تحدَّث إلى أي مجموعة من الأجداد (أو الجيل الأقدم منهم) الذين صمدت علاقتهم أمام اختبارات الزمن، وسوف يخبرونك أنَّ أفضل العلاقات لا تتعلق فقط بالأوقات الجيدة التي تتشاركونها؛ بل تتعلق أيضاً بالعقبات التي تمرون بها معاً والتنازلات التي تقدمونها لحل الخلافات، وحقيقة بقاء الحب في نهاية المطاف؛ فحب شخص ما لا يتعلق فقط بالتعبير عن ذلك لفظيَّاً كل يوم، إنَّه يتعلق بإظهار ذلك كل يوم من خلال الأفعال والسلوكات حتى عندما لا ترى أنت وشريكك الأشياء من المنظور نفسه.
استناداً إلى علاقة الكاتب مارك كرنوف (Marc Chernoff)، والتي استمرت 15 عاماً مع شريكته وخبرتهما المشتركة في تقديم الكوتشينغ لآلاف من الأفراد والأزواج طيلة العقد الماضي.
فيما يأتي ما تعلَّماه عن كيفية تعامل الأزواج السعداء مع الخلافات:
1. حمل المسؤولية:
عندما تنكر المسؤولية في كل خلاف في العلاقة، فإنَّ كل ما تفعله حقاً هو إلقاء اللوم على شريكك، وفي الواقع أنت تقول ما معناه: "لستُ المشكلة أبداً، إنَّها دائماً أنت"، يؤدي هذا الإنكار للمسؤولية إلى تصعيد الجدل فقط نظراً لعدم وجود أي تواصل بينكما.
لذا تحمَّل المسؤولية عن أفعالك، تحمَّل مسؤولية علاقتك بما في ذلك الأوقات الجيدة والسيئة، واعمل مع شريكك وتواصلا معاً؛ فإلقاء اللوم على الطرف الآخر عمل فارغ لا يحقق أيَّ نتائج، فيجب أن يكون كلاكما متساوياً في تحمُّل مسؤولية المشكلات التي تواجهانها معاً، أو أنَّ المشكلات ستسيطر عليكما.
شاهد بالفيديو: 10 أسرار تضمن لك السعادة في زواجك
2. الالتزام بالتعامل الإيجابي مع الخلافات:
غالباً ما يكون من الأسهل الهروب من خلاف ما، وخاصةً إذا لم تكن شخصاً تُحب المواجهات بطبيعتك، لكن تذكر أنَّ الأمر لا يتعلق بك أو بما إذا كنت ترغب في التعامل مع اختلافاتكما أو لا؛ بل يتعلق الأمر بما تحتاج إليه علاقتكما من أجل النمو والازدهار على الأمد الطويل؛ لذا ضع هذه الاحتياجات قبل احتياجاتك الخاصة، ويجب أن يلتزم الشريكان كلاهما بالتعامل مع خلافاتهما، لأنَّ الهروب منها سيجعل التعامل مع الأمور أكثر صعوبة في المستقبل.
واحدة من أكثر الأدوات فاعلية التي يمكن للأزواج استخدامها لتسهيل عملية التعامل مع الخلافات هي استخدام لغة إيجابية، فتزدهر العلاقات عندما يكون الشخصان قادرين على مشاركة مشاعرهما وأفكارهما بطريقة إيجابية.
إحدى الطرائق الفعالة للقيام بذلك في أثناء المناقشة هي بذل قصارى جهدك لتجنب استخدام كلمة "أنت" ومحاولة استخدام كلمة "أنا" بدلاً من ذلك، وهذا يجعل التعبير عن المشاعر أسهل بكثير ويصعِّب بكثير مهاجمة الشخص الآخر عن غير قصد؛ لذا بدلاً من أن تقول: "أنت مخطئ"، حاول أن تقول: "أنا لا أفهم"، وبدلاً من قول: "أنت دائماً..." حاول أن تقول: "غالباً ما أشعر..." إنَّه تحوُّل دقيق يمكن أن يُحدِث فرقاً كبيراً.
3. محاربة الخلافات:
الخلافات جيدة والجدالات جيدة أيضاً، إنَّها ردود فعل طبيعية تجاه قرارات الشخص أو سلوكه، لكن عندما تتحول الخلافات والجدالات إلى حرب عالمية على الشخص الآخر نفسه وليس على قراراته أو سلوكه، فإنَّ هذا يسبب مشكلة، على سبيل المثال: "لم يتصل بي الطرف الآخر ليس لأنَّه نسي - كما قال - بل لأنَّه شخص فظيع وبائس وشرير".
حتى عندما يكون من الصعب التفكير بوضوح خلال اللحظة، عليك أن تأخذ نفساً عميقاً وتتذكر أنَّ شريكك معك في الفريق نفسه؛ لذا ادعما بعضكما بعضاً دائماً، حتى عندما تكونان غير متفقين، لا تضغطا على بعضكما بعضاً وحافظا على تركيزكما على الخلاف الإشكالي وحارباه معاً من خلال التحدث عنه والتوصل إلى حل وسط.
4. التواصل بوضوح:
شريكك ليس قارئاً للأفكار؛ لذا شارك أفكارك بصراحة، وامنح شريكك المعلومات التي يحتاج إلى معرفتها بدلاً من أن تتوقع أن يعرف كل شيء وحده، وكلَّما ظلَّ ما تفكران به غير مُعلَن زاد خطر حدوث مشكلات، وابدأ التواصل بوضوح، لا تحاول قراءة أفكار شريكك ولا تجعله يحاول قراءة أفكارك، تبدأ معظم المشكلات - الكبيرة والصغيرة - داخل العلاقة بانعدام التواصل.
أيضاً، لا تستمع حتى تتمكن من الرد؛ بل استمع لتفهم، وافتح أذنيك وعقلك لمخاوف شريكك وآرائه دون إصدار أحكام، وانظر إلى الأشياء من منظور شريكك إضافة إلى منظورك الخاص، وحاول أن تضع نفسك في مكانه، وحتى إذا كنت لا تفهم بالضبط كيف نشأت تلك الأفكار، فما يزال بإمكانك احترامها؛ لذا توجَّه بجسدك نحو شريكك وانظر إليه في عينيه، أطفئ حاسوبك وضع هاتفك من يدك، يوضِّح القيام بذلك أنَّك تريد بالفعل التواصل مع شريكك والاستماع إلى ما سيقوله، هذا يعزز نوع البيئة الداعمة التي تعدُّ حاسمة لحل الصراع.
5. التغاضي عن الأخطاء والامتناع عن الإحراج:
يقول الكاتب مارك كرنوف إنَّ جدته أخبرته ذات مرة: "عندما يُحرَج أحدهم أمامك، انظر في الاتجاه الآخر حتى يخرج، ثم تصرَّف كما لو أنَّ ذلك لم يحدث أبداً"، إنَّ السماح لشريكك بالاحتفاظ بكرامته بهذه الطريقة وعدم تذكيره بما يعرف بالفعل أنَّه ليس السلوك الأفضل لديه، هو عمل طيِّب للغاية، وهذا ممكن عندما تدرك أنَّ شريكك يتصرف بهذه الطرائق لأنَّه في موقع من معاناة مؤقتة، وهذا نتيجة أفكار أو مشاعر ربما يتعامل معها وغالباً لا علاقة لسلوكه بك مباشرة.
في مرحلة ما لدينا جميعاً حتماً تقلُّبات مزاجية غير معقولة، كلُّنا نمر بأيام سيئة، إنَّ منح شريكك مساحة لحفظ كرامته، وعدم أخذ الأمور على محمل شخصي عندما يكون منزعجاً أحياناً أو غريب الأطوار أو يمر بيوم سيئ هو هدية لا تُقدَّر بثمن، وإن كنتَ محقاً تماماً وكان شريكك مخطئاً تماماً، فعندما تشتعل العواطف وتجبر الشريك على فقدان كرامته، فأنت ببساطة تجرح كرامته، أنت لا تنجز شيئاً سوى تقليل قيمته في عين نفسه، ابذل قصارى جهدك للسماح لشريكك بالحفاظ على كرامته وامنحه مجالاً، ودع المشاعر تهدأ، ثم أجرِ محادثة عقلانية باستخدام أساليب التواصل الإيجابية التي نوقشت أعلاه في النقطة رقم 2.
6. الاستعداد لتقديم التضحيات:
أسعد الروابط الحميمة مرتبطة بالحب الحقيقي، والحب الحقيقي ينطوي على الاهتمام والوعي والانضباط والجهد، والقدرة على الاهتمام بشخص ما، والتضحية من أجله باستمرار بطرائق بسيطة وصغيرة وعاطفية كل يوم، كأن تضمَّ شريكك وتحبه بصرف النظر عن أي شيء آخر، وحتى عندما لا يرى الأشياء من منظورك، وبالطبع سيفعل شريكك الشيء نفسه من أجلك.
إذا كنت تريد حقاً معرفة ما هي العلاقة السعيدة والصحية، فهي علاقة يستيقظ فيها شخصان كل صباح، ويقولان: "العلاقة تستحق الاهتمام، وأنت تستحقه، أنا سعيد لأنَّك في حياتي"، إنَّها تتعلَّق بالتضحية الحقيقية، وتتعلق بمعرفة أنَّه سيتعيَّن عليك في بعض الأيام القيام بأشياء لا تحبها لجعل الشخص الذي تحبه يبتسم، والشعور بالسعادة تماماً للقيام بذلك.
7. توقع وجود الخلافات:
مرة أخرى، لا تؤدي الاختلافات في الرأي (حتى الكبيرة منها) إلى تدمير العلاقات؛ فالأهم هو الطريقة التي يتعامل بها الزوجان مع اختلافاتهما الحتمية.
يضيُّع بعض الأزواج سنوات في محاولة تغيير رأي بعضهما بعضاً، لكن هذا لا يمكن أن يتم دائماً لأنَّ معظم خلافاتهم متجذرة في الاختلافات الأساسية في الرأي أو الشخصية أو القيم بينهما، ومن خلال التشاجر بسبب هذه الاختلافات العميقة الجذور، فإنَّ كل ما ينجحون في فعله هو إضاعة وقتهم والإطاحة بعلاقتهم.
كيف يتعامل الأزواج السعداء والأصحاء مع الخلافات التي لا يمكن حلها؟
يقبلون بعضهم بعضاً كما هم، يفهم هؤلاء الأزواج أنَّ المشكلات جزء لا بدَّ منه في أي علاقة طويلة الأمد، وبالطريقة نفسها، فإنَّ الصعوبات الجسدية المزمنة لا بدَّ منها مع تقدمنا في السن والحكمة، وهذه المشكلات مثل آلام الركبة أو الظهر، قد لا نريدها؛ لكنَّنا قادرون على التعامل معها، وتجنُّب المواقف التي تزعج الشريك، ووضع استراتيجيات تساعدنا على التعامل معها.
لقد عبَّر عالم النفس دان وايل (Dan Wile) عن ذلك بأفضل طريقة في كتابه "بعد شهر العسل" (After the Honeymoon)؛ وذلك حينما قال: "عند اختيار شريك يظل معك على الأمد البعيد، فأنت تختار حتماً مجموعة معينة من المشكلات غير القابلة للحل، والتي ستواجهها طيلة السنوات العشر أو العشرين أو الخمسين القادمة".
في الختام:
أساس الحب هو السماح لمن نهتم بأمرهم بأن يتصرفوا على طبيعتهم دون أن يشعروا بالأسف أو يضطروا إلى الاعتذار، وعدم تشويههم ليناسبوا أفكارنا الأنانية حول من يجب أن يكونوا، وإلا فإنَّنا نقع في حب تخيلاتنا فقط؛ ومن ثَمَّ نفقد جمالهم الحقيقي تماماً؛ لذا احفظ علاقتك من التوتر الذي لا داعي له، وبدلاً من محاولة تغيير شريكك، امنحه دعمك لكي تنمو أنت وإيَّاه معاً على المستوى الشخصي.
أضف تعليقاً