ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "مارك كرنوف" (Marc Chernoff)، ويُحدِّثنا فيه عن 7 حقائق للتعامل مع الاكتئاب والحزن الناتج عن الصدمة.
تعرضت أنا وزوجتي "إنجل" (Angel) منذ نحو عقد من الزمن لصدمات كثيرة متتالية، ومنها وفاة شقيق "إنجل" وفقدان أفضل صديق لنا بسبب سكتة قلبية، وخسارة منزلنا بسبب الركود الاقتصادي، والألم الذي تسببت به كلٌّ من هذه الصدمات كان لا يُوصف، خاصةً أنَّ هذه الصدمات جاءت متتالية ما جعلنا نشعر بالحسرة ونُصاب بالاكتئاب، ومضت فترة طويلة تجنبنا فيها الخروج من المنزل والحديث مع الأشخاص حتى أولئك الذين تعاطفوا معنا، كما أنَّنا تجنبنا الحديث مع بعضنا بعضاً.
لحسن حظنا، مع حصولنا على الدعم المناسب استعدنا تدريجياً عزيمتنا، وبدأنا بالمضي قدُماً وبقوة أكبر ومع تقدير أكبر لقيمة الحياة، ودون الخوض في كثير من التفاصيل لهذه العملية التدريجية من التعافي، إلا أنَّها بالنتيجة أدت إلى الواقع الذي نعيشه اليوم أنا وإنجل بعد أكثر من عقد من الزمن.
أمضينا الجزء الأكبر من هذه المرحلة بتقديم خلاصة تجربتنا لأشخاص رائعين كُثُر، من خلال الكوتشينغ والدورات التدريبية بهدف التخلص من الاكتئاب والألم الناتج عن الخسارة وغيرها من أشكال الشدة النفسية.
لم يكن هذا العمل سهلاً على الإطلاق؛ لكنَّ النتائج استحقت هذا العناء، فقد غيَّرت مجرى حياتنا، وكانت بالتأكيد هي الجانب الإيجابي لهذه الصعوبات التي مررنا بها أنا وإنجل.
في مقابلة على إحدى المحطات التلفزيونية، كان موضوع اللقاء كتابنا الجديد "استعادة السعادة: غيِّر أفكارك، وواقعك وحوِّل الصعوبات إلى نجاحات"، طرح مقدُّم البرنامج السؤال الأكثر إلحاحاً وهو: "ما الذي تعلَّمته خلال العشر سنوات الماضية من تقديم الكوتشينغ والتدريب للأشخاص للتغلب على الاكتئاب والإحباط؟".
حاولنا أن نجيب على السؤال بأفضل ما يمكن، وأن نقدِّم رؤية موجزة، لكن وقت البرنامج لم يسمح لنا بالاستفاضة في التوضيح؛ لذلك قمنا لاحقاً أنا وإنجل بالتفكير في هذا السؤال مطولاً.
ما توصلنا إليه أنَّه لا يوجد نصائح تلائم الجميع للتخلص من الاكتئاب والصدمات، لكن يوجد بعض المبادئ العامة الهامة جداً التي تنطبق على معظم الأشخاص الذين يعانون الاكتئاب والألم الذي تتسبب به الصدمات النفسية.
إذاً ما ستقرؤه ليست مبادئ عامة؛ بل مبادئ عملية ستكون بالنسبة إليك نقطة انطلاق للحصول على الدعم الذي تحتاج إليه أنت أو أيِّ شخص تحبه:
1. الاكتئاب ليس حالة نفسية متعلقة بالتفكير المنطقي أو الواعي:
ما يشعر به الشخص المُصاب بالاكتئاب يشبه شعور الشخص بأنَّه تائه؛ بمعنى أنَّك إذا كنت مصاباً بالاكتئاب فقد تستغرق بعض الوقت لتدرك ذلك؛ إذ يستمر معظم الأشخاص المصابين بالاكتئاب بإقناع أنفسهم ولفترة لا بأس بها أنَّ ما يشعرون به مجرد مشاعر عابرة وبأنَّهم سرعان ما سيتجاوزون ما يشعرون به.
لكن تمضي الأيام وما زلت غير مدرك لحقيقة ما تمر به، وعلى الرَّغم من أنَّ الاعتراف مؤلم، إلا أنَّك تبدأ بإدراك أنَّك تائه منذ مدة إلى درجة أنَّك لم تعد تعرف ما يجب أن تفعله.
بالطبع لم تختر لنفسك هذا الوضع؛ لكنَّك فيه حالياً، ولا تعرف كيف تخرج منه، ويمكن القول إنَّ هذا الوصف ينطبق تقريباً على جميع حالات الاكتئاب.
الاكتئاب هو واحد من أكثر التجارب العاطفية صعوبةً التي يمكن أن يعيشها الشخص؛ إذ يشعر الشخص أحياناً أنَّه تائه تماماً، وأحياناً يشعر باليأس المطلق، وأحياناً يصعب تحديد ما يشعر به.
قد يصل الألم إلى درجة يشعر فيها الشخص بأنَّه يعيش فقط لأنَّه مضطر إلى ذلك، وغير قادر على القيام بأيٍّ من الأشياء التي كانت تحقق له في السابق المتعة.
نؤكِّد أنَّ لا أحد يختار أن يُصاب بالاكتئاب، وليس الدخول في الاكتئاب أو الخروج منه أمر اختياري؛ بل هو حالة نفسية يجب التعامل معها جدياً والعمل على شفائها من خلال خطوات متتالية تدريجية على الأمد الطويل.
شاهد بالفيديو: 6 طرق تساعدك في التغلب ذاتياً على الاكتئاب
2. الاكتئاب ليس حالة بسيطة من الإحباط أو الحزن الشديد؛ بل غالباً ما يُساء فهمه:
يمكن أن تؤدي الصدمات إلى الاكتئاب، لكن يبقى الاكتئاب حالة مختلفة كلياً عن الإحباط أو الألم الناتج عن الصدمات، وهو ليس حالة منطقية أو عاطفية، وليس استجابة مباشرة لوضع صعب، إنَّه عبارة عن مرض نفسي حقيقي له تشخيص طبي بناءً على أعراضه السلبية، لكن يبقى بالنسبة إلى المريض تجربة فردية لا يمكن أن يفهمها شخص لم يختبرها.
قد يعتقد بعض الناس أنَّهم يعرفون معنى الاكتئاب من خلال تجاربهم القاسية مثل الطلاق أو خسارة الوظيفة أو موت شخص عزيز، وفي حين أنَّ هذه الصدمات قد تؤدي إلى الاكتئاب، لكنَّها تبقى مجرد عوامل لا تؤدي بمفردها إلى هذا الاضطراب النفسي.
تترافق معظم هذه التجارب القاسية بتجارب شعورية عنيفة؛ وهي آثار جانبية للصدمة، لكنَّ الاكتئاب في المقابل يكون خالياً من المشاعر والانفعالات بشكل لا يُطاق، وهو بذلك يستنزف قدرات الشخص العاطفية والعقلية ويجرِّده تماماً من الأمل.
عندما تُصاب بالاكتئاب تشعر بأنَّك أصبحت غريباً، فأنت محبط ومُرتاب وحزين للغاية وفاقد للرغبة في الحياة ويائس وعاجز وتشعر بالقلق المستمر، وتشعر أيضاً بالخوف، والسبب أنَّ كلَّ هذه المشاعر غريبة بالنسبة إليك، وتختبرها لأول مرة، أضف إلى ذلك، أنَّك تشعر فجأةً بالأمل؛ لكنَّك سرعان ما تفقده.
لنوضِّح الاكتئاب بطريقة أفضل سنقتبس من رواية "فكاهة بلا حدود" للكاتب دافيد والاس (David Wallace)؛ إذ يقول فيها: "الشخص الذي يوصف نفسياً بالمكتئب والذي ينتحر، لا يفعل ذلك لأنَّه يائس وليس لأنَّه مفلس وعليه كثير من الديون، وبالطبع ليس لأنَّ الموت يبدو جذاباً على حين غرة؛ فالشخص الذي يصل عذابه النفسي إلى درجة لا تُطاق والذي يقدم على الانتحار؛ إنَّما يشبه في ذلك الشخص الذي يرمي بنفسه من النافذة لينجو من حريق يلتهم المبنى بأكمله".
لنستخدم هذا التشبيه في توضيح الوضع النفسي والذهني للمكتئب، نقول إنَّ هؤلاء الأشخاص يخافون الموت مثل الشخص المُعافى الذي يخشى القفز من نافذة تقع على ارتفاع شاهق.
لكن ما يدفعهم إلى الانتحار الذي شبهناه بالقفز من النافذة هو خوفهم من شيء آخر، وهو ما شبهناه بالنيران، فعندما تقترب النيران من الشخص يصبح القفز من النافذة أهون الشرين.
إذاً هو لم يرغب بالموت؛ لكنَّه كان يخاف الاحتراق؛ ومن ثَمَّ لن يتفهم موقفه الشخص الذي يقف في الأسفل ويناشده بألا يقفز، ولن تفهم ذلك ما لم تُحاصرك النيران وتشعر بحرارتها تقترب من جسدك وتشعر بأنَّ القفز من النافذة يبدو أقل رُعباً من الموت احتراقاً.
3. يشعر المكتئب أنَّه عبء على الأشخاص الذين يحبونه:
إليك هذا الاقتباس من رواية "عين القطة" للكاتبة "مارغريت آتوود" (Margaret Atwood): "لا أريد أن أرى أحداً، سأستلقي في سريري وسأسدل الستائر بينما أشعر بهذا الفراغ، ومهما يكن ما يحدث معي فإنَّه خطئي بلا شك، لا بدَّ أنَّني ارتكبت خطأً كبيراً لدرجة أنَّني لا أستطيع تحديده وهو ما يجثم على كاهلي، أنا غبية وغير جديرة بشيء حتى بالحياة".
يوضح هذا الاقتباس بشكل رائع شعور المُكتئب بالوحدة والعزلة، والغريب أنَّ المكتئب وعلى الرَّغم من شعوره باليأس في وحدته، إلا أنَّ هذا الشعور بالوحدة هو ما يدفعه إلى المزيد من العزلة.
عادةً ما يشعر الأشخاص المكتئبون بأنَّهم يشكلِّون عبئاً على الأشخاص المقربين منهم، وهذا ما يدفعهم إلى العزلة والابتعاد عنهم على الرَّغم من حاجتهم الماسة إليهم في هذا الوضع؛ لذلك إذا كان أحد الأشخاص الذين تهتم لشأنهم مُصاباً بالاكتئاب ومنعزلاً فحاول جهدك أن تجعله يتذكَّر دوماً أنَّك تقف إلى جانبه وتدعمه؛ لكن لا تضغط عليه حتى يختلط بالآخرين أو يتحدث عن مشاعره إذا لم يكن يرغب في ذلك حقاً.
كن صبوراً وهوِّن الأمور عليهم، وتقرَّب منهم بروية لإجراء محادثات غير رسمية عندما تستطيع إخراجهم من عزلتهم التامة، وإن كانت محادثة لبضعة دقائق، التقِ بهم بفترات عشوائية؛ إذ لا يبدو ذلك مدروساً، واسعَ جهدك حتى يشعروا بأنَّهم ليسوا بمفردهم.
4. تستنزف الكآبة والأسى طاقاتنا على جميع المستويات:
الإرهاق المستمر هو أحد الآثار الجانبية الشائعة للاكتئاب والإحباط الشديد إلى درجة أنَّ مجرد النهوض من السرير صباحاً يمكن أن يكون أمراً صعباً للغاية؛ بل ومؤلماً أيضاً، ويشعر أحياناً الشخص الذي يمر بهذه الاضطرابات النفسية أنَّه بخير؛ لكنَّه فجأةً يفقد كلَّ طاقته، وإن كان يتبع نظاماً غذائياً صحياً ويحصل على قسط كافٍ من النوم، وهذا ما يجعل الشخص يخطط دون أن ينفذ أيَّ شيء من خططه، ويترك المناسبات الاجتماعية باكراً، ويرفض أكثر من المعتاد.
لا يعبِّر هذا السلوك عن عدائية المكتئب تجاه أصدقائه وعائلته، وليس لها علاقة بأيِّ أحد وما هي إلا بعض الآثار الجانبية الشائعة للمعاناة النفسية الشديدة؛ لذلك إذا كان أيُّ شخص من المقربين منك يعاني نفسياً، فتذكَّر أنَّه لا يمكن للإنسان أن يقدِّم أكثر مما يملك، ونظراً لأنَّ الاكتئاب والإحباط يستنزفان طاقة المريض يجب ألا تضغط على هذا الشخص حتى يقوم بما لا يستطيع، ويجب أن تُظهر له الحب في تصرفاتك وكلامك دون أن تنتظر منه أن يبادلك الحب.
عندما لا تفسِّر سلوك الشخص المريض على أنَّه يعنيك شخصياً؛ فإنَّك تحرر نفسك وتصبح قادراً على منح الحب لهذا الشخص الذي يكون في أمس الحاجة إليه؛ لذلك قدِّم له كلَّ ما تستطيع من الحب دون انتظار شيء في المقابل.
5. عبارات التحفيز الإيجابية التقليدية لا تفيد في حالات الاكتئاب والحزن الشديدَين:
من السهل جداً قول عبارات إيجابية مثل "الزمن كفيل بمداواة الجراح" و"هوِّن عليك فهذه ليست مشكلة كبيرة" أو" أنت بحاجة إلى الترويح عن نفسك" أو"اترك ما أنت فيه، وامض قدماً"، لكن عندما يعاني الشخص الاكتئاب أو الحزن الشديد؛ فإنَّ هذه العبارات غالباً لا تثير لديه أيَّ شعور أو فكرة إيجابية؛ ومن ثَمَّ تكون معدومة النفع.
السبب أنَّ هذه العبارات لا تعالج المشكلة التي يعانيها المريض وتثير لديه مزيداً من القلق، مما يجعل المكتئب أو الشخص المصاب بحزن شديد راغباً بالمزيد من العزلة؛ لذلك عندما تسنح لك الفرصة لقول شيء لشخص مكتئب فقط حاول قدر الإمكان أن تُظهر له الدعم والحب.
يمكنك أن تقول له مثلاً: "أنا أحبك، والكثيرين غيري يحبونك، صدِّقني رجاءً، وتذكَّر أنَّ الناس الذين يحبونك يستحقون منك أن تتعافى لأجلهم، وإن لم تكن تشعر بأنَّك قادر على ذلك، وتذكَّر أرجوك كل ذكرياتك الجميلة التي يمنعك اكتئابك وحزنك من تذكُّرها، وحاول استعادتها في هذا الوقت.
اهدأ وتحلَّ بالشجاعة وركِّز على حاضرك فقط واخطُ خطوات بسيطة لتتحسن تدريجياً، ومارس التمرينات الرياضية فهي مفيدة لك، وإن كان الأمر صعباً جداً في البداية، تناول الطعام عندما لا تشعر بالرغبة بذلك، وفكِّر عندما تشعر بأنَّ التفكير لن يفيد في شيء، أنا معك وسأبقى معك لأنَّني أؤمن بك، وسنتجاوز هذه المحنة معاً".
شاهد بالفيديو: 10 أشياء عليك تذكرها إذا كنت تحب شخصاً مصاباً بالاكتئاب
6. الأسى نقطة انطلاق للشفاء وعيش حياة جيدة على الأمد الطويل:
في حين أنَّ الاكتئاب يسلب المصاب من العواطف الإنسانية، ولهذا السبب يجب علاجه بحذر، إلا أنَّ الأسى في المقابل يمكن أن يساعدنا على المُضي قُدماً من خلال العواطف التي نشعر بها خلال فترة الحزن.
بالطبع ليس الحزن الشديد تجربة سارَّة، لكنَّه يمكن أن يكون تجربة مفيدة عندما تُستوعب بطريقة صحيحة، وفي الواقع نحن البشر نعتاد في بعض الأحيان على ألم الأسى، والثبات الذي يمنحنا إياه.
قالت لي زوجتي "إنجل" ذات مرة: "سأبقى أتذكَّر موت شقيقي طوال حياتي، لكن سأكون بخير فهذا سيجعلني أشعر بوجوده معي دوماً"، عبَّرت إنجل بتلك الكلمات عن أنَّ الصدمات لا تحطِّم قلبك فحسب؛ بل لها جانب إيجابي؛ إذ نصبح تدريجياً أكثر تقبُّلاً للمشاعر المؤلمة ،الأمر الذي يجعلنا أقوى.
عندما تنتج الصدمة عن خسارة شخص عزيز، وعلى الرَّغم من أنَّك قد لا تتخلص نهائياً من شعور الحزن؛ لأنَّك ببساطة ما زلت تحب الشخص الذي فقدته، إلا أنَّه من الممكن أن تجعل حبك لهذا الشخص شيئاً إيجابياً.
يمكنك أن تستلهم من الشخص الذي فقدته، وبذلك تشعر أنَّه وعلى الرَّغم من أنَّ الحزن سيستمر إلا أنَّه تحوَّل إلى شعور دافئ يساعدك على تطوير ذاتك والمضي قُدماً في الحياة، وعلى الرَّغم من آلامك؛ فإنَّك تتابع حياتك، وهذا يضفي إلى شخصيتك خصوصية وعمقاً يجعلانك أقوى.
الحقيقة أنَّ أكثر الأشخاص المُحبين حكمةً وخبرةً في الحياة هم أولئك الذين تعرضوا لصدمات نفسية عنيفة؛ فالحياة تصقلنا من خلال التجارب المؤلمة، فعندما نمر بتجارب قاسية، فإنَّنا نحصل على فرصة إعادة تشكيل شخصيتنا تشكيلاً مُتقناً، لذلك لا تتفاجأ عندما تعلم أنَّ أكثر الأشخاص تعاطفاً ومحبةً وحكمةً هم أولئك الذين حطمهم الألم؛ لكنَّهم حولوه إلى مشاعر نبيلة وحكمة لا يمكن الحصول عليها بطريقة أخرى.
لقد تعاملت أنا وإنجل مع مئات من هؤلاء الأشخاص الرائعين خلال أكثر من عشرة أعوام ماضية سواء على أرض الواقع أم من خلال التواصل عبر الإنترنت، وسواء عبر تقديم الكوتشينغ أم من خلال المشاريع الجانبية أم عبر المؤتمرات السنوية.
كان يلجأ إلينا هؤلاء الأشخاص في كثير من الحالات بسبب شعورهم باليأس والضياع غير مدركين لقدراتهم ولحقيقة أنَّ المعاناة التي يعيشونها هي ما تجعلهم أقوياء ومميزين في هذه الحياة.
بكل أمانة أقول إنَّ معظم هؤلاء الأشخاص هم حالياً أفضل من التقينا بهم، وقد منحونا خلال السنوات الماضية أكثر ممَّا قدمنا لهم بكثير، وهم ما يزالون مصدر إلهامنا الأكبر يومياً.
7. التجارب المؤلمة تؤدي إلى تجربة تُسمى "النمو ما بعد الصدمة":
في سياق النقطة السابقة من الجيد أن نذكر أنَّ هناك مجالاً ناشئاً في علم النفس يُعرف باسم "نمو ما بعد الصدمة"، والذي أثبت أنَّنا بوصفنا بشر، نحن قادرون على استثمار مختلف أشكال الصعوبات حتى التي تؤدي إلى الآلام النفسية الشديدة والاكتئاب الخفيف والمتوسط، لتطوير أنفسنا فكرياً على الأمد الطويل.
لقد وجدت الدراسات على وجه الخصوص أنَّ الصعوبات يمكن أن تساعدنا على تنمية مرونتنا وشعورنا بالرضى وقوتنا العاطفية، والسبب أنَّه عندما تتزعزع قناعتنا بأنَّ العالم مكان آمن بفعل الصدمة، فإنَّنا نضطر إلى تغيير وجهة نظرنا عن الأشياء، وإذا تلقينا الدعم والعلاج المناسب فإنَّنا نمتلك القدرة تدريجياً على رؤية الأمور بمنظور مختلف كلياً يساعدنا على تطوير ذاتنا.
هذا مقتطف يتناول النمو بعد الصدمة من كتابنا الجديد "استعادة السعادة: غيِّر أفكارك وواقعك وحوِّل الصعوبات إلى نجاحات": "يجب أن نتذكر دائماً أنَّنا نستطيع التعافي من الصعوبات، ومعظمنا يجدون طريقهم الحقيقي في الحياة حيث المعنى والحافز بعد أن يمروا بتجربة صعبة؛ إذ لا يدرك معظمنا كم هي كثيرة حالات تطور الذات من جرَّاء المرور بتجارب صعبة، وتتمثل الصعوبة في إدراك الفرصة الكامنة في هذه الأحداث غير المتوقعة وغير المرغوبة؛ ومن ثمَّ يجب أن نتمسك بالأمل؛ ففي أعقاب الألم الشديد يجب أن نعلم أنَّ القادم أفضل، ودائماً هناك ما هو أفضل.
بالطبع لا يمكن تحمُّل الأحداث الصادمة بسهولة، إلا إذا استطعنا تحويلها إلى فرص لتغيير الحياة من خلال تحفيز أنفسنا لتطوير ذاتنا بأفضل الطرائق.
ليست تجربة سهلة، لكن لدى مُعظمنا القدرة الذهنية والعاطفية للخروج من هذه الصدمات أقوى وأكثر تركيزاً ومع وجهة نظر أفضل عن الحياة، وقد أثبتت معظم الدراسات النفسية التي تناولت أشخاصاً عانوا صدمات نفسية أنَّ 50% من هؤلاء قد استطاعوا تحويل التجربة السلبية إلى تغيير إيجابي، وتتراوح هذه التغييرات بين البسيطة، مثل أن يبدأ الشخص بتقدير حياته حتى في الأيام العادية إلى تغييرات جذرية في الحياة بأكملها.
لكن تبقى الفكرة الجوهرية هي أنَّ أكثر الأحداث إيلاماً يمكن أن ننظر إليها بوصفها ظروفاً تتيح لنا فرصاً رائعة، فتدفعنا الصعوبات غالباً إلى مواجهة حقيقة أنَّ الحياة متقلبة؛ ومن ثَمَّ نقدِّر قيمة ما لدينا والأهم من ذلك أنَّنا نفهم أنفسنا عميقاً وما الذي نريد أن نحققه فيما تبقى لنا من الحياة".
في الختام:
لا شك أنَّ الاكتئاب مرض نفسي حقيقي يجب ألا نتعامل معه على أنَّه مجرد اضطراب عابر؛ لذلك إذا كنت أو أيِّ أحد تعرفه يعاني الاكتئاب فلا تتردد في استشارة طبيب، لكن في المقابل تكون التجارب المؤلمة الناتجة عن الصدمات فرصة كبيرة لتطوير الذات إذا ما عرفت كيف ترى الجانب الإيجابي من هذه الظروف الصعبة.
تشترك حالتا الاكتئاب والألم الناتج عن الصدمة في أنَّ كليهما يجعلانك تقدِّر الحياة بشكل أكبر عندما تتعافى، والأهم من ذلك أنَّك غالباً ستعود أقوى ممَّا كنت عليه.
أضف تعليقاً