4 خطوات للسيطرة على فورات عواطفك

لا بُدَّ أن راودتك سابقاً عاطفة غامرة ظنَّنت أنَّها ستستمر إلى الأبد، كالحزن نتيجة فقدان أحد أفراد الأسرة، أو الألم بعد الانفصال عن شريكك، أو القلق على صحتك، أو الخوف من المستقبل.



حينها تشغل هذه العاطفة عقلك طوال الوقت، ويخرج الأمر عن سيطرتك، لا بل ويسيطر على حياتك أيضاً، فتجد نفسك تجاهد في دفع نفسك للوصول إلى آخر اليوم، يصبح الأمر مُرهِقاً وتحتاج إلى الاسترخاء، لكن لا يتوقَّف عقلك عن التفكير أبداً، ومهما حاولت الخروج من هذه الحالة تبقى عالقاً، ومهما جرَّبت من وسائل، سواء كانت تأمُّلاً أم يوغا أم تمرينات التنفس، فلا تفلح في مساعدتك فشعورك قويٌّ جداً.

نعم، حتى التأمُّل معدوم الفائدة في وجه هذه المشاعر الشرسة، فتبدأ في الاعتقاد أنَّك لن تتجاوز الأمر مطلقاً وأنَّ الألم سيستمر إلى الأبد.

السبب المفاجئ لمشاعرك القوية:

يجب أن تثق بأنَّك سوف تخرج حتماً من هذه الدوامة العاطفية، وإليك بالضبط كيف تفعل ذلك: أولاً ينبغي أن تعلم لِمَ اشتدت مشاعرك في المقام الأول.

تعمل عواطفك تبعاً لمبدأ الزخم الفيزيائي، لكن ماذا يعني ذلك؟ فلنوضحه بمثال: لنفترض أنَّ صديقك استعار سيارتك، وعند عودته، لاحظتَ خدشاً في هيكلها الخارجي، وقد أفسد ذلك مظهر السيارة، وأنت الآن غاضبٌ منه، ثم يوضح لك أنَّه لم يرتكب أيَّ خطأ؛ إذ قاد السيارة بحذر، لكن شخصاً ما اصطدم به؛ لكنَّك ما تزال غاضباً ومُصرَّاً أنَّه يجدر به ملاحظة السائق المتهوِّر من على بعد ميلٍ كامل، والابتعاد عنه.

ثم لنفترض أنَّك اكتشفت لاحقاً أنَّ صديقك فعلاً لم يرتكب أيَّ خطأ؛ بل ربما كان أكثر حذراً مع سيارتك من سيارته الخاصة، وقد كان اصطدام أحدهم بسيارتك محض حظٍّ سيئ.

الآن ليس لديك سبب للبقاء غاضباً، فقد كان من الممكن أن يحدث ذلك في أثناء قيادتك لسيارتك بنفسك، وربما كانت ستتضرر أكثر، لكن مع ذلك ينطوي غضبك على زخم كبير متراكم من كل الاتهامات والجدال؛ لذا يأبى أن يزول، وهذا ما يجعلك تستمر في التصرف بناءً عليه، ومحاولة البحث عن أخطاء صديقك، على الرَّغم من أنَّك تعلم منطقياً أنَّه يجدر بك الهدوء والاعتذار.

لا بُدَّ أنَّك مررت بموقف مشابه، فعندما تكون مشاعرك جارفة، لا توجد طريقة تستطيع إيقافها، حتى لو أدركت حالتك النفسية.

إذاً ماذا يجب أن تفعل في هذه الحالة؟

فيما يأتي 4 خطوات يجب اتِّباعها لتسيطر على عواطفك:

1. الاعتراف بمشاعرك:

عندما تكون العاطفة قوية، فإنَّها تهيمن على أفكارك كُليَّاً وتملي عليك كلَّ أفعالك، ولا جدوى حتى من التأمُّل والتركيز في هذه المرحلة؛ إذ يكون الزخم العاطفي قوياً جداً لدرجة أنَّه سرعان ما يشوِّش حالتك الذهنية.

لكن دون التركيز، لا تستطيع التصرف بعقلانية لمواجهة هذا الزخم القوي؛ لذا إليك ما يجب فعله: أولاً ابقَ ساكناً لبضع ثوان، وخذ بعض الوقت للاعتراف بمشاعرك وأحاسيسك الجسدية الحالية، قل لنفسك: "أشعر بكذا الآن، أشعر بكذا في جسدي"، مثلاً: "أشعر بالتوتر الآن، وجسدي يزداد سخونة وبدأت أرتجف وأتصبب عرقاً"، قد تميل لتخفيف وطأة مشاعرك بهذه الطريقة، لكن لا تفعل ذلك.

لأنَّك بذلك تركِّز على المشاعر ذاتها بالمقام الأول، مما سيؤدي فقط إلى تضخيمها؛ لذا لا تتحدث مع نفسك بهذه الطريقة لفترة طويلة، وليس لأكثر من دقيقة، كل ما تحتاج إليه هو بضع ثوانٍ فقط من التركيز كي تستطيع القيام بالخطوات الصحيحة الآتية بدلاً من أن تكون مدفوعاً بالعاطفة ومشوش الذهن.

شاهد بالفديو: كيف يساعدنا الشعور بالامتنان في التغلب على العواطف المضطربة؟

2. مواجهة العاطفة:

حين يتملَّكُك شعورٌ جارف، يستحيل عليك التخلُّص منه مباشرة، وأيُّ شيء تفعله يزيد من شدَّته ليس إلا، وهذا في الواقع يشبه التأمُّل كثيراً؛ إذ يرتكب الناس خطأ محاولة إيقاف أفكارهم طوال الوقت، وبدلاً من ذلك تجتر عقولهم الأفكار أكثر.

المشكلة في ذلك هي أنَّك لا تستطيع أن تقرِّر التوقف عن التفكير حينما تريد؛ بل تحتاج إلى أن تشغل عقلك بشيء آخر، وبالمثل، مشاعرك تتضاعف الآن وتخرج عن السيطرة، وأياً كان ما تفعل من تركيز أو تأمل أو حديث ذاتي لن ينفع أبداً؛ بل على العكس سيزيد الأمر سوءاً.

قد يكون الأمر مخيفاً؛ لذا كيف تستطيع الوقوف في وجه هذه المشاعر التي تأبى أن تزول، وتسيطر الآن على حياتك؟ والجواب لذلك هو ألا تتجنبها، ولا تفعل أيَّ شيء لإيقافها؛ بل دعها تَمُر، لكن ضع في حسبانك أنَّ هذا لا يعني الجلوس واجترار الأفكار وتأجيج الشعور في نفسك أكثر، إليك فيما يأتي ما يجب فعله بدلاً من ذلك.

إقرأ أيضاً: السيطرة على المشاعر: خوض بحر العواطف ذي الأمواج المتلاطمة

3. فعل شيء ممتع:

الأمر بهذه البساطة، اذهب فقط وافعل شيئاً ممتعاً؛ بمعنى آخر بدلاً من مواجهة المشاعر وتأجيجها أكثر، اعمل على تخفيف وطأتها بشكل غير مباشر؛ أي يجب القيام بشيء مختلفٍ تماماً، ويُفضَّل أن يكون شيئاً ممتعاً؛ إذ بذلك توجِّه دفق أفكارك إلى أمر آخر بعيداً عن مشاعرك التي تستنزفك بالكامل؛ ومن ثَمَّ تتوقف عن تأجيجها بأفكارك.

كل ما يجب فعله الآن هو انتظار أن تخمد مشاعرك وينفذ زخمها طبيعياً، هذا لا يعني بالضرورة تشتيت انتباهك ومحاولة تجاهل الأمر؛ وإنَّما مجرد تفادي الخوض في العاطفة وتأجيجها.

لكن لماذا يجب فعل شيءٍ ممتع حصراً؟ ولماذا لا تنجز مهمة ما؟ عندما تهيمن عليك عاطفة، تصبح مشلولاً ويرفض عقلك فعل شيء سوى الخوض فيها، لكن من السهل ممارسة أمور ممتعة وخفيفة وسرعان ما تُهدّئ من روعك.

لا يهم ما هو النشاط الممتع الذي تختاره، ما دمت تحبه بما يكفي لمحاولة تجاوز الأمر؛ إذ تحتاج فقط إلى القيام بشيء يوجه انتباهك إليه.

4. مغادرة الموقف:

أحياناً تبقى حبيس عاطفة ما؛ لأنَّ كلَّ شيء حولك يثيرها، فلنفترض أنَّك تتجادل مع شخص ما وغضبت، والآن تريد أن تهدأ، ما هو أكثر فعلٍ عقلاني تستطيع القيام به؟ الابتعاد.

يكاد يكون من المستحيل أن تهدأ في وسط جدالٍ حامي الوطيس، كما أوضحنا سابقاً، حتى لو توصلتُما إلى اتفاق، ستظل راغباً في الجدال أكثر.

عندما تبتعد عن الجدال يبدأ زخم غضبك في التلاشي، وتهدأ بمجرد وصوله إلى نهايته الطبيعية، وفقط حينها تستطيع إجراء نقاشٍ عقلاني مثمر.

ينطبق هذا على جميع مشكلاتك الأخرى؛ فعندما تصاب بالأرق في الليل ولا تستطيع النوم، ما عليك سوى النهوض والقيام بشيء آخر، يجب الهدوء أولاً، ثم محاولة النوم مرة أخرى، وعندما يذكِّرك المنزل الفارغ بعد فقدان عزيز بحزنك، اذهب في رحلة وابتعد عنه لفترة من الوقت إن استطعت ذلك.

إقرأ أيضاً: كيف تسخِّر العواطف لمصلحتك بدلاً من أن تكون ضدك؟

هذا ما ستشعر به عندما تتحرَّر من مشاعرك القوية:

عندما تدرك أنَّك سيطرت على فورة مشاعرك، ستشعر بالامتنان لحياتك الطبيعية؛ إذ تبدو الشمس أكثر إشراقاً والعشب أكثر اخضراراً، وستشعر بنسيمٍ عليل يداعب بشرتك ويمدك بشعور جيد، وسيبدو العالم الطبيعي جنة بالنسبة إليك.

لكن تذكَّر أنَّ العواطف ليس لها أزراراً تُطفئها، وتبقى مطفأةً مدى الحياة؛ إنَّما تتحرر منها شيئاً فشيئاً، قد تحدث انتكاسات من حين إلى آخر؛ لكنَّها جزءٌ من عملية التعافي أيضاً.

في الختام:

عندما تسيطر عليك عاطفة جارفة، ستشعر كأنَّك دخلت نفقاً لا نهاية له، لكنَّ هذا ليس صحيحاً، فبدلاً من نفقٍ لا نهاية له، فكِّر بالأمر على أنَّه مجرد نفقٍ عادي كالتي تمرُّ عبرها القطارات، ويجب أن تعبُر هذه الأنفاق لتصل إلى حيث تريد، ومهما كانت عميقةً تأكد أنَّك ستصلُ إلى الطرف الآخر.

لا تفقد الأمل، فأنت الآن تعلم جيداً أنَّك ستكون بخير، وسوف تمر مشاعرك القوية، ومهما حدث ستعود حتماً إلى طبيعتك مرة أخرى.




مقالات مرتبطة