4 ركائز أساسية للذكاء العاطفي

عندما نفكر في الذكاء، فإنَّنا غالباً ما نربطه بأمور مثل المنطق والرياضيات والعلوم، لكن وفقاً لعالِم النفس "دانيال جولمان" (Daniel Goleman)، فإنَّ "الذكاء العاطفي" هو جانب آخر من جوانب الذكاء التي نتجاهلها غالباً.



الفكرة الأساسية في الذكاء العاطفي هي أنَّ العواطف لا تناقض التفكير بالضرورة؛ لكنَّها طريقة مختلفة للتفكير في أنواع مختلفة من المشكلات الموجودة في عالمنا؛ بمعنى آخر تستطيع العواطف أن تكون أداة قيِّمة جداً في تحديد خياراتنا واتخاذ القرارات.

يظن العلماء بأنَّ عقولنا قد تطورت تطوُّراً أتاح لها تجربة العواطف حتى نستطيع التكيُّف بصورة أفضل مع بيئتنا، على سبيل المثال أتاح لنا تطوُّر أدمغتنا تجربة العواطف السلبية مثل الخوف حتى نستطيع الاستجابة جيداً لموقف سيئ؛ إذ يساعدنا على البقاء على قيد الحياة، وفي هذه الحالة الخوف هو عاطفة تدفعنا إلى تجنُّب أمر ما عندما نكون في خطر.

تستطيع العواطف الإيجابية من ناحية أخرى مثل المتعة أن ترسل إلينا إشارةً مفادها أنَّ الموقف جيِّدٌ ولا يشكِّل خطراً على حياتنا، وفي هذه الحالة المتعة هي عاطفة تُحفِّزك على البحث عن مزيد من الأمور.

هذا التحليل أساسي ومُبسَّط، ولا يصف بأي حالٍ من الأحوال تعقيدات عالمنا العاطفي والاجتماعي؛ لكنَّه يمنحك فكرة عن طريقة توجيه العواطف المختلفة لسلوكاتنا بطرائق مختلفة.

يتعلق الذكاء العاطفي بأن نكون أكثر وعياً بعواطفنا وما ترسله إلينا من إشارات، ونقدم لك فيما يأتي الركائز الأربع الأساسية التي يتكون منها الذكاء العاطفي وطريقة تطبيقها في حياتك اليومية.

4 ركائز أساسية للذكاء العاطفي:

1. الإدراك الذاتي:

الركيزة الأولى للذكاء العاطفي هي الانتباه إلى عواطفك، وغالباً ما تتكون العواطف من جزأين رئيسين، هما العنصر النفسي ويمثِّل الأفكار والمواقف والمعتقدات التي تكمن وراء معظم عواطفنا، والعنصر المادي ويمثِّل الأحاسيس الجسدية التي غالباً ما تصاحب الحالات العاطفية المختلفة.

قد تكون العواطف مثل التوتر عبارة عن مزيج من أفكار معينة مثل: "أنا لست جيداً في هذا"، أو "أنا خائف من ارتكاب خطأ ما"، وأحاسيس معينة في أجسادنا مثل تقلصات في المعدة.

يكفي أحياناً مجرد إدراك حالاتنا العاطفية وجميع مكوناتها لإدارتها بصورة أفضل، وفي إحدى الدراسات الحديثة، وجدوا أنَّ مجرد تحديد العواطف السلبية يساعدك على التغلب عليها.

حاول في المرة القادمة التي تشعر فيها بعاطفة قوية حقاً، التأني وملاحظة تلك العواطف كما هي، واسأل نفسك: "بماذا أشعر؟ وما الذي أفكر فيه؟ وما هي الأحاسيس الجسدية التي أشعر بها مع هذه العواطف؟".

يساعدك قليل من التفكير الصادق في عواطفك على فهم نفسك جيداً ومعرفة طريقة عمل عقلك.

2. التنظيم الذاتي:

بمجرد أن تصبح أكثر وعياً بعواطفك، فإنَّ الركيزة التالية للذكاء العاطفي هي تعلُّم طريقة الاستجابة لها جيداً.

توجد استراتيجيات عديدة مختلفة نستطيع استخدامها لتنظيم عواطفنا بصورة أفضل بحسب الموقف، وتشمل هذه الاستراتيجيات:

  • توجيه العواطف باستخدام طريقة جديدة وبنَّاءة، مثل ممارسة الرياضة أو الكتابة أو الرسم.
  • تجنُّب المُحفِّزات، مثل بعض الأشخاص أو المواقف أو البيئات التي من المحتمل أن تثير العواطف السلبية.
  • البحث عن تجارب إيجابية لتغيير العواطف السلبية، مثل مشاهدة فيلم كوميدي عندما تشعر بالإحباط أو الاستماع إلى مقاطع صوت مُحفِّزة عندما تشعر بالكسل.
  • تغيير العواطف من خلال القيام بتصرفات تثير عواطف مناقضة للتي تشعر بها.
  • مراقبة العواطف دون التأثُّر فيها أو القيام بتصرفات انفعالية.

هذه كلها استراتيجيات متاحة لنا لمساعدتنا على تنظيم عواطفنا بصورة أفضل يومياً.

يتضمن الذكاء العاطفي مجموعة أدوات، وتوجد طرائق مختلفة عديدة للتعامل مع كل عاطفة، ولكل موقفٍ أداةٌ مناسبة لا ينفع غيرها للتعامل معه، وكلما أصبحت أكثر ذكاءً عاطفياً، استطعت تحديد أفضل طريقة للاستجابة للعواطف، لكن هذا سيتطلب ممارسةً ووعياً مستمرين.

إقرأ أيضاً: 5 استراتيجيات للعمل أثناء اضطراب العواطف

3. التعاطف:

فهم عواطفك هو نصف الذكاء العاطفي، والنصف الآخر هو فهم عواطف الآخرين، بينما نُحسِّن الإدراك الذاتي لدينا، نحن نُحسِّن إدراك مشاعر الآخرين وأفكارهم، ونتعلم أنَّه يوجد أحياناً فرق بين أفكارنا ومشاعرنا وأفكارهم ومشاعرهم.

التعاطف هو قدرتنا على رؤية الأمور من منظور شخص آخر ومراعاة أفكاره ومشاعره تجاه التجربة، ويوضح مخطط فن (venn diagram) العلاقة بين "الإدراك الذاتي" و"إدراك الآخرين"، وكيف أنَّ المنطقة التي يتداخلان فيها هي المكان الذي نشعر فيه بالتعاطف، بالتأكيد لا نستطيع أبداً فهم طريقة تفكير الشخص الآخر تماماً؛ لكنَّنا نستطيع التعرف إلى الأفكار والمشاعر الداخلية للشخص من خلال الانتباه إلى تواصله اللفظي وغير اللفظي.

التعاطف هو نوع من "قراءة الأفكار"؛ لكنَّه يعتمد على تقديم استنتاجات عن طريقة تفكير الأشخاص بناءً على أفعالهم الخارجية، كما توجد أداة فاعلة أخرى لتحسين التعاطف وهي تبني وجهات نظر الآخرين، وهذا تمرين عقلي؛ إذ تستطيع أن تتخيل حرفياً نفسك تواجه موقفاً من منظور شخص آخر لفهمه جيداً، اسأل نفسك: "بماذا يفكر هذا الشخص؟ وما هو شعوره؟ ولماذا يتصرف بهذه الطريقة؟"؛ ستكون هذه الأسئلة بداية رائعة لبناء مزيد من التعاطف في علاقاتك اليومية.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح لإظهار التعاطف ومراعاة الآخرين

4. المهارات الاجتماعية:

بمجرد فهمك لعواطفك وعواطف الآخرين، فإنَّ السؤال الآتي هو: "كيف أستجيب لعواطف الآخرين؟"، ومن هنا تظهر أهمية المهارات الاجتماعية بوصفها الركيزة الأخيرة للذكاء العاطفي، على سبيل المثال عواطف مثل الحب والذنب والرفض والإحراج هي تقريباً عواطف اجتماعية، ونادراً ما توجد خارج سياق علاقاتنا مع الآخرين.

من الهام لبناء علاقات صحية أن نكون منسجمين مع عواطف الآخرين، تحديداً طريقة استجابتهم لأفعالنا وكلامنا، وإذا كانت أفعالك تتسبَّب بعواطف سلبية لدى الآخرين، فقد يؤدي ذلك إلى الإضرار بالعلاقة وبقدرتك على التواصل مع الآخرين بطريقة هادفة.

إنَّ تطوير المشاعر الإيجابية، مثل الفرح والتفاؤل والحماسة والفكاهة، هو مفتاح التواصل مع الآخرين بطريقة قوية ودائمة، فهل سبق لك أن دخلت إلى غرفة يوجد بها أشخاص يعانون الاكتئاب أو التوتر، وشعرت مباشرةً بالاكتئاب والتوتر أيضاً؟ هذا مثال عن العدوى العاطفية، وهي فكرة أنَّ عواطفنا تستطيع أن تنتقل في كثير من الأحيان إلى الآخرين مثل الفيروس.

إقرأ أيضاً: 10 طرق لتطوير المهارات الاجتماعية

في الختام:

تؤثِّر عواطفنا في الآخرين أيضاً بالطريقة نفسها التي تؤثِّر فيها عواطف الآخرين؛ لذلك إذا كنت شخصاً إيجابياً في الحياة، فسوف ينعكس ذلك على الأشخاص الذين تتعامل معهم، ويتعلَّق جانب المهارات الاجتماعية للذكاء العاطفي بأن تكون قائداً عاطفياً، لكن يجب أن تتدرب على تغيير الأشخاص السلبيين من خلال التصرف بإيجابية.




مقالات مرتبطة