6 أسرار للتعامل مع النقد الذاتي وفقاً للأبحاث

ذلك الصوت الذي لا يتوقف عن التحدث في رأسك، أحياناً يكون قلقاً ويُحدِّثك كيف يمكِن أن تحصل الأمور على نحوٍ مريع، وأحياناً أخرى يكون سلبياً إلى أقصى الحدود فيخبرك أنَّك لا تستطيع فعل شي وأنَّ لا أحد يحبك وأنَّك فاشل ويجب أن تخجل من نفسك، بينما تجده في لحظات طفلاً في اندفاعه، يشجعك على فعل أشياء غير مسؤولة كأن تُفوِّت العمل لتشاهد التلفاز طوال الليل، وهذا الصوت هو أفكار "النقد الداخلي" وهو سبب العديد من مشكلاتنا وسلوكنا السيء، مثل القلق والاكتئاب والغضب والتسويف.



أن تكون إنساناً يعني أنَّك ستواجه دائماً المشاعر والأفكار غير المريحة، التي ستكون مستعداً لفعل أي شيء كي توقفها أو تتجنبها، لكنَّ فعل ذلك يزيد الطين بلة، بينما يعني الانصياع لها أو تجنُّبها أنَّك ستفقد السيطرة، وأنَّك منحتَ صوت النقد الداخلي السلطة عليك، أنت الآن لعبة بين يديه، وفي النهاية تجد نفسك تتساءل كيف وصلتَ إلى هذه النقطة في حياتك ولمَ لم تُحقق الأمور التي أردتَ تحقيقها.

يمكِننا أن نعزِّي أنفسنا بمعرفة أنَّ الجميع يسمعون صوت النقد الذي يخاطبهم من الداخل، ونحن نعرف ذلك لأنَّ الناس يبحثون عن حل له منذ زمن طويل، والغريب في الأمر هو أنَّ أفضل أسلوبَين توصلنا إليهما للتعامل معه قائمان على التقاليد القديمة والفلسفة الرواقية اللذَين كانا يحاولان العثور على حلول ناجعة منذ آلاف السنين، فانطلقَ العلاج السلوكي المعرفي (Cognitive Behavioral Therapy) من الفلسفة الرواقية (Stoicism)، وألهمَت التقاليد القديمة اليقظةَ الذهنية، وكل منهما اتَّبعَ أسلوباً مختلفاً للتعامل مع الصوت الذي لا ينفك عن إبداء رأيه في أذهاننا، حيث يواجه العلاج السلوكي المعرفي الأفكار بالمنطق، بينما تتقبل اليقظة الذهنية وجودها ثمَّ تساعدك على تحويل انتباهك إلى شيء مختلف. بالطبع، هناك تقنيات مشترَكة بين الأسلوبين هي سبب فاعليتهما، وكان سرُّ نجاحهما غير معروفٍ لوقت طويل، لكنَّ كتاباً نُشِر مؤخراً ذكر بعض الأمور المثيرة للاهتمام.

وقد يبدو في البداية ما سنطلبه غريباً بعض الشيء، ولكن أعِرنا انتباهك لبضع لحظات، قف وامشِ في الغرفة، وفي أثناء المشي قل لنفسك: "لا أستطيع المشي في الغرفة"، قد تشعر بالغباء لأنَّ أقوالك وأفعالك متعارضةٌ تماماً، ولكن ستكتشف أنَّ هذا هو سر فاعليته؛ حيث وجدَت دراسةٌ حديثةٌ أنَّ ممارسة هذا التمرين البسيط يزيد قدرة الشخص على تحمُّل الألم بنسبة 40%، حيث تمكَّن الناس بعد التمرين من ملامسة سطح ساخن وتحمُّل الألم ضعف المدة التي كان بإمكانهم ملامسته قبل التمرين؛ وذلك لأنَّ تذكير نفسك بأنَّ الأفكار التي تجول في ذهنك ليست دائماً صحيحةً ولستَ مجبَراً على الاستجابة لها يؤثر فيك بقوة، فهو يغير علاقتك مع صوت النقد الداخلي فتتمكن من تجاهله بسهولة أكبر ومتابعة القيام بالأمور التي قررتَ فعلها، ولا علاقة لذلك بالسحر أو الأبراج أو أي من تلك الخرافات، وليس السر هو التفكير الإيجابي؛ بل هو العكس تماماً، كما أنَّ هذه ليست الدراسة الوحيدة التي تشير إلى ذلك، بل أظهرَت 44 دراسةً أخرى هذا الأثر.

ما سبق هو جزء من العلاج النفسي "العلاج بالقبول والالتزام" (Acceptance and Commitment Therapy)، الذي أثبتَت مئات الدراسات فاعليته في نطاق واسع من المجالات من الاكتئاب إلى التسويف وحتى القلق، حيث يتحدث عنه أحد المشاركين في تطويره عالم النفس السريري الحائز على شهادة الدكتوراه "ستيفن سي هايز" (Steven C. Hayes)، وهو من بين أكثر 1500 باحثٍ مذكور بين المراجع في المجالات الدراسية جميعها على محرك البحث "غوغل سكولار" (Google Scholar)، في كتابه "العقل المُحرَّر" (A Liberated Mind)، في حين لا زال الوقت مبكراً على عَدِّ هذه النتائج قاطعة لكنَّها مُثبتَة بما فيه الكفاية كي تبدأ بتطبيقها وتجريبها. إليك 6 أسرار تساعدك في التعامل مع النقد الذاتي:

1. تغيير علاقتك مع أفكارك لا محتواها:

من الطبيعي أن تترك الأحداث الأليمة والكارثية آثاراً نفسيةً، لكنَّ الأشخاص الذين يتقبلون مشاعرهم ويحسون بها أقل عُرضةً للمعاناة من "اضطراب ما بعد الصدمة" (PTSD) بعد سنة من وقوع الحدث من الأشخاص الذين يصرون على كبت مشاعرهم، فنحن بحاجة إلى الاعتراف بأفكارنا والإحساس بمشاعرنا، فمن المستحيل أن تعيش حياةً خاليةً من الألم والسلبية، ولن ترغب في ذلك حتى، فالألم هو ميزةٌ إضافية وليس مصدر إزعاج، وعلى الرغم من أنَّه غير ممتع إِلَّا أنَّه ضروري كي ندرك الأمور الهامة حقاً في الحياة والتي يجب أن نعتني بها، كما يقول "ستيفن": "تُؤلمنا الأشياء التي تُهمُّنا، وتُهمُّنا الأشياء التي تُؤلمنا".

ولهذا ما من طريقة بسيطة للتخلص من المشاعر السلبية، وحين تحاول كبتها فأنت تكبت المشاعر الإيجابية أيضاً؛ إذ وفقاً للأبحاث، إما أن ترحب بكل ما تقدُّمه لك الحياة أو لا تحصل على شيء إطلاقاً، وكما ذكرنا، تجنُّب الموضوعات أو المواقف التي تبعث فيك مشاعر سلبية ليس استراتيجيةً مفيدة على الأمد الطويل، فمحاولة تجنُّبها تسمح لها بالتحكم فيك وتُضيق الخِناق حولك.

يجب أن تتقبل تلك الأفكار والمشاعر المؤلمة على أنَّها جزء لا يتجزأ من الحياة، فيسمح لك تقبُّلها بالإحساس بها والتعامل معها، وكان الرواقيون يعرفون ذلك وأثبتَه أيضاً العلاج السلوكي المعرفي، فأظهرا لنا كم بإمكان تلك الأفكار غير المرغوبة أن تسيطر على سلوكنا، وأنَّه يجب علينا تقبل وجودها لكنَّنا لسنا مضطرين إلى الانصياع لها، ووفقاً للرواقيين والعلاج السلوكي المعرفي نحن بحاجة إلى "إعادة بناء إدراكي" (cognitive restructuring) لمقاومة وتصحيح أنماط التفكير والعادات الخاطئة، وهنا يأتي دور الدراسة الجديدة عن التمرين الذي طلبنا منك القيام به سابقاً، حيث يبدو أنَّ مناقشة نفسك بشكل منطقي ليس ضرورياً.

يقول "ستيفن" في اقتباس من كتابه "العقل المُحرَّر" (A Liberated Mind): "تُظهر الأبحاث أنَّ هذا الجزء من أسلوب العلاج السلوكي المعرفي ليس العنصر الفعال، وغالباً يكون من الأفضل تعلُّم قبول حقيقة أنَّ هذه المشاعر والأفكار غير السارة موجودةٌ ثمَّ تقليل تأثيرها في حياتنا عوضاً عن محاولة للتخلص منها".

قد لا تحتاج إلى إقناع نفسك في نقاش كي تثبت صحة خياراتك، بل السر هو تغيير علاقتك مع أفكارك ومشاعرك عوضاً عن محاولة تغيير محتواها، وهذا هو الأمر الذي يجب أن تركز وتُشدِّد عليه في أثناء التعامل مع النقد الذاتي، على سبيل المثال: يمكِن أن تقنع الأشخاص الذين يعانون من "رهاب الخلاء" (agoraphobics) بزيارة مركز تجاري مكتظ باستخدام تقنية "العلاج بالتعرض" (exposure therapy) من العلاج السلوكي المعرفي، ولكن يبدو أنَّ سبب فاعلية هذا العلاج هو التناقض الذي يخلقه التعارض بين الأفكار والواقع، مما يعيد صياغة العلاقة بينك وبين أفكار النقد الذاتي، فحين تفكر أنَّك سوف تتأذى إن خرجتَ بين الناس فتفعل ذلك وتجد أنَّك بخير سوف تتوقف عن أخذ تلك الأفكار على محمل الجد، تماماً كما يحصل حين تسير في الغرفة بينما تردد على نفسك أنَّك لا تستطيع فعل ذلك.

لذا، يجب أن تحاول تغيير تلك العلاقة مباشرة، لفعل ذلك أنت بحاجة إلى عملية "الانفصال" (Defusion)، وهي العملية المعاكسة لعملية "الارتباط المعرفي" (Cognitive Fusion) حيث يستحوذ شعور أو فكرة على تفكيرك، فحين تكون شارد الذهن أو منزعجاً بسبب أمر غير هام أو لا يؤثر في حياتك الرائعة، يختار دماغك التركيز على مخاطر متخيَّلة ويتصرف على أنَّها الواقع الذي تعيشه عوضاً عن العالم المحيط بك فعلاً.

حين تكون مندمجاً فأنت منغمس تماماً في تخيُّلاتك ومستغرق في العواطف التي تحملها، بينما الانفصال هو إدراك أنَّ تلك مجرد أحلام وأنَّها غير موجودة في الواقع ولا يمكِن أن تؤثر فيك فعلاً، وحينها أنت تضع مسافةً بينك وبين أفكارك وتنظر إليها عن بعد بموضوعية، وكما يقول "ستيفن": الهدف هو "النظر إلى أفكارنا من مسافة بعيدة بما فيه الكفاية بحيث نتمكن من اختيار الخطوة التالية بغضِّ النظر عن ضوضاء عقولنا"، فلستَ بحاجة إلى محاربة تلك الأفكار الخيالية والتغلب عليها لتكون سعيداً، فهي غير واقعية وبإمكانك ببساطة التخلي عنها.

إقرأ أيضاً: كيف تطور مهارات التفكير النقدي وتفكر بوضوح؟

2. التعامل مع أصوات النقد الذاتي بوصفها أفكار شخصٍ آخر:

لنتحدث الآن عن كيفية "الانفصال" (Defusion)، وفي حين قد تبدو بعض التمرينات التي سنقترحها غريبةً لكنَّها مفيدةٌ بالتأكيد.

حين يهاجمك النقد الذاتي مجدداً ليخبرك بأنَّك كسول وفاشل، قم بما تفعله في أي وضع طبيعي حين يتحدث معك أي أحد، عوضاً عن موافقته الرأي أو مقاومته، واسأل من الذي يقول ذلك، فلستَ أنت من يقول ذلك عن عمد ولم تقرر التفكير في تلك الأمور، بل ظهرَت من تلقاء نفسها، فأنت غير مسؤول عن تلك الأفكار مثلما لستَ مسؤولاً عن إصدار معدتك للأصوات حين تكون جائعاً، فجسدك هو من قام بإصدار تلك الأصوات وأنت لم تختر ذلك، فذلك الصوت ليس مُلزماً وأنت غير مضطر إلى الإصغاء؛ لذا بما أنَّ هذا الأفكار ستراودك دون إذنك، يمكِنك عَدُّها أفكار شخص آخر وإطلاق اسم عليه، على سبيل المثال: يدعو "ستيفين" عقله "جورج" (George).

يقول "ستيفن" في اقتباس من كتابه "العقل المُحرَّر" (A Liberated Mind): "إذا كان لذهنك اسم فهو شخص مختلف عنك أنت، وحين تستمع إلى شخص آخر يمكِنك اختيار الاتفاق مع أقواله أو الاعتراض عليها، وإذا كنتَ تريد تجنُّب وقوع خلاف، فمن الأفضل ألَّا تحاول مجادلة هذا الشخص لإقناعه بوجهة نظرك، فهذه هي الطريقة التي يجب أن تتعامل بها مع النقد الداخلي".

وبالطبع ستعاندك أفكار النقد الذاتي، لكن قبل أن تستجيب تذكَّر أنَّ علاقتك مع أفكارك هي الهامة وليس محتواها، فالاتفاق أو مخالفة الرأي والامتثال أو المقاومة جميعها تعني أنَّك تسمح لـ "جورج" بالتأثير في قراراتك، وأنت غير مضطر إلى فعل ذلك، فكن مؤدباً معه ولكن كن حازماً أيضاً.

يقول "ستيفن" في اقتباس من كتابه "العقل المُحرَّر" (A Liberated Mind): "أجِب "جورج" واشكره على أفكاره، فحين تتجاهل ذهنك سيستمر بمحاولة حل المشكلة؛ لذا كن صادقاً حين تحدثه، وقد تضيف بأنَّك تعلم أنَّه يحاول مساعدتك ولكنَّك تستطيع التعامل مع الوضع بنفسك".

الشعور بالإحباط يعني أنَّك سوف تدخل في جدال مع ذهنك وسوف تنفعل، وعوضاً عن ذلك اشكره بكل تهذيب على مداخلته ثمَّ ركِّز على العالم الحقيقي.

3. التعامل مع الانتقادات بوصفها مجرد كلمات:

ربما كان إطلاق الأسماء على أجزاء جسدك المختلفة أمراً غريباً جداً بالنسبة إليك، ومعك حق، لكنَّ النقد الداخلي لن يتوقف عن مناداتك بالأحمق حتى تبدأ بتصديق ذلك، ولكن تلك ليست مشكلةً، حتى أنَّنا ننصحك بمناداة نفسك بالغبي مراراً وتكراراً، وليس بضع مرات فقط بل عشرات المرات، كرِّرها حتى تفقد معناها وتصبح مجرد أصوات، ثمَّ فكِّر، هل سوف تسمح لتلك الأصوات عديمة المعنى بأن تتحكم في حياتك؟

يمكِنك أن تدندنها أو تقولها مقلوبة الأحرف أو بأي طريقة تشاء حتى تسلبها المعنى، وحاوِل أن تحللها إلى أساسها وهو مجرد فكرة وبضعة أصوات، فليس بإمكانها أن تؤذيك أو تملي عليك سلوكك، ولو كانت حقيقةً فلا بأس بأن تتصرف بناءً عليها، ولكن طالما أنَّها مجرد فكرة فكرِّرها حتى تفهم تماماً أنَّ لا أساس لها في الواقع.

شاهد بالفديو: كيف تتقبل النقد وتتعامل مع الانتقادات السلبية في العمل؟

4. قَول شيءٍ وفعل عكسه:

إن لم تكن الطريقة السابقة مناسبةً بالنسبة إليك فلا بأس، إليك طريقة أخرى أثبتَت الدراسات أنَّها تخفض الألم بنسبة 40%، سِر حول الغرفة وأنت تقول: "لا يمكِنني السير حول الغرفة"، أو عدِّل على تفاصيل التمرين بحيث تحصل على نتيجة مشابهة، وأظهِر لنفسك بوضوح أنَّ أفكارك ليست واقعيةً، وغيِّر علاقتك معها، ولا داعي ليكون التمرين محرجاً، يكفي أن تقول شيئاً وتفعل عكسه، على سبيل المثال: إن كنتَ في مكان عملك فيمكِنك تحريك قلم فوق مكتبك بينما تقول بصوت منخفض "لا يمكِنني تحريك هذا القلم".

5. تخيُّل نفسك طفلاً:

يَعُدُّ بعض الأشخاص هذه التقنية مبتذلةً إلى أبعد حد بينما يجد آخرون أنَّ لها معنىً عميقاً جداً، وأولئك الذين يعتقدون أنَّها مبتذلةٌ هم أكثر الناس حاجةً إليها على الأغلب، حيث يغذي النقد الداخلي شح العطف تجاه أنفسنا، ولو تمكَّنَّا من مسامحة أنفسنا ستختفي تلك الأفكار، ولكن حين نفتقد إلى العطف الذاتي تتضخم أفكار النقد الذاتي وتصبح أقوى.

لذا، إليك كيف تعزز العطف الذاتي لديك، تخيَّل أنَّك طفل بعمر 4 سنوات، توقَّف لدقيقة وتصوَّر نفسك حين كنتَ صغيراً ولطيفاً بوضوح، وتخيَّل أنَّ ذلك الطفل هو الذي يقول كلمات النقد الذاتي عن نفسه بصوت حزين وعيناه مغرورقتان بالدموع: "أنا غبي ولا أحد يحبني"، ذلك مشهد يحطم أقسى القلوب، ولو كان بإمكانك لعانقتَ ذلك الطفل وأخبرتَه أنَّ ذلك غير صحيح وأنَّها مجرد أفكار لا قيمة لها، وإذا كان بإمكانك مواساة نفسك حين كنتَ طفلاً بهذه الطريقة، فلمَ لا يمكِنك مواساة نفسك وأنت بالغ هكذا أيضاً؟ ربما أنت الآن أكبر بالحجم وأقوى ولكنَّك لا تزال تستحق تلقِّي العطف من نفسك.

6. مشاركة أفكار النقد الذاتي:

بعد أن تطبق التقنيات السابقة وتتقن إحداها على الأقل يمكِنك تجريب هذه التقنية، ولكن احذر؛ إذ قد تكون نتيجتها عكسيةً إذا لم تُطبَّق بشكل صحيح ومن قِبَل شخص يدرك ما الذي يفعله تماماً، لكنَّنا سنذكرها هنا لأنَّ فكرتها هامةٌ جداً.

"روبين والسر" (Robyn Walser) هي معالجة بالتقبل والالتزام تساعد الجنود القدامى في جلسات العلاج الجماعي، هؤلاء هم أشخاص يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة ويواجهون أقسى أنواع النقد الذاتي، وهم أشخاص قتلوا بشراً وشاهدوا أصدقاءهم يُقتَلون، وفي الغالب يلومون أنفسهم على العديد من الأشياء، وهم بحاجة ماسَّة إلى الانفصال عن تلك الأفكار، ولكن يمكِنك أن تتوقع أنَّ ذلك ليس بالأمر السهل؛ لذا طلبَت منهم "روبين" بذكاء أن يكتب كل منهم الانتقادات التي يوجهونها إلى أنفسهم على بطاقة وحملها أمام صدرهم كي يتمكن أفراد المجموعة جميعاً من رؤيتها.

"قاتل" و"شرير" و"خطير" و"محطم"، تلك هي الأوصاف التي كتبها أولئك الجنود عن أنفسهم، ولكن بكتابتهم لها وعرضها على الجميع كانوا يقولون إنَّهم لن يسمحوا لها بالتحكم في حياتهم، ومع الوقت تحسَّنوا بالفعل، وبدأ "ستيفن" بتجريب هذه الطريقة مع المجموعات التي كان يعالجها هو، فطلب من المشاركين ذكر الأمور التي يخجلون منها والسماح للجميع بمعرفتها، وبالطبع حصل الكثير من البكاء، ولقد كانت تجربةً ذات أثر عميق جداً، والأهم من ذلك، تعلَّم "ستيفن" أمراً جديداً من مناقشة التجربة مع المشاركين لاحقاً لم يكن واضحاً له في البداية.

يقول "ستيفن" في اقتباس من كتابه "العقل المُحرَّر" (A Liberated Mind): "كانت الكلمات التي كتبها كل شخص قادرةً على وصف أفكار المشاركين جميعهم عن أنفسهم، وإدراك ذلك كان له صدى قوي في تفكيرهم ومشاعرهم حين عرفوا أنَّهم جميعاً يتشاركون الأسرار نفسها، ومع ذلك يعزلهم خجلهم والأحكام التي يطلقونها على أنفسهم دون أن يفهموا أنَّهم جميعاً يعيشون الصعوبات نفسها".

يمكِنك أنت أيضاً مشاركة الأفكار الناقدة التي تراودك عن نفسك مع الأشخاص الذين يكترثون لأمرك وتشعر بالأمان معهم، ستكون تجربةً ذات أثر قوي تدرك بعدها أنَّك لستَ وحيداً وأنَّ الآخرين شعروا بالطريقة نفسها في مرحلة من حياتهم، والأهم من ذلك، إنَّ الأوصاف التي ذكرتَها عن نفسك ليست حقيقيةً برأيهم، فهي مجرد أفكار غير صحيحة ولا تعطيك حقك من العطف الذي تستحقه.

جميعنا نوجِّه النقد الذاتي لأنفسنا، ومع ذلك نعتقد جميعنا أنَّ لا أحد آخر يفعل ذلك، وأنَّ لا أحد آخر يعاني أو يخاف أو يقلق، وأنَّنا الوحيدون الذين نتألم، ولكن إن كنتَ مستعداً وأفشيتَ عن مكنونات صدرك للأشخاص الذين يهتمون بك وشاركتَهم آلامك، فسوف يحصل أمر رائع، وذلك الخزي الذي تشعر به والذي يعزلك عن الآخرين هو الذي سيقربك منهم أيضاً.

إقرأ أيضاً: كيف يمكن للذكاء العاطفي أن يحسن أداءك في العمل؟

الخلاصة:

والآن دعونا نراجع طرائق "الانفصال" التي ستساعدك على تخفيف أثر النقد الذاتي والتواصل بعمق مع أحبائك قبل الانتقال إلى الطريقة الأخيرة:

  • علاقتك مع أفكارك لا محتواها: لا أهميةً لأفكار النقد الذاتي ما لم توليها أنت الأهمية.
  • التعامل مع صوت النقد الذاتي بوصفه أفكار شخصٍ آخر: لستَ أنت من قال عنك أنَّك شخص مريع بل شخص آخر، شخص غير لطيف وغير حكيم؛ لذا ما من سبب مقنع لتصديق كلامه، اشكره وامضِ قدماً.
  • التعامل مع الانتقادات بوصفها مجرد كلمات: كرِّر الكلمة عشرات المرات حتى تفقد معناها تماماً، وهي على الأرجح بلا معنى ذا أهمية.
  • قُل شيئاً وافعل عكسه: أظهِر لنفسك أنَّ الأفكار لا تسيطر على سلوكك حتى تقتنع.
  • تخيُّل نفسك طفلاً: لن تقف مكتوف اليدين حين يتحدث طفل عن نفسه بطريقة غير لطيفة، وأنت كبالغ تستحق اللطف أيضاً.
  • مشاركة أفكار النقد الذاتي: جميعنا نتعامل مع النقد الذاتي، وإدراك ذلك سوف يقربنا من بعضنا بعضاً.

المصدر




مقالات مرتبطة