7 أمثلة تُجنِّبك الوقوع في مغالطة السبب الزائف

ماذا سيحصل إذا رميتَ مرآتك وكسرتها؟ بالإضافة إلى أنَّه سيتعيَّن عليك شراء مرآة جديدة، فربما يجب أن تتوقع معاناة مع الحظ السيِّئ تستمر لسبع سنوات، وبالطبع أنت تعلم أنَّ هذا الاعتقاد ينبع عن منطق خاطئ، ولكنَّ الأمر يتعدى الافتراض الخاطئ للترتيب الزمني للحدث الذي يحدِّد العلاقة بين السبب والنتيجة.



ما هي مغالطة السبب الزائف؟

تحدُث مغالطة السبب الزائف (False Cause Fallacy) عندما يحاول شخص ما التأسيس لعلاقة يكون فيها العامل "ب" نتيجة لحدوث العامل "أ"، والخطأ هنا أنَّ المنطق الكامن وراء هذا الاستنتاج يعتمد على رابط سببي مُفترَض ولكنَّه غير موجود في الواقع، فاستخدام هذه المغالطة لا يعني أنَّ الاستنتاج خاطئ تماماً، ولكنَّه يُظهِر أنَّه لم يُقدَّم القدر الكافي من الأدلة لإثبات الادِّعاء، ودون قدر كافٍ من الأدلة تُعَدُّ الحجة من مغالطات السبب الزائف.

يُعَدُّ افتراض وجود علاقة بين حدثين من المكونات الأساسية لأيَّة مغالطة سبب زائف، ففي معظم الأوقات يلاحظ الناس ببساطة وجود رابط واضح بين حدثين ولكنَّه في الواقع غير حقيقي، فعندما يوجد في بعض الأحيان رابط بين الحدثين "أ" و"ب"، فلا يعني هذا بالضرورة أنَّ "أ" يسبب "ب"، وبالطبع عندما لا يوجد أي نوع من العلاقة بين حدثين، فالناس لا يفترضون وجود علاقة سببية بينهما.

الحقيقة أنَّه عندما يُلاحَظ أنَّ الحدثين "أ" و"ب" غالباً ما يحدثان مع بعضهما أو يحدث الأول ثمَّ يتبعه الآخر، فمن المُحتمَل أن تكون نقطة جيدة للبدء بالبحث عن علاقة سببية مُحتملة بين الحدثين؛ إذاً، الأمر هو أنَّ الموضوع هو قضية للبحث، فلا يمكن تحديد السببية فقط لوجود تعاقُب أو ارتباط بين الحدثين، لكن عندما يُختبَر الارتباط وتُكتسَب بعض المعرفة الأساسية، يمكن تحديد علاقة سببية بينهما.

وبينما يكون إجراء بحث بغرض إثبات السببية هو عنصر أساسي في تطوير تفسيرات علمية، إلَّا أنَّه عادةً لا توجد معلومات كافية مُتاحة بسهولة لإجراء هذا النوع من الأبحاث في أثناء نقاش يومي عادي للتأكُّد من وقوع مغالطة السبب الزائف.

أخيراً نودُّ أن ننوِّه إلى أنَّ الأنواع الثلاثة من مغالطات السببية الخاطئة هي:

يشير النوع الأول من المغالطات إلى أيَّة حالة من حالات المنطق الخاطئ، التي يُتوصَّل من خلالها إلى علاقة سببية بين حدثين فقط لأنَّ أحدهما أعقب الآخر؛ أي إنَّ الحدث الأول لا بدَّ أن يكون سبباً لحدوث الثاني، أما النوع الثاني، يفترض وجود السببية بشكل كامل على أساس حدوث حدثين في نفس الوقت، والنوع الثالث، يُستنتَج فيه أنَّ حدثاً ما هو سبب لحدوث حدث آخر دون وجود دليل كافٍ.

والآن، لنستعرض 7 أمثلة عن هذه المغالطات المنطقية، التي ستوضِّح لنا الصورة توضيحاً أفضل:

إقرأ أيضاً: التفكير المنطقي: مفهومه ومبادئه وكيفية تنميته

1. في كل مرة أقوم بكذا يحدث كذا:

غالباً ما ترتبط هذه التصريحات بعبارات التأكيد مثل: "بالطبع" ومثال عن ذلك أن تقول: "كلَّما تعطَّل شيء في منزلي، يتعطَّل كل شيء في حياتي بالطبع"، والفكرة هنا هي أنَّ الحدث الأول ليس له أي تأثير في الأحداث المستقبلية، التي تبدو أنَّها تحدث دائماً.

وما يحدث هنا أنَّك غالباً ما تركِّز بشكل خاص في الحدث المُتوقَّع عندما يقع، ولا تعطي أيَّة أهمية لما قد يحدث معك عندما لا يقع ذلك الحدث مطلقاً، أنت فقط تركِّز في حالات قليلة جداً وتنسى الحالات الأخرى التي تنفي وجود العلاقة.

2. عربة مشي الأطفال:

أظهرت الأبحاث أنَّ الكثير من الآباء يظنون أنَّ وضع أطفالهم في عربات مشي الأطفال تساعد أطفالهم على تعلُّم المشي، وقد يبدو هذا منطقياً بما أنَّ الأطفال يُقَوُّون عضلات الساقين الضرورية للمشي ويحصلون على بعض التدريب الجيد ويدفعون أنفسهم إلى الأمام باستخدام أقدامهم، وبعد أن يبدأ الأطفال بالمشي، يربط الآباء مهارة المشي لدى أطفالهم بالتدريب الذي حصلوا عليه سابقاً بواسطة عربات المشي.

والمغالطة السببية هنا تقوم على فكرة أنَّ عربات المشي تُعلِّم الأطفال الحركات اللازمة للمشي، والطفل الذي يتعلَّم هذه الحركات يتعلَّم المشي، لكن وعلى أي حال، فإنَّ الأطفال الذين لا يستخدمون هذه العربات أيضاً يتعلمون المشي.

والآباء الذين يقدمون لأطفالهم عربات المشي لا يملكون عامل تحكُّم أو نموذجاً لقياس النتائج أو ملاحظة ما إذا كان أطفالهم يتعلمون المشي بوقت أقل أو بطريقة أفضل من الحالة التي لا يكون لدى أطفالهم فيها عربات مشي؛ وإنَّما استنتاجهم بأنَّ عربات المشي فعَّالة هو انحياز تأكيدي.

وإذا ما اطَّلعتَ على أبحاث "الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال" (The American Academy of Pediatrics)، فستجد أنَّ هذه العربات دون أيَّة فائدة؛ بل قد تُؤخِّر الأطفال عن المشي بالاعتماد على أنفسهم وقد تسبب إصابات خطيرة.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح للتخلص من التشاؤم والتفكير بإيجابية

3. إذا اتبعتَ نظاماً غذائياً صحياً، فستعيش حياة طويلة صحيَّة:

إحدى الحقائق هي أنَّ اتِّباع نظام غذائي صحي قد يساهم في جعل الشخص ينعم بصحة جيدة لفترة طويلة، ولكنَّ الغذاء ليس العامل الوحيد الذي يساهم في إطالة عمر الإنسان؛ لذا فكِّر في شخص مُدخِّن عاش حياة طويلة ولكنَّه عانى من مرض السرطان على الرغم من اتِّباعه لنمط غذاء صحي خلال حياته، أو فكِّر في شخص يموت في سن مبكِّر جراء حادث مأساوي.

لذلك، الصواب هو أن تقول: إذا اتَّبعتُ نظاماً غذائياً صحياً، قد تكون لدي فرصة أكبر لتجنُّب الأمراض المزمنة أكثر من العيش معتمداً على نظام غذائي سيِّئ، لكن ليس الغذاء هو العامل الوحيد الذي يساهم في إطالة أمد الحياة.

4. أثر الفراشة:

أثر الفراشة هو نظرية من اكتشاف عالِم الرياضات "إدوارد لورينتز" (Edward Lorentz) ويقول فيها: "من الممكن أن تؤدي رفرفة أجنحة لفراشةٍ في البرازيل إلى حدوث إعصار في تكساس"؛ إذ يُستخدَم مفهوم أثر الفراشة بوصفه استعارة لتوضيح الأثر الهائل الذي يمكن أن تتسبب به أحداث صغيرة.

على كل حال، إنَّ الترجمة لهذا المفهوم بعيدة جداً عن المعنى الذي أراد "لورينتز" إيصاله؛ بل أراد أن يشرح كيف يمكن لنظام معقد للغاية مثل الطقس أن يسلك سلوكاً غير متوقع؛ وذلك لأنَّ تغييرات بسيطة في الظروف قد يكون لها تأثير هائل في النتائج النهائية لهذا النظام، وعلى أساس هذا المفهوم أُسِّسَت نظرية الفوضى.

وهنا أيضاً نجد أحد الأمثلة عن مغالطة السببية؛ فمن الخطأ الاعتقاد أنَّ تغيراً ضئيلاً في الظروف هو السبب الوحيد للنتائج التي يتمخض عنها حدث معقد، وفي جميع الأحوال لا يمكن التعرُّف تعرُّفاً كاملاً ودقيقاً إلى الظروف الأولية للعملية، ويجب أن نعترف أنَّ اختلافاً ضئيلاً في رفرفة جناح فراشة ما، قد يؤدي إلى تغييرات متتالية لا نهاية لها، ويمكن عزل كل من الاختلافات بوصفها سبباً للنتيجة.

5. تعاقب الليل والنهار:

منذ أن بدأ الزمن، يتعاقب الليل والنهار يوماً بعد يوم، ومع أنَّ خبرتنا تقول إنَّ الليل يعقب النهار، إلَّا أنَّنا نعلم أنَّ النهار ليس سبباً لحدوث الليل، فالليل والنهار كلاهما من نتائج دوران الأرض وضوء الشمس أو غياب هذا الضوء؛ لذلك إذا حدث النهار لسبب مختلف عن هذا السبب، فقد لا يعقبه الليل.

6. النقاش السياسي المتعلق بسلامة الأسلحة النارية:

يضم "الاتحاد القومي للأسلحة" (The National Rifle Association) قاعدة شعبية قوية، وأعضاء لهم حق التصويت، ووسائل مالية لدعم المرشحين السياسيين، لكن بصرف النظر عن موقفهم من سلامة الأسلحة النارية، يعلم أعضاء الكونغرس أنَّهم يواجهون ثأراً "مكسباً أو خسارة مالية" من هذا الاتحاد، الذي يجعل بعضهم يتجنَّب طرح قضية قوانين السلاح.

يقول بعضهم إنَّ عدم طرح هذه القضية سبَّب ارتفاعاً كبيراً في معدل الجرائم في "الولايات المتحدة" (USA) عند مقارنتها مع غيرها من البلدان الثرية، ولكنَّ هذا تبسيط مبالغ فيه في تقديم العوامل المسببة للعنف في الولايات المتحدة.

لم يسبب الاتحاد القومي للأسلحة ارتفاعاً في معدل الجرائم، مع أنَّ الاتحاد له تأثير في قوانين الأسلحة، التي بدورها تؤثِّر في كيفية بيع الأسلحة النارية التي هي سبب رئيس لكون الأسلحة متاحة دون شك؛ وبذلك لا يكون معدل الجريمة سبباً مباشراً لنشاط الاتحاد القومي للأسلحة.

يجب أن نأخذ في الحسبان العوامل الأخرى؛ مثل:

  • ثقافة المجتمع الأمريكي.
  • الحق في حمل السلاح، الذي يضمنه الدستور الأمريكي.
  • عنف العصابات.
  • المعتقدات العلمانية.
  • التفاوت في الدخل، الرواتب مثلاً.
  • انتشار ملكيَّة الأسلحة.
  • سياسات بعض الولايات التي تسمح للمواطن باستخدام السلاح عندما يظن أنَّه يتعرَّض إلى خطر.
  • قوانين بعض الولايات التي تسمح باقتناء السلاح دون أيَّة قيود.
  • أوجه القصور في التحقُّق من السجلات الجنائية للأشخاص وغيرها من الإجراءات التي تساهم في التنبؤ بالسلوك الإجرامي.

وعندما تُؤخذ جميع هذه العوامل في الحسبان، سيتبيَّن أنَّ قوانين الأسلحة بحد ذاتها لا يمكن أن تكون سبباً في معدل الجرائم في الولايات المتحدة.

7. التفاعل الاجتماعي والسلامة:

غالباً ما يُقال: إنَّ الأشخاص الذين يتفاعلون تفاعلاً جيداً مع الآخرين على أساس منتظم، يكونون أكثر سعادة وصحة من الأشخاص الذين يكتفون بأنفسهم معظم الوقت؛ ففي هذا المثال، يُفترَض أنَّ التفاعل الاجتماعي هو السبب لسلامة الإنسان، لكن إذا بحثت عن السبب والتأثير المترتب على هذه الحالة، فعلى الأرجح أنَّ خلاف ذلك هو الصحيح.

من المؤكَّد أنَّ امتلاك علاقات داعمة مع الآخرين هو أمر مفيد لصحة الفرد النفسية، وتوجد نشاطات تُشجِّع على التفاعل الاجتماعي مثل العمل التطوعي، الذي أُثبِت أنَّه يزيد من شعورنا بالرضى في الحياة، لكن يجب طرح السؤال الآتي: هل التفاعل الاجتماعي الجيد يؤدي إلى السعادة أم خلاف ذلك هو الصحيح؟

من المرجَّح أنَّ الأشخاص الأكثر سعادة في الحياة عموماً، يرغبون في الخروج من المنزل والاختلاط بالآخرين أكثر من الأشخاص غير الراضين عن أنفسهم أو عن حياتهم.

وبذلك يكون الادِّعاء بأنَّ الأشخاص يعملون عملاً تطوعياً ليزيدوا من مستوى سلامتهم هو ادِّعاء خاطئ؛ وذلك لأنَّ الصواب هو أنَّ الأشخاص الذين يشعرون بالسعادة، يرغبون في القيام بالعمل التطوعي أكثر من الأشخاص الذين لا يشعرون بالسعادة.

شاهد بالفيديو: 10 معتقدات إيجابية يجب أن تتبناها

كيف تتعامل مع مغالطات السبب الزائف؟

يمكنك دحض هذه المغالطات في معظم محادثاتك اليومية؛ وذلك من خلال طرح الأسئلة وتحليل البيانات أو البحث، فمن الصعب تحديد العلاقة بين الأحداث المتزامنة في العالم؛ لذلك يجب أن تكون يقظاً لافتراضاتك التي تجعل من حدث ما سبباً لحدثٍ آخر.

تحقَّق من صحَّة افتراضاتك، وكغيرها من المغالطات المنطقية؛ فكن منفتحاً لتقبُّل التفسيرات البديلة وكن جاهزاً دوماً لتغيير رأيك، وبهذه الطريقة لن تتفادى التسليم بفرضيَّة أحدهم التي تقوم على مغالطة السبب الزائف؛ بل ستتجنَّب أنت أيضاً الافتراضات التي تقوم على هذه المغالطة.

إقرأ أيضاً: 5 معتقدات شائعة قد تفسد حياتك تماماً

في الختام:

تميل أدمغتنا إلى إيجاد علاقة سببية ونرغب في معرفة سبب حدوث الأشياء وكيف ترتبط الأمور في هذا العالم مع بعضها بعضاً، ويساعدنا هذا النوع من التفسيرات على ربط الحقائق، إلَّا أنَّها غالباً غير دقيقة، وعموماً، نحن نبالغ في تقدير قدرتنا على فهم العلاقات والروابط في العالم؛ لذلك تذكَّر الأمثلة الواردة في هذا المقال في المرة القادمة التي تحدِّد فيها سبباً ونتيجة.

المصدر




مقالات مرتبطة