8 مواضع يتصرف فيها الأذكياء بغباء

من الرائع أن نتَّسم بالذكاء؛ فهو الصفة التي تدرُّ علينا المال الوفير؛ حيث يكسب الأذكياء المزيد من المال، ويجمعون ثروةً، بل وحتى يعيشون لفترة أطول، وقد يبدو ظاهرياً أنَّ حياة الأذكياء سهلة، إلا أنَّ هناك جانباً خفياً للقصة؛ فقد شاع أنَّهم يرتكبون أخطاءً سخيفة خاصة في الأوقات التي تحتاج رأياً سديداً.



إنَّ بساطة هذه المواقف، والذكاء الحاد الذي يتمتع به أولئك الذين يقعون في الأخطاء خلال التعامل معها قد يبدو أمراً مضحكاً بالتأكيد، وفي هذا الصدد قال الكاتب الفرنسي "فولتير" (Voltaire): "إنَّ المنطق السليم ليس شائعاً".

وقد بدأ العلماء بفهم الأسباب التي تؤدي إلى حدوث ذلك بعد عقود من البحث، حيث كان "شاين فريدريك" (Shane Frederick)، وهو أستاذ في كليَّة الإدارة في جامعة "يال" (Yale University)، من أوائل مَن قاموا بالأبحاث التي أوضحَت لِمَ لا يسير التفكير العقلاني والذكاء جنباً إلى جنب، وقد أعطى "فريدريك" الناس مشكلاتٍ بسيطة لحلها، مثل: يبلغ سعر المضرب والكرة دولاراً واحداً وعشرة سنتات، ويزيد سعر المضرب دولاراً عن الكرة، فكم سعرها؟

وقد وجد "فريدريك" أنَّ بعض الناس يميلون لأن يكشفوا عن الإجابة الخاطئة بثقة، مشيرين إلى أنَّ سعر الكرة يبلغ عشرة سنتات، ولكنَّ الإجابة الصحيحة بالطبع هي أنَّ سعر الكرة خمسة سنتات، ولديك المبرر الكافي لتتساءل فيما إذا قدَّم الناس ذوو الذكاء المتوسط الإجابة الخاطئة.

وقد تساءل علماء النفس من جامعتي "جايمس ماديسون" (James Madison University) وجامعة "تورونتو" (University of Toronto) عن الشيء ذاته، وقاموا باختبارات منطقية مماثلة لمئات الأشخاص، وقارنوا دقة إجاباتهم بمستوى ذكائهم، ووجدوا أنَّه من المرجح أنَّ مَن لديهم مستوى عالٍ من الذكاء يختارون إجابات خاطئة؛ وذلك لأنَّهم يرتكبون أخطاءً ذهنية أكثر عند حل المشكلات، ويُعزى ذلك إلى وجود نقاط ضعف في كيفية استخدامهم للمنطق، وهي موجودة لأنَّهم يميلون إلى الإفراط في الثقة في قدراتهم المنطقية؛ ذلك لأنَّهم معتادون أن يكونوا على صواب دائماً، وأن يختاروا الإجابات بسرعة لدرجة أنَّهم ينطقون بها دون تفكير.

إنَّ الأناس الذين أخطؤوا في الإجابة عن السؤال المتعلق بالمضرب والكرة ليسوا أغبياء تماماً، حيث إنَّه بعد إعطاء السؤال نفسه لطلاب جامعة "هارفارد" (Harvard) و"برينستون" (Princeton) ومعهد "ماسشوتس" للتكنولوجيا (M.I.T) تبيَّن أنَّ نصفهم قد أخطأ في الإجابة، وبذلك ظهر أنَّه حتى أذكى الطلاب في أرقى الجامعات يرتكبون أخطاءً غبية.

ولعلَّ أكثر ما يخيف فيما يتعلق بالأخطاء التي يرتكبها الأناس الأذكياء هو مدى جهلهم بها؛ ذلك لأنَّ لديهم ما يسمى بـ "نقطة التحيز العمياء" (bias blind spot)؛ أي إنَّهم بارعون في اكتشاف أخطاء الآخرين، ولكن يستعصي عليهم فهم أخطائهم، وكلما كان الخطأ سخيفاً صَعُب على الشخص الذكي تقبُّل فكرة أنَّه قد أخطأ.

وقد قال الفيلسوف اليوناني "سقراط" (Socrates): "أعلم أنَّني ذكي لأنَّني أدرك أنَّ معرفتي ضئيلة".

وفي حين أنَّه قد يبدو أنَّنا لا نقضي أيامنا في حل المشكلات المنطقية، مثل مسألة المضرب والكرة، إلا أنَّ وظائف الدماغ التي تساعد في حل هذه المعضلات هي نفسها التي نستخدمها في التفكير اليومي؛ ولذا فإنَّ الميل إلى التصرف بغباء يتبع الناس الأذكياء إلى مكان العمل، وإليك بعض المواضع التي ينقلب فيها السحر على الساحر:

1. يتمتع الأذكياء بثقة مُطلَقة:

يثق الأذكياء ثقةً مطلقة بقدراتهم وذكائهم لأنَّهم يتلقون المديح والثناء طوال حياتهم، والتي تقودهم إلى ترسيخ هذا الإيمان بأنفسهم؛ فعندما تحظى على إطراءات ممن حولك، ويثنون عليك، ويمنحونك شعوراً رائعاً، فإنَّك تتوقع أن تسير الأمور كلها كما تشاء، إلا أنَّ هذا التوقع خطير؛ فغالباً ما يفشل الأذكياء في تحديد الوقت الذي ينبغي عليهم فيه أن يطلبوا المساعدة، وعندما يحددونها، يعتقدون أنَّه ليس هناك من أحد يستطيع تقديمها إليهم.

2. يضعون الآخرين تحت الضغط الشديد:

يُطوِّر الأشخاص شخصيات تبالغ في تحقيق الإنجازات؛ ذلك لأنَّ الأمور كلها تأتي بسهولة إليهم، فهم لا يدركون صعوبة العمل لإنجاز الأمور ذاتها بالنسبة إلى باقي الناس، وبسبب ذلك يضغطون عليهم بشدة من خلال وضع توقعات عالية، فعند التقصير في أداء أمر ما أو عدم فعله، يظنُّون أنَّ الأمر عائد إلى قلة الجهود المبذولة؛ وبالتالي يزيدون من شدة الضغط ويُفوِّتون الفرصة لمساعدة الآخرين على تحقيق أهدافهم التي يتوقون لها.

شاهد بالفيديو: كيف تتخلص من المواقف المحرجة بطرق ذكية؟

3. لديهم رغبة مُلحَّة في أن يكونوا على حق:

من الصعب أن يتقبل أحد حقيقة أنَّ الجميع خطَّاؤون، والأمر أصعب بالنسبة إلى الأذكياء؛ لأنَّهم معتادون أن يكونوا على صواب دوماً، بحيث أصبح الأمر جزءاً من شخصيتهم، فضلاً عن شعورهم بأنَّهم يتعرضون لهجوم شخصي عند انتقادهم، فبالنسبة إليهم، كونهم على حق هو ضرورة.

4. افتقارهم إلى الذكاء العاطفي:

لا يظهر الذكاء العام والذكاء العاطفي معاً بطريقة واضحة ومعيَّنة، حيث غالباً ما يتمتع الأشخاص الأذكياء في المتوسط بذكاء عاطفي كما البقية، وعندما يفتقرون إليه فإنَّ ذلك  يظهر جلياً للأسف، وقد يرى أولئك الذين يتمتعون بذكاء عقلي كبير وذكاء عاطفي قليل أنَّ الحياة تعتمد على إثبات جدارتك، حيث إنَّ الإنجازات هي كل ما يهم وإنَّ الناس والعواطف تقف حاجزاً في الطريق إليها، وهو ما يُعدُّ أمراً مخجلاً؛ فقد أظهرَت الأبحاث التي أُجرِيَت في شركة "تالنت سمارت" (TalentSmart) على أكثر من مليون شخص، أنَّه من بين المستويات العليا من الذكاء، فإنَّ الذين يملكون مستوىً عالياً من الذكاء العاطفي يؤدون بشكل أفضل. 

إقرأ أيضاً: 4 خطوات تساعدك على الخروج من المواقف الصعبة

5. يستسلمون عندما يخفقون في أمر ما:

هل سبق وأن شاهدتَ حدثاً رياضياً ورأيتَ الدهشة تعلو وجه أحد اللاعبين الذي توقَّع منه جمهوره أن يفوز؟

يقع الأذكياء دائماً في فخ أن يكون فشلهم هو نهاية العالم، لأنَّ النجاحات المتكررة تخلق توقعات تجعل تحمُّل الإخفاق أو الفشل أمراً صعباً.

ويمتلك الناس الذين يعملون بجد لتحقيق أهدافهم، المعرفة الكافية التي تُمكِّنهم من التعامل مع الفشل، كما يتعلمون أن يتبنَّوه لأنَّه الخطوة الأولى في طريق النجاح.

6. يفشلون في المثابرة:

عندما تكون الأمور سهلةً بالنسبة إليك، فمن المنطقي أن ترى العمل الشاق كلَّه أمراً سلبياً، وهو دليل أنَّك لا تملك ما يتطلبه الأمر، وعندما لا يستطيع الأذكياء إكمال أي عمل دون بذل مجهود ضخم، فغالباً ما يشعرون بالإحباط والإحراج، وهذا يقودهم إلى افتراضات خاطئة بأنَّهم غير قادرين على القيام بأي شيء دون مجهود؛ ولذا، فلا بُدَّ من وجود مشكلة ما بهم؛ وبالتالي ينتقلون إلى فعل شيء آخر يؤكد شعورهم، قبل أن يستثمروا الوقت لتطوير ما يحتاجون إليه للنجاح.

7. يمارس الأذكياء تعدُّد المهام:

يفكر الأذكياء بسرعة مما يجعلهم غير صبورين، كما يحبون أن تكون هناك مهام عدَّة تجرى في آن معاً، حتى لا يكون لديهم أي وقت فراغ، ويفكرون بسرعة عند تعدُّد المهام، لأنَّه يولِّد لديهم شعوراً بأنَّ الأمور تجرى على قدمٍ وساق، ويعزز من شعورهم بالإنجاز، ولكن أظهرَت الأبحاث التي أُجرِيَت في جامعة "ستانفورد" (Stanford University) أنَّ الأمر ليس كذلك؛ لأنَّ تعدُّد المهام يجعلك أقل إنتاجيةً، وكل أولئك الذين يظنُّون أنَّهم بارعون في هذا الأمر هم أسوأ من أولئك الذين يُفضِّلون القيام بشيء واحد في كل مرة.

إقرأ أيضاً: سرعة البديهة: تعريفها، وخفاياها، وأهم طرق تنمية هذه المهارة

8. لديهم صعوبة في تقبُّل التغذية الراجعة:

يميل الأذكياء إلى التقليل من قيمة التغذية الراجعة الصادرة عن الآخرين، لأنَّهم يواجهون صعوبةً في تقبُّل فكرة أنَّ هناك أشخاصاً مؤهلين يستطيعون تقييمهم وإعطاءهم تغذية راجعة مفيدة، وهذا يعيق النمو والأداء، فضلاً عن بناء علاقات سامة سواء على الصعيد الشخصي أم المهني.

في الختام:

قد يظنُّ بعض الناس أنَّ هذه المقالة هي تقليل من شأن الأشخاص الأذكياء، إلا أنَّ الأمر ليس كذلك؛ فمن أعظم الهبات في الحياة هي ارتفاع نسبة الذكاء، وقد يرافق ذلك تحديات عدَّة، وإذا لم تشأ أن تُوسِّع مداركك وتنظر إلى الصورة العامة، فإنَّك قد تستهلك إمكانات نفسك في وقت قصير، وهو ما لا يُعدُّ تصرُّفاً ذكياً. 

 

المصدر




مقالات مرتبطة