أهمية الشخصية:
تُحدِث طباعنا وشخصياتنا فرقاً كبيراً في حياتنا؛ فمن الهام للغاية طريقة معاملتنا للناس وما نملأ به عقولنا وقلوبَنا من صدقٍ ولباقة أو قلة احترام، فتؤثر قيَمُنا ومبادئنا التي تعبِّر عن مُعتقداتنا التي نؤمن بها وطريقة عيشنا تأثيراً كبيراً في سعادتنا، وكذلك تؤثر الصفات أو الميزات التي طورناها في شخصياتنا في شعورنا تجاه أنفسنا.
سمات الشخصية المسبِّبة للسعادة:
في الواقع فإنَّ قوة الشخصية أو ضعفها له التأثير الأكبر في نظرتنا لأنفسنا حين نُمعن النظر في المرآة؛ لكنَّ السمات الشخصية ليست كلها سواسية - على الأقل فيما يخصُّ موضوع السعادة - ومن المؤكَّد أنَّ السمات الآتية سيكون لها التأثير الأكبر في سعادتك بعد ذلك.
إليك 5 سمات في شخصيتك تجعلك سعيداً:
1. الشجاعة:
يقول الكاتب الأمريكي "مارك توين" (Mark Twain): "ليست الشجاعةُ في عدم الشعور بالخوف إطلاقاً؛ وإنَّما مقاومة الخوف وإتقان معاملته والسيطرة عليه"؛ فالخوف هو اللص الأكبر الذي يمكنه سرقة السعادة من بين أيدينا، وهو أساس رغبتنا في الاستسلام؛ إذ يتسلل إلى حياتنا خلسةً وبسرية ويسلبُ منَّا العزمَ والتصميم والالتزام والقدرة على الصبر والصمود حتى النهاية، ومن ناحية أخرى تُعَدُّ الشجاعة الخصم الأعظمَ للخوف، فتتحدى الخوفَ الذي نشعر به في أعماقنا وتُجبره على التراجع وتتحكم به وتُبقيه مضبوطاً من خلال اتخاذ خطوات تُعارِضه وتقف في طريقه؛ وبذلك تحطم الشجاعة أغلالَ الخوف وقيودَه التي يُحيطنا بها وتُخلِّصنا منها نهائيَّاً.
كما تحفزنا الشجاعة للخروج من منطقة الراحة وتسمح لنا بتجربة كلِّ ما نخشاه، والتقرُّب من الناس ومعاملتهم ومع أي موقفٍ نتعرض له في الحياة، وتقبُّل الحياة وانتهاز جميع الفرص التي تقدمها لنا، وتقبُّل الآلام الحتمية التي لا مفرَّ منها في جميع تغييرات الحياة وتحدياتها، ومن دون الشجاعة ليست السعادة أكثرَ من مُجرَّد وهمٍ أو سراب مؤقَّت أو سحابةٍ من الدخان التي تتبدد وتختفي فجأةً بمُجرَّد مرورنا بأي صعوباتٍ أو تحديات.
شاهد بالفيديو: كيف تغرس الأفكار السعيدة في عقلك؟
2. الصبر:
الصبر هو الانتظار، ويختلف عن الكسل الذي يُعَدُّ انتظاراً سلبياً مليئاً بالضعف والاستسلام؛ فالصبرُ هو الصمود والمثابرة على العمل حين تصعب حياتك ويُصبح سير أمورها بطيئاً وشاقاً، ولا بدَّ أنَّ سعادة الأشخاص الذين يتَّسمون بضيق الصدر ونفاد الصبر ليست كبيرةً للغاية، وحتَّى إن ذاقوا طعمَ السعادة فلن يدوم ذلك طويلاً على الأقل، ومن ثمَّ فإنَّ نفاد الصبر أحدُ العوامل المؤذية الأخرى التي تقضي على سعادة المرء بمُجرَّد ظهورها في حياته تقريباً.
يُعَدُّ تعلُّم التقبُّل والسماح للنفس بالاسترخاء قليلاً والتنازل والسير مع التيار أمراً هاماً جداً لعيشِ حياة سعيدة؛ فغالباً ما يكون نفاد الصبر أو ضيق الصدر هو الانزعاجُ أو الكدَر الذي نشعر به عندما نفقد السيطرة على أمور حياتنا؛ لكنَّ أحداث الحياة متغيرةٌ باستمرار ولا يمكن توقع مجرياتها إطلاقاً ومن المستحيل في الواقع التحكم بما يحدث فيها بصورة كاملة، ولكن كلَّما حاولنا التحكم والتلاعب والسيطرة على نتائج الحياة وأحداثها التي تتأجج من حولنا بأي نوعٍ من الدقة والإحكام ازدادَ إحباطُنا وشعورُنا بالاستياء والفشل بسبب تلك الجهود كلها التي بذلناها.
لذا خُذْ نفساً عميقاً واسترخِ وحاول استيعاب الأحداث جيداً وكُنْ صبوراً حيالها، وتعلَّم أن تتقبل الأمور الغامضة وغير المؤكَّدة وتعاملَ مع الأحداث غير المُتوقَّعة، ودع أمور حياتك تجري كما قُدِّر لها، وعندَها ستجدها أكثر جمالاً وسعادةً حين تفعل ذلك.
3. الامتنان:
يقول القسُّ الألماني "ديتريش بونهوفر" (Dietrich Bonhoeffer): "يغيِر الامتنان آلام الذاكرة ويحولها إلى شيءٍ من الفرح الهادئ"، فيعني الشعور بالامتنان والشكر الانتباهَ إلى النعم والخيرات التي يمتلكها المرء في وسط جميع الأحداث السيئة التي تصيبه؛ كأنَّه قادرٌ على تمييز بقعة الضوء في وسط الظلام أو رؤيةِ الجمال وتقديره حتَّى إن كان مُحاطاً بكثير من الأشياء القبيحة والبشعة، كما يُعرَّف الامتنان بأنَّه إدراك النعم التي يتمتع بها الإنسان في حياته ومعرفة مدى جمال الحياة حتَّى وإن كانت حياته تسير بالطريقة التي خطط لها.
يتطلب تعلُّم الشعور بالشكر والامتنان امتلاكَ رغبة برؤية ما يصعب أحياناً على الأشخاص غير المُعتادين على ذلك إيجاده، كما يتطلب إعادةَ تدريب العقل على التفكير بالجوانب الإيجابية في الحياة، ولكن ينبغي على الإنسان أن يسمح لشعور الامتنان بالتغلغل في أعماقه والانتشار داخل روحه والإحاطة بتفكيره وتصرفاته وسلوكاته كي يؤثر ذلك الشعور في سعادته بأعمق وأفضل صورة ممكنة؛ ممَّا يجعل من الامتنان الطريقةَ العامة التي يُدرك بها المرء حياتَه ويفهمها.
ليس الأمرُ أنَّ الأشخاص المُعتادين الشعورَ بالامتنان لا يلحظون مدى صعوبة التحديات التي تفرضها الحياة؛ بل يركِّز هؤلاء على الفوائد والأرباح التي تقدمها لهم تلك التحديات والفُرَص التي تُتاح أمامهم؛ فحين ننجح بالتمتع بشعورِ الشكر والامتنان لن تختفي المشكلات من حياتنا؛ بل ستشغل حيزاً أقل في قلوبنا وعقولنا وحياتنا، ويعود السبب إلى أنَّ الأشخاص المُعتادين الشعورَ بالامتنان يركزون تفكيرهم جيداً على الأشياء التي يشعرون بالامتنان لأجلها؛ ممَّا يجعل المشكلات والمصاعب تحتلُّ مكاناً أقل في حياتهم وعقولهم، وهو ما يعني - حسب التعريف - أنَّ الأمور الصعبة والعسيرة والمخيبة للآمال والمؤلمة تحظى باهتمامٍ أقل لديهم.
في الواقع لا توجد سمةٌ شخصية واحدة أكثر أهمية لسعادة الإنسان من أن يطوِّر رد فعل أو استجابة تتمثل بالشعور بالامتنان لكل ما يحدث في حياته بصورة مستمرة وتلقائية.
4. الحب:
يقول الزعيم الأمريكي والناشط السياسي الراحل "مارتن لوثر كينغ الابن" (Martin Luther King Jr): "لا يمكن للظلام أن يطرد الظلام؛ بل وحدَه الضوء ما يمكنه فعلُ ذلك، وكذلك لا يمكن طردُ الكراهية وإخراجها من حياتنا بالكراهية؛ وإنَّما بالحب فقط".
كما يُقال ينتصر الحب على كل شيء، وهو يسهم إسهاماً كبيراً في إظهار صدق المرء، على الرغم من أنَّ ذلك ربما ليس صحيحاً دوماً من حيث المبدأ، فليس من المنطقي أن يجعل حبُّ أي شخصٍ للقتل ذلكَ الفعل العنيف والشنيع أقلَّ شراً على سبيل المثال.
لمعرفة مدى أهمية الحب في عيش حياة سعيدة ما عليك إلَّا أن تتخيل عيشَ حياتك من دونه وتتصورَ حياةً من السعادة البغيضة والخالية من أي نوعٍ من أنواع الحب، وستجدُ أنَّه من المستحيل عيش حياة مشابهة، وهو المغزى المقصود؛ فكلَّما تغلغل الحب في قلبك أكثر أصبحَ أكثر سعادةً ومرحاً وتفاؤلاً، وكلَّما أحببتَ حياتك أكثر ستحبُّك بدورها وتمنحك مزيداً من العطايا والخيرات والسعادة.
يتغاضى الحب عن الضعف، ويصرف النظر عن الصفات غريبة الأطوار، ويتمثل بتقبُّل الإنسان الذي تحبُّه وتلبية حاجاته والتصرف بكرم معه والشعور بالشكر لوجوده والسعي إلى إظهار أفضل صفاته، وهو ما يُعَدُّ بصراحةٍ أفضل طريقةٍ للشعور بالسعادة.
5. المسامحة والغفران:
يقول الكاتب والفيلسوف "روبرت مولر" (Robert Mueller): "الغفران والتسامح هو أعظم شكلٍ من أشكال الحب وأكثرها جمالاً، وبالمقابل ستحصل على سعادة وسلام يعجز عنهما الوصف".
لا يوجد ما يُساعد على الشعور بالسعادة أكثر من امتلاك القدرة على الغفران والمسامحة سريعاً بحرية وعفوية؛ فقد يربح الأشخاص الذين يتشبثون بآلامهم ويؤججون جراحهم ويركزون جُلَّ اهتمامهم وتفكيرهم على الانتقام ممَّن سببوا لهم الأذية وظلموهم بضعةَ معارك من حينٍ لآخر؛ لكنَّهم سيخسرون حربَهم ضدَّ التعاسة قبل أن تبدأ.
لا يستطيع الناس القُساة أو عديمو الرحمة والتسامح أن يعرفوا مدى السعادة والسلام والفرح والمتعة التي يشعر بها الأشخاص المتسامحون بصورة عادية والناجمة عن التحرر من سجون القسوة والحقد والانتقام، فتُبقي قضبان تلك السجون الناسَ حبيسي قلوبهم الحاقدة وتُبعدهم عن تذوق طعم السعادة؛ فقد حان الوقتُ لنحرر أنفسنا جميعاً من خلال نسيان الآلام القديمة وتركها تتلاشى؛ كي نتمكن من رؤية الفرص الجديدة في حياتنا وانتهازها وبلوغ مستويات جديدةً من الفرح والسعادة.
لذا إن لم تتمكن من مسامحة من أساء إليك أو لم تستطعْ نسيان الفتى المتنمر الذي كان يضايقك في باحة المدرسة، فإنَّك تضغط على جروحك النفسية التي ما زالت طرية ولن يعود ذلك عليك بأي فائدة تُذكَر؛ بل سيؤجج آلامك وذكرياتك التعيسة فحسب، وعليك أن تدرك جيداً أنَّ الجروح النفسية المماثلة يمكن أن تؤثر في علاقاتك الاجتماعية الأخرى وتدمرها في النهاية.
إذاً افتحْ قلبَك واجعله مستعداً للغفران والمسامحة بدلاً من الحقد والتمسك بالآلام، وعندَها سيصبح قلبك كبيراً بما يكفي لنَيل نصيبه من الفرح والسعادة.
في الختام:
لقد كُتِبَ وقيل كثير عن قوة التفكير الإيجابي والتفاؤل وإيجاد الشغف في سبيل عيش حياة سعيدة، ولكن لم يتحدث كثيرون بما يكفي عن رسم روابط كافية بين شخصية الإنسان وسعادته الخاصة؛ لذا نأمل بأن تُكتَب قريباً كثير من المقالات عن ذلك ويُصحَّح ذلك الخطأ، فقد أصبحنا ندردك الآن ونعرف جيداً السمات التي ينبغي أن نطورها في شخصيتنا، والشوط الكبير الذي علينا قطعُه في العمل على ذلك، فأجمل ما في الحياة هو إمكانية تغييرنا وتطورنا وتعلُّمنا وقدرتنا على النضج والتوسع المعرفي واكتساب سماتٍ لم نكُنْ نملكها أو لم نكُنْ قد طورناها في شخصياتنا بعد.
كلُّ ما يتطلبه الأمر هو قليل من التواضع وامتلاك رغبةٍ بالبدء مع القليل من الإصرار والتصميم لإنجاز ذلك؛ فربَّما قد ترغب في البدء من خلال إضافة السمات الشخصية التي تحدثنا عنها إلى قائمتك نحو تحقيق السعادة.
أضف تعليقاً