4 تساؤلات ستغير سلوكك عندما لا يمكنك تغيير أي شيء آخر

يحدِّد كلُّ يومٍ تقريباً مصائرنا، ومعظم العلل التي نعانيها يمكن عزوها مباشرة إلى سلوكنا (الذي يمكن التحكُّم به)، الحياة مليئة بالأحداث التي لا يمكن السيطرة عليها، وفي كثير من المواقف يكون الشيء الوحيد الذي يمكننا التحكُّم به هو سلوكنا.



عندما تفكر ملياً في الأمر، فإنَّ كل ما يحدث حولنا يكون محايداً وخالياً من المعنى حتى اللحظة التي نعطيه فيها معنى، والأسئلة التي نطرحها على أنفسنا تحدد المعنى المتشكل والسلوك الذي لدينا تجاه كل شيء.

بصرف النظر عمَّا ستفعله، فالأمر يتعلق بالاختيار بين سماحك لأمر ما بإزعاجك أو لا، بين جعل الأمر جيداً أو سيئاً، بين بقائك أو ابتعادك، بين صراخك أو همسك، بين قيامك برد فعل عاطفي أو التصرف بوعي.

يشعر بعض الناس أحياناً بالإحباط بسبب سلوك لا يمكنهم التحكم به، هنا يجب مواجهة الحقيقة الصعبة وهي أنَّ تغيير وضعك في بعض الأحيان لا يكون ممكناً، أو ببساطة غير ممكن في وقت قريب، فمثلاً لا يمكنك الحصول على وظيفة جديدة في لحظة كما لا يمكنك تغيير شخص آخر رغماً عنه، وبالتأكيد لا يمكنك محو الماضي، لكن يمكنك دائماً اختيار سلوك يدفعك إلى الأمام وسيساعدك القيام بذلك على التغيُّر نفسيَّاً، ويسمح لك في النهاية بالتغلب على الصعوبات التي لا يمكنك التحكم بها.

فيما يأتي أربعة أسئلة قوية تساعدك على تعديل سلوكك تعديلاً إيجابيَّاً عندما تكون في أمسِّ الحاجة إليه:

1. من ستكون وماذا سترى أيضاً إذا محيت الفكرة التي تقلقك؟

القلق هو العدو الأكبر في الوقت الحاضر، إنَّه لا يفعل شيئاً سوى سرقة فرحتك ويشغل تفكيرك بأمورٍ فارغة، وعندما تقضي الوقت في القلق، فأنت ببساطة تستخدم خيالك لعيش لحظات لا تريدها.

أدرك أنَّه في مكان ما بداخلنا جميعاً توجد روحٌ سامية تعيش في سلامٍ أبدي؛ لأنَّ السلام الداخلي لا يعتمد على الظروف الخارجية؛ لكنَّه ما يتبقى عندما تتخلى عن غرورك ومخاوفك، ويمكن العثور على السلام في داخلك في أي مكان وفي أي وقت، إنَّه موجود دائماً ينتظرك بصبر لتوجِّه انتباهك إليه.

تصل راحة البال في اللحظة التي تتصالح فيها مع ما يدور في ذهنك، يحدث ذلك عندما تتخلى عن الحاجة إلى أن تكون في أي مكان غير مكانك، جسدياً وعاطفياً، وهذا القبول للطريقة التي تسير بها الأشياء هو الأساس للتناغم الداخلي، إنَّ الحاجة إلى أن يكون الشيء مختلفاً في هذه اللحظة ليست أكثر من مصدر قلق، والمخاوف ببساطة تقودك إلى دوامة أفكار لا نهاية لها.

الوقت مناسب دائماً لتقبُّل الحاضر والإدراك المستقل للمكان والزمان الحاليين وتقبلهما، وبعد ذلك فقط يكون لديك القدرة على التركيز على التحديات والفرص الخاصة بك تركيزاً أكثر وعياً، وهذا يغير كل شيء.

إقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع القلق حينما يصيبك بشكل مفاجئ؟

2. ما الذي يمكن أن تكون إيجابياً بشأنه الآن إذا كنت تريد ذلك حقاً؟

إنَّ أعظم سلاح لديك ضد الإجهاد والسلبية هو قدرتك على اختيار فكرة بدلاً من أخرى، فالسعادة تهرب من أولئك الذين يرفضون رؤية الخير فيما لديهم؛ لذا عندما تمنحك الحياة كل الأسباب لتكون سلبياً، فكِّر بإيجابية.

أفكارك لا تنتهي عندما تنتهي من التفكير فيها؛ بل يستمر صداها بالتردد في حياتك؛ لذا اتخذ خياراتك بحكمةٍ ووعي، وكن إيجابياً إيجابية مطلقة حتى في الحالات التي لا تكون فيها الإيجابية الخيار المنطقي، كن مرحاً ومبدعاً ومضحكاً ومبهجاً في الوقت نفسه، وابتسم قدر الإمكان، فالابتسامة تغير في الواقع إيقاع جسدك، إنَّها تغير من الناحية الفيزيولوجية كيمياء كيانك، وتجعلك تشعر بتحسن وتعمل عملاً أفضل.

كما يوضح الكتاب المُصنَّف ضمن قائمة أكثر الكتب مبيعاً "ميزة السعادة" (The Happiness Advantage)، أنَّ إحدى الدراسات العلمية الحديثة أظهرت أنَّ الأطباء الذين يوضعون في حالة مزاجية إيجابية قبل إجراء التشخيص، تتعزز قدراتهم الفكرية تعزيزاً كبيراً مقارنة بالأطباء الذين يكونون في حالة مزاجية محايدة، مما يسمح لهم بإجراء تشخيصات دقيقة أسرع بمقدار 20% تقريباً، ثم تحولت الدراسة نفسها إلى مهن أخرى ووجدت أنَّ مندوبي المبيعات المتفائلين يتفوقون على نظرائهم المتشائمين بأكثر من 50%، والطلاب الذين عاشوا شعوراً بالسعادة قبل إجراء اختبارات الرياضيات تفوَّقوا تفوقاً كبيراً على أقرانهم المحايدين.

لذلك اتضح أنَّ عقولنا مُصمَّمة حرفياً على تقديم أفضل أداء ليس عندما تكون سلبية أو حتى محايدة؛ بل عندما تكون إيجابية.

شاهد بالفيديو: 10 طرق فعّالة لتعزيز قوّة إرادتك

3. كيف يمكنك التجاوب من منطلق الوضوح والقوة، بدلاً من رد الفعل الطائش على تجاربك؟

في كل مرة تميل إلى رد الفعل بالطريقة القديمة نفسها، توقف قليلاً، وقرر بوعي ما إذا كنت تريد أن تكون سجيناً للماضي أو تركز اهتمامك على الوقت الحاضر.

من أجل الحصول على سيطرة واعية على ما يدور في عقلك، فأنت تحتاج إلى تطوير وعي عميق لهذه العملية، ومما يساعدك على ذلك هو أن تبقى ساكناً للحظة، وأن تأخذ نفساً عميقاً وتحرر عقلك من كل الأحاديث التي تدور في كل أرجاء عقلك، هذا يفسح المجال لتغيير حالتك الراهنة ودخول أفكار جديدة إلى عقلك.

من خلال إدراك أفكارك وعواطفك، تزداد قدرتك على إعادة توجيه تركيزك بوعي، فقد حان الوقت لإبعاده عن أي شيء يثبِّطك، وتوجيهه نحو شيء يلهمك، وركِّز على الخطوة المنطقية التالية الهادفة؛ فلا توجد مواقف ميؤوس منها؛ بل يوجد أشخاص أصبح ميؤوساً منهم فقط.

في كل الحالات تقريباً، لا شيء يمنعك ولا شيء يعوقك سوى أفكارك عن نفسك وعن "ماهية الحياة"، تصورك يؤثر في معتقداتك، ومعتقداتك تؤثر في سلوكاتك، وسلوكاتك تنتج تجربتك؛ لهذا السبب يجب عليك فرز أفكارك بعناية، واختيار الرد فقط على تلك التي ستساعدك على بناء الحياة التي تريدها، والنظرة المستقبلية التي تريد الاحتفاظ بها بينما تعيش حياتك.

4. ما الذي يمكنك التخلي عنه الآن دون أن تفقد أي شيء؟

بصراحة، لديك الكثير مما يمكنك التخلي عنه في الحياة دون أن تفقد أي شيء، وهذا ما يسمى بالنضوج؛ فالتخلي عن الأفكار القديمة يفسح المجال لفرص جديدة، إنَّ التخلي عما لا يُجدي نفعاً يُفسح المجال لما يُجدي نفعاً، وعندما يكون ألم التمسك أسوأ من ألم الاستغناء، فقد حان الوقت للتخلي والنضوج، وبعبارة أخرى، ابدأ بالتخلِّي؛ التخلِّي عن العادات والروتين والأفكار التي تعوقك، لا يمكنك اكتشاف محيطات جديدة إلا إذا اكتسبت ما يكفي من الشجاعة لتبتعد عن شاطئ الأمان القديم المألوف.

التسامح جزء حيوي من هذه العملية؛ إذ لا يؤدي التسامح دائماً إلى شفاء العلاقات والمواقف، فبعضها غير مقدَّر لها أن تُشفى، سامح على أي حال، ودع ما هو مقدَّر يحدث، وانطلق وحرر نفسك، عندما تشعر بالاستياء تجاه أي شيء، فأنت تقيِّد نفسك بذلك الشخص أو الحالة من خلال رابط عاطفي أقوى من الفولاذ، التسامح هو الطريقة الوحيدة لفكِّ هذا الارتباط والتحرر.

حان الوقت للتوقف عن توقع تغيير كل شيء خارجك والتركيز بدلاً من ذلك على التغيير من الداخل، افعل ذلك، وقد تجد راحة البال التي طالما بحثت عنها.

إقرأ أيضاً: أثر قمع الأفكار في التخلِّي عن العادات السيئة

في الختام:

إذا كنت ترغب في ذلك، فكِّر في السؤال الأول: من تكون وماذا سترى أيضاً، إذا محيت الفكرة التي تقلقك؟

بعبارة أخرى، فكِّر جيداً في فكرة معينة كانت تزعج عقلك القلق في الفترة الأخيرة، ثم تخيل كيف ستكون حياتك مختلفة إذا أزلت هذه الفكرة:

  • كيف ستغيِّر نظرتك إلى وضع حياتك الحالي؟
  • هل ستعامِل نفسك والآخرين معاملة مختلفة؟
  • كيف سيكون شعورك؟
  • كيف تتصرف؟
  • ما الذي ستتمكن من تحقيقه أيضاً؟



مقالات مرتبطة