9 أسباب تجعل النقد شيئاً إيجابياً

كنت أتناول الغداء في الأسبوع الماضي مع إحدى صديقاتي، وبدأنا نتحدث عن التدوين على الإنترنت، وأخبرتني بأنَّها تفكِّر منذ مدة في إنشاء مدوَّنة، فقد نشأت صديقتي في أماكن مختلفة من العالم؛ لكنَّها تقيم حالياً في "سنغافورة" (Singapore)، وعلى الرَّغم من أنَّها أنجبت طفلاً منذ فترة، إلا أنَّها تسافر كل شهر برفقة زوجها وطفلها من أجل استكشاف العالم، وتريد إنشاء مدونة لتبديد الوهم عن صعوبة السفر، أو مدونة تتحدث فيها عن كيفية عيش حياة طبيعية على الرَّغم من إنجاب الأطفال.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّنة "سيليستين تشوا" (Celestine Chua) وتتحدَّث فيه عن 9 أسباب تجعل النقد شيئاً إيجابياً.

أثنيتُ على فكرتها؛ لكنَّها أخبرتني بأنَّه ثمَّة شيء ما يجعلها مترددة، فسألتها عنه وكان جوابها أنَّها تخشى تلقي الانتقادات؛ فهي تعيش حياة خاصة جداً، وسيتطلَّب منها إنشاء مدونة أن تتحدث عن أشياء خاصة جداً في حياتها.

لكن من السابق لأوانه القلق حيال هذا الأمر؛ لأنَّها قد لا تتلقى انتقادات أبداً؛ لكنَّها لا تعرف كيف ستعامل هذه الانتقادات في حال حدوث ذلك، وبالطبع هي لا ترغب في تلقي الانتقادات؛ لكنَّها غير متأكدة من رد فعل الناس على كتاباتها، لقد أخبرتها أنَّ مشاعرها غير مبررة؛ لأنَّ الانتقادات أمر إيجابي، ومن ثمَّ فسَّرتُ لها وجهة نظري هذه.

ابتسمَتْ صديقتي بعد كلماتي هذه، وأظهرت تأييدها لوجهة نظري، وانتهى لقاؤنا، وقالت لي إنَّها ستبدأ بالنظر إلى النقد بطريقة إيجابية.

تقبُّل النقد:

أخبرتُ صديقتي بالأشياء التي تعلَّمتُها عن تلقي الانتقادات منذ أن بدأتُ العمل، فنشرتُ تعليقاً منذ فترة وجيزة على حسابي في "فيسبوك" (Facebook) عبَّرت فيه عن امتناني للدعم الذي أتلقاه من قرَّائي، وأخبرتهم أنَّ دعمهم يجعل الأمر يستحق عناء تلقي الانتقادات.

تلقيتُ كثيراً من الردود الإيجابية على الفور التي جعلتني سعيدة، وكانت أحد هذه الردود من زميلة سابقة وهي مديرة مرموقة في الشركة التي كنت أعمل بها سابقاً، وقد أخبرتني أنَّه أيَّاً تكن التغذية الراجعة السلبية التي أتلقاها الآن فيجب ألا تؤثِّر فيَّ؛ كوني عملت في السابق في شركة "بي آند جي" (P&G) وهي شركة متعددة الجنسيات معروفة ببيئة عملها الصارمة، وعلى الرَّغم من أنَّني فهمت ما كانت تعنيه بالنظر إلى أنَّ وظيفتي السابقة في شركة بي آند جي كانت وظيفة عالية الخطورة؛ ما أدى إلى حصولي على تقييمات صارمة، وكثير من الانتقادات، إلا أنَّ الانتقادات كانت تتعلق بالعمل نفسه (طبعاً إلا إذا كان لديك مدير سيِّئ الطباع، ولكن في هذه الحالة يمكنك النأي بنفسك والاستفادة من التغذية الراجعة).

لكنَّ التدوين على الإنترنت قضية مختلفة؛ فلا توجد أي حدود للانتقادات التي تتلقاها على الإنترنت، ويمكن أن يوجَّه لك الانتقاد بخصوص أيِّ شيء بدءاً من مظهرك، وليس انتهاءً بحياتك الشخصية أو عائلتك؛ أي إنَّ الانتقادات لا تتعلق في هذه الحالة بالعمل؛ بل بكل شيء ويمكن أن تكون قاسية جداً بالنظر إلى أنَّ الإنترنت مليء حالياً بالأشخاص الذين شغلهم الشاغل هو تصيُّد أخطاء الآخرين.

أتلقى دائماً تعليقات سلبية تصل إلى حدِّ الإهانة، ومع ذلك فإنَّني أرى النقد شيئاً إيجابياً جداً، فلم يكن لديَّ وجهة النظر هذه إلى أن أسست مدونتي الناجحة، وسأشرح السبب الذي يجعلني أعتقد بأنَّ النقد شيء إيجابي.

9 أسباب تجعل النقد شيئاً إيجابياً:

باستثناء الانتقادات ذات الطبيعة الشخصية التي سأتحدَّث عنها لاحقاً فإنَّ النقد شيء إيجابي للأسباب الآتية:

1. يؤكِّد الانتقاد أنَّ الشخص الذي ينتقدك مهتم لأمرك:

نعم لا بدَّ أن يكون الشخص الذي ينتقدك مهتماً بك بما يكفي ليخصص بعضاً من وقته لكتابة النقد، فمن الممكن أن يستثمر وقته في فعل أي شيء آخر؛ لكنَّه كلَّف نفسه عناء كتابة النقد كي يُظهر لك أنَّه يهتم، وهذا شيء إيجابي.

2. يؤكِّد الانتقاد أنَّك تحظى بمتابعين جُدد:

أشعر بالسعادة في كل مرة أتلقى فيها انتقاداً؛ لأنَّني أعلم عندها أنَّني حصلت على متابعين جدد لا يوافقونني بالضرورة على كل شيء أقوله أو أفعله، وأعتقد أنَّ عدم تلقِّي أي نقد هو ما يجب أن يثير القلق؛ لأنَّ ذلك يعني أنَّني في منطقة الراحة الخاصة بي، وأتواصل مع الأشخاص ذاتهم في كل يوم؛ لكنَّك تريد أن توصل رسالتك إلى أكبر عدد ممكن من الناس، وما يعنيه تلقي الانتقادات أنَّ رسالتك تصل إلى أشخاص لم تصل لهم من قبل، وهذا يعني أنَّ كلماتك بدأت تؤثِّر في عدد أكبر من الأشخاص، وهذا شيء رائع بلا شك.

3. يؤكِّد الانتقاد أنَّ الناس لا يتجاهلونك:

يوجد كثير من الأشياء التي تستحق الانتقاد، لكن ليس الجميع على استعداد لتخصيص بعض وقته لينتقد الأشياء التي لا يوافقها؛ والسبب أنَّهم لا يرون أنَّ هذه الأشياء تستحق نقدهم؛ لذلك عندما ينتقدك شخص ما فإنَّ ذلك يعني على الأغلب أنَّه يرى فيك شيئاً يستحق منه أن يخصص بعض الوقت لتوجيه الانتقاد.

إذا فكَّرت في أبرز الشخصيات مثل أوبرا وينفري (Oprah Winfrey)، وستيف جوبز (Steve Jobs)، فستجد أنَّ جميعهم تلقوا كماً هائلاً من الانتقادات؛ والسبب أنَّ كل واحد منهم كان لديه رسالة عظيمة في الحياة، رسالة تؤثِّر في الآخرين وتلهمهم، وكما يقول رئيس وزراء المملكة المتحدة سابقاً ونستون تشرشل (Winston Churchill): "يجب أن تكون سعيداً إذا كان لديك أعداء؛ فذلك يعني أنَّك دافعت عن شيء ما في وقت ما من حياتك".

شاهد بالفيديو: كيف تتقبل النقد وتتعامل مع الانتقادات السلبية في العمل؟

4. يساعدك النقد على رؤية الأشياء من منظور مختلف:

ينشأ النقد نتيجة الاختلاف في الآراء؛ بمعنى أنَّك تقوم بشيء ما أو تفعل شيئاً ما، لكن يكون لدى شخص آخر رأي مختلف ولذلك يقوم بنقدك، ومن ثمَّ أنت تتعرف إلى وجهة نظر مختلفة في كل مرة تتلقى فيها انتقاداً، وقد تكون وجهة نظر لم تفكِّر بها من قبل، ويساعدك النقد بهذه الطريقة على رؤية الأمور من منظور مختلف، وسيزداد وعيك بالنتيجة.

5. يعبِّر النقد عن الصدق:

لأنَّه يسمح لك بمعرفة ما يفكِّر به الآخرون فعلاً، وأنا أفضِّل أن أكون بصحبة شخص يعبِّر بصراحة عما يفكِّر به بدلاً من أن أكون مع شخص لديه كل هذه الأفكار؛ لكنَّه يحتفظ بها لنفسه، فلا يوجد شيء غامض في العلاقة مع الشخص في الحالة الأولى، في حين سأضطر في علاقتي مع الشخص في الحالة الثانية إلى تخمين ما يفكِّر به، أما رد فعلي على النقد بعد ذلك فهو أمر آخر، فإمَّا أن أختار أن أصغي إليه، أو أتجاهله؛ لكنَّني أصبح على الأقل على دراية بأفكار هذا الشخص، وموقفه.

إقرأ أيضاً: ما هي التغذية الراجعة غير المفيدة؟

6. يساعدك النقد على تطوير نفسك:

يتيح لك النقد ملاحظة الجوانب السلبية التي كنت غافلاً عنها، ومن ثمَّ تستطيع العمل على تحسينها، كلما اكتشفت مزيداً من هذه الجوانب السلبية، استطعت أن تتطور أسرع، فقد تعلَّمتُ طوال السنين الماضية أشياء كثيرة عن نفسي بفضل انتقادات الآخرين لي ولعملي، وقد ساعدتني بعض هذه الانتقادات على معرفة أشياء عن نفسي لم أكن أعرفها من قبل، وكان هذا شيئاً حاسماً في مسيرتي لتطوير الذات.

7. يساعدك النقد على اكتشاف آلياتك الدفاعية:

يوجد شيئان يمكن تعلُّمهما من النقد، الشيء الأول هو الجانب الذي نتعرض فيه للنقد، والشيء الثاني هو رد فعلنا على النقد؛ أي حتى عندما أتعرَّض إلى نقد ليس له أي أساس من الصحة، فإنَّني ما زلت قادرة على فهم كثير من الأمور عن نفسي بالنظر إلى العواطف التي أشعر بها عندما أتلقى النقد وأتفاعل معه، لقد تعلَّمت أنَّ ردود فعلي ما هي إلا انعكاس لمشكلات داخلية لمَّا تُحَل بعد، وقد ساعدتني معاملة ردود الفعل هذه على أن أصبح أكثر هدوءاً ووعياً.

8. يساعدك النقد على التعرُّف إلى الآخرين أفضل:

يسمح لك أي نقد تتلقاه بمعرفة مزيد من الأمور عن نفسك وعن الآخرين أيضاً، فتستطيع من خلال تحليل النقد فهم وجهة نظر المنتقد، ومعتقداته، وقيمه؛ الأمر الذي يساعدك على تقوية علاقتك بهذا الشخص، على سبيل المثال إذا انتقدتك أمك لأنَّك عاملتها، بفظاظة فربما هي تعني بذلك أنَّك آذيتها بتصرفاتك؛ ففي حين تبحث هي عن الحب والتقدير في علاقتها معك؛ لكنَّ حديثك وسلوكك معها يمنعانها من الشعور بذلك، ومن ثمَّ يجب أن تُظهر الحب لأمك بطريقة تجعلها تفهم هذا الحب، بدلاً من أن تكتفي بالحب الضمني.

9. يمكن للنقد أن يدفعك لبذل مزيدٍ من الجهد:

هل دفعك النقد فيما سبق إلى القيام بمزيد من العمل؟ لقد مررت بهذه التجربة، حيث يكون النقد أحياناً بمنزلة علامة تحذير كنت تفتقر إليها من قبل؛ بمعنى أنَّك قد تفعل شيئاً ما بطريقة خاطئة؛ لكنَّك محاط بأشخاص لطفاء جداً لذلك يترددون في إخبارك، أو أنَّهم مثلك تماماً غافلون عن المشكلة؛ لذلك فأنت في أمس الحاجة في هذه الحالة إلى النقد في الوقت والطريقة المناسبة؛ لأنَّه يساعدك على امتلاك نظرة ثاقبة تدفعك لاحقاً إلى اتخاذ الإجراء المناسب.

إقرأ أيضاً: رافعة النجاح، تحقيق الكثير مع بذل نفس الجهد

متى يكون النقد شيئاً سلبياً؟

من الهام أن نلاحظ وجود حالتين يكون فيهما النقد شيئاً ضاراً:

1. عندما يصبح هو الشيء الوحيد الذي تحصل عليه باستمرار:

تتلقى في هذه الحالة النقد باستمرار دون هوادة، والسبب أنَّ الأمر يستنزف طاقتك، كما أنَّه يشتت تركيزك عن الأشياء الهامة فعلاً؛ فبدلاً من العمل على تحقيق أهدافك تصبح منشغلاً في الرد على الآخرين، أو حل النزاعات بينك وبين الآخرين.

أحد الأمثلة على ذلك هو الأهل الذين ينتقدون أبناءهم طوال الوقت، والمعلمون الذين ينتقدون طلابهم طوال الوقت بدلاً من الثناء على مواهبهم، والحالة التي يُفرَض فيها على الشخص بسبب طبيعة عمله معاملة جموع الناس مثل المعلمين، والكتُّاب، وأصحاب المدونات على الإنترنت، والشخصيات العامة، فإذا كنت تتلقى كثيراً من الانتقادات لدرجة أنَّها بدأت تعوقك بدلاً من أن تدفعك للتحسُّن، فإليك بعض النصائح:

  • اعتد عدم السماح للنقد بإزعاجك.
  • لا تضيِّع وقتك في معاملة الانتقادات؛ بل استثمره في أشياء هامة فعلاً.
  • إذا وجَّه النقدَ إليك شخصٌ ما فأكِّد له أنَّك فهمت وجهة نظره، ولكن ليس هذا ما تريد أن تعامله في الوقت الحالي.
  • ضع حدوداً للطريقة التي تُنتَقدُ فيها؛ فأنا مثلاً أتلقى النقد من خلال حسابي على فيسبوك (Facebook)، أو على صفحة الاتصال الخاصة بي، وكان لديَّ في السابق قسم خاص بالتعليقات في مدونتي؛ لكنَّني أغلقتها لأنَّه أصبح من الصعب بالنسبة إلي معاملة الكم الهائل من الانتقادات يومياً، خصوصاً أنَّ كثيراً منها بلا أي فائدة، وقد ساعدني هذا على الحفاظ على تركيزي من أجل تحقيق أهدافي.

2. عندما لا يكون النقد بنَّاءً أو يتناولك شخصياً:

الحالة الثانية هي عندما لا يكون النقد بنَّاءً، أو يصبح شخصياً أو مسيئاً، فقد تلقيتُ كثيراً من هذه الانتقادات في عملي بصفتي مُدوِّنة، يُعَدُّ ذلك انتهاكاً لحقوقك في حال حدوثه؛ لذا ضع حداً لهؤلاء الأشخاص من خلال التأكيد على حقوقك، فيمكنك حظرهم أو إزالتهم إذا كنت تدير مجتمعاً عبر الإنترنت، أو استبعد كل شخص في حياتك ينتقدك دائماً.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح لتقديم تغذية راجعة بنَّاءة ومؤثرة

في الختام:

إضافة إلى تقبُّل النقد ينبغي أن تكون قادراً على تقديم النقد البنَّاء للآخرين، وإليك ما يقوله الكاتب البريطاني أ .سي بينسون (A.C. Benson): "نادراً ما يرفض الناس المساعدة إذا قُدِّمَت بصورة صحيحة"؛ يعني ذلك أنَّه عندما يرفض شخص ما تغذيتك الراجعة بلطف على الرغم من أنَّك حسن النية فمن المُحتمل أنَّك لم تقدِّمها تقديماً مناسباً.




مقالات مرتبطة