4 طرق لحماية نفسك من التلاعب العاطفي (الجزء الأول)

كيف يمكن لأيِّ شخص الوقوع في شرك التلاعب العاطفي؟ كيف يمكن أن نكون بهذا الغباء؟ لماذا نصدق مثل هذه الأكاذيب؟ كيف خُدِعنا هكذا؟



يوجد أشخاص متلاعبون عاطفياً بدرجات متفاوتة في كل مكان حولنا، عندما كنَّا صغاراً، كنَّا نعتقد أنَّنا محصنون ضد الضغوطات النفسية التي تربك الآخرين وتتلاعب بهم وتؤثِّر فيهم، وجزء من نضجنا الحقيقي كأفراد ينطوي على فهم كيف تقودنا البيئة، وكيف نتأثر بالآخرين، وكيف تؤثِّر فينا احتياجاتنا الإنسانية.

يمكن التلاعب بالبشر لأنَّنا نتشارك الخصائص النفسية الفطرية التي تجعلنا جميعاً عرضة للتلاعب إلى حدٍّ ما، على الرَّغم من أنَّ بعض الناس يكونون بطبيعة الحال أكثر عرضةً للاستسلام، إلا أنَّ بعضهم الآخر يتمتع بمستويات أعلى من المناعة ضد الضغوطات الخارجية التي يمكن أن تجعلنا نفعل أمراً لا نفكر في القيام به عادةً.

لكن افتراض أنَّنا فعلاً محصنون هو أمر ساذج، ويجعلنا ضحيةً للتلاعب، إليك هذا المثال:

التلاعب عاطفياً حتى الموت:

في يوم 18 من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1978 في جمهورية غيانا (Guyana)، في وسط مدينة جونز تاون (Jonestown)، أمر أحد أعضاء جماعة جيم جونز (Jim Jones) المعروفة باسم معبد الشعب، الناس بشرب كوب من السم لإنهاء حياتهم، إذا كنت هناك، ماذا كنت ستفعل؟

حسناً بالطبع أنت لن تشرب السم، أليس كذلك؟ فمن هو جيم جونز أو أيَّاً كان ليطلب منك هذا الأمر؟ أنت لست روبوتاً يمكن أن يأمرك أحدهم بقتل نفسك بما يتعارض مع رغبتك وإرادتك، لكن هل تعرف لقد كان هناك 907 شخصاً اتبعوا أوامره وماتوا في ذلك اليوم المشؤوم، وكثير من هؤلاء الأشخاص سمَّموا أطفالهم قبل أن ينتحروا، أولئك الأشخاص الذين أرادوا العيش وأرادوا أن يعيش أطفالهم وأزواجهم.

لماذا فعل هؤلاء الناس ذلك؟ لماذا سمح الرجال والنساء ومعظم المتعلمين في الجامعة بأن يتعرضوا لسوء المعاملة وغسل الدماغ من قبل هذا الرجل؟ لماذا وافقوا على بيع منازلهم، وتقديم كل ممتلكاتهم وأموالهم لهذا الشخص والمعبد؟

هل كان هؤلاء الأشخاص ذوي ذكاء منخفض بصورة غير طبيعية؟ هل كانوا مختلين عقلياً؟ أم كان جيم جونز متلاعباً ماهراً بالعواطف البشرية؟ هل كان يعرف بالضبط كيف يتحكم بعواطف الأشخاص ويدفعهم إلى تسميم أطفالهم قبل إنهاء حياتهم؟

حسناً، هذا مجرد مثال، لكن حدث أمر مشابه لهذه الحادثة مرات عدة عبر التاريخ، وسيحدث مرةً أخرى، ويمكنك التفكير في أمثلة أخرى؛ إذ أُجبِرَ الناس طواعيةً على إنهاء حياتهم، وقد لا تكون الأمثلة مثل قصة مدينة جونز تاون، فقد تحمل اسماً مختلفاً؛ لكنَّنا نرى الآليات النفسية الدقيقة نفسها للتلاعب في الأشخاص؛ إذ يمكن أن يساعد فهم هذه الآليات على تحصينك ليس فقط من التلاعب بك على يد قائد جماعة روحية؛ وإنَّما من التلاعب النفسي الأقل وضوحاً الذي نواجهه جميعاً بوصفه جزءاً من الحياة اليومية.

شاهد بالفديو: 7 عادات تجعلك أكثر تأثيراً على الناس

احتياجات الإنسان الأساسية:

كان جيم جونز بارعاً في خداع الناس من خلال التظاهر بقدرته على منحهم ما يحتاجون إليه، وهذه هي النقطة الهامة التي يجب فهمها؛ إذ نمتلك جميعاً احتياجات بشرية فطرية، وإذا لم تُلبَّ احتياجاتك النفسية الأساسية بصفتك إنساناً بصورة كافية، وما لم تفهم بالضبط ما يحدث وتستجيب بالطريقة المناسبة، فسيكون لديك الدافع للتمسك بأيِّ مصدر يبدو أنَّه يلبي هذه الاحتياجات.

تتضمن بعض احتياجاتك الإنسانية الأساسية ما يأتي:

  • بيئة آمنة تنمو فيها.
  • الشعور بالاستقلالية والتحكم بحياتك.
  • الشعور بقيمة الذات المكتسبة من خلال حل المشكلات بطرائق إبداعية وتحقيق الأهداف الشخصية.
  • أن تكون جزءاً من مجتمع واسع يتشابه في التفكير.
  • الشعور بالمكانة ضمن المجموعات الاجتماعية (والذي يتضمن الشعور بالأهمية أو الاحترام بطريقة ما).
  • أن تكون مرتبطاً عاطفياً بأشخاص معينين (العائلة والأصدقاء، وما إلى ذلك).
  • ينشأ كل من المعنى والهدف من القدرة على إحداث فرق.

مرةً أخرى، إذا لم تُلبَّ أيٌّ من هذه الاحتياجات الأساسية بصورة كافية في حياتك، فستشعر بطريقة غير قابلة للتفسير بالانجذاب إلى أيِّ شخص أو أي شيء يَعِدُ بتوفير ما ينقصك، إنَّ إدراك حدوث هذا يمكن أن يوفر عليك قدراً كبيراً من المتاعب.

لقد اختُير معظم أتباع جيم جونز من مجموعة من الأشخاص الساخطين الذين لم يعيشوا حياة مُرضيةً أو لم تُلبَّ احتياجاتهم الأساسية بطرائق صحية؛ فالأشخاص الذين يواجهون أوقاتاً مضطربة أو مستقبلاً غير مؤكد، والأشخاص الذين يعانون تدني تقدير الذات ولديهم صورة ذاتية سلبية عن أنفسهم، وما إلى ذلك، لقد قدَّم جونز وعداً بالشعور باليقين والقبول الاجتماعي، والانتماء للمجتمع، واحترام الذات والهدف ومشاعر الأمان داخل معبده، ولا بدَّ أنَّ بعض المعتقدات كانت راسخة في نفوس هؤلاء الأشخاص؛ لأنَّهم في النهاية اتبعوا أوامر جونز.

إقرأ أيضاً: 10 احتياجات عاطفية يجب مراعاتها في العلاقات

قابلية التطبيق وقابلية الرضوخ:

من السهل أن ترى أنَّه إذا لم تُلبَّ احتياجاتك بصورة كافية بطريقة صحية، ويأتي شخص ما ويَعِدُك بتزويدك بجميع احتياجاتك بطريقة ملائمة، فقد يبدو ذلك أمراً لا يقاوم.

إذا كنت لا توافق على هذا، ففكر فيما يأتي: على المستوى التقليدي، ضع في حسبانك عدد الأشخاص المهملين من أزواجهم الذين لديهم علاقة غرامية مع شخص ما لأنَّهم يجدون في هذا الشخص من يستمع إليهم ويمدحهم ويعاملهم بطريقة لطيفة، وما إلى ذلك.

مبررات عقلانية للسلوك اللاعقلاني:

نحتاج جميعاً إلى مستوى معين من الاهتمام الجيد ونسعى جاهدين إلى تلبية هذه الحاجة بطرائق مختلفة؛ لكنَّ تعطُشنا لذلك يمكن أن يعمينا عن الجوانب غير الأخلاقية للشخص (أو الكيان) الذي يغرينا، وإنَّ دافعنا العاطفي قوي للغاية لدرجة أنَّه سيستعين بمساعدة العقل الواعي على ابتكار حجج منطقية مقنعة لدعم ما نشعر بأنَّنا مضطرون لفعله، ومن المؤكد أنَّ أتباع جيم جونز قد طوروا نظاماً للمعتقدات، وكانوا يعتقدون بكل إخلاص أنَّ لديهم حججاً عقلانيةً للتمسك بها.

من السهل أن نقول بعد ذلك: "كيف كان لنا أن نكون بهذا الحماقة؟"، فإنَّ الحوادث الشديدة مثل مذبحة جونز تاون توضِّح مدى قوة الدافع المخدر للعقل إلى تلبية احتياجاتنا البشرية الأساسية؛ إذ يمكن أن تتغلب على التفكير الواضح، تماماً كما يضع الشخص الذي يموت من العطش في الصحراء زجاجة من السم المثلج على شفتيه إذا قُدِّمت له.

إقرأ أيضاً: 8 أسباب هامة لبدء العناية بأنفسنا على الفور

في الختام:

يوجد أشخاص متلاعبون عاطفياً بدرجات متفاوتة في كل مكان حولنا، وعندما كنَّا صغاراً، كنَّا نعتقد أنَّنا محصنون ضد الضغوطات النفسية التي تربك الآخرين وتتلاعب بهم وتؤثِّر فيهم.

في هذا الجزء من المقال تحدثنا عن التلاعب العاطفي، وذكرنا مثالاً عن قصة مدينة جونز تاون، ثم تحدثنا عن الاحتياجات الأساسية للإنسان وقابلية التطبيق والرضوخ، ثم ذكرنا أخيراً وليس آخراً المبررات العقلانية للسلوك غير العقلاني، أما في الجزء الثاني من المقال فسنتابع الحديث عن أفكار أخرى؛ لذا تابعوا معنا.




مقالات مرتبطة