقع التصاعدي هو رؤيته بوصفه تجربة علمية. فنلاحظ ما فعلناه، ونرسم افتراضات لما كان يمكن القيام به بطريقة أفضل، فحتى بالنسبة إلى الاختبار ليس لدينا استنتاجات؛ بل مجرد فرضيات.

ومن ثم ثمة حاجة مطلقة لموازنة تفكيرنا بالأفعال للتحقق من صحة افتراضاتنا وتحويلها إلى استنتاجات والنمو ممَّا تعلمناه جديداً، فإذا لم نتحرك لا يمكننا الحصول على اليقين، وسنبقى في عالم من الشك؛ فنفكر باستمرار في الأفكار نفسها دون الحصول على أيِّ فائدة.

إقرأ أيضاً: 10 أهداف ستضمن لك النمو الشخصي وبلوغ النجاح والسعادة

مباشرةً بعد الهجوم الثاني من القرد رفيكي، سأل القرد سيمبا: "ماذا ستفعل الآن؟" بذكاء، أمسك الأسد الشرس بالعصا ليرميها بعيداً لمنع ضربة أخرى قبل أن يركض نحو موطنه الأصلي، وبعد تفكيره جيداً بالأمر، اتخذ الإجراءات وأصبح الملك الذي كان مقدراً له أن يكون؛ فعندما نوازن بين التفكير والعمل، فإنَّنا نسير في الطريق المؤدي إلى النمو الشخصي.

المصدر




مقالات مرتبطة