9 نصائح لتطوير الذات والمُضي قُدماً في تحقيق أهدافك

قد يكون ما سأتحدَّث عنه في هذا المقال ناتجاً عن الدرس القاسي الذي علَّمتني إيَّاه الحياة، أو نتيجة ما مررت به في الفترة الأخيرة من إخفاقات وفشل:



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "مارك كرنوف" (Marc Chernoff)، يقدِّم فيه 9 نصائح لتطوير الذات وتحويل الظروف الصعبة إلى فرص لتحقيق الأهداف.

قبل 15 عاماً من الآن وفي نوبة هلع في عيد ميلادي السابع والعشرين، كان عليَّ أن أعترف لنفسي في وقتها أنَّني بدأت أفقد ثقتي بقدرتي على تحقيق أحلامي؛ إذ أردت أن أشعر بالأمل والحرية والطموح والشغف مرةً أخرى؛ لكنَّني لم أعرف كيف أحقق ذلك، ولحسن الحظ وقفت أمي الحكيمة إلى جانبي وقدَّمت لي نصيحة ثمينة؛ إذ قالت لي إنَّها ما تزال تثق بي وما تزال ترى أنَّ في داخلي شخصاً إيجابياً شغوفاً، وكلُّ ما يلزم هو أن أبحث عن ذاتي حتى أستعيد شغفي.

عندما كنت أحاول أن أطبِّق نصيحة أمي، تذكَّرت أنَّه يوجد اقتباسان كتبتهما في سنوات مراهقتي، وكنت أتذكرهما باستمرار، وهما:

  • "تقبَّل الواقع، وانسَ الماضي، وتحلَّ بالإيمان بينما تمضي قُدماً".
  • "لا تخف من المشي وحيداً في الطريق الذي يقل عابروه، واستمتع بكلِّ خطوة".

لذلك دونت هاتين العبارتين من جديد بمجرد أن تذكرتهما وعلقتهما على الحائط بجانب سريري، وفي كلِّ صباح أستيقظ لأقرأهما، وواظبت على هذه العادة لسنوات، وقد ساعدتني كثيراً في الحفاظ على تركيزي، وخطوت أيضاً خطوات بسيطة يوماً بعد يوم حتى أيقنت مجدداً أنَّني عدت إلى المسار الصحيح.

لذلك في هذا المقال سأقدِّم شيئاً للأشخاص الذين يشعرون أنَّ الأفق في حياتهم بات مسدوداً وأنَّهم لا يعرفون كيف يمضون قُدماً، هي عبارة عن نصائح عملية ساعدتني على المضي قُدماً عندما قررت أنَّ الوقت قد حان لإجراء التغيير، إضافة إلى ذلك، فإنَّ هذه النصائح هي بمنزلة استراتيجيات مستمدة من تجاربي الشخصية، وهي موثوقة؛ فقد جربها مئات الأشخاص الذين قدمت لهم الكوتشينغ.

إليك 9 نصائح لتطوير الذات والمُضي قُدماً في تحقيق أهدافك:

1. قدِّر نفسك:

يجب أن تعترف أنَّك قضيت كثيراً من حياتك وأنت تقلل - دون وعي - من شأنك؛ إذ كنت تعتقد أنَّك غير كفؤ، وتحاول أن تكون شخصاً آخر؛ أي شخصاً يتلاءم مع تصوراته عن الشخص المثالي.

قد تحاول أن تكون أقل حساسية، وأقل احتياجاً وتحاول أن تتفادى أيَّة هفوة، وباختصار تحاول أن تتقمص شخصية غير شخصيتك، والسبب في هذا هو أنَّك شعرت بأنَّك عاجز عن تغيير أيِّ شيء، ولا تريد أن تبقى وحيداً، وكنت تسعى جاهداً إلى أن تنال إعجاب الآخرين، ولقد أردت أن تترك لديهم انطباعاً جيداً، وأردت أن تبدو هاماً ومحبوباً؛ وبذلك تشعر بالراحة والكمال، ولفترة طويلة استمررت بخداع نفسك، ربما من دون قصد في محاولة منك لإرضاء الجميع على حساب سعادتك؛ ولذلك كنت تتألم بشدة.

لكنَّك أصبحت الآن ترى الأمور رؤية مختلفة، ولم يعد الأمر يستحق كلَّ هذا العناء، ولم يعد من المقبول أن تستمر في التقليل من شأنك، والأكثر أهميةً من كلِّ ذلك أنَّك تدرك الآن أنَّك مهما فعلت، فإنَّ بعض الأشخاص سيبقى يوجه لك الانتقادات، وباختصار أصبحت تدرك الآن أنَّك يجب أن تمتلك دافعاً حقيقياً للقيام بما يجب عليك القيام به، وليس لأنَّك تعتقد أنَّ ذلك ما يحتاج إليه الجميع؛ بل لأنَّك عرفت أخيراً أنَّك تستحق أن تمنح نفسك الحب والرعاية.

لم تعد بحاجة لأن تنال رضى الآخرين؛ بل أصبحت تعرف الآن أنَّك جيد بما يكفي كما أنت عليه، ولا تحتاج إلى تغيير نفسك أو تقمُّص شخصية غير شخصيتك؛ فأنت شخص هام بالفعل، وأفكارك تستحق الاحترام، ومشاعرك أيضاً، ومن الآن ستسعى إلى تلبية احتياجاتك؛ لأنَّك أدركت أخيراً أنَّها أشياء هامة.

من الآن فصاعداً لن تكون محتاجاً إلى تقييم الآخرين، يجب أن تكون على طبيعتك وتعيش بشخصيتك الحقيقية، وإن لم ينل ذلك إعجاب الآخرين، وإن كلَّفك الأمر أن تسعى إلى هدفك دون أن يكون إلى جانبك أحد لبعض الوقت، وإن تزعزعت ثقتك بنفسك.

المعركة الحقيقية هي معركتك مع أفكارك، والتي هي شيء يمكنك التحكُّم فيه، وليس هي من يتحكم فيك؛ فقد تكون مُحبَطاً فيما سبق بسبب ما مررت به من صعوبات أو تعرضك للرفض أو التوتر؛ لكنَّك بالطبع لست مُنهاراً بالكامل، ولا تسمح للآخرين بأن يقنعوك بذلك، كما يجب ألا تسمح لأفكارك بأن تهزمك، فاستَعِد قوتك وارفض التقليل من شأنك بعد الآن.

ابدأ من اليوم، وكن إيجابياً قدر المُستطاع في تفكيرك وعاداتك، واسعَ دون تردد نحو تلبية احتياجاتك، وتقبَّل بفخر مشاعرك وعواطفك، واجعل حبك ورعايتك لذاتك جزءاً من روتينك اليومي.

شاهد بالفيديو: 10 أفكارٍ مدهشة تساعدك على تطوير الذات

2. تجنَّب المبالغة في تقدير المشكلة:

عندما تمر بوقت عصيب وتفشل في جانب من جوانب الحياة؛ فعلى الأرجح ستشعر أنَّك فاشل في كلِّ شيء وأنَّ حياتك تنهار بأكملها؛ لكنَّ هذا الاعتقاد خاطئ؛ فلست الوحيد الذي يفكر أو يشعر بهذه الطريقة، فلدى جميع الناس هذا التصور عن أنفسهم؛ إذ نعتقد جميعاً أنَّ أيَّ جانب من جوانب شخصيتنا يختزل شخصيتنا بالكامل.

نحن نرى أنفسنا ندافع بطريقة غير عقلانية عن هذه الفكرة في وجه أيِّ شيء يزعزعها أو يثبت أنَّها خاطئة، مثلاً عندما يشكك بعضهم بقدرتنا على أداء العمل أداء جيداً نشعر أنَّ هذا التشكيك يهدد تصورنا عن أنفسنا بأنَّنا أكفياء، ما يجعلنا نغضب أو نحزن بسبب الانتقاد.

يفتري علينا شخص ما ويلصق بنا صفة سلبية غير موجودة فينا؛ لذلك نغضب وندافع عن أنفسنا في وجه هذا الشخص، أو ربما نشعر بالخوف أو بالحزن الشديد، وغير ذلك من المشاعر السلبية؛ لكنَّ الحقيقة أنَّ ما يؤذينا ويشكِّل خطراً علينا هو شكنا في ذاتنا، أقول هذا لأنَّني اختبرت هذه المشاعر، فقد شعرت ذات مرة بصعوبة كبيرة في الحصول على الحافز للبدء بالعمل على مشروع إبداعي جديد كنت أؤجله لفترة طويلة، الأمر الذي جعلني أشك بكوني شخصاً منتجاً ومتحمساً وصاحب أفكار إبداعية.

عندما فكرت في أنَّني لا أنجز عملي شعرت بالإحباط والخجل، والسبب هو شعوري بالقلق حيال قدراتي الحقيقية، وشعرت بأنَّني متخاذل.

تخلصت من هذه المشاعر من خلال تذكيري لنفسي بأنَّ هذا الجانب من شخصيتي لا يختزلني بالكامل، وليس من الضروري أن أكون مُنتجاً على الدوام؛ ففي بعض الأحيان أكون مُنتجاً، وفي بعض الأحيان لست كذلك، كما أنَّني لست دائماً مُتحمساً، فأنا أُصاب بالكسل أحياناً، وبالطبع ليست لديَّ أفكار رائعة دائماً؛ بل هذا بحد ذاته أمر مستحيل.

الحقيقة هي أنَّني مثل باقي البشر، أختبر أطواراً مختلفة من الإنتاجية والإبداع والحماسة للعمل، وهذا الشيء ساعدني على إعادة تعريف نفسي تعريفاً أكثر مرونة؛ وبذلك أضمن أنَّ تصوري عن نفسي ليس هشاً لدرجة أن ينهار بأكمله عندما أواجه إخفاقاً في مجال من مجالات حياتي، وبعد أن أقتنع بهذا لا يهم إذا قال أحدهم إنَّني غير كفؤ، أو حتى عندما أقول لنفسي إنَّ أدائي لم يكن كما ينبغي؛ لأنَّني أيضاً مثل باقي البشر، ينخفض أدائي بين فترة وأخرى.

باختصار، أنت ترتكب الأخطاء، ولست مثالياً تماماً مثل باقي البشر، وهذا ما يجب ألا نستاء بسببه؛ بل أن نتقبله بصدر رحب.

3. لا تتردد في تغيير مسار حياتك عند الضرورة:

أحد المُعتقدات الخاطئة التي نتبناها، هي أنَّه ليس من الحكمة أن نعيد المحاولة بعد الفشل، ولسوء الحظ نحن نتمسك بهذه الكذبة حتى نقع في الفشل الذريع؛ إذ تنتج فكرة أنَّ المحاولة مُجدداً هي خيار سيئ عن منظومة التعليم في المجتمعات؛ إذ نُرسل أبناءنا إلى الجامعات، وهم في عمر 18 ونخبرهم أنَّهم يجب أن يختاروا بناءً على تعليمهم الجامعي مهنةً يشعرون فيها بالسعادة خلال حياتهم بالكامل.

لا يخطر ببال أيِّ شخص أنَّ الطالب قد يخطئ باختياره، ويحدث هذا كثيراً؛ وقد حدث معي أكثر من مرة، ومع ذلك، ومن خلال الإخفاقات والصعوبات التي واجهتها خلال السنين، فقد تعلمت الحقيقة من خلال التجربة، وهي أنَّك يمكنك تغيير مسارك في أيِّ وقت تريده؛ بل في كثير من الأحيان يكون ضرورياً للغاية أن تفعل ذلك.

من الممكن دائماً البدء من جديد وإجراء تغييرات جوهرية في حياتك، وفي حين أنَّ الأمر لن يكون سهلاً دائماً، إلا أنَّك إذا نجحت فستتخلص من شعورك بأنَّك تعمل في مهنة ذات أفق مسدود لمدى الحياة؛ لأنَّك اخترتها بسذاجة عندما كنت مراهقاً فقط، وستتمكن من الخروج من أيِّ وضع لم تختره بإرادتك، كما ستكون قادراً على تجاوز خيبات الأمل.

يمكن تشبيه الأمر بلعبة الشطرنج؛ إذ لا يمكن الفوز من خلال تحريك الأحجار إلى الأمام فحسب؛ بل أحياناً يجب عليك أن تتراجع إلى الوراء حتى تكون في وضع يهيئك للفوز.

هكذا هي الحياة، فأحياناً عندما تشعر بأنَّك تنتقل من إخفاق إلى آخر، فإنَّ ذلك يمثِّل إشارة تحذير تعني أنَّك لست على المسار الصحيح؛ إذ يحدث كثيراً أن يحاول الشخص تحقيق نتيجة ما فإذا به يحصل على نتيجة مُعاكسة، لكن لا بأس بذلك؛ فالحياة تعلِّمك تدريجياً أنَّك لا تستطيع تغيير مسارك بالكامل، وهذا ما يجب أن تفعله بلا تردد عندما تقتضي الضرورة ذلك.

يوجد فرق كبير بين الاستسلام وتصحيح المسار، الأمر الهام هو أن تتجاوز أخطاء الماضي، وما تسببه من شعور بالندم؛ ومن ثمَّ تعود إلى المسار الصحيح متسلحاً بالأمل والعزيمة، قل لنفسك: "من الآن فصاعداً سيكون الأمر مختلفاً"، وامضِ قُدماً، وقد يعني ذلك مجرد القيام بأشياء بسيطة؛ فالفكرة هي ألا تستسلم مُعتقداً أنَّ هذا الوضع سيكون مصيرك إلى الأبد، ومهما أخفقت فلا تستسلم، وجرِّب بطريقة أخرى.

شيء آخر يجب أن تتعلمه، وهو التخلي عن الماضي والسماح للتجارب بأن تطوِّر شخصيتك، وهو بلا شك واحد من أكثر الأشياء التي يُصعب تعلمها في الحياة، سواء كنا نتحدث عن التخلي عن الشعور بالذنب، أم تجاوز خسارة أو تجربة فاشلة.

التغيير ليس سهلاً أبداً، فأحياناً يجب أن تبذل كلَّ جهدك حتى تحافظ على شيء ما، وأحياناً يجب أن تبذل كلَّ جهدك حتى تتخلى عمَّا حافظت عليه، ومع ذلك، وبشكل عام يُعدُّ التخلي عن الماضي هو أسلم وسيلة للمضي قُدماً؛ لأنَّه يساعدنا على التخلص من الأفكار السلبية والخيارات الخاطئة التي قمنا بها في الماضي، ويمهد الطريق لنا حتى نستثمر الواقع الحالي على أفضل وجه.

يجب أن تحرر نفسك عاطفياً من بعض الأشياء التي كانت تعني لك الكثير فيما سبق حتى تتمكن من تجاوز الماضي، وما سببه لك من ألم؛ إذ نؤكِّد أنَّ تعلُّم التخلي عن الماضي ليس أمراً سهلاً؛ بل يتطلب عملاً جاداً كبيراً حتى تستطيع أن تستعيد تركيزك، لكنَّ النتائج تستحق منك هذا المجهود العظيم، وغالباً ما يعني الاستغناء تغيير المعايير التي اتبعتها لتقييم موقفك؛ بمعنى أنَّه إعادة تقييم الموقف من وجهة نظر جديدة ومع عقل مُنفتح؛ ومن ثمَّ تحويل الموقف إلى فرصة لتطوير الذات.

يشمل ذلك التفكير بإيجابية في الماضي والحاضر؛ ومن ثمَّ بناء عادات بسيطة يومية تمكنك من إعادة المحاولة مُجدداً والعيش بطريقة أفضل بينما تمضي قُدماً.

4. فرِّق بين رغباتك واحتياجاتك:

ينتهي الأمر بمعظمنا بالاستقرار في مرحلة معينة من مراحل الحياة، ونتخلى عندها عن كثير من الأحلام والمثاليات، ونعيد ترتيب أولوياتنا ونقايض أشياء بأشياء أخرى، ونتعلَّم تدريجياً أنَّنا لا يمكننا الحصول على كلِّ شيء نريده في الحياة، والسبب أنَّنا لا نحصل على نتائج مماثلة تماماً لما أردناه، لكن إذا أمعنا النظر في وضعنا فسنعلم بلا شك أنَّنا نستطيع تحويل هذه النتائج إلى إنجازات كبيرة، ونحصل على معظم ما أردناه في الحياة، طبعاً إذا تعلَّمنا كيف ندير وقتنا ونستثمر طاقاتنا ونوجه سلوكنا توجيهاً مناسباً.

يقودنا ذلك إلى السؤال الآتي: "متى يجب أن تتقبل واقعك وتتخلى عن بعض ما كنت تريده، ومتى يجب أن تستمر في المحاولة حتى تحقق النتيجة المرجوة بالضبط؟".

في الحقيقة لا توجد إجابة واحدة تنطبق على الحالات جميعها، لكن عندما تجد نفسك في موقف يجبرك على تقُّبل الواقع أو العمل جاداً لتغيير الوضع، فمن المفيد أن تسأل نفسك ما يأتي: "هل أحتاج حقاً إلى تحقيق هذا الشيء أم أنَّ الموضوع مجرد رغبة؟".

إنَّ التفريق بين الحاجات والرغبات أمر بالغ الأهمية في كلِّ مرحلة من مراحل حياتك، وبناءً على هذا الإدراك يجب ألا تتخلى عن محاولة تحقيق نتيجة تحتاج إليها بشدة في حياتك، وفي المقابل يجب أن تكون منطقياً ومرناً بعض الشيء عندما يتعلق الأمر بالأهداف التي تريدها؛ لكنَّها ليست مصيرية بالنسبة إلى حياتك.

بعبارة أخرى، اختر معركتك بحكمة ولا تسعَ إلى المثالية سعياً مفرطاً بطريقة تخسر بها الشعور بالسعادة، يجب أن ترِّكز دائماً على تطوير ذاتك؛ لذلك ركِّز على ما يهمك حقاً وتخلَّ عن باقي الأشياء.

لا تضيِّع معظم حياتك في العمل بوظيفة تجعلك تشعر بالاستياء، وإياك أن تساوم على صحتك النفسية من أجل أشياء أقل قيمة، ولا تتجاهل الأهداف الكبيرة التي ما تزال تشعر بالرغبة في تحقيقها رغم مرور الزمن فهي ما يمنحك هدفاً في حياتك.

إذا أردت شيئاً حقاً، فحارب من أجله؛ أمَّا فيما يتعلق بالأمور الأخرى فتحلَّ ببعض المرونة وأعد التفكير فيها بين فترة وأخرى وتقبَّل الوضع، فعندما تتقبل عدم حصولك على ما تعدُّه غير ضروري ستكون قادراً أكثر على تحقيق ما هو ضروري.

5. اخرج من منطقة الراحة الخاصة بك:

الانزعاج هو شكل من أشكال الألم؛ لكنَّه أقل حدةً بكثير، يمكن القول إنَّه الشعور بأنَّك خارج منطقة الراحة الخاصة بك، خذ على سبيل المثال ممارسة التمرينات الرياضية، فهي تسبب عدم ارتياح لمعظم الأشخاص، وهذا ما يدفعهم إلى عدم ممارسة الرياضة.

كما تسبب بعض الحميات الغذائية الصحية شعوراً بالانزعاج ما يجعل معظمنا يواجهون صعوبة في الالتزام بها، وينطبق الشيء نفسه على التأمل والتركيز على مهمة صعبة، ورفض طلبات الآخرين غير المناسبة، وبالطبع هذه الحالات على سبيل المثال وليس الحصر.

المغزى هو أنَّ معظم حالات الضيق تساعدنا على أن نصبح أكثر قوةً وذكاءً، وبالطبع تلقى معظمنا رعاية أبوين مُحبين فعلا كثيراً لنحظى بطفولة مريحة لدرجة أنَّنا كبرنا ولدينا هذا الاعتقاد بأنَّ الضيق شيء سلبي ويجب تجنبه.

المشكلة في هذا الاعتقاد أنَّه يجعلنا نقوم بالأنشطة ونغتنم الفرص التي تتناسب مع منطقة الراحة الخاصة بنا، ولأنَّها تكون ضيقة؛ فإنَّنا نفوت معظم تجارب الحياة المفيدة والممتعة ونبقى عالقين في حلقة من الرتابة غير النافعة، ولنأخذ مثالاً على ذلك، وهو الالتزام بنمط حياة صحي:

  • في البداية نعيش نمط حياة غير صحي والسبب هو أنَّ تناول الطعام الصحي وممارسة التمرينات الرياضية أمر غير مُريح؛ لذلك نلجأ إلى الخيار المريح المتمثل بتناول طعام غير صحي والجلوس طوال اليوم أمام التلفاز.
  • نشعر لاحقاً بالانزعاج لأنَّ صحتنا تسوء، وكي ننسى هذه الحقيقة نلجأ إلى مزيد من الطعام غير الصحي، وإضاعة الوقت بمزيد من النشاطات غير المفيدة، وشراء حاجات غير ضرورية، والنتيجة هي مزيد من الانزعاج.

يكمن الحل للخروج من هذه الحلقة المفرغة في الخروج قليلاً من منطقة الراحة الخاصة بنا من خلال اتخاذ خطوات بسيطة غير مريحة يومياً، وهذا ما يجعلنا نشعر بمزيد من السعادة ونحصل على صحة أفضل ونصبح أقوى على الأمد الطويل.

إنَّ الالتزام بهذه العادات ليس أمراً سهلاً؛ بل هو صعب وصعب جداً في بعض الأحيان، فمن المُستحيل بالنسبة إلى أيِّ شخص أن يكون قادراً على التعامل بنجاح مع جميع ظروف الحياة التي يواجهها؛ فهذا يفوق قدراتنا بوصفنا بشراً.

من الطبيعي جداً أن نشعر بالانزعاج والألم والحزن والفاجعة ببعض الأحيان؛ فهذا جزء طبيعي من الحياة، لكن حتى تتمكن من مواجهة الأوضاع غير المريحة يجب أن تتعلم منها؛ ومن ثمَّ تتكيف مع مرور الوقت؛ فهذا ما يصقل شخصيتك ويحدد هويتك.

لذلك عندما تشعر أنَّك عالق تماماً في وضع سيئ وأنَّ الأفق أمامك مسدود، تذكَّر أنَّ هذه هي الفرصة المناسبة لتطور ذاتك، ولا تقع في خطأ الاعتقاد أنَّه إذا كنت تعيش حالياً ظرفاً صعباً أو تمر بوضع غير مريح، فإنَّ كلَّ حياتك ستكون كذلك.

6. ركِّز على العملية لا على النتيجة:

الأهداف هامة، فكلُّ خطط التغيير في الحياة تبدأ بوضع هدف، لكن يجب أيضاً أن يكون لديك إرادة لتحقيق الأهداف، وأن تمتلك إرادة لا يعني أن تصبح مهووساً بتحقيق الهدف؛ لأنَّ الإفراط في الإصرار سيجعلك تنظر لنفسك على أنَّك شخص غير كفؤ بما يكفي لتحقيق ما تريده.

في السنوات الأخيرة، ومع ازدياد اهتمامي بالتأمل كنت مصراً جداً على ممارسة هذا النوع من النشاط الذهني، ووجدت نفسي أردد عبارات مثل: "لست جيداً في ذلك بما يكفي، ويجب أن أكون أفضل من ذلك"، حتى أنَّني بدأت أدقق تدقيقاً هستيرياً على عيوبي، واعتقدت أنَّه يجب التخلص منها.

لقد جعلتني جهودي المضنية لأصل إلى مرحلة الكمال في التأمل ولوقت طويل من الزمن أوبِّخ نفسي وأعاني التوتر، ولحسن الحظ أنَّني لاحظت أنَّ هوسي بالقيام بهذه الممارسة بشكل مثالي يمنعني من تحقيق أهم أهداف التأمل وهو تقبُّل الذات.

إذاً المغزى هو أن تتقبل نفسك كما أنت؛ ومن ثمَّ تلتزم بتطوير ذاتك؛ لأنَّك إذا كنت تعتقد أنَّك ممتاز فلن تبذل أيَّ جهد إيجابي حتى تتطور، لكن في المقابل الانتقاد اللاذع لنفسك باستمرار يقوِّض إنتاجيتك، وهو مثل عدم القيام بشيء تماماً؛ لأنَّك لن تكون قادراً على تحقيق أيِّ تقدُّم إيجابي في الحياة ما دمت مركِّزاً طوال الوقت على سلبياتك.

يكمن السر في تذكير نفسك باستمرار أنَّك جيد بما فيه الكفاية، وتحتاج فقط إلى مزيد من التدريب؛ وبذلك أنت تتبنى موقفاً ذهنياً ينصُّ على أنَّك ستحاول بذل جهدك لتحقيق أفضل النتائج خلال اليوم، بدلاً من التفكير في أنَّك غير جيد بما فيه الكفاية.

الموقف الذهني الأول أكثر فاعليةً بكثير من الثاني؛ لأنَّه يحفِّزك على القيام بأنشطة إيجابية يومياً، في الوقت الذي تتقبل فيه حقيقة أنَّ أيَّ جهد تبذله قد لا يكون مثالياً.

7. مارِس اليقظة الذهنية:

تعدُّ ممارسة اليقظة الذهنية كعادة يومية تحدِّياً صعباً، وتتطلب ممارستها جهداً كبيراً، وهي طريقة للعيش والنظر إلى الأشياء وإطلاق العنان للقوة التي تمتلكها، وفي حين أنَّها بسيطة نظرياً؛ لكنَّها صعبة في التطبيق العملي، فهي تتطلب ما يأتي:

  • الوعي بما يحدث حالياً، دون أن تتمنى أن يكون الوضع مختلفاً.
  • الاستمتاع بالتجارب السارة دون الإصابة بالإحباط عندما تنتهي؛ إذ لا بدَّ لها أن تنتهي.
  • مواجهة التجارب غير السارة دون الاعتقاد بأنَّ الوضع سيستمر هكذا إلى الأبد؛ لأنَّ هذا أيضاً مستحيل.

أضف هذه الممارسة إلى عاداتك اليومية، وستغيُّر بلا شك الطريقة التي تعيش فيها حياتك.

شاهد بالفيديو: 6 خطوات لممارسة تأملات اليقظة الذهنية

8. اشعر بالامتنان لشيء ما بصرف النظر عن سوء الوضع

لا تؤدي السعادة دائماً إلى الامتنان؛ لكنَّ الامتنان يساعدنا دائماً على أن نكون سعداء، وهذا ليس مجرد كلام؛ إذ يُثبت يوماً بعد يوم أنَّ السعادة ما هي إلا ثمرة الشعور بالامتنان، وقد يشكك بعض الناس بذلك نظراً لأنَّ التعبير عن الامتنان سهل جداً؛ ومن ثَمَّ كيف يمكن أن يكون له هذا التأثير الهائل؟

بالطبع يبدو الأمر سهلاً، إلا أنَّ الامتنان ليس مجرد كلام، فأن تكون شخصاً ممتناً في صميمك أمر صعب للغاية عندما تصيبك الحياة بخيبة أمل، والمفارقة أنَّ الامتنان يؤدي إلى أفضل النتائج عندما نشعر بالإحباط وخيبة الأمل.

السؤال الآن، ما هي أفضل طريقة للشعور بالامتنان حتى في خيبات الأمل؟

بدايةً يعني الشعور بالامتنان أشياء عديدة وإحداها هي التركيز كلياً على اللحظة الحالية؛ لأنَّك لا تستطيع تقدير ما لديك من نِعَم عندما تصرف نظرك عنها، والحقيقة أنَّنا نزيد من سوء أوضاعنا الحالية عندما نسترجع الذكريات الماضية السلبية، من خذلان وخيبات أمل وغيرها، أو عندما نفكِّر بطريقة قلقة حيال المستقبل، مثل خشية الانفصال عن الشريك أو الفشل في العمل أو غير ذلك.

نستنتج من ذلك أنَّ وضعنا الحالي نادراً ما يكون معقَّداً كما نتخيل؛ ومن ثَمَّ يمكننا الشعور بالامتنان والرضى فقط إذا استطعنا التركيز على اللحظة الحالية، وعندما نجد أنفسنا نسترجع الماضي باستمرار أو نقلق حيال المستقبل، يجب أن نحاول قدر الإمكان أن نمنع أنفسنا من ذلك؛ ومن ثمَّ نعيد توجيه تركيزنا مرةً ثانية على الحاضر، وبمجرد أن نستعيد تركيزنا من الضروري جداً أن نتقبَّل الواقع كما هو؛ لأنَّنا إذا تجاهلنا الواقع أو رفضناه فمن الممكن أن تكون نتائجه كارثية علينا.

الحلُّ السليم هو أن نتقبله كما هو، ونشعر بالامتنان أيضاً؛ ومن ثمَّ تدريجياً نحاول تحويله إلى فرص لتطوير الذات؛ إذ يتطلب الأمر تدريباً كبيراً؛ لأنَّه يصعب الشعور بالامتنان عندما نكون مُحبَطين، لكن هذه هي الحياة وليست مثالية دائماً، ومع ذلك توجد دائماً حتى في أقسى الظروف نواحٍ إيجابية إذا اخترت أن تراها.

لقد تحسَّنت قدرتنا بالنسبة إلي وإلى زوجتي مؤخراً تحسناً كبيراً على تحويل الصعوبات إلى فرص لتطوير الذات، فبدلاً من التفكير في الصعوبات نحاول أن نمارس الامتنان في حياتنا، ونستخدم عادات الامتنان لنعثر على الأمل والمتعة في كلِّ تقدُّم بسيط ننجزه.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح لتحقيق الامتنان في حياتك

9. ساعد الآخرين:

لدينا جميعاً هذه الرغبة التي تظهر بين فترة وأخرى للتفكير في أنَّنا أهم شيء في الحياة، ونقيِّم وفقاً لذلك كلَّ شيء بالاعتماد على تأثيره فينا، لكن هذا يمكن أن يكون له نتائج سلبية، بدءاً من الشعور بالندم عندما لا تسير الأمور مثلما تمنينا إلى الشك بالذات عندما نرى أنفسنا غير مثاليين، وليس انتهاءً بالشعور بالحيرة والوحدة في مواجهة مشكلاتنا في أثناء الأيام العصيبة والأوقات القاسية.

لذلك عندما أكتشف أنَّني أفكر بأنانية مفرطة، أدرك مباشرةً النتائج السلبية التي ستنعكس على نفسيتي؛ ومن ثمَّ أحاول بكلِّ ما أستطيع أن أصرف تركيزي عن مشكلاتي الخاصة، وأفكِّر في الناس حولي وكيف يمكنني أن أساعدهم.

يساعدني التفكير في مساعدة الآخرين بين فترة وأخرى على الخروج من حالة التفكير الأناني في نفسي؛ وبذلك أتجاوز الشعور بالوحدة والشفقة على نفسي؛ لأنَّني ببساطة أفكِّر في مشكلات الآخرين، كما أنَّني أتخلص من الشك بالنفس طالما أنَّني لم أعد أتساءل عن مدى كفاءتي؛ بل أصبح همي الرئيس هو كيفية مساعدة الآخرين.

يساعدنا التفكير بالآخرين بدلاً من التفكير في أنفسنا على التخلص من المشاعر السلبية المرتبطة بالتفكير المفرط بالذات وعدم الكفاءة، وهذا بدوره يساعدنا على التخلص من الشعور بالوحدة الذي ينتابنا عندما نكافح للمُضي قُدماً في تحقيق أهدافنا.

هذه إحدى أكبر مفارقات الحياة، فعندما نسعى إلى مساعدة الآخرين؛ فإنَّنا نحصل على أضعاف الفائدة التي نسعى إلى تقديمها لهم؛ لذلك عندما تشعر بأنَّك وحيد أو تواجه مشكلات معقدة حاول أن تحوِّل تركيزك قليلاً بعيداً عن مشكلاتك الخاصة، وفكِّر في مشكلات الآخرين، وبدلاً من أن تتساءل "ما هي مشكلتي؟" اسأل نفسك: "هل يمكنني تقديم المساعدة لأحدهم؟"، وابحث عن شخص بحاجة إلى مساعدة، وقدِّم له بعض العون، سيساعدك المنظور الجديد الذي تكتسبه جرَّاء مساعدتك الآخرين على المضي قُدماً.

طورت مع زوجتي هذه الاستراتيجية خلال العشر سنوات الماضية عندما كنا نعاني بسبب موت شخصين عزيزين علينا جداً؛ فقد كان من الصعب جداً إيجاد الحافز لمتابعة حياتنا بالطريقة السليمة بسبب شعورنا بالحزن والإحباط.

لذلك كنا نقوم بإجراءات بسيطة يومياً، وغالباً ما كانت تساعدنا كتابة مقال قصير أو مشاركة إحدى النصائح على الحياة مع الآخرين الذين كانوا يرونها مفيدة، وبالفعل بدأنا بالتحسُّن تدريجياً واستعدنا قوتنا.

اليوم عندما أجد نفسي أعاني بسبب مشاعر سلبية، أتبع الإجراء نفسه، أفتح حاسوبي المحمول وأكتب قليلاً، ولو جملة واحدة للقراء، لكن على الرَّغم من أنَّ هذا الإجراء يبدو بسيطاً جداً، إلا أنَّه فعال للغاية في مواجهة الإحباط؛ فهو يساعدني دائماً على الشعور بالأمل.

إقرأ أيضاً: كيف تحافظ على صحتك وسعادتك عبر مساعدة الآخرين؟

في الختام:

هذه هي النصائح التي تعلَّمتها من خبرتي في الحياة وبالتحديد بعد كلِّ إخفاق وإحباط ومشكلة، وقد وجدتها حقاً أهم الدروس في الحياة؛ لأنَّها الطرائق التي نواجه فيها الظروف الصعبة، والتي تجعلنا أقوى إذا عرفنا كيف نواجهها.




مقالات مرتبطة