5 طرق لتقليل التوتر وتعزيز العلاقة بين العقل والجسم

لتحسين صحتك إلى أقصى ما يمكن عليك أن تُدرِك وتتقبَّل أنَّ العقل والجسد تربطهما علاقةٌ وثيقةٌ، وهذا المفهومُ بحدِّ ذاتِه ليس جديداً؛ لكنَّ معرفة كيفية الاستفادة من هذه العلاقة أصبحت أمراً مثيراً للاهتمام أكثر فأكثر.



منذ أكثر من قرن مضى لفت عالم النفس بجامعة هارفارد (Harvard) "والتر برادفورد كانون" (Walter Bradford Cannon) انتباه الناس إلى العلاقة بين العقل والجسد عندما وصف التغييرات الفيزيولوجية التي تحدث في الجسد في أثناء استجابة الكرِّ أو الفرِّ، وبعد أربعين عاماً توسع عالم الغدد الصماء "هانز سيلي" (Hans Selye) في عمل كانون من خلال وصف الاستجابة العامة للتكيف مع التوتر، فقد تطرَّق في أثنائها إلى تأثير التوتر في الأنظمة الفيزيولوجية في الجسم خلال المراحل المختلفة: الإنذار، والمقاومة، والإرهاق البدني، (وحتى الموت)، إذا تجاوز العامل المسبب للتوتر قدرة الجسم.

إنَّ تفاصيل العلاقة بين العقل والجسم تستمر في الظهور، فتقدِّم الدراسات والأبحاث الجديدة رؤىً مفصلةً عن هذه الظاهرة، ويؤكد عدد كبير من البيانات العلاقةَ المتبادلةَ بين العقل والجسم، مثل الروابط بين القلق والألم الجسدي، والاكتئاب وأمراض القلب، والاكتئاب والقلق مع التهاب الأمعاء.

مع وجود مؤشرات واضحة على أنَّ التوتر يتغلغل في الجسم على مستوى الخلايا؛ عليك أن تهتم بصحتك العقلية اليوم حتى تُحسِّن كلاً من صحتك العقلية والجسدية في المستقبل القريب.

تأثيرات التوتر في مستوى الخلايا:

في عام 2018 كشف عالم الأحياء "مارتن بيكارد" (Martin Picard) وعالم الغدد الصماء العصبية بروس مكيوين (Bruce McEwen) النِّقابَ عن الأسباب المحتملة للعلاقة الوثيقة بين الجسم والعقل التي تصل حتى إلى مستوى الخلايا، ووجدا أنَّ التوتر يؤثر في مصانع الطاقة في الخلية المعروفة أيضاً باسم الميتوكوندريا (mitochondria).

تنتج هذه العضياتُ الصغيرةُ الطاقةَ في كل خلية في الجسم تقريباً (باستثناء خلايا الدم الحمراء)، وعندما تتأذى عملية إنتاج الطاقة في الخلية يتأذى الجسم بأكمله أيضاً، ونظراً لأنَّ مصانع الطاقة هذه تتفاعل بصورة وثيقة مع بعضها داخل الخلية؛ فإنَّ التوتر يتراكم على المستوى الخلوي بسهولة.

في البداية تحاول الميتوكوندريا تصحيح التغيُّرات الخلوية التي يسببها التوتر؛ لكنَّها قد تُهزَم وتُجبَر على الاستسلام، ونتيجةً لهذا التنميل الخلوي الناجم عن التوتر؛ تتراكم الجذور الحرة السامة وتسبب تلف الحمض النووي الخلوي، وفي المقابل عندما تعجز الميتوكوندريا عن إنتاج الطاقة التي تحتاج إليها الخلية، يصاب الجسدُ بسلسلةٍ من الأمراض، مثل التعب والأمراض الجلدية وأمراض القلب وتسارع الشيخوخة وغير ذلك.

يؤثر التوتر بشدةٍ في أجساد المرضى؛ على سبيل المثال قد يعاني بعضُ الأشخاص تطوراً سريعاً للخرف بعد وفاة أحد أحبائهم، وقد يصاب بعضُهم بِداءِ باركنسون (Parkinson’s disease)، من الواضح أنَّ التوتر النفسي يضر بالجسم في النهاية، وتشرح فرضية الميتوكوندريا السبب.

شاهد بالفيديو: كيف تجعل التوتر صديقك؟ أخصائية علم النفس كيلي ماكينجال، Kelly McGonigal

5 خطوات لتحسين العلاقة بين العقل والجسم ومكافحة تعب الخلايا

ضع في حسبانك الأساليب الآتية على أنَّها طرائق لإعادة ضبط العلاقة بين العقل والجسم لتحسين صحتك:

1. ممارسة تمرينات تخفيف التوتر القائمة على اليقظة الذهنية:

عندما يتصل الأمر بضبط التوتر ضبطاً فعالاً ورؤية النتائج على مستوى الخلايا، قد تكون ممارسات اليقظة الذهنية مفيدةً للغاية، ولكي تمارس اليقظة الذهنية أغمض عينيك، وركز انتباهك على أنفاسك، وتجاهل الأفكار التي تتبادر إلى ذهنك، وإذا انجرف انتباهك بعيداً أعده برفقٍ إلى أنفاسك، فتشير الدراسات إلى أنَّ اليقظة الذهنية قد يكون لها تأثيرات كثيرة في جسدك أيضاً، فإنَّها قد تُغيِّر استجابة عقلك للتوتر، وتقلل إفراز بعض هرمونات التوتر، ومن ثمَّ تحمي الميتوكوندريا.

إقرأ أيضاً: 30 طريقة لممارسة اليقظة الذهنية

2. ممارسة التأمل التجاوزي:

لقد ثبت أنَّ التأمل التجاوزي يُخفِّفُ عبءَ التوتر، وتتطلب ممارسة هذا النمط معلماً وتتضمن تكرار عبارة قصيرة أكثر من مرة، فإذا تشتت انتباهك تعيد تكرارها مرةً أخرى من جديد، ويقلل التأمل التجاوزي من التوتر والاكتئاب والإرهاق، وعلى مستوى الخلايا قد يُقلل أيضاً الإجهاد التأكسدي الذي يتلف الخلايا.

3. الاستمتاع بالطبيعة:

عندما تشعر بالتوتر فإنَّ إحدى أهم الخطوات التي عليك اتخاذها فوراً هي إبعاد نفسك عن بيئتك الحالية، فاذهب في إجازة قصيرة؛ لأنَّ وقت الفراغ والراحة يصرف انتباه الناس عن التوتر ويُحسِّن مزاجهم، ومن المثير للاهتمام أنَّ الإجازات يمكن أن تغير من التعبير الجيني بطريقة تحسن وظيفة جهاز المناعة وقدرة الجسم على معاملة التوتر، كما أنَّ التجول في المساحات الخضراء يعيد ضبط العلاقة بين عقلك وجسمك ويصفي ذهنك ويخفض مستويات التوتر لديك ويقلل أيضاً من مستوى الكورتيزول (Cortisol)، وهو أحد هرمونات التوتر التي تؤثر في الميتوكوندريا.

4. أخذ قسطٍ من الراحة:

خذ استراحة لمدة 15 دقيقة في العمل كي تستعيد طاقتك، أو استخدم إحدى طرائق عدم التركيز، فتتمثل إحدى تقنيات عدم التركيز في أخذ قيلولة لمدة تصل إلى 15 دقيقة، الأمر الذي قد يُحسِّن تركيزك لمدة تصل إلى ثلاث ساعات، يمكن أن تكون القيلولة مفيدة جداً خصوصاً إذا لم تكن قد نِمتَ جيداً في الليلة السابقة؛ لأنَّ قلة النوم تؤثر سلباً في الحمض النووي للميتوكوندريا، كما أنَّ القيلولة قد تقلل من تأثير الكورتيزول في الميتوكوندريا الذي يسبب التوتر.

إقرأ أيضاً: أهمية أخذ استراحة قصيرة في أثناء العمل وفقاً للأبحاث

5. تغذية الخلايا:

على الرَّغم من أنَّ الأمر أصبح معروفاً للجميع، لكن لا تنسَ أنَّ تناول الطعام الصحي وتمارس الرياضة فهي أمرٌ ضروريٌّ جداً لتقليل التوتر، في الواقع يمكن أن تسيء السمنة الناجمة عن النظام الغذائي السيئ إلى صحة الميتوكوندريا، كما أنَّ امتلاك كثير من السكر يسبب آثاراً مماثلة.

قد يؤدي تقييد السعرات الحرارية المعتدل إلى تحسين دفاع الجسم ضد العوامل المؤكسدة ويخفف الإجهاد التأكسدي، ومن ثمَّ يحمي الميتوكوندريا، إضافةً إلى ذلك فإنَّ أخذ استراحة للتمرينات (مثل المشي السريع) في منتصف يومك قد يقوي أيضاً صحة الميتوكوندريا.

في الختام:

فكر فيما قد تفعله بكل خلية من خلايا جسمك إن لم تحاول بجدٍّ تخفيف الضغوطات في حياتك، فإذا لم تتصرف بدءاً من اليوم فإنَّك حقاً تُعرِّض صحتك المستقبلية للخطر، فلا ينبغي التقليل من أهمية العلاقة بين العقل والجسم بقدر ما قد تعيث هذه العلاقة فساداً إن لم تكن متوازنة، فإنَّها عندما تكون سليمة تكون قادرةً على تعزيز التناغم والانسجام في حياةٍ كانت سابقاً يملؤها التوتر.




مقالات مرتبطة