4 ضرورات جوهرية يجب على كل رائد أعمال أن يعرفها

إنَّ ريادة الأعمال بمنزلة سباق طويل عليك أن تقطعه برَويَّة، وليس بسرعة كبيرة؛ فإذا شاركت في السباق قبل أن تستعد له، فلن يكون لديك الوسائل والخبرات اللازمة لتتعامل مع التحديات فور ظهورها.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن رائد الأعمال أليكس سونغ (Alex song)، والذي يحدثنا فيه عن تجربته في عالم ريادة الأعمال.

يتعلم بعض الناس أصول ريادة الأعمال من خلال خوض تجارب عصيبة تصقل قدراتهم؛ ولكنَّ ثمة طريقة أسهل وأكثر فعالية: وهي العمل بوصفك موظفاً في شركة، ومع أنَّ عديداً من رواد الأعمال لا يحبذون فكرة العمل لحساب شخص آخر، إلَّا أنَّ الدروس التي تعلمتُها أثناء العمل في شركة "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs) للخدمات المالية والاستثمارية قدمت لي السياق والوضوح الذي أفادني كثيراً في رحلتي في عالم ريادة الأعمال.

بصرف النظر عن عدد الكتب التي تقرؤها أو عدد المؤتمرات التي تحضرها، لا شيء يضاهي قيمة خوض تجربة كافية على أرض الواقع؛ فخلال فترة عملي موظفاً هناك، شهدتُ أمثلةً لا حصر لها من الأمور التي تنجح -أو التي لا تنجح- حينما كنت أراقب زملائي ورؤسائي يتوافقون أو يختلفون، وبوصفي موظفاً صديقاً للبيئة، تغيرت أدواري وتوقعاتي في العمل باستمرار، ولكنَّ كل تجربة من تجاربي ساعدتني على فهم كيفية إدارة الأعمال حتى قبل أن أقرر نوع المنتجات أو الخدمات التي ستقدمها شركتي المستقبلية.

لقد تعلمت الكثير من الدروس الهامة خلال عملي في شركة "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs)، ولكنَّ الدروس الأربعة التي أنا بصدد التكلم عنها كانت من أبرز الضرورات الجوهرية التي يجب أن يعرفها كل رائد أعمال.

إقرأ أيضاً: قصص نجاح مُلهمة لـ 10 من أشهر رواد الأعمال

1. النظام:

من الطبيعي أن يُحِسَّ العاملون في منظماتٍ كبيرة ضغطاً اجتماعيَّاً كبيراً؛ فعندما تكون محاطاً بأشخاص يلتزمون بتحقيق توقعات معينة، ستجد نفسك تسعى جاهداً إلى تلبية تلك التوقعات أيضاً، وكي تتمكن من فعل ذلك، يجب عليك أن تحلل كيفية وجود هذه المعايير وسببه؛ إذ ستتعرف خلال هذه العملية على المعايير التي تحكم عالم الأعمال، وكيفية عملها بطريقة تفهم فيها ما يمكن ويجب أن تتوقعه أنت وعملاؤك وموظفوك من بعضكم بعضاً عندما تطلق مشروعك الخاص.

ساعدني العمل في الشركة على تعلم كيفية متابعة العمليات والبرامج قبل الشروع في تطوير شركتي الخاصة، بينما يحاول العديد من رواد الأعمال البدء من الصفر؛ لأنَّهم يعتقدون أنَّه يجب عليهم فعل كل شيء بشكل مختلف لتحقيق النجاح، ولكن هذا ليس هو الحال، فحقيقة الأمر هي أنَّ "أفضل الممارسات" تُعدُّ الأفضل لسبب وجيه، وثمة قيمة في إيجاد طرائق للابتكار ضمن (إطار المنهجيات المجرَّبة والفعالة)، وعندما تتعلم كيفية العمل وفقاً لتلك النماذج المختبَرة والمثبَتة، ستتعلم رؤية القيمة في العمليات الموجودة.

ساعدني النظام في الشركة على فهم سبب احتفاظ معايير معينة بقيمتها لفترة طويلة، لقد كررت هذه العمليات بعد أن تركت الوظيفة، ولكنَّني نادراً ما شعرت بالحاجة إلى استبدالها بالكامل.

على سبيل المثال، تستخدم شركة "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs) نظام مراجعة منظماً للغاية، كما تتجاهل معظم الشركات الناشئة أهمية التغذيات الراجعة؛ لكنَّني تعلمت أنَّ مطالبة الموظفين بتقديم آرائهم يُعدُّ أفضل طريقة للبقاء في صدارة السوق؛ إذ تستضيف شركتي حالياً جلسات تغذية راجعة مجهولة باستخدام طريقة 360 درجة مرتين في السنة، والتي أستخدمها لتحديد اتجاه نمو الشركة.

2. المرونة:

لقد استحقَّ مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية السمعة التي نالها بوصفه مجالاً مرهقاً للموظفين؛ فخلال الفترة التي عملت بها في شركة "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs)، كنا نعمل 100 ساعة في الأسبوع، وإذا غادرنا قبل الساعة العاشرة مساءً في يوم الجمعة، كنا نعتبر أنفسنا محظوظين.

عندما تنضم إلى بيئة عمل ذات توقعات عالية، يجب أن تثابر لتفهم مدى المرونة التي يمكنك أن تتحلى بها، إنَّه اختبار شاق للغاية؛ ولكن كلما تعمقت في الأمر أكثر، ستتمكن من القيام بأكثر مما كنت تعتقد أنَّه ممكن؛ إذ وكما يثابر الناس في الرياضات والسباقات التنافسية، تجبرك حياة الشركة الصعبة على تحدي حدودك النفسية والعاطفية والجسدية، ومن خلال تعلم هذا الدرس في وقت مبكر، يمكنك أن تثق أنَّك ستمضي قدماً في الأوقات العصيبة.

لا يمكنك بالطبع أن تقارن كل وظيفة في شركة بمنصبٍ في الخدمات المصرفية الاستثمارية؛ فهناك الكثير من الوظائف التي قد تكون يسيرةً للغاية، ولا تسهم في منحك المرونة التي تتطلبها ريادة الأعمال؛ فإذا طلب منك مديرك العمل من الساعة 9 إلى 5 فقط، وسمح لك بالمغادرة لعدة ساعات يومياً، فلن تتعلم الكفاح، بل التقاعس عن العمل.

يتوق البشر إلى الاستقرار، ولكنَّ رواد الأعمال لا يتمتعون بهذه الرفاهية؛ بل ينبغي أن يتأقلموا مع الأخطاء والنكسات، ونظراً لأنَّ مجال ريادة الأعمال بطبيعته مجالٌ لا مكان فيه للتنبؤات، فإنَّ الأشخاص الذين يتحمَّلون العمل في بيئات فوضوية غالباً ما ينجحون.

لكي تكتسب حقاً مستوى المرونة الذي سيخدمك جيداً في منصب ريادي في المستقبل، فأنت بحاجة إلى بيئة عمل صارمة تتطلب معايير أعلى؛ إذ هذا ما سيؤهلك للنجاح عندما تبدأ بإطلاق مشروعك.

إقرأ أيضاً: تطبيق أسس عمل مرنة في المؤسسة

3. الذكاء الاجتماعي:

ترتبط سياسة العمل بالذكاء الاجتماعي ارتباطاً وثيقاً؛ إذ لا يمكنك التعامل مع المواقف العصيبة دون قليل من الدهاء، مع أنَّك لا تريد أو تحتاج بالضرورة إلى التحول إلى مناور بارع كي تتمكن من قيادة شركتك الناشئة بنجاح، إلَّا أنَّك بحاجة إلى تعلم كيفية التعامل مع المواقف الاجتماعية الحساسة بتأنٍّ وبصيرة نافذة.

تشكِّل المنظمات التي تتَّبع نظاماً شديد الهرمية كالمؤسسات أرضية تدريب فعالة لبناء الذكاء الاجتماعي؛ فعندما تكون موظفاً مبتدئاً، يجب عليك أن تتعلم كيف تجعل الناس يحبونك، كما عليك العمل ضمن فرقٍ أكبر أيضاً، وإيجاد التوازن الدقيق القائم بين التميز وتجاوز حدودك.

شاهدتُ في شركة "جولدمان ساكس" (Goldman Sachs) كيف يتفاعل القادة، ويتعلم بعضهم من بعض تحت إمرة الجهة المسؤولة عن قيادة العمليات؛ إذ لم يكن يزعج أحدٌ منهم الآخر من خلال تسليم مهام إلى الموظفين التابعين له؛ بل كانوا يلتزمون بالنظام في عملهم، وضمنوا شعور الجميع بالاحترام، وبدلاً من أن أتعلم هذا الدرس بطريقة قاسية بعد إيذاء مشاعر شخص ما، والاضطرار إلى إصلاح الأمر، بدأتُ بإنشاء شركتي وأنا أفهم فهماً عميقاً كيفية العمل بشكل جيد مع الآخرين.

يتعلم أصحاب الأداء الأفضل في بيئات الشركات كيفية إثبات قيمتهم دون قضاء الكثير من الوقت مع رؤسائهم؛ فبصفتك قائداً للشركة، فأنت بحاجة إلى أن يحترم موظفوك قدراتك ورؤيتك، حتى لو كنت لا تراهم جميعاً كل يوم، نادراً ما يمتلك خريجو الجامعات الجدد تلك المهارات الاجتماعية، ولكنَّ متطلبات بيئة الشركة يمكن أن تجعلك قائداً متمكِّناً أكثر.

إقرأ أيضاً: 7 أنواع للذكاء الإنساني فماهو نوع ذكاءك؟!

4. ثقافة العمل:

لا تنتظر لتستثمر في الثقافة؛ فمن بين جميع الدروس التي تعلمتها في عالم الشركات، قد يكون هذا هو الأهم.

عندما تعمل في مؤسسة كبيرة، فإنَّك ترى مدى صعوبة أن تجعل الجميع يتوافقون ويعملون نحو تحقيق الأهداف ذاتها. تخلق الثقافات السيئة الشقاق والخلافات، بينما تُمكِّن الثقافات الجيدة فرق العمل من اكتساب قوَّةٍ أكبر من التي يتمتع بها أعضاؤها منفردين.

يُسهِم الهدف الذي يتجاوز الرفاهية الشخصية إسهاماً كبيراً في بناء ثقافة عمل إيجابية؛ إذ يريد معظمنا جني أكبر قدر ممكن من المال في مجال التمويل، بصرف النظر عن كيفية تأثير هذه المهمة في الأشخاص من حولنا؛ ولكنَّني رأيت كم يمكن أن تصبح هذه البيئة سامة وسطحية بسرعة مع تقدمي في السن.

شاهد بالفديو: 10 طرق لبناء علاقات عمل إيجابية وفعالة

في هذه الحالة، تعلمت من شركة كبيرة من خلال مراقبة أفضل ممارساتها وأسوئها أنَّني أتعمد اليوم التأني في تشكيل ثقافة العمل الخاصة بشركتي، على سبيل المثال: نستضيف نادياً داخلياً للكتاب كل شهرين؛ إذ تشتري الشركة كتاباً حول موضوع تجاري أو حول تنمية القدرات الشخصية، ثم ندعو الجميع لتناول البيتزا، ونتبادل أطراف الحديث حول الأفكار التي خرجنا بها من جلستنا. والهدف من ذلك هو إقناع الأشخاص -بصرف النظر عما إذا كانوا قد أنهوا الكتاب أم لا- بالحديث عن الأفكار والعبر التي استلهموها من الشركات الأخرى التي يمكن أن تكون مفيدة لشركتنا، لقد ساعدتنا هذه الأمور الصغيرة في بناء شركة مستدامة ومزدهرة.

الخلاصة:

أنا لا أقول أنَّه عليك أن توقف حلمك في ريادة الأعمال حتى تثبت جدارتك في العمل في شركة ما؛ فإذا كانت لديك فكرةً رائعةً والوسائل اللازمة لتنفيذها، فلا تتردد أبداً أيضاً. ومع ذلك، لا تجبر نفسك على الدخول إلى عالم ريادة الأعمال على الفور دون تمعن. يمكنك أن تتعلم الكثير من خلال قضاء بعض الوقت في العمل في شركة.

بعد استيعاب ما تعلمته من بيئة مؤسسية مليئة بالتحديات، ستتمتع بثقة كبيرة وفهم أعمق لما يتطلبه الأمر لبدء عملك التجاري الناجح.

 

المصدر




مقالات مرتبطة