5 أسباب جعلت جدتي تبتسم في فراش الموت

"إنَّنا نعيش مرةً واحدة، لكن إذا عشناها بطريقة صحيحة فمرة واحدة تكفي" - الكاتبة المسرحية والممثلة "ماي ويست" (Mae West).



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "مارك تشيرنوف" (Marc Chernoff)، ويتحدَّث فيه عن وفاة جدته والأسباب التي جعلتها تبتسم في لحظات وفاتها.

قبل خمسة عشر عاماً كنت محظوظاً بما يكفي لأشهد الرحيل الأنيق والهادئ والمسالم لجدي البالغ من العمر 89 عاماً. عندما جلست بهدوء في غرفة رعاية المسنين إلى جانب جدتي وأفراد عائلتي الآخرين ابتسمت ممرضته بهدوء وقالت: "أعلم أنَّه عاش حياةً جميلة؛ فغالباً ما يموت الأشخاص الذين في سنِّه بالطريقة التي عاشوا بها".

عندما كنت أقود سيارتي عائداً إلى المنزل في ذلك المساء ظلَّ سؤالان يدوران في ذهني: "هل أنا أعيش حياةً جيدةً؟ وما الذي سيجعلني أبتسم عندما أكون في فراش الموت؟".

إنَّ هذه الأسئلة صعبةٌ للغاية، لا سيَّما السؤال الثاني، في ذلك الوقت عانيت بشدةٍ لأتخيل نفسي على فراش الموت، وقد شعرت بالضيق من مجرد التفكير في الأمر؛ لذلك تجنبت ببساطة السؤال والروح الطيبة التي أحتاج إليها.

لقد صرفت انتباهي لبضع سنوات حتَّى وجدت نفسي مرة أخرى في غرفة رعاية المسنين مع جدتي البالغة من العمر 90 عاماً، وقد كانت أجمل إنسان قابلته على الإطلاق.

في اليوم الأخير من حياتها جلست معها طوال اليوم في الصمت والضحك والبكاء، وفي رهبةٍ من امرأة كانت ما تزال تبتسم وتتبادل القصص على الرَّغم من الضعف والألم الهائلين، كان عقلها قوياً بطريقة مذهلة حتَّى قبل ساعات قليلة من وفاتها؛ لذلك أعطيتها اهتمامي الكامل واستفدت من حكمتها للمرة الأخيرة.

لقد كنت أنصت إليها حتَّى سألتني ذلك السؤال الذي تهربت منه منذ سنوات: "هل تعرف لماذا أبتسم الآن؟".

قلت لها: "لأنَّك عشت حياةً جيدة".

ابتسمت ابتسامةً أعرض، ثمَّ أمضت الساعة التالية تتحدث بهدوء وشغف عن حياتها وأسباب سعادتها الحالية، لقد كانت بلا شك واحدة من أكثر الساعات تنويراً التي لن أنساها طوال حياتي، وبعد ذلك مباشرةً أخذَت إحدى قيلولاتها الأخيرة، ودوَّنتُ في دفتر يومياتي كلَّ ما تحدثَت عنه.

لقد اقترب عيد ميلاد جدتي الـ 101؛ لذا أودُّ تكريمها مرةً أخرى، وللقيام بذلك سأشارك نسخة موسعة من الملاحظات التي دونتها في دفتر اليوميات الذي كتبتها في غرفة رعاية المسنين قبل 11 عاماً؛ إنَّها حكمتها التي أضفتُ إليها تجربتي الخاصة، ولقد بذلت قصارى جهدي لنقل ما قالته لي في خمس نقاط ملهمة، وهي الأسباب الخمسة وراء ابتسامة جدتي في فراش الموت:

1. جدتي لم تمتنع قط من فعل ما تحبه:

أحد الاقتباسات المفضلة عند جدتي كان لوالت ديزني (Walt Disney) عندما قال: "هنا، لا ننظر إلى الوراء لوقت طويل، نستمر في المضي قدماً ونفتح أبواباً جديدةً ونفعل أشياء جديدة؛ لأنَّنا فضوليون، والفضول يقودنا إلى مسارات جديدة".

لقد ألهم هذا القول جدتي لعقود من الزمان، وما زال يلهمني كلَّ يوم للكتابة والإبداع للانتقال إلى عملي التالي، حتَّى عندما أجد نفسي أحكم على آخر عمل لي بأنَّه ليس جيداً بما فيه الكفاية.

على سبيل المثال أكتب مقالات جديدة كل أسبوع في مدونتي منذ حوالي 14 عاماً، وفي بعض الأحيان تنساب الأفكار والكلمات بسهولة، وكان هناك العديد من المرات التي شعرت فيها أنَّ عملي كان دون المستوى.

أجد أحياناً أنَّ أحد مقالاتي رائعٌ جداً، وأسأل نفسي لمَ لا يقرؤها الناس ويشاركونها، ثمَّ أشعر أنَّني تخبَّطتُ خلال كتابة مقال ما لأشاهده يتلقى عشرات الآلاف من المشاركات على وسائل التواصل الاجتماعي؛ بصرف النظر عن النتيجة التي أحصل عليها تُذكِّرُني حكمة جدتي دائماً بنقطة رئيسة: "غالباً ما نكون بشراً سيئين جداً في الحكم على عملنا الخاص، إنَّنا ننتقد أنفسنا لدرجة لا تسمح لنا برؤية الحقيقة في معظم الأوقات".

ليس هذا فقط فليس من واجبنا حتَّى الحكم على عملنا، ليس من واجبنا مقارنته بعمل أيِّ شخص آخر، أو بالطريقة التي ظننَّا أنَّ الآخرين سيتصورونه، لا فائدة من القيام بذلك، بدلاً من ذلك من واجبنا أن نُبدع، مهمتنا هي مشاركة ما لدينا الآن في هذه اللحظة، مهمتنا هي أن نبذل قصارى جهدنا كل يوم، هكذا عاشَت جدتي حياتها، كانت فنانةً حقيقية من هذه الناحية.

أدرك أنَّ ثمة أشخاص في كل مجال وظيفي تقريباً يجعلون كل يوم من حياتهم عملاً فنياً ببساطة من خلال الطريقة التي أتقنوا بها حرفتهم؛ أجل، كل شخص تقريباً هو فنان بطريقة ما، ويميل كل فنان إلى الحكم على أعماله، والشيء الهام هو ألَّا تدع حكمك على ذاتك يمنعك من فعل ما تحبه ومشاركة هداياك الإبداعية والفريدة مع العالم.

فتماماً كما قال والت: "المفتاح هو الاستمرار في المضي قدماً".

2. جدتي لم تنسَ أن تخوض غمار الحياة:

للأسف يتخلى معظم الناس عن قصص حياتهم في وقت مبكر جداً، فهم يتخرجون من المدرسة أو الكلية ويريدون تغيير العالم، ويريدون تأسيس مشروعهم، ويرغبون في جني كثير من المال، وتكوين أسرة، والعيش في سعادة دائمة؛ لكنَّهم يتعثرون في خضم ذلك كله ويكتشفون أنَّ الأمر أصعب ممَّا توقعوا؛ إذ يواجهون العديد من النكسات، ولا يمكنهم رؤية أيَّ شيء في الأفق البعيد؛ لذا فهم يتساءلون عمَّا إذا كانت جهودهم تدفعهم إلى الأمام أصلاً لمَّا لم يشاهدوا تغييراً حقيقياً في حياتهم على الأقل ليس بالسرعة الكافية؛ لذلك يلقون اللوم على عائلاتهم وأصدقائهم، أو على أنفسهم، ويبحثون بلا هدف عن طريق أسهل لا يحقق لهم الرضى؛ لذا لا تكن أحد هؤلاء الأشخاص.

كانت جدتي تعلق اقتباساً عن رئيس وزراء المملكة المتحدة سابقاً "ونستون تشرشل" (Winston Churchill) في مكتبها في المنزل يقول: "النجاح هو التعثر من فشل إلى فشل دون فقدان الحماسة"، وكانت تؤمن بشدة أنَّ الأشياء الجيدة لا تأتي بسهولة، قالت لي يوماً: "القوة الحقيقية تكمن فيما تفعله في المحاولات الثالثة والرابعة والخامسة".

لا تتخلَّ عن رحلتك، لا تستسلم أبداً، لا تتوقف أبداً عن المحاولة، لا تتخلَّ عن مبادئك أو نفسك، فالحياة قاسية؛ لكنَّك أقوى منها، ليس من المفترض أن تكون رحلتك سهلة؛ بل من المفترض أن تكون تستحق العناء، وإن لم تتقبل المعاناة فلن تنمو أبداً، لا يهمُّ حقاً ما حدث أو ما فعلته؛ ما يهم هو ما تختار القيام به بدءاً من الآن؛ لذا تقبَّل الظروف وتعلَّم منها واتَّخذ خطوةً أخرى إلى الأمام.

شاهد بالفديو: كيف تدفع نفسك للمضي قدماً وتحقيق النجاح؟

3. جدتي لم تغفل تركيزها على الحاضر وتقديرها الأشياء الصغيرة:

قالت لي جدتي ذات يوم: "تذكَّر أنَّك لا تعرف ما سيأتي به المستقبل، وأفضل رهان لك للعيش هو استثمار الحاضر وتحقيق أفضل استفادة منه"، فإنَّ الكون يتحدث إلينا دائماً، يرسل إلينا رسائل صغيرة، ويذكرنا أن نتأمل وننظر حولنا، ونؤمن بحصول شيء مميز؛ لكنَّ هذا الشيء المميز ليس في مكان آخر، إنَّه حيثما أنت تماماً.

في بعض الأحيان عليك التوقف عن البحث، وأن تعيش اللحظة، فلا يفوتك أيُّ شيء في أيِّ مكان آخر، إنَّك فقط تفتقد الخير الذي أمامك؛ لذا دعني أؤكد لك أنَّه يمكنك الانتقال من عمل إلى آخر، والسفر حول العالم، والبقاء دائماً على تواصل مع الآخرين، والاحتفال طوال الليل دون نوم، لكن لا يمكنك أبداً فعل كل شيء؛ إذ ستفقد دائماً شيئاً ما، ومن ثمَّ سيبدو دائماً كأنَّ شيئاً رائعاً قد يحدث في مكان آخر، من الواضح أنَّه لا فائدة من التركيز على هذا الأمر.

اعمل بجد وابحث عن المغامرة، لكن افعل ذلك وتركيزك على خطوتك الحالية، فلديك كل شيء الآن، أفضل ما في الحياة ليس في مكان آخر، إنَّه لديك في هذه اللحظة؛ لذا لاحظ ذلك، واجعله لا يُنسى.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح تساعدك على التركيز على الحاضر

4. جدتي لم تندم عندما تخلت عن شيء ما:

هذه النقطة تلي النقطة السابقة، والاستغناء لا يعني القدرة على نسيان الماضي؛ بل يعني امتلاك الحكمة لتقبُّل الحاضر، والحق يُقال كلَّما تحدثت عن الماضي أكثر، وناقشته، وأعدت التفكير فيه، وأعدت صياغته، وحلَّلته، وأصِبت بالذعر حياله، وتتبعته، واستجبت له، وتعاملت معه، وتذمرت منه، وخلدته، وبكيت عليه، ورفضته، وصليت من أجله، وحللت دوافعه؛ فسيبقى يتفاقم كقطعة طعام عفنة في عقلك.

حان الوقت لتتقبل أنَّ الأمر قد انتهى، لقد رحل، وحان الوقت لدفنه؛ لأنَّه يجعل حياتك كريهة، ولا أحد يريد أن يكون بالقرب من عفن الذكريات السيئة أو موقفك المتعفن؛ لذا كن مدير جنازة حياتك الماضية وادفن ذلك الماضي إلى الأبد.

أخبرتني جدتي: "قد يكون كل موقف صعب عذراً لليأس أو فرصة للنمو، يُحَدَّدُ ذلك وفقاً لما تختار القيام به في الوقت الحالي؛ لذا علينا التخلي عن الأفكار والنتائج والتوقعات التي لا تخدمنا".

توقف عندما يجب عليك التوقف، وعليك أن تدرك أنَّ التمسك بالماضي يعد شجاعة؛ لكنَّ التخلي عنه والمضي قدماً هو ما يجعلنا غالباً أقوى وأكثر سعادة في النهاية؛ لذا امنح نفسك هذه الهدية حتَّى تتمكن من النمو والابتسام مراراً.

شاهد بالفديو: 7 طرق تساعدك على التكيّف مع متغيّرات الحياة

5. جدتي لم تستغني عن القراءة ووهب الآخرين معرفتها وحكمتها:

كان أبطال جدتي من أصحاب الرؤى المثقفين والحالمين، هؤلاء الأشخاص الجميلون بيننا الذين يستثمرون في أنفسهم ثمَّ يستخدمون ما تعلموه لجعل العالم مكاناً أفضل ممَّا كان عليه عندما وجدوه، سواء بطرائق بسيطة أم كبيرة، فينجح بعضهم، ويفشل بعضهم الآخر، ومعظمهم يحصلون على مزيج من الفشل والنجاح؛ لكنَّ الجهد بحد ذاته هو البطولة، هكذا رأت الأمر، وسواء أفازوا أم خسروا أُعجِبَت جدتي بأولئك الذين يقاتلون بذكاء من أجل المصلحة العامة، ولا أستطيع إلَّا أن أتفق مع رأيها.

لا تتوقف عن التعلم، ولا تتوقف عن الاستثمار في نفسك؛ ادرس واقرأ كثيراً من الكتب، تفاعل مع الناس، ومن ذلك أولئك الذين يفكرون بطريقة مختلفة، اسأل أسئلة كثيرة، أنصت بانتباه، ولا تنمي معرفتك فحسب؛ بل كن أيضاً الشخص الذي يرد الجميل، استخدم ما تتعلمه لإحداث فرق في العالم حولك.

كما قال الكاتب "رالف والدو إيمرسون" (Ralph Waldo Emerson) ذات مرة: "الغرض من هذه الحياة ليس أن تكون سعيداً فقط؛ بل أن تكون مفيداً، وأن تكون نبيلاً وعطوفاً، وأن تُحدِث فرقاً في العالم من خلال حياتك التي عشتها".

إقرأ أيضاً: أهم فوائد القراءة

في الختام:

أريد أن أترككم مع قصيدة الكاتبة بيسي أندرسون ستانلي (Bessie Anderson Stanley) التي كانت جدتي تعلقها على جانب الثلاجة خلال طفولتي، أظنُّ أنَّها تجسد الرسالة العامة لهذا المقال تماماً، والسبب الذي جعل جدتي تبتسم:

"من حقَّق النجاح هو من عاش حياةً جميلةً، وضحك كثيراً، وأحبَّ كثيراً،

من نال ثقة المرأة الطاهرة واحترام الأذكياء وحب الأطفال الصغار،

من أدَّى دوره وأنجز مهمته،

من لم يفتقر إلى تقدير جمال الأرض ولم يفشل في التعبير عنه؛

من ترك العالم مكاناً أفضل ممَّا وجده سواء أزرع نبتةً أم كتب قصيدةً أم أنقذ روحاً،

من بحث دائماً عن أفضل ما في الآخرين ومنحهم أفضل ما لديه،

من كانت حياته ملهمة وذاكرته مباركة".




مقالات مرتبطة