4 خطوات لتغيير الحياة من خلال تغيير العادات

إنَّ مكانك في الحياة الآن هو نتيجةٌ لعاداتك، وقد عبَّر الكاتب الأمريكي "ويل ديورانت" (Will Durant) عن ذلك بأفضل طريقة حين قال: "إنَّ ما نفعلُه مراراً وتكراراً يحدِّد هويَّتَنا؛ ومن ثَمَّ فإنَّ التفوُّق والامتياز ليسا فعلاً نمارسه؛ وإنَّما عادة نتبنَّاها على الدوام".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويُحدِّثنا فيه عن أهم الطرائق والخطوات للالتزام بالعادات التي تغير حياتنا وتحسِّنَها.

وأظنُّ أنَّ ذلك ينطبق ويصحُّ أيضاً على ما هو معاكسٌ للتفوُّق والامتياز، فتقديم أداءٍ متواضع هو نتيجة ممارسة عادات متواضعة، ممَّا يعني أنَّنا نستطيع أن ننتقل من حياة متواضعة نحو حياة يملؤها التميز والتفوُّق من خلال تغيير عاداتنا.

قبل أن نخوضَ في كيفية فعل ذلك، أودُّ إيضاح كلامي حين قلتُ إنَّ العادات تغيِّر حياتك لكنَّها لا تضمن لك النجاح؛ لأنَّ هذا ما تخبرنا به المقالات والكتب التي تتحدث عن عادات الأشخاص الأثرياء؛ إذ يشرحون لنا مثلاً كيف أنَّ "إيلون ماسك" (Elon Musk)، وهو مستثمرٌ ناجح والمديرُ التنفيذيُّ لشركة "تيسلا موتورز" (Tesla Motors) ينام لمدة ساعتَين فقط في اليوم، ويتناول حبوب الإفطار بوصفه عشاء له أو شيئاً من هذا القبيل.

إنَّ كُتَّاب هذه الأنواع من المقالات الغبيَّة يُخفون عن القُرَّاء بأنَّ الارتباط لا يقتضي السببية؛ إذ إنَّ الاستيقاظ مبكِّراً والاجتهاد في العمل والاستحمام بالماء البارد لا تتسبَّبُ في نجاحك، ولا أحدَ يوضِّح هذا المغزى بطريقةٍ أفضل من كاتب المقالات "نسيم طالب" (Nassim Taleb) الذي تحدَّث عن ذلك في كتابه "مخدوعٌ بالعشوائية" ( Fooled By Randomness).

قال: "قد يُساهم العمل الجاد والحضور للعمل والمواعيد في الوقت المُحدَّد وارتداء قميصٍ نظيفٍ أبيض اللون واستخدام مُزيل العرَق وغيرِها من الأمور التقليدية المُتعارَف عليها في تحقيق النجاح، فهي أمورٌ ضروريةٌ بكلِّ تأكيد؛ لكنَّها قد تكون غيرَ كافيةٍ كونَها لا تسبِّب حدوثَ النجاح".

لذا فإنَّني حين أتحدث عن العادات لا أقصد النتائج التي تترتب عليها؛ بل أعني تغييرَ سلوكنا الفعلي؛ إذ يحسِّن من نوعية الحياة التي نعيشُها؛ والآن بعد أن وضعْنا تلك المسألةَ جانباً، سأعرضُ لكم طريقتي المُكوَّنة من أربع خطوات، والتي تمكِّنُك من الالتزام بعاداتك التي تغيِّر حياتك:

الخطوة الأولى هي اختيار العادات المُجدية:

أستطيعُ أن أحدِّثَك عن العادات التي غيَّرت حياتي طوال اليوم؛ لكنَّ هذا لن يُفيدك بشيءٍ إطلاقاً، والسبب في ذلك أنَّك الوحيد الذي تستطيع أن تقرِّرَ ما هي العادة الجيدة بالنسبة إليك، فمن الهام للغاية أن تحدد ما إذا كانت العادات الجديدة التي تنوي اتباعَها مُجدية.

كثيراً ما نسمعُ عن أمرٍ ما فيتبادر إلى أذهاننا مباشرةً بأنَّنا يجبُ أن نفعله، وقد يكون الاستيقاظُ مبكِّراً أمراً مفيداً للغاية بالنسبة إليك فأنا لا أعلمُ بشأنك؛ لكنَّني حين أستيقظُ مبكِّراً، يفسَد مزاجي وأتصرَّف بصفتي عجوزاً نكِداً يكره الناسَ من حوله، ممَّا يؤدي إلى تدهور جودة حياتي وعلاقاتي مع الآخرين؛ لذلك فإنَّني لا أستيقظ باكراً بحلول الساعة 7 صباحاً أو قبلَ ذلك بصرف النظر عن عدد الأشخاص الذين يخبرونني بأنَّ ذلك سيجعلني ناجحاً.

لذا قبل أن تتبنَّى أيَّ عادة جديدة وتقرِّرَ إضافتَها إلى حياتك، عليك فقط أن تسأل نفسَك إن كانت تلك العادة ستحسِّن من جودة ونوعية حياتك، ويعود السببُ الذي يدفعُنا لطرح ذلك السؤال على أنفسنا إلى أنَّنا جميعاً نحتاج إلى سبب كي نتغيَّر، ويجب أن يكون سبباً أعظم وأهمَّ بكثير من الأسباب السطحية العادية.

على سبيل المثال، قد ترغبُ في قراءة كتابٍ واحدٍ أسبوعياً، وهُنا عليك أن تسأل نفسَك عن سبب رغبتك في ذلك، وعمَّا ترمي إليه بعد فعل ذلك، وعن رؤيتك المستقبلية لنتائج عادتك الجديدة وأهدافك المبنية على أساسها.

بالنسبة إلي، أقرأ كتابَين أسبوعياً؛ لأنَّني أعمل بصفتي مدرِّساً أو مدرِّباً على الإنتاجية، فأنا بحاجةٍ إلى تعلُّم أشياءَ جديدة يومياً كي أتمكن من تحسين أدائي في العمل دائماً، وأمارس أيضاً تمرينات القوة بسبب رغبتي في أن أكون شخصاً مفيداً ويساعد الآخرين، وأنجز معظم الأعمال المنزلية في منزلي، وكذلك في مكتبي الذي أعمل به؛ لأنَّني أرغب في صنع الأشياء وإصلاحها إن تعرَّضت للضرر.

كما أنَّني بحاجةٍ إلى المحافظة على لياقتي البدنية كي أتمكن من حمل الأشياء الثقيلة أو تنفيذ مهام شاقة ومُجهِدة؛ فهذه هي أسبابي؛ لذا أرغبُ منك الآن أن تعرف أسبابك؛ ومن ثمَّ  تتبنى عاداتٍ تقرِّبُك من الأشياء التي ترغب فيها في حياتك وتلتزم بها.

شاهد بالفديو: 10 عادات يومية تضيف إلى حياتك الكثير

الخطوة الثانية هي التركيز على عادةٍ واحدة في كلِّ مرة:

نجحتُ أخيراً في الكتابة عن كيفية نجاحي في بناء عادة ممارسة التمرينات الرياضية يومياً بعد أن حاولت فعلَ ذلك لسنوات، وقد كان لديك أسباب وراء فشلي في ذلك، وأحدُها هو محاولاتي الدائمة في بناء واتباع عادات عديدة معاً في الوقت نفسِه، ولا أعلمُ سببَ ذلك؛ لكنَّني أُصابُ أحياناً بفورةٍ من الرغبة في تحسين الذات وتطويرها تتملَّكُني كلياً وتدفعني لإضفاء تغييرات على جوانب عدة من حياتي معاً.

إذ أشعرُ برغبةٍ في قراءة المزيد من الكتب والكتابة أكثر، والعمل بجدِّ أكبر والعيشِ بطريقةٍ أفضل وتحسين نوعية الطعام الذي أتناوله وجميع ما يخطر على بالك؛ لذا من الأفضل أن تكبتَ حماستك واندفاعَك الشديد إن كنتَ تشابهني في ذلك؛ وبصورة عامة، نحن حين نفعلُ أشياء عديدة في الوقت ذاته، ينتهي بنا الأمرُ بحالةٍ من الفوضى، كما ينتهي بنا المطافُ إلى حيثُ بدأنا دائماً.

لا بدَّ من أنَّ مبالغتنا في تقدير أنفسِنا وتوقُّع كثير منها هو أحدُ الأسباب التي تدفعُنا لتنفيذ عدَّة أمورٍ في الوقت ذاته؛ إذ نظنُّ خطأً بأنَّنا نستطيع إنجاز كثير من الأعمال خلال فترة زمنية قصيرة؛ لكنَّ الصحيح هو أنَّنا نستطيع فعلاً تحقيقَ كثير من الإنجازات، إلَّا أنَّنا بحاجةٍ إلى فترة زمنية طويلة لفعل ذلك.
لذا، ركِّزْ على الأمور واحداً تلو الآخر، وكدِّسِ العادات التي ترغبُ في اتباعها عادةً فوقَ الأخرى، وواحدةً تلوَ الأخرى شيئاً فشيئاً.

إقرأ أيضاً: 8 عادات لبناء الانضباط الذاتي

الخطوة الثالثة هي تخفيض مستوى التوقُّعات:

نحن غالباً ما نرغب في فعل أمورٍ عظيمةٍ جداً دون أن نفهم ماهيَّة ذلك؛ إذ يتطلَّبُ البدءُ بعملٍ تجاري أو بناء مهنةٍ الكثيرَ من المجهود والعمل، وفي الواقع فإنَّ كلَّ شيءٍ ثمين وقيِّم في الحياة يتطلَّب كثيرَاً من الجهد والسعي لتحقيقه حين يكون بعيداً عن متناولنا؛ لذا علينا أن نبدأ بخطواتٍ بسيطة وصغيرة قبل أن نحقق إنجازاتٍ ضخمة.

بصورة مماثلة، عليك أن تبدأ بتغيير نفسِك أوَّلاً قبل أن تحاول تغييرَ العالم، وقد عبَّر الكاتبُ الروسي "ليو تولستوي" (Leo Tolstoy) مؤلِّفُ كتاب "الحرب والسِّلم" (War and Peace) عن ذلك خيرَ تعبيرٍ في قوله: "يفكِّر الجميع بتغيير العالم، لكن لا أحد منَّا يفكر في تغيير نفسِه".

لذا أنصحُك بالتركيز على الأمور الصغيرة، وبناءِ أساس قوي لنفسك، فلن نتمكن من تحقيق أيِّ إنجاز هام دون ذلك؛ فإن كنتَ ترغب مثلاً في ممارسة الركض يومياً، ابدَأْ بالمشي أولاً، وإن نويْتَ تأليف كتابٍ ما، اكتُب جملةً واحدةً في كلِّ مرة؛ وإن أردتَ البدءَ بعملٍ تجاري، احصَلْ على عميلٍ واحد في البداية؛ وإن كان هدفُك مثلاً أن تقرأ كتابَين أسبوعياً، عليك أن تبدأ بقراءة صفحةٍ واحدة يومياً؛ وإن كنتَ ترغب في ادِّخار الأموال من أجل تقاعدك، لا تُنفِقْ أموالك على أمورٍ ثانوية لا تحتاجُ إليها وهكذا دواليك؛ فالأمور والإنجازات العظيمة تأتي من تلقاء نفسِها شيئاً فشيئاً.

إقرأ أيضاً: متى يكون من الجيد وضع توقعات عالية لنفسك؟

الخطوة الرابعة هي الاستعانة بقوائم التحقُّق:

أنا أعاني نسيان كلِّ شيء؛ فقبل بضع سنوات، بدأتُ عادةَ القراءة اليومية، وقد أخطأتُ كثيراً في بداية ذلك؛ فقد كنتُ أقرأ لمدة خمسة أو ستة أيام متتالية؛ ومن ثمَّ فجأةً أنسى ذلك تماماً وكأنَّ الرغبة في قراءة المزيد قد تلاشَت واختفَت بكلِّ بساطة من داخل رأسي.
الأمر أشبَه برغبتك الحقيقية في فعل أمرٍ ما؛ ومن ثمَّ فعله ونسيانه تماماً، مما يبعث لديك شعوراً سيئاً للغاية؛ لكنَّ هذا يدلُّ على ضعف إرادتك؛ لذا عليك ألَّا تسمح لنفسك بالتهرُّب من الالتزام بالعادات بتلك الطريقة؛ ومن هنا يجبُ علينا استخدام القوائم المرجعية أو قوائم المهام لتذكير أنفسنا بالأمور التي نرغب في تحقيقها.

في الختام:

تذكَّرْ دائماً أنَّنا نتَّبع عاداتٍ جديدة لتغيير حياتنا وتحسينها نحو الأفضل؛ وبعد أن تكتب عاداتك اليومية في قائمة مهام، أنصحك بالتحقُّق منها عن طريق التأشير بعلامةٍ إلى جانبها يومياً، وستتفاجأ يوماً ما بمقدار تغيُّر حياتك عن طريق هذه العادات التي تبدو صغيرةً، وهذا على الأقل ما حدثَ لي ولآلاف الأشخاص الآخرين الذين يركِّزون جيداً على عاداتهم؛ لذا فإنَّني متأكدٌ بأنَّك ستجدُ نتيجةً مماثلةً أيضاً.




مقالات مرتبطة