ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن مُدوِّنٍ يُدعى (WILF)، ويُحدِّثنا فيه عن تجربته مع اضطراب الوسواس القهري والخطوات التي اتَّبَعها للتخلُّص منه.
غالباً ما أصل إلى باب مكتبي، وعلى الرغم من ذلك أعود أدراجي وأسير لمدة خمس عشرة دقيقة لأرى أنَّ الباب حقاً مغلقٌ بإحكام، وفي الواقع يحدث هذا أحياناً مرتين أو ثلاث مرات، لقد عانيت اضطراب الوسواس القهري، وهكذا كانت حياتي.
الوسواس القهري هو اضطراب نفسي قد يصيب أي شخص، ولا يوجد أشخاص معرضون بصورة خاصة للإصابة به، فيعلق الإنسان في حلقةٍ من الوساوس التي تسبب أفكاراً أو صوراً تثير بدورها الذعر والقلق، وبالنسبة إلي تضمن وساوسي على نحو أساسيٍّ التحقق ممَّا إن كان الباب مغلقاً والموقد مُطفأً، فقد كنت أتخيل أنَّ منزلي قد يكون الآن مشتعلاً أو أنَّ شخصاً ما قد دخل يسرق كل شيء.
يعاني المصابون الآخرون هواجس قد تشمل النظافة أو حتى الخوف من إيذاء الآخرين، وتؤدي هذه الهواجس إلى سلوكاتٍ قهرية، وهي تصرفاتٌ تفعلها لمحاولة التخلص من وساوسك، فقد كان عليَّ أن أتحقق من الأمور مراراً وتكراراً.
يعلق عقلك ويكرر المشهد مراراً وتكراراً، في حالتي أعلم أنَّني أغلقت الباب، ولكن عليَّ العودة على الرغم من ذلك، إذا حاولت تجاهل الأمر فسيخلق ذهني تصوراتٍ مزعجة بشدة تُجبرني على العودة، في النهاية أصبحت هذه الحالة مشكلةً حقيقية، وعلمت أنَّه يجب القيام بشيء ما حيالها.
إذا لم تعانِ الوسواسَ القهري من قبل فلن تفهم مقدار الضغط الذي يضعك عقلك تحت وطأته، فإنَّها حالة غريبةٌ جداً، فأنت شخص بالغ وتعرف أنَّك أغلقت باب منزلك، فأنت تغلقه يومياً بصورة تلقائية؛ لكنَّ الوسواس القهري يخبرك أنَّه يجب عليك التحقق مرة أخرى.
أحياناً لا أستطيع النوم دون تفقد موقد الغاز عدة مرات قبل الذهاب إلى الفراش، وغالباً ما كنت أتأخر عن العمل نتيجةً لذلك، إنَّك تعلم تماماً أنَّ هذا الوسواس سخيف جداً، وعلى الرغم من ذلك لا يمكنك تجاهله؛ لأنَّ عقلك لا يسمح لك بذلك، إنَّه شعور مخيف لدرجة تبعث إلى الشلل.
لذلك علمت أنَّه كان علي إيجاد طريقة للتغلب على الوسواس القهري، علماً بأنَّني لست طبيباً وأنصح الجميع بطلب المشورة الطبية، ففي حالتي ربَّما منعني خوفي أو كبريائي من الاعتراف لطبيبي بأنَّني قد أعاني مرضاً نفسياً؛ لذلك اخترت أن أعالج نفسي بنفسي، وكانت هذه هي الخطوات التي اتبعتها:
1. إدراك المشكلة وتقبُّلها:
كانت الخطوة الأولى هي أن أُدرِك أنَّني أعاني الوسواس القهري، فقد بدأت أحاول حقاً مراقبة نفسي عندما أمارس السلوكات القهرية، كنت أدرك من قبل أنَّ سلوكي لم يكن طبيعياً؛ لكنَّ الفرق الآن هو أنَّني أصبحت ألاحظ كل تصرُّف وأصنِّفه على أنَّه سلوك قهري ناجمٌ عن الوسواس القهري، فأقول لنفسي بصوت عالٍ: "هذا تصرفٌ ناجم عن الوسواس القهري".
كانت هذه الخطوة الأولى نحو الشفاء؛ لأنَّني حتى هذه اللحظة عادةً ما كنتُ أتقبل سلوكاتي، أمَّا الآن فقد بدأت أتحداها، وفي البداية لم يمنعني هذا من تكرار تلك السلوكات؛ لكنَّني أصبحت أدركت حقاً ما يحدث لي، لم يعد الأمر يتعلق بسلوكي فقط، لقد أدركت أنَّ لدي مشكلة، وأنَّ لها اسم محدد؛ ألا وهو الوسواس القهري.
2. تحليل الوسواس القهري:
بعد أن بدأت التعرف إلى السلوكات المحددة بدأت في تحليل المُحفزات التي أطلقتها، فبالنسبة إلي كان الأمر يتعلق بتفقُّد بعض الأمور، وبالرقم ثلاثة، فوجدت أنَّه كان عليَّ التحقق من الأشياء ثلاث مرات.
أدركت أنَّ أصعب الأشياء بالنسبة إلي هي إقفال الأشياء (باب منزلي وباب سيارتي) وإطفاء الأشياء (موقد الغاز والمكواة)، وإنَّ فهم هذا يعني أن أبدأ التخطيط للتغلب على وساوسي.
شاهد بالفيديو: 5 نصائح مهمة للتخلص من الوهم
3. تغيير السلوك:
بعد أن عرفت محفزات سلوكي القهري كان عليَّ أن أفعل شيئاً حيالها، فيبدو الأمر بسيطاً بالطبع، فقد تعتقد أنَّك تركت الباب مفتوحاً؛ لذا عليك التحقق منه مرةً وانتهى الأمر، ولكن ستجد نفسك مضطراً إلى التحقق مرةً أخرى.
بحثت عن طرائق للحد من سلوكاتي وتذكير نفسي بأنَّني قد تحققت من كل شيء، ففي البداية جرَّبت ربط عقدة في منديلي، وقد ساعدني ذلك؛ لكنَّه لم يكن كافياً؛ لذا جربت أن أكتب قائمة بسيطة تتضمن إطفاء الغاز والمكواة وإطفاء الموقد، وكنت أضع علامةً في دفتر ملاحظاتي كل يوم، لتُذكِّرني بأنَّني انتهيت من الأمر، ومرة أخرى لم تختفِ سلوكاتي القهرية على الفور، واضطررت في البداية إلى وضع علامة في القائمة ثلاث مرات.
شيئاً فشيئاً بدأت سلوكاتي تتراجع، وكانت لدي قائمة وقَّعت عليها وأرَّختها، ولم أضطر إلى تفقدها سوى مرَّتين فقط، وفي المرات القليلة الأولى كان الأمر مزعجاً جداً واضطررت إلى العودة إلى المنزل في وقت الغداء، ولكن سرعان ما تقبلت أنَّ القائمة كانت صحيحة، وبدأ سلوكي يتغير، وأدركت أنَّ القوائم التي أستخدمها في عملي كانت مفيدةً أيضاً للوسواس القهري.
4. المواظبة والمثابرة:
عليك أن تفهم أنَّك لا تستطيع تغيير سلوكك بين عشية وضحاها، حتى القوائم التي كتبتها كان عليَّ التحقق منها مراتٍ كثيرة؛ لكنَّني كنت أعلم أنَّني يجب أن أثابر إذا أردت أن أغير حياتي، وأنَّني لا أستطيع أن أعيش ذلك البؤس مرةً أخرى.
لقد عززت التغيير الذي أجريته من خلال تقنيات الاسترخاء، لا سيَّما التأمل وتقنيات التنفس البسيطة، وكان هذا مفيداً على وجه الخصوص كلما شعرت بالذعر؛ لأنَّني لم أتفقد شيئاً ثلاث مرات، فكنت أبتعد قليلاً وأُهدئ نفسي.
أصبحت أقول لنفسي: "ما هو أسوأ ما يمكن أن يحدث؟ إذا تركت الباب مفتوحاً فمن المحتمل ألا يدخل أحد، وإذا لم أُطفئ موقد الغاز فإنَّ أسوأ شيء سيحدث هو أنَّني سأدفع فاتورةً باهظة الثمن".
اتصلت أيضاً بأصدقائي وأخبرتهم لأول مرة أنَّني مصاب بالوسواس القهري، وبالطبع لقد لاحظوا بعض العلامات في سلوكي منذ فترةٍ طويلة، وأبدوا استعدادهم لمساعدتي ودعمي كلما قلقت بشأن شيء ما، فإنَّ دعم الآخرين يُسهِّل رحلة العلاج كثيراً، فقد وجدت أنَّه من المستحيل أن أتغلب على المشكلة بنفسي، وبعد التفكير في الأمر تمنيت لو استشرت الطبيب في وقت أبكر.
5. ملاحظة الانتكاسات:
كم أود لو يمكنني أن أقول إنَّني شفيت تماماً من الوسواس القهري، لا أعرف حتى ما إذا كان ذلك سيحدث على الإطلاق؛ لكنَّني أصبحت بارعاً جداً في معاملة هذه الحالة.
أجد أنَّ السلوكات القهرية تظهر خاصةً عندما أمر بوقت عصيب للغاية، وفي بعض الأحيان تتجلى بتصرفات سخيفة؛ كأن أدوس على نوع معين من أغطية فتحة الصرف الصحي؛ لكنَّني أحاول الآن أن ألاحظ سلوكي وأحدده تماماً، وأقول لنفسي بصراحة إنَّني أمارس سلوكات وسواسية وأجبر نفسي على التوقف، ومرةً أخرى في كثير من الأحيان لا يحدث ذلك على نحو فوري؛ لكنَّني أجد أنَّني بمزيد من الوعي والمثابرة سأتمكن من التحكم به.
في الختام:
في النهاية يمكنني اختصار هذه الخطوات الخمس في ثلاث نصائح أقدِّمها للأشخاص الذين يعانون الوسواس القهري:
1. تذكّر أنَّك لست وحيداً:
فيعاني واحد من كل 100 بالغ، وواحد من كل 200 طفل أحد أشكال الوسواس القهري، هذا شيء يجعلك فريداً، ويمكنك التغلب عليه.
2. اطلب المساعدة المناسبة:
لو كان بإمكاني تغيير أي شيء لاخترت استشارة طبيب متخصص وإخبار أصدقائي المقربين في وقت أبكر، من فضلك لا تماطل في الأمر وتدع حياتك تتأثر سلباً قبل أن تحصل على الدعم المناسب.
3. ثابر واستمر:
لن تشفى بين عشية وضحاها، ولكن تذكر أنَّها رحلة ستغير حياتك نحو الأفضل.
أضف تعليقاً