5 أسباب تجعل الذكاء العاطفي أساساً في مستقبل الأعمال

تساهم التكنولوجيا وجيل الشباب الناشئ وعِلم الأعصاب في جعل الذكاء العاطفي حجر الزاوية في مستقبل الأعمال.



تعد العاطفة البشرية واحدة من أقوى القوى على هذا الكوكب؛ فالعواطف هي ما تُشعل الحروب وتصنع السلام، وهي ما تؤجج الحب وتفرض الطلاق، في حين أنَّ لا مناص مِن العواطف، فهي أيضاً ما يوجِّهنا ويدفعنا إلى اتخاذ الإجراءات من عدمها؛ لكن يمكن أن تجعلنا المشاعر الجامحة نحن ومَن حولنا نتصرف على نحو لا عقلاني أحياناً.

الذكاء العاطفي هو مفهوم جديد نسبياً؛ لكن سيكون له أثر عظيم في عملنا بمرور الوقت؛ حيث ظهر أول مقال أكاديمي عن الذكاء العاطفي في عام 1990، لكن لم ينتشر الموضوع حتى صدور كتاب عالِم النفس دانيال غولمان (Daniel Goleman) عام 1995 بعنوان "ملخص كتاب الذكاء العاطفي" (Why It Can Matter More Than IQ).

الذكاء العاطفي هو القدرة على تحديد العواطف الذاتية وإدارتها، وكذلك عواطف الآخرين؛ حيث تساعدك معرفة ما تشعر به في موقف معين على قياس شعور الآخرين في بيئة مماثلة، ومن ثم تمكين التفاعلات الاجتماعية المواتية وإثارة ردود فعل الآخرين الإيجابية.

يكتسب الأشخاص الأذكياء عاطفياً قدرات اجتماعيةً مثل القدرة على حل النزاعات أو تعليم الآخرين أو إدارة الفِرَق.

دراسة الجدوى الخاصة بالذكاء العاطفي:

تمثِّل مخاوف ارتفاع معدلات الوحدة والاكتئاب والصحة الذهنية فرصاً للشركات والقادة لتبنِّي الذكاء العاطفي بغية إعادة إشراك الناس في العمل والحياة.

وفقاً لمبادرة مشروع أرسطو (Project Aristotle) لتمكين الفِرَق الشهيرة الذي أطلقته شركة غوغل (Google)، يُبنى الفريق ذو الأداء العالي على ثلاثة عناصر:

  1. وعي عالٍ بأهمية الروابط الاجتماعية أو "الحساسية الاجتماعية".
  2. بيئة يتحدث فيها كل شخص على قدم المساواة.
  3. الأمان النفسي؛ حيث يكون بمقدور الجميع إظهار أنفسهم وتوظيفها دون خوف من العواقب السلبية.

يتطلب الأمر قائداً ذكياً عاطفياً لتحقيق هذه العناصر الثلاثة لفريق ناجح.

يشعر الناس بنيلهم الرعاية عند توافر هذه العناصر الثلاثة ضمن الفريق أو المؤسَّسة، ويكون الأشخاص الذين يشعرون بهذه الرعاية أكثر ولاءً وتفاعلاً وإنتاجيةً.

في الواقع، يكون الموظفون الذين يشعرون أن مؤسَّستهم ترعاهم:

  • أكثر احتماليةً بعشرة أضعاف للتوصية بشركتهم كمكان رائع للعمل.
  • أكثر احتماليةً بتسعة أضعاف للبقاء في شركتهم لمدة ثلاث سنوات أو أكثر.
  • أكثر احتماليةً بسبع أضعاف للشعور بالاندماج في العمل.
  • أقل عرضةً بأربعة أضعاف للمعاناة من التوتر والإرهاق.
  • أكثر احتماليةً بضِعفين للمشاركة في العمل.

شاهد بالفيديو: كيف تعزز الذكاء العاطفي في فريقك؟

الأسباب الخمسة لأهمية الذكاء العاطفي في مستقبل الأعمال:

1. احتياجات الإنسان الأساسية:

تتمثل الاحتياجات البشرية الأساسية الثلاثة للعمل (والحياة) في البقاء على قيد الحياة والانتماء والنجاح، ويشبه الأمر إلى حد بعيد التسلسل الهرمي للاحتياجات الذي طرحه عالم النفس ماسلو (Maslow)، فبمجرد أن يلبي البشر احتياجاتهم من الغذاء والماء والمأوى، سيسعون أن يتقبَّلهم الناس على ما هم عليه، ثم إلى التعلُّم والنمو ليصبحوا أشخاصاً أفضل في نهاية المطاف.

فمع تطوُّر العالم، تُلبَّى المزيد والمزيد من احتياجات البقاء باستمرار مما يجعل القِوَى العاملة تحوِّل انتباهها إلى المستوى التالي من الاحتياجات، وهو الانتماء على وجه السرعة، والقادة الأذكياء عاطفياً قادرون على توسيع حس الانتماء ليشمل فِرَقهم.

2. تعزز التكنولوجيا الإنسانية:

تطلَّبت الثورة الصناعية عمالاً أقوياء، في حين يتطلَّب عصر المعلومات هذا عمالاً يتمتعون بالمعرفة، كما سيتطلب عصر العمل في المستقبل عمالاً أذكياء عاطفياً.

وبينما يزخر العالم بتكنولوجيا أكثر تطوراً مثل الذكاء الاصطناعي والشبكات من الجيل الخامس (5G)، ستحدِّد المهارات البشرية مثل الرأفة والتعاطف المِيزة التنافسية للعمال والمؤسسات برُمَّتها.

فضلاً عن ذلك، عندما يغدو العالم أكثر تطوراً، ستكون هناك رغبة وفرصة لمزيد مِن إشراك الاهتمام الشخصي في خدمة الأعمال، فمع تقدُّم التكنولوجيا، سيتخلَّى البشر عن الكثير من الأعمال التي لا يجيدونها أو لا يحبونها أو التي تمثِّل خطراً كبيراً عليهم، وسيمنحنا هذا مزيداً من الوقت والقدرة على إظهار العواطف لبعضنا بعضاً.

على سبيل المثال: إذا أصبح في إمكان الذكاء الاصطناعي تشخيص الأمراض بدقة أكبر من الأطباء، فسيمتلك هؤلاء هامشاً أكبر للالتفات إلى العناصر البشرية الأكثر أهمية ومنح المرضى التعاطف والرأفة، أو إذا كان في إمكان الروبوتات تجميع وجبة العميل بصورة أكثر دقةً وكفاءةً من الإنسان، فسيخلق هذا فرصة للإنسان للتفاعل البشري معهم، كأن يرافقوا العميل إلى الخارج أو يقابلوه في سيارته في الجو الماطر.

3. الخلط بين العمل والحياة:

ليس وجود العواطف داخل مكان العمل أمراً محتوماً؛ بل هو أحد متطلبات العمال كذلك، وهناك فكرة خاطئة منتشرة مفادها أنَّ العواطف لا تصلُح في العمل، وهذا غالباً ما يقودنا عن طريق الخطأ إلى الخلط بين الاحترافية وبين الرزانة أو البرود العاطفي.

تستمر الحدود بين العمل والحياة في التلاشي يوماً بعد يوم، فنجد أنَّ العديد مِن الناس يواصلون عملهم من المنزل، ويُقحمون حياتهم الشخصية في العمل، ومهما حاولنا، ليس هناك من زرٍّ سحري بمجرد أن نضغط عليه تختفي مشاعر الألم والفرح والحزن والتشويق لدينا ما إن نصل إلى مكان العمل، فالعواطف ترافقنا أينما ذهبنا.

وفقاً لما ذكرَته ليز فوسيان (Liz Fossien)، المؤلِّفة المشاركة للكتاب الأكثر مبيعاً وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال (Wall Street Journal) "لا تضمر الضغينة: القوة السرية لتبني العواطف في العمل" (No Hard Feelings The Secret Power of Embracing Emotions at Work): "في اللحظات التي يقدِّم فيها زملاؤنا عرضهم التقديمي الاحترافي المذهل، من المرجح جداً أن نصدِّق ما يخبروننا به؛ فنحن نشعر بالارتباط بالأشخاص من حولنا، ونبذل قصارى جهدنا، ونقدِّم أفضل أداء لدينا، ونصبح أكثر لطفاً عموماً؛ لذا حان الوقت لنتعلَّم كيفية تبنِّي العواطف في العمل".

إقرأ أيضاً: 9 علامات للبرود العاطفي بين الزوجين

4. تطوُّر العلاقة بين رب العمل والموظف:

في الماضي، كانت العلاقة بين رب العمل والموظف عمليةً للغاية، بحيث يُنجز الموظف عمله يومياً ويأخذ راتبه في نهاية كل شهر؛ ولكن في ثقافة العمل الدائم اليوم، تتوسع حدود العلاقة بين الموظف ورب العمل، ويعد العمل هو النشاط الذي يحتل معظم وقت الأشخاص حتى بعد نومهم، إضافةً إلى توقُّع الموظفين لنيلهم المزيد في مكان العمل.

يحاول المزيد من أرباب العمل التعمُّق في الجوانب العاطفية في حياة موظفيهم، على سبيل المثال: تقدِّم سلسلة فنادق هيلتون (Hilton) برنامج مساعدة التبني الذي يعوِّض أعضاء الفريق عن نفقات التبني المؤهَّلة التي تصل إلى 10000 دولار لكل طفل، مع عدم وجود حد لعدد حالات التبني، كما تقدِّم شركة (Facebook) للموظفين إجازة وفاة تصل إلى 20 يوماً في حال وفاة أحد أفراد الأسرة.

نظراً لسعي الموظفين لنيل المزيد مِن أرباب العمل، فإنَّ التحوُّل مِن التوظيف إلى التمكين سيخدم أرباب العمل على نحو أفضل.

إقرأ أيضاً: الآثار السلبية للتعارض بين العمل والحياة في شركتك

5. هذا ما يُطالب به جيل الشباب الناشئ:

تكابد الشركات للتكيف مع الاحتياجات العاطفية المتطوِّرة للقوى العاملة لديها، خصوصاً بين الأجيال الناشئة؛ حيث إنَّ لدى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاماً أعلى معدل لانتشار الأمراض النفسية الخطيرة مقارنةً بالفئات العمرية الأخرى، وفقاً للمعهد الوطني للصحة النفسية (National Institute of Mental Health)، وفضلاً عن ذلك، فإنَّ جيل الشباب الناشئ هو أكثر جيل يشعر أفراده بالعزلة في مكان العمل؛ حيث أفاد 73% من هؤلاء أنَّهم يشعرون بالعزلة أحياناً أو دائماً.

ليس من المستغرَب إذاً أن يرغب جيل الشباب الناشئ أكثر من أيِّ جيل آخر في أن يحظوا بمديرين متعاطفين، وفقاً لدراسة عام 2020 صادرة عن مركز الحركية بين الأجيال للأعمال والعلامات التجارية بين الأجيال (The Center for Generational Kinetics) وهي: "حل مشكلة العمل عن بُعد عبر الأجيال" (Solving the Remote Work Challenge Across Generations).

إذا كان الشباب هم المستقبل، ويعاني الجيل الناشئ مِن العزلة والتوتر النفسي، فيجب أن يكون مستقبل العمل هو الذكاء العاطفي.

 

المصدر




مقالات مرتبطة