6 وسائل خطابية للإقناع

يقول "سيمون لانكستر": "يستخدم السياسيون والشخصيات العامة الأخرى أدوات خطابية معينة لإيصال أفكارهم وإقناع الناس، وقد حان الوقت لأن نتعلم جميعاً كيفية استخدام هذه الأدوات".



"سيمون لانكستر"؛ كاتب خطابات وقد أسس لنفسه هذه المهنة من خلال كتابة الخطابات والملاحظات والكلمات لكبار السياسيين والمديرين التنفيذيين لشركات دولية، ولا يزال يمارس هذه المهنة وهو يقول إنَّ هناك لغة سرية للقيادة وهي لغة يمكن لأي شخص أن يتعلمها.

لا يحتكر "لانكستر" ما يعلمه؛ بل يعتقد أنَّه يجب أن يُتاح لكل شخص القدرة لاستخدام الأدوات الخطابية التي يعرفها كل كاتب خطابات؛ وما يقصده "لانكستر" بالأدوات ليس قواعد بيانات أو برامج حاسوب معينة؛ بل هو يقصد البلاغة.

تعود الخطابة في جذورها إلى اليونان القديمة وغالباً إلى زمن أرسطو؛ حيث كان يُنظَر إلى الكلام الواضح والمُقنِع على أنَّه عنصر أساسي للتواصل والمشاركة في الديمقراطية.

يقول "لانكستر": "السبب الذي دفعنا إلى تعلُّم الخطابة هو أنَّه كان يُنظَر إليها كعنصر أساسي للاندماج في المجتمع فمن المستحيل أن يكون المجتمع عادلاً ما لم يكن لدى الجميع القدرة نفسها على التعبير عن أنفسهم، ودون هذا العنصر فإنَّ أنظمتنا القانونية والاقتصادية وحتى السياسية والمالية لن تكون عادلة".

إذاً يرى "لانكستر" أنَّ القوة الحقيقية هي قوة الإقناع، ومع وجود مدرسة وحيدة في "إنكلترا" (England) لا تزال تعلِّم الخطابة وهي مدرسة "إيتون" (Eton)، وهي المدرسة الأم لعشرين رئيس وزراء ومنهم رئيس الوزراء الحالي "بوريس جونسون" (Boris Johnson).

فإنَّ "لانكستر" يقول: "يجب أن يكون مصدر قلق لنا جميعاً أنَّ تعلُّم الخطابة أصبح مقتصراً على نخبة قليلة جداً"، ولأنَّ "لانكستر" لا يستطيع أن يقول للجميع أن يدرسوا في "إيتون"، فقد قرر أن يشارك العناصر الستة الأساسية للتمتع ببلاغة خطابية والتحدث بشكل مقنع، وهذه العناصر هي:

1. العبارات والجُمل القصيرة:

ألقى "باراك أوباما" (Barack Obama) خطاباً لا يُنسى في عام 2008 بعد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، لقد تحدَّث بوضوح عن التحديات التي تواجهها أمريكا وقال: "على الرغم من أنَّنا نحتفل اليوم، لكنَّنا نعلم أنَّ التحديات التي نواجهها هي الأكبر على الإطلاق؛ حربان، العالم في خطر، وأسوأ أزمة مالية منذ قرن".

يريدنا "لانكستر" أن نولي اهتماماً خاصاً للجزء الأخير من هذه الجملة؛ أي الجزء الذي يقول فيه "أوباما": "حربان، العالم في خطر، وأسوأ أزمة مالية منذ قرن"؛ حيث إنَّ نطق هذه الجملة يدعو إلى القلق بسبب معناها، وبسبب الطريقة التي استُخدِمَت في تقديمها أيضاً.

تحاكي العبارات القصيرة المتقطعة كهذه طريقتنا في التحدث عندما نشعر بالقلق ونكون على عجلة من أمرنا، وتساعدنا هذه التقنية على إيصال الإصرار إلى الجمهور.

إقرأ أيضاً: 37 جملة تبدأ بها محادثاتك لكي تجعلها مثيرة للاهتمام

2. قاعدة العناصر الثلاثة:

توجد حيلة أخرى كامنة في جملة "أوباما" "حربان، العالم في خطر، وأسوأ أزمة مالية منذ قرن"؛ فالحيلة هي قاعدة الثلاثة، فالبشر معتادون على الأشياء التي تتكون من ثلاثة عناصر مثل الحكام الثلاثة في برامج المواهب، والأضلاع الثلاثة لمثلث، وهكذا فقد تدرَّبنا عقلياً وسماعياً من خلال الخطابات، مثل خطاب "أبراهام لينكولن" (Abraham Lincoln): "حكومة من الشعب وللشعب وبواسطة الشعب"، وأيضاً من خلال الشعارات "ترشيد، وتدوير، وإعادة استخدام"، وعناوين الكتب مثل كتاب "إليزابيث غيلبرت" (Elizabeith Gilbert) "طعام، حب، صلاة".

يقول "لانكستر": "لذلك عندما تُعبِّر عن حجتك بثلاثة عناصر، فإنَّها تبدو أكثر إقناعاً وأكثر مصداقية".

لنتذكر ثلاثية رئيس وزراء بريطانيا الأسبق "وينستون تشرشل" (Winston Churchill) في الخطاب الذي ألقاه أمام البرلمان في 4 يونيو من عام 1940: "سنقاتل على الشواطئ، وسنقاتل على أراضي الإنزال، وسنقاتل في الحقول وفي الشوارع"، فإلى جانب قاعدة العناصر الثلاثة فقد أعطى الجملة قوة بلاغية كبيرة بتكراره الكلمة الافتتاحية "سنقاتل".

يشرح "لانكستر" هذه التقنية: "عندما نكون عاطفيين تجاه أمر ما، فإنَّ موقفنا تجاهه يصبح محاكياً لعواطفنا، ويتجلى هذا في كلامنا، ويبرز من خلاله الصوت الحقيقي للعاطفة، ويمكن لهذا أن يجذب انتباه الجمهور إلى المتحدث".

إقرأ أيضاً: كيف تلقي خطاباً مُلهِماً يُحفَر في ذاكرة الجمهور؟

3. التوازن في العبارة:

"لا تسأل عما تستطيع بلدك تقديمه لك؛ بل اسأل نفسك ما الذي أستطيع تقديمه لبلدي"، وهذا سطر من خطاب التنصيب المُلهم الذي قدَّمه الرئيس الأسبق "جون كينيدي" (John F Kennedy) وهذا الخطاب يبقى خالداً على مر الزمن؛ والسبب كما يقول "لانكستر": "إنَّه البناء المتوازن للخطاب، فعندما تبدو الجملة متوازنة، فإنَّنا نتصور أنَّ الأفكار الأساسية متوازنة أيضاً، وأدمغتنا مُصمَّمة لتعجب بالأشياء المتوازنة".

يؤدي تأليف العبارات المتوازنة وتقديمها بشكل ثلاثيات إلى تضخيم تأثيرها:

"نحن نتطلع إلى المستقبل ولا ننظر إلى الماضي".

"نحن نعمل مع بعضنا وليس ضد بعضنا".

"نفكر فيما نستطيع فعله لا فيما لا نستطيع فعله".

4. الاستعارة والتشبيه:

بحسب "لانكستر": "يستخدم الناس في المتوسط الاستعارة مرة في كل 16 كلمة، ويُعَدُّ التعبير المجازي الجزء الأكثر تأثيراً في التواصل السياسي".

الاستعارة غنية بالصور وتوقظ المشاعر الفورية لدى الناس، ويفسر هذا سببَ حب السياسيين لها ونثرها مثل بذور الطيور؛ "مثل بذور الطيور هو تشبيه وليس استعارة"، والتشبيه هو أيضاً من الوسائل البلاغية التي يجب أن تكون لديك، فالسياسيون يوظِّفون التشبيه والاستعارة ليلفتوا نظرنا إلى مُثل عليا أو طموح.

مثلاً في خطاب وداع الأمة للرئيس الأسبق "رونالد ريغان" (Ronald Reagan) فقد شبه "ريغان" أمريكا بالمدينة المشرقة فوق التل، مستحضراً بذلك ما قاله السياسي "جون وينثروب" (John Winthrop).

ومع ذلك تُستخدَم الاستعارات للتلاعب والتحريض وتشويه السمعة، فمثلاً كان في مقدور السياسيين والناطقين على وسائل الإعلام أن يستخدموا كلمة مخيم اللاجئين أو مستوطنة للاجئين على مخيم اللجوء في مدينة "كاليه" (Calias) الفرنسية في عامي 2015 و2016 بدلاً من استخدام كلمة الغابة.

ويقول "لانكستر": "إنَّ استخدام هذه الكلمة زرع في أذهاننا فكرة أنَّ اللاجئين يشبهون الحيوانات المتوحشة وعلينا أن نحذر منهم لأنَّهم خطيرون ويمثلون تهديداً، وهذه استعارة خطيرة جداً؛ لأنَّها تمثِّل لغة إبادة جماعية وخطاب كراهية، لكن للأسف التقطت وسائل الإعلام مصطلح "غابة كاليه" واستخدمَتها للتعريف بالمخيم باختصار؛ مما سبب انتشار المصطلح".

5. المبالغة:

عندما يتحدث أحدهم بشغف، فإنَّنا نشعر بالحماسة، وبالمثل فإنَّنا نستخدم في كلامنا أساليب أخرى لتزيين الحقائق ومنها المبالغة؛ لذلك يقول السياسيون والقادة أشياء من قبيل: "لقد انتظرتُ طوال حياتي لأقول هذه الكلمات" أو "سأسعى إلى تحقيق هذا من كل قلبي وروحي"، فهذه العبارات هي بالفعل مبالغ فيها، لكنَّها مقبولة ومحط ترحيب؛ وذلك لأنَّها تشبه الطريقة التي نتحدث بها.

شاهد بالفيديو: 10 خطوات تجعلك متحدثاً تحفيزياً ناجحاً

6. الجُمل المُقفاة:

يتعلم الكثير منا بدءاً من الطفولة بعض المفاهيم من خلال القوافي، وهذه القوافي تقدِّم معلومات تُرسَّخ في الذاكرة بفضل وقعها الموسيقي، وقد تبدو العبارات المقفاة مبتذلة، لكنَّها تمتلك تأثيراً كبيراً عند استخدامها في الوقت المناسب.

يقول "لانكستر": "يأتي تأثير القوافي من خلال ما يسميه اللغويون السهولة في معالجة اللغة ووقعها السهل على الأذن، فإذا كنتَ تستخدم في حديثك جملاً وكلمات طويلة، فإنَّ المستمع عادةً لن يستسيغ الحديث بخلاف ما إذا كنت تستخدم ألفاظاً بليغة مثل القوافي، فإنَّ المستمع يستسيغ الحديث".
يقول "لانكستر": "من خلال استخدامنا لهذه الحيل فإنَّنا نستطيع مخاطبة الجوانب الغريزية والعاطفية والمنطقية لدى الناس، وهذه الوسائل مؤثرة للغاية".

لسنا بحاجة لأن نكون شخصيات عامة لنستخدم هذه الحيل ونُبقي كلماتنا في أذهان الناس ونؤثر فيهم، فحتى لو لم نستخدمها في حياتنا، فإنَّه يبقى من الضروري معرفتها، فهذه الوسائل يستخدمها السياسيون والمحتالون والمسوقون؛ وذلك لكسب الأصوات ونشر آرائهم أو بيع منتجات لا يحتاجها الناس، وبإدراكنا لهذه الوسائل البلاغية، يمكن أن نصبح مستهلكين ومواطنين أفضل.

المصدر




مقالات مرتبطة