5 استراتيجيات للتطوير الشخصي

التطوير الشخصي خطوة مهمة في تقدير الذات والإيمان بالقدرات والسعي نحو المستقبل، إن الإنسان يعيش كامل حياته في مسير نحو التطور والتقدم، ومن المخيف التفكير بأنه قادر على الوقوف في مكانه، فإن لم يكن يتقدم فهو بالتأكيد يتراجع.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "ستيفين غايز" (STEPHEN GUISE)، ويُحدِّثنا فيه عن تجربته الشخصية مع التطوير الشخصي.

توجد استراتيجيات كثيرة وأفكار مختلفة متعلقة بطريقة تحسين حياتك، لكن توجد ثلاثة معايير تحدد نجاح هذه الاستراتيجيات:

  1. تجربتك الشخصية (ما الذي نجح معك سابقاً؟).
  2. العلوم والأبحاث المرتبطة بطريقة نمو البشر وتغيرهم (كيف يعمل التغيُّر عموماً؟).
  3. تجارب الآخرين (ما الذي نجح معهم؟).

أنت قادر على تحديد المعيار الأول، وفي هذا المقال سنساعدك على معرفة المعيارين الثاني والثالث، بناءً على الأبحاث التي أُجرِيت عن الدراسات العصبية وبعض دراسات الحالة التي اطُلع عليها. 

نقدم لك في هذا المقال أهم استراتيجيات التطوير الشخصي، لكن قبل البدء بسرد الاستراتيجيات، توجد معلومات هامة يجب توضيحها.

المسارات العصبية:

يمتلك دماغك شبكة مذهلة من المسارات العصبية، وهذه المسارات عبارة عن قنوات تواصل في الدماغ تربط مناطق الدماغ المختلفة مع بعضها، علميَّاً تنشأ العادات من ارتباط تلك المسارات العصبية ارتباطاً قويَّاً.

إذا استيقظت كل صباح لمدة 18 عاماً عند الساعة 6 صباحاً، وأمسكت بالصحيفة وشربت القهوة، فسيكون لديك مسارات عصبية قوية تجعلك تعتاد على هذا الروتين الثابت بقية عمرك.

تشبه المسارات العصبية العضلات؛ إذ تزداد قوَّةً مع الاستخدام وتضعف عند الإهمال، وعندما تغيِّر عادةً ما، فأنت تضعف أحد المسارات وتعزز مساراً آخر.

من المفيد تصور عاداتك بهذه الطريقة؛ لأنَّ ذلك يمنحك صورةً ذهنيَّةً دقيقة لما يحدث بالفعل في عقلك في أثناء محاولتك التغيير، ويظن بعض الناس أنَّه يستطيع التغيُّر بين عشية وضحاها أو خلال فترة زمنية قصيرة؛ لكنَّ هذا لا ينجح عموماً. 

إذا كانت لديك عادة سيئة عززتها طيلة سنوات عديدة، فلن تستطيع التخلص منها؛ فقد دُرِّب عقلك جيداً على تطبيق هذه العادة عندما تحفزها البيئة أو الأفكار الداخلية، وإذا وُجدت عادة جيدة تحاول أن تبدأ بها، يجب تعزيزها مع مرور الوقت تماماً مثلما تفعل عند ممارسة التمرينات الرياضية. 

تُعدُّ قشرة الفص الجبهي مدير الدماغ، فهي تدير ذاكرتك قصيرة الأمد وأفكارك الحالية، وتكمن أهمية هذا العضو في الدور المحوري الذي يؤديه مع المسارات العصبية في إنجاز عملية التغيير، وعندما ترغب في تغيير شيء ما في حياتك أو النمو والتطور في مجال ما، فأنت بحاجة إلى تغيير الإطار الأساسي لطريقة عملك (عاداتك) أو تغيير قراراتك (قشرة الفص الجبهي) أو كليهما.

مثال: أنت ترغب في أن تصبح لاعب كرة قدم بارعاً.

الحل المرتبط بالعادة: اجعل ممارسة كرة القدم عادة يومية.

الحل المرتبط بقشرة الفص الجبهي: فكر في لعب كرة القدم بصفتها أولوية هامة في الحياة وقرر التركيز عليها.

تستطيع أن ترى كيف يرتبط الحلان ببعضهما، إذا فكرت في كرة القدم بصفتها أولوية، فسيكون من السهل عليك ممارسة ذلك يومياً وجعله عادة، ولسوء الحظ العادات هي عمليات آلية؛ لذا لا تستطيع تغييرها مباشرة.

كل ما يجب القيام به هو استخدام قشرة الفص الجبهي لاتخاذ القرارات الصحيحة التي ستغير تدريجياً سلوكاتك وخياراتك، وكلما تغيرت سيصبح من السهل عليك التصرف بالطريقة التي تريدها، وكلما مارست أمراً ما بكثرة قلَّت المقاومة التي ستمنعك من القيام به مرةً أخرى.

لكن هذه المعلومات ليست كافية، فأنت تحتاج إلى استراتيجيات تسمح لك بالتغلب على الحواجز العقلية والرغبات المعتادة التي تمنع الناس من التفكير في التغييرات الإيجابية.

نقدم لك فيما يأتي أفضل 5 استراتيجيات تستطيع تنفيذها لتغيير حياتك وطريقة تفكيرك.

5 استراتيجيات للتطوير الشخصي:

1. البدء بخطوة صغيرة:

تعزى كل قصة نجاح في التاريخ إلى خطوة أولى صغيرة، فبالنسبة إلى العدَّاء "يوسين بولت" (Usain Bolt)، بدأ الأمر حرفياً بهذه الطريقة، في المرة القادمة التي تتابع فيها سباقاً للجري، تخيله كطفل يخطو أولى خطواته الصغيرة غير المتوازنة، وكان عليه أن يتعلم المشي قبل أن يصبح أسرع رجل في العالم.

هل تعلم أنَّ شركة آبل (Apple) الشركة الأعلى قيمة في العالم برأسمال سوقي قدره 419 مليار دولاراً، لم تكن الفكرة منها أبداً أن تكون شركة، كان "ستيف جوبز" (Steve Jobs) و"ستيف وزنياك" (Steve Wozniak)، يصنعون لوحات الكمبيوتر من أجل المتعة، وهذا لم يكن حتى مشروعهم الأول، وكانت أول عملية بيع كبيرة عقد تجميع 50 آلة عقدوه مع متجر "بايت شوب" (Byte Shop).

لكن ماذا عن التطوير الشخصي؟ في نهاية العام الماضي، أطلقتُ تحدياً لممارسة تمرين الضغط لمرة واحدة يومياً، وهو تحدٍّ وضعته للبدء بممارسة الرياضة على نطاق صغير. 

لقد ساعد هذا التحدي ناساً كثيرين بمن فيهم أنا على التغلب على فكرة التردد المعتاد لممارسة الرياضة، ويتغلب الحد الأدنى للقيام بتمرين الضغط مرة واحدة يومياً على العادات التي تعوق ممارسة التمرينات الرياضية، لأنَّه من السهل جداً البدء به.

قد تسأل نفسك كيف يمكن أن تفيدك ممارسة تمرين الضغط مرة واحدة يومياً؟ كيف تستطيع تحقيق نتائج هامة؟ حسناً، انظر إلى البريد الإلكتروني الذي تلقيته:

"لقد طبقنا مؤخراً مبادئ تحدي تمرين الضغط الذي وضعته لنستطيع العودة إلى ممارسة الرياضة، ولقد بدأنا بتمرين بسيط وكان هدفنا الأول مجرد بدء الإحماء. الآن، نحن نمارس الرياضة ونطبق تمرين الضغط بكثرة وأصبحنا أقوى، شكراً لك على الإلهام".

كما تلاحظ، فإنَّ البدء بخطواتٍ صغيرة يجعلك على الأرجح تبدأ بقوة، ولقد أراد هؤلاء الأشخاص الذين أرسلوا إلي بريداً إلكترونياً ممارسة الرياضة واستعادة لياقتهم؛ لكنَّهم أُحبطوا بسبب صعوبة البرنامج أو مقدار الجهد الذي كان يجب بذله، ومع ذلك بمجرد أن بدؤوا لم يقلقوا كثيراً بشأن العقبات وركزوا على الفوائد ومشاعر الحماسة للقيام بذلك.

ما هو المشروع أو العادة التي ماطلت فيها؟ ابدأ بخطوة صغيرة وستندهش من تغيُّر طريقة تفكيرك.

2. اتخاذ خطوات صغيرة:

البداية هامة جداً؛ لكنَّ النهاية هي ما يهم، وأفضل طريقة للنمو في النهاية هي اتخاذ خطوات صغيرة من خلال ذلك، وستحرص ألا تنتهي الخطوات الصغيرة الناجحة التي اتخذتها في البداية قبل فوات الأوان.

الفائدة الرئيسة لاتخاذ خطوات صغيرة هي التقدم المستمر، وإذا كنت لا تمضي قُدماً، ستدرك ذلك تماماً، وعندما تقضي بعض الوقت دون إحراز أي تقدم ستصاب بالإحباط، وستضعف المسارات العصبية التي بدأت في بنائها وستموت؛ لذا يجب عدم الاستهانة بقوة اتخاذ خطوات يومية صغيرة وفاعليتها من أجل تحقيق هدف ما.

يصبح الجري لمسافات طويلة أمراً نفسياً أكثر منه جسدياً، وفي مرحلة ما يجب التركيز على اتخاذ الخطوة التالية؛ لأنَّك إذا ظننت أنَّ السير لمسافة إضافية سيجعلك تشعر بالتعب، فسوف تستسلم.

حدِّد في تحدي تمرين الضغط، أهدافاً دقيقة في أثناء جلسات تمرين الضغط، وفي كل مرة تحدد هدفاً حتى لو كان صغيراً وتُكمِله، ستحصل على الحافز، وقسِّم مشاريعك إلى أجزاء صغيرة، أما بالنسبة إلى الكاتب، فيمكن أن يكون الهدف كتابة جملة واحدة أو كلمة واحدة، ثم يستطيع تحديد هدف آخر، وإذا فعل ذلك، سيكون لديه في النهاية كتاب.

بالنسبة إلى رائد الأعمال، يمكن أن يكون الهدف التفكير في فكرة عمل جديدة أو فكرة لتحسين عمله، أما بالنسبة إلى المدوِّن، يستطيع التواصل مع شخص أو كتابة بريد إلكتروني أو مساعدة مدوِّن آخر أو إرسال تغريدة إلى شخص أو صنع منتج صغير أو جزء صغير من منتج أكبر.

تستطيع بناء خطواتك اعتماداً على هذه الأمور؛ إذ إنَّ تكرار إكمال هذه الخطوات الصغيرة سيعزِّز ثقتك بنفسك ويزيد من حافزك، والأهم من ذلك سيمنحك نتائج حقيقية.

3. تكوين العادات:

إذا حاولت اكتساب عادات جيدة والتخلص من العادات السيئة، فستقضي وقتك بطريقة جيدة، فقد أجرى كل من علماء النفس "ديفيد ت. نيل" (David T. Neal) و"ويندي وود" (Wendy Wood) و"جيفري م. كوين" (Jeffrey M. Quinn) من جامعة "ديوك" (Duke University) دراسة على مجموعة من الطلاب إضافة إلى أشخاصٍ عاديين من عامة الناس، ووجدوا أنَّ سلوك المشاركين يتكرر في الفترة نفسها كل يوم تقريباً؛ بمعنى آخر حدث السلوك بسبب العادة، وليس بسبب اتخاذ قرار فاعل

يقترح ناس كثيرون أنَّنا نحتاج إلى 30 يوماً لتكوين عادة، وهذه المعلومة خاطئة، فهل تحتاج إلى 30 يوماً للتعود على شرب كوب واحد من الماء يومياً؟ بالتأكيد لا؛ لأنَّ الأمر بسيط وسهل، هل تحتاج إلى 30 يوماً للتعود على ممارسة 200 تمرين ضغط يومياً؟ بالطبع لا؛ لأنَّه يمثل تحدياً صعباً ويجب تجاوز بعض العادات السهلة أولاً.

البدء بخطوات صغيرة واتخاذ خطوات صغيرة هما جزءان أساسيان من اكتساب عادة جديدة استخدم قشرة الفص الجبهي لوضع اكتساب العادات ضمن الأولويات الهامة جداً، وابدأ بعادة واحدة، حتى لو استغرق اكتسابها أياماً.

يتحول أمر ما إلى عادة عندما يكون عدم القيام به صعباً وليس القيام به، قليلةٌ هي الأمور التي تبدو أفضل من النجاح في اكتساب عادة جديدة، وبمجرد أن تتعلم كيف تفعل ذلك لمرة واحدة، تستطيع القيام بذلك مراراً وتكراراً حتى تشكل عاداتك إطاراً قوياً لحياة سعيدة وناجحة.

شاهد بالفيديو: العادات اليومية للأشخاص الناجحين براين تريسي

4. التجربة:

لنفترض أنَّك تريد الإقلاع عن التدخين، حاول الجري كلما شعرت برغبة في التدخين، وستكتشف لاحقاً أنَّ الاضطرار إلى الجري يسبِّب لك التوتر ويجعلك تتوق إلى التدخين أكثر، فتستسلم، وهذه هي التجربة، فإذا كان لديك فكرة قد تنجح، جربها لترى نتائجها.

قد يبدو هذا الأمر واضحاً جداً، لكن لماذا لا يفعله أحد؟ لماذا نقضي 30 عاماً في وضع الاستراتيجيات المتعلقة بطريقة اكتساب اللياقة بدلاً من تجربة كل فكرة تتبادر إلى الذهن ومعرفة ما إذا كانت ستنجح؟

بالتأكيد، هذا لا يعني أنَّ الاستراتيجية لا تهم؛ لأنَّها فعلاً هامة، وتستطيع استخدام استراتيجيات ذكية مع التجربة للحصول على أفضل النتائج.

من الجوانب الهامة للتجربة والخطأ هو معرفة سبب عدم نجاح حل معين، وتستطيع عندما تعرف السبب، تحسين استراتيجيتك في المرة القادمة، حتى الأشخاص الذين ليس لديهم استراتيجية يستطيعون أن ينجحوا باستخدام طريقة التجربة، ومعظمنا ببساطة يخاف من أن يجرب ويكتشف أنَّه مُخطِئ بعد أن يجرب.

إقرأ أيضاً: هل يمكن الاكتفاء من التطوير الشخصي؟

5. التركيز:

التركيز هو الذي يربط عملية التطوير الشخصي ببعضها؛ إذ يسمح لك في فعل ما تريده في الحياة؛ فالتركيز هو اختيار مسار واحد واتخاذ قرار بعدم إيلاء الاهتمام إلى أي شيء يتعارض معه.

سأخبرك لماذا التركيز هام، لنفترض أنَّك تريد تنفيذ الخطوات الأربع السابقة، إذا كنت لا تستطيع التركيز، فلن تستطيع تنفيذها، يمكن أن تكون لديك أسرار عديدة متعلقة بالحياة، لكن دون تركيز كلها عبارة عن معلومات لا قيمة لها، فالتركيز هو القدرة على تطبيق ما تعلمته.

قال الدكتور "بريان ماكليري" (Brian McElree)، أستاذ في علم النفس بجامعة نيويورك (New York University): "توجد أدلة واضحة ومقنعة بأنَّ التركيز على شيء واحد يحافظ على انتباهنا، ولا توجد أدلة مباشرة تؤكد إمكانية التركيز على أكثر من شيء في الوقت نفسه". 

تصل الدراسات المتعلقة بالعقل دائماً إلى نتيجة واحدة، وهي أنَّ التركيز على شيء واحد استراتيجية ناجحة، كما يقول البروفيسور "ماكيلري"، فإنَّ التركيز النشط فريد من نوعه، ولهذا السبب فإنَّ التوفيق بين أفكار عديدة دفعة واحدة لا يقودك إلى أي مكان.

في أي وقت تشعر فيه بالارتباك، يكون ذلك نتيجة توزيع تركيزك، ويحدث هذا عادةً عند محاولة العمل على مشروع كبير؛ لكنَّك تستطيع استعادة تركيزك بسرعة، ويعرف العقل المُركِّز أفضل الإجراءات التي يستطيع اتخاذها، ولا يهم إذا أنجزت كثيراً في ساعة واحدة، فيوجد دائماً إجراء واحد جيد يجب اتخاذه.

إقرأ أيضاً: مفهوم تطوير الذات وأهم الأسرار لتطوير ذاتك وتنميتها

في الختام:

قرِّر واتخذ الإجراء اللازم ولا تقلق بشأن أي أمر آخر، فإنَّ التركيز ضروري للتطوير الشخصي؛ لأنَّه يسمح بالتقدم المستمر في مجالٍ تلو الآخر، وهو أفضل ما يناسب عقلك، إذاً يعني التركيز الاستفادة من قوة عقلك.




مقالات مرتبطة