3 خطوات بسيطة لتعيش إرث حياتك

يبدو أنَّ الحياة تتمحور بكاملها حول المال، فكِّر في كل الأهداف التي تعمل من أجلها، ومن المُحتمَل أنَّها جميعاً تنبع من مستوى دخلك؛ إذ تسعى جاهداً إلى الحصول على ترقية في وظيفتك، وتقضي عامين لنيل درجة الماجستير، وتضع استراتيجيات أفضل للحصول على زيادة راتب، وقد تنتقل حتى إلى مكان آخر في سبيل عمل أفضل، لكن مهما اختلفت هذه الاستراتيجيات، فإنَّ المال هو الدافع وراء كل منها.

لذا عليك أن تتوقف هنا وتسأل نفسك: لماذا تُركِّز كل اهتمامك في الربح؟ ولماذا تعتقد أنَّ إرث حياتك يتوقف فقط على تكوين ثروة طائلة؟ على الرغم من أنَّ ذلك هام للغاية، ولكنَّك تخدع نفسك إذا ظننت أنَّه الشيء الأهم؛ فالمال هو من اختراع البشر، ولم يكُن في بداية الأمر حاجة ضرورية مثل الهواء أو الماء؛ وإنَّما بنى البشر مجتمعاتهم حوله فأصبح ضرورياً نتيجة لذلك، ولأنَّه من اختراعهم، فإنَّهم يتحكمون أيضاً بمدى تأثيره في قيمة حياتهم.

لكن إذا قررت وضعه جانباً، فيجب عليك إعادة توجيه تركيزك إلى نواحٍ أخرى، كما يجب عليك أن تحدد إرث حياتك من جديد، فإنَّ الموت هو مصير الجميع، وقد يبدو ذلك كئيباً ولكنَّه حقيقي أيضاً، ولن تتمكن من أخذ المال معك إلى الحياة الآخرة؛ لذا ألن يكون من الأفضل أن تستغل ما لديك من الوقت في مجالات تُعطي حياتك قيمةً أكبر، بدلاً من مطاردة المال حتى النهاية؟

إليك ثلاث خطوات تستطيع من خلالها أن تترك إرث حياة رائعاً:

1. فهم معنى إرث الحياة:

اسأل نفسك ما هو الهدف من الحياة، ليس الهدف من الحياة عموماً؛ وإنَّما الهدف من حياتك أنت على وجه التحديد، هل هو أن تكون أباً صالحاً أو صديقاً جيداً أو فرداً رائعاً في الأسرة؟ أم هل هو ربح مليون دولار؟ أم ربما أن تكتسب أكبر عدد ممكن من الخبرات الجديدة؟ بمعنى آخر، ما الذي تريد أن يتذكرك الآخرون من أجله؟

يجب أن يتوجه تركيز حياتك نحو هذا السؤال، فجوابك عنه هو الإرث الذي يجب أن تضعه فوق كل شيء آخر، لكن عليك أولاً تحديد معنى الإرث، فوفقاً لقاموس "ويبستر" (Webster's) فإنَّ الإرث هو: "مبلغ من المال أو الممتلكات تُترَك لشخص ما في وصية".

يبدو أنَّه حتى التعريف الحديث للإرث يُركِّز في المال؛ إذاً، ماذا عن تعريفه الثاني: الإرث هو شيء ينتقل أو يُسلَّم من سلف أو شخص سابق، ولعلَّ هذا التعريف أفضل بكثير، ومع ذلك، يُسلِّط التعريف الأول الضوء على مشكلة حادة في حياة البشر؛ إذ يعتقد الناس جميعاً أنَّ إرثهم وكل قيمة في حياتهم مُشتَقَّة من المال، ولكنَّ الحقيقة ليست كذلك؛ فيجب عليك بدلاً من ذلك التفكير في إرثك على أنَّه الأفكار والتجارب الإيجابية والمشاعر الجميلة التي سوف تتركها وراءك.

إنَّ إرثك هو التأثير الذي أحدثته يوماً ما في حياة الآخرين وما يتذكرونك به بعد وفاتك، ولا يتعلق ذلك أبداً بأرباحك أو بمجرد زيادة في راتبك؛ لذلك، عليك الآن تغيير طريقة تفكيرك، وانسَ التعريف الأول للإرث وركز في الثاني، وافصل قيمتك الإنسانية عن المال واربطها بدلاً من ذلك بإرثك.

2. تحديد إرث حياتك الخاص:

إنَّ الإرث هو الهدف النهائي من حياتك وأهم غاية فيها، ومع ذلك، ما زال هناك بعض الغموض حول معناه الحقيقي؛ وهذا يعني أنَّه يمكنك تحديده بنفسك؛ بل يجب عليك ذلك وإلَّا فلن يكون لحياتك توجُّه معيَّن وستنظر إلى الوراء على فراش الموت متمنياً لو أنَّك قد فعلت المزيد.

أجمل شيء فيه هو أنَّه قد يكون أي شيء تريده، حتى المال نفسه، فما هو إرثك الشخصي إذاً؟ وما هو أهم شيء بالنسبة إليك؟ إذا كنتَ تريد أن يتذكرك الناس كزوج رائع، فتأكد من أنَّ كل أفعالك تجعلك كذلك، وإذا كنتَ تريد أن تكون أباً أو صالحاً، فتأكد من أنَّ كل ما تفعله يدعم ذلك، وإذا كنت ترغب في إحداث تأثير عالمي على مستوى التأثير الذي أحدثه "ستيف جوبز" (Steve Jobs)، فخطط وفقاً لذلك.

الغريب في الأمر أنَّك قادر بسرعة على تحديد المسمى الوظيفي أو الدخل السنوي الذي ترغب فيه، ولكنَّك لست قادراً على تحديد ما الذي تأمل أن تصبح يوماً عليه، فأنت تعرف تحديداً ما تريد الآن، ولكنَّك لا تعرف كيف تريد أن تذكرك الناس يوماً ما، فلن تكون هنا بعد 100 عام، وقد يكون ذلك مُزعجاً، لكنَّ هذا المستقبل ليس هنا بعد، فتجاهل ذلك.

إذا كنتَ ستغادر هذه الأرض في غضون قرن من الزمن، ألا يجب أن توجه جهودك نحو قضاء أفضل وقت ممكن؟ بالتأكيد، يجب أن تحاول تعظيم مشاعرك الإيجابية لأقصى درجة، فهذا جزء أساسي من إرثك بكل صدق، فعندما تعيش حياتك بنظرة إيجابية للأمور، فإنَّك ستنشر البهجة والسعادة بين الناس كنتيجة طبيعية، ويا له من إرث عظيم!

لكن لا يجب أن يتوقف إرثك عند هذا الحد؛ بل يجب أن يكون متعدد الأجيال، وقد يكون ذلك من خلال إحداثك تغييراً جذرياً في مجال ما مثل شركة "غوغل" (Google)، أو قد يكون من خلال الدروس والقيم الثمينة التي تعلمها لأطفالك، والذين بدورهم يعلمونها لأطفالهم وما إلى ذلك.

في كلتا الحالتين، فإنَّ إرثك يتكون من جزأين: يتعلق الجزء الأول بكيفية عيشك لحياتك في أثناء وجودك هنا، بينما يتعلق الثاني بما يذكرك الناس به بعد وفاتك، وأجمل ما في الأمر هو أنَّك إذا عشت حياتك بالطريقة الصحيحة بينما أنت على قيد الحياة، فإنَّ إرثك متعدد الأجيال سيزدهر من تلقاء نفسه، فتحديد كلا الجزأين متروك لك في النهاية.

شاهد بالفيديو: 5 أسئلة تحدد هدفك في الحياة

3. عيش إرث حياتك:

بعد أن توصَّلت إلى أنَّ إرثك هو الهدف النهائي وتعلمت معناه الحقيقي، تبقَّى الآن شيء وحيد؛ وهو أن تعيشه، وتذكَّر أنَّه إذا أردت أن تكون زوجاً محباً، فالتزم فقط بالأفعال الموجهة نحو إرثك، وإذا كنت ترغب في بناء شركة بقيمة مليارات الدولارات، فتصرَّف بالطريقة التي تحقق لك ذلك، ولكنَّ قول ذلك أسهل من فعله؛ لأنَّه بصرف النظر عن إرثك، ستواجه الكثير من الإغراءات التي تحاول إبعادك عن طريقك الصحيح.

خذ المؤلفين على سبيل المثال، فكل مؤلف يريد أن يكون تراثه من بين أشياء أخرى، وأن يكون مؤلفاً ناجحاً ينشر الأفكار في العقول ويحفز الناس على التفكير، ومع ذلك، كما هو الحال في معظم المهن، يتطلَّب الأمر الكثير من العمل الجاد والتفاني الهائل قبل جني أيَّة مكافآت.

قد ينظر المؤلف إلى أقرانه وهم يتسلقون المناصب في شركاتهم ويكسبون رواتب ضخمة، لا بدَّ أنَّ ذلك سيجعله يُشكِّك في الطريق الذي اختاره، فلو كان يعمل في عالم الشركات، ربما كان سيجني راتباً بهذا القدر، ويبدو أنَّه من الأسهل كثيراً أن يستسلم مبكراً ويسعى في طريق آخر، لكن عليك أن تتوقف هنا وتفكر ملياً في الأمر، ولن يكون ذلك المؤلف سعيداً أو راضياً حقاً إذا فعل ذلك، فلا شكَّ أنَّ بناء حياة مهنية في الرواية وكتابة السيناريو أمر صعب للغاية ولكنَّه مجزٍ، وهذا ما يريد أن يتذكره الناس.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فبينما الانطلاق في هذه المهنة صعب في البداية، توجد الكثير من المكافآت التي تنتظره على الجانب الآخر؛ إذ يوجد مؤلفون يكسبون 6 آلاف دولار في الأسبوع الواحد، كالكُتَّاب في استديوهات "باراماونت" (Paramount) واستوديوهات أخرى؛ لذلك، لا تُشتِّت نفسك بالتفكير فيما يجنيه أصدقاؤك من المال، فإذا واصلتَ عيش تراثك بصدق، فستُكافئ نفسك بدخل أعلى مما كنت تتخيله في أي وقت مضى.

هنا تكمن النقطة النهائية: إذا كنتَ تعيش إرثك، فلن تشعر بالرضى فحسب؛ وإنَّما سيأتي المال من تلقاء نفسه أيضاً؛ وهذا يعني أنَّ اتِّباع مسار حياة آمن بدلاً من أن تعيش إرثك هو في الواقع استثمار سيِّئ، ومن الأفضل أن تخصص وقتك نحو شيء ما تحبه؛ والذي قد يؤدي إلى نتائج مذهلة على الأمد الطويل.

لا تخف إذا كان إرثك لا يؤتي ثماره على الأمد القصير؛ لأنَّ الهدف الذي تسعى إليه طويل الأمد، وتذكَّر أنَّ إرثك هو المحدِّد الأهم لأعمالك.

الخلاصة:

لقد تكررت كلمة إرث كثيراً في هذا المقال، ولا بدَّ أنَّك تعبت من سماعها، ولكنَّها هامة جداً ويجب أن تغرسها تماماً في ذهنك، فاستخدمه كمنارة للضوء واجعله القوة الموجِّهة لحياتك، وحدد إرثك بنفسك واستخدمه عند اتخاذك القرارات، وإن كان هناك شيء يُقربك من إرثك، فافعله وابتعد كل البعد عمَّا يزيحك عنه، وتذكَّر أنَّ تركيزك اليقظ سيؤتي ثماره حتى لو لم ترَ ذلك الآن.

المصدر