5 أمور يجب أن تخبر أطفالك أن يكونوا مستعدين لها في المستقبل

أنا أعلم أنَّ احتمال اتِّباع أطفالي الأربعة الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و14 عاماً المسار التعليمي نفسه الذي اتبعته أنا احتمالٌ ضئيلٌ جداً، وأنا متأكَّد من أنَّه ينبغي عليهم أن يكونوا مستعدين لسوق عملٍ مختلفٍ تماماً. ومع بلوغ أصغر أطفالي سنَّ الذهاب إلى الروضة وبدء أكبرهم جامعته إليك أفكاري عن المستقبل الذي ينتظرهم.



تزيد تأثيرات التكنولوجيا في حياتنا يوماً بعد يوم إلى درجةٍ يَصْعُب إحصاؤها، ونحن معجبون بالتكنولوجيا لأنَّها تجعل حياتنا اليومية أسهل وأكثر تسليةً غالباً. ولكنَّها من ناحيةٍ أخرى تثير القلق في نفوسنا، ومن الطبيعي أن ننظر إلى المستقبل ونتسائل عن التغيُّرات التي ستحملها إلى حياتنا. إذ وَجدَت مؤسسة "جالوب" في وقتٍ سابقٍ من هذا العام على سبيل المثال أنَّ 8 من كل 10 أمريكيين يعتقدون أنَّ الذكاء الاصطناعي خلال العقد القادم سيقضي على عددٍ من الوظائف يفوق ذلك الذي سيوفِّره. أمَّا أنا فأعتقد أنَّ تأثير الذكاء الاصطناعي سيكون أضعف بكثيرٍ ممَّا تتحدث عنه معظم التنبؤات، ولكنَّني أريد في الوقت نفسه أن أساعد الناس على النظر إلى المستقبل نظرةً واعيةً تماماً.

لقد حاولت أثناء الفترة التي قضيتها في المشاركة في رئاسة أحد المنتديات التابعة للمنتدى الإقتصادي العالمي بلورة بعض عمليات البحث المهمة التي أجراها المنتدى على شكل نصائح وتقديمها لأطفالي وهُم ينمون ويشقُّون طريقهم ليصبحوا جزءًا من القوة العاملة:

1- لن تسيطر علينا الروبوتات:

حينما حضرت منتدى دافوس في العام 2017 كانت أكثر كلمةٍ مُستخدَمةٍ للإشارة إلى الذكاء العاطفي هي "المُبيد" أو (Terminator) بالإنكليزية في إشارةٍ إلى الفلم الشهير الذي يُصوِّر روبوتاً مخيفاً، وخارقاً، وقادراً على العمل بالنيابةً عنك ليُشعل بعد ذلك ثورةً تقودها الروبوتات.

في العام التالي استُبدلت كلمة (Terminator) بكلمة "الرجل الحديدي" أو (Iron Man) بالإنكليزية في إشارةٍ إلى فلمٍ آخر أيضاً يتحدَّث عن روبوت أيضاً ولكنَّه هنا يعمل في خدمة من صنعوه مما يعكس تبدل المواقف من التكنولوجيا من كونها تتحدَّث عن حلول التكنولوجيا مكان البشر بأسلوب كامل إلى الحديث عن كونها مكمِّلاً، أو مُعزِّزاً، لقدراتهم وحافزاً للابتكار.

شخصياً أعتقد أنّ استخدام (Iron Man) أفضل من استخدام (Terminator) لوصف التكنولوجيا لسببين: أوَّلهما أن الثورات التكنولوجية السابقة ابتداءً من تلك التي شهدت ظهور السيارات وحتى تلك التي اختُرِعَت فيها آلة الصراف الآلي أدَّت إلى توفير عددٍ من الوظائف يفوق تلك التي قضَتْ عليها. وثانيهما أنَّه ما يزال أمام التكنولوجيا طريقٌ طويلٌ يجب عليها أن تقطعه قبل أن تصل إلى تلك الإمكانات التي يحذرنا منها المتشائمون.

وأعتقد عوضاً عن ذلك أنَّ عالِم الكمبيوتر "يان ليكون" (Yann LeCun) كان محقَّاً حينما قال: "لدى الآلات أداءٌ يفوق أداء البشر في مجالاتٍ مُعيَّنة ولكن حينما يتعلق الأمر بالذكاء العام فلا يمكن لها أن تكون قريبةً من الفئران".

فالسيارات ذاتية القيادة على سبيل المثال ما تزال بعيدةً عن تلبية أدنى معايير السلامة، والذكاء الاصطناعي ما يزال مجرد شبكةٍ عصبيةٍ بسيطةٍ تماماً وليس آلاتٍ خارقةً تعرف كل شيء. والأهم من ذلك، رغم أنَّه من الرائع أن تدرك أنَّ القوة التي تتمتع بها التكنولوجيا تزيد يوماً بعد يوم، إنَّ الفكرة التي تقول أنَّ التحول إلى الأتمتة سيؤدي إلى بطالةٍ خطيرة هي واحدةٌ فقط من عدة سيناريوهات ممكنة الحدوث.

2- البقاء في المدرسة بقية حياتكم:

لماذا؟ لأنَّ المهارات تتطوَّر تطوراً سريعاً لا يواكبه التعليم التقليدي، حيث ثمَّة عدة أسباب تقف وراء ذلك، إذ بعد التقدم التكنولوجي الكبير الذي حدث حصلنا على آلاتٍ أصغر، الأمر الذي جعلنا بحاجةٍ إلى مهاراتٍ أحدث، إضافةً إلى أنَّنا، في عصر الاختراعات التكنولوجية والعلمية التي تظهر بوتيرةٍ متسارعة، كلما اخترعنا مزيداً من الأشياء اضطُّررنا إلى تعلم مهارات جديدة. ورغم أنَّ بعض الجامعات الرائدة تقدم الآن دوراتٍ في اقتصاد العمل الحر والتقنيات الجديدة كسلسلة الكتل (blockchain) إلَّا أنَّه ليس أمراً متعارفاً عليه على نطاقٍ واسع، والغالبية العظمى من المدارس الثانوية والجامعات لا تتكيف بالسرعة الكافية مع التغير الحاصل تاركةً الطلاب يوماً بعد يوم غير مستعدين للدخول إلى سوق العمل.

ووفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي: "تذكُر بعض الدراسات أنَّ 65% من الطلاب الذين يدخلون المدارس الابتدائية اليوم سيعملون في وظائف غير موجودة بعد، كما أنَّ التعليم الذي يتلقونه سيُخفق في إعدادهم للعمل فيها". ويتوقع التقرير الذي أصدره المنتدى تحت عنوان "التعرف على الإمكانات البشرية في الثورة الصناعية الرابعة" أنَّ 35% من المهارات المطلوبة للقيام بالأعمال في مختلف المجالات ستتغير بحلول العام 2020.

ومن الناحية العملية تحتاج التغيُّرات التكنولوجية الدائمة إلى أن يبدأ الأطفال بالتعامل مع التعلم بوصفه عملاً يمتد طول الحياة. وهذا يعني أنَّهم قد يضطرُّون إلى الذهاب إلى كليات التعليم العالي للحصول على شهادات، أو الحصول على شهادات ماجستير من خلال الدورات الإلكترونية المفتوحة، أو التعلم دون الحصول على شهادة عبر منصات التعليم الافتراضية كـ "يوديمي" – أو جميع هذه الأشياء الثلاثة خلال مسيرتهم المهنية من أجل أن يبقوا مطلعين على التحولات التي تشهدها سوق العمل.

 

اقرأ أيضاً: دور المدرسة في تنمية الفرد وتطوير المجتمع

 

3- يمكنكم أن تكونوا مديري أنفسكم:

إنَّ أكثر من نصف الناس الذين بلغوا سنَّ العمل على مستوى العالم هم موظفون تقليديون، ولكنَّ ذلك بدأ يتغير لأنَّ عمل الشخص لصالح نفسه لم يكن في يومٍ من الأيام أسهل ممَّا هو عليه الآن بفضل التكنولوجيا التي أفسحت المجال أمام مزيدٍ من التعاون.

ومع ازدياد ممارسة العمل من خلال الوسائل الرقمية أصبح العمل كذلك أقلَّ ارتباطاً بالمكان، إذ لا يحتاج مصمِّمو تجربة المستخدم، أو الكُتَّاب، أو مطوِّرو برامج الأندرويد إلى مكاتب ثمينة تقع في مراكز المدن للعمل وجني المال، بل يمكنهم ممارسة عملهم من أي مكان.

ومع تقلُّص ارتباط العمل بالمكان تقوم المنصات الرقمية كـ (Etsy ) و(Upwork) – اللّتان تقومان بربط الأشخاص بالعمل بغض النظر عن الموقع – بتوفير مزيدٍ من الفرص للناس ليكونوا مديري أنفسهم.

 

اقرأ أيضاً: 9 أقوال من الخبراء لكي تكون ناجحاً في العمل من المنزل

 

4- ركِّزوا اهتماماتكم على المهارات الاجتماعية:

مع ازدياد التوجه نحو الأتمتة تُعَدُّ المهارات التي لا يمكن للآلات أن تؤديها أكثر المهارات أهميةً. لا شكَّ أنَّ المهارات التقنية كالبرمجة، وتحليل البيانات، والهندسة، والرياضيات تُعَدُّ مهاراتٍ مهمة إلَّا أنَّ التقرير الذي عُرِضَ في المنتدى الاقتصادي العالمي وحمل عنوان "مستقبل الأعمال" وجد أنَّ المهارات التقنية لن تكون كافيةً في المستقبل.

حيث ذَكَرَ المنتدى الاقتصادي العالمي أنَّ "الطلب سيكون أعلى على المهارات الاجتماعية كالإقناع، والذكاء العاطفي، وتدريس الآخرين في مجالات العمل المختلفة في نهاية المطاف موازنةً بالمهارات التقنية. وستحتاج المهارات التقنية بوجه أساسي إلى التدعيم بمهارات اجتماعية وتعاونية قوية".

 

اقرأ أيضاً: 7 مهارات اجتماعية بسيطة تجعلك شخصاً محبّباً لدى الآخرين

 

5- مستقبلكم بين يديكم:

رغم الخوف الذي يُثار حول المستقبل، بيد أنَّه لا أحد يعلم حقيقةً كيف ستتطور التكنولوجيا. وقد ركَّزت دراسة حملت عنوان "مسقبل العمل: سيناريوهات ونتائج" وعُرِضَت في المنتدى الاقتصادي العالمي في وقتٍ مبكرٍ من هذا العام الاهتمام على ذاك الشعور بالشك، وأشارت كذلك إلى عوامل أخرى ستغيِّر طريقة عيشنا وعملنا – كالأنظمة التعليمية وسياسات الهجرة، واللتين يمكننا أن نتحكم بكليهما.

وفي النهاية فإنَّنا نحن اللذين نصنع الآلات، ونبني المدارس، ونضع المناهج، ونحن من سنتحكم بعبور المواهب والعمل الحدود. فالمستقبل ليس منقوشاً على الصخر، وهو ليس أمراً حتمياً، ونحن من نتحكم به، وهو الأمر الذي يعطيني مبرراً لكي أكون متفائلاً.

المصدر




مقالات مرتبطة