3 استراتيجيات تساعدك على ممارسة التعاطف مع الذات

لقد كان عام 2020 عاماً استثنائياً؛ فقد شهدنا جائحة، واضطهادات عنصرية واضطرابات سياسية؛ ممَّا جعل الناس يشعرون بالكثير من القلق والاكتئاب والحزن وحتى الصدمة؛ حيث أبلغ نحو ثمانية من كل عشرة مديرين تنفيذيين عن ضعف صحتهم النفسية خلال هذا الوقت، وأفاد 70% من الموظفين أنَّهم لم يشعروا أبداً بالتوتر أو القلق طوال حياتهم المهنية كما يشعرون بهما الآن، بالنسبة إلى أولئك الذين يبذلون قصارى جهدهم، ولكن قد لا يكونون في أفضل حالاتهم، فلا بأس في أن تمنحوا أنفسكم استراحة وتعتنوا بأنفسكم وترأفوا بها.



تتحدَّث الكاتبة "كريستين نيف" (Kristin Neff)، مؤلِّفة كتاب التعاطف مع الذات: القوة المؤكَّدة للطف مع الذات" (Self-Compassion: The Proven Power of Being Kind to Yourself) وكتاب "التعاطف مع الذات بوعي" (The Mindful Self-Compassion Workbook)، عن أهمية التعاطف مع الذات في هذه الأوقات العصيبة وكيفية ممارسته؛ حيث تقول في كتابها إنَّ التعاطف - بحكم تعريفه - يرتبط بالعلاقات، فهو شيء نقدمه للآخرين، ولكن يمكننا أيضاً تقديمه لأنفسنا، بالإضافة إلى ذلك، يشبه التعاطف مع الذات عضلة يمكننا بناءها وجعلها أكثر مرونة مع مرور الوقت، كما يتيح لنا الشعور بمزيدٍ من التفاؤل، ويتضمَّن التعاطف مع الذات ثلاثة عناصر رئيسة، وهي:

1. ممارسة اليقظة الذهنية:

تتطلب ممارسة التعاطف مع الذات أولاً ملاحظة معاناتنا وليس تجنُّبها أو رفضها أو كبتها؛ إذ قد يؤدي القيام بذلك إلى تفاقم الأمور؛ وذلك لأنَّ "ما نقاومه يطاردنا"، وتشمل اليقظة الذهنية الوعي بتجربتنا الحالية وقبولها دون أحكام؛ وذلك لأنَّنا لا نستطيع إظهار التعاطف إذا لم نعترف بما نشعر به؛ لذا تدفعنا اليقظة الذهنية إلى التفكير بدلاً من الاستغراق في العواطف بلا وعي، على سبيل المثال: يجب أن تقول لنفسك: "أنا أمر بوقت عصيب حقاً حالياً"؛ وذلك لأنَّك عندما تدرك أنَّك تعاني، تستطيع السيطرة على عواطفك بدلاً من الضياع فيها.

تؤثِّر العواطف غير السارة في الجسد أولاً، وقد نلاحظ إحساساً جسدياً قبل أن ندرك بالضبط ما نشعر به، مثل تسارع نبضات القلب، أو الشعور بألم في المعدة، وقد يساعد تحديد العواطف المرتبطة بهذا الإحساس على زيادة وعينا بما نمر به، بالإضافة إلى ذلك، لن يكذب جسدك عليك أبداً؛ حيث يخبرك عمَّا تشعر به إذا انتبهت إلى الإشارات التي يرسلها لك؛ لذا يمكنك ممارسة بعض التدريبات التي تساعدك على فهم تلك الإشارات، وسيصبح هذا أسهل مع مرور الوقت.

إقرأ أيضاً: 3 عادات بسيطة لممارسة تأمل اليقظة الذهنية

2. ممارسة اللطف مع الذات:

لا يتعلق الأمر بالشفقة على الذات أو الانغماس في الملذات؛ بل بالطيبة والتفاهم اللَّذَين نمنحهما لأنفسنا عندما ننقد ذواتنا أو نصدر عليها أحكاماً، ويتطلب هذا إظهار الاهتمام لأنفسنا بالقدر الذي نظهره لصديق أو زميل أو أحد أفراد الأسرة؛ إذ تقول "كريستين": إنَّ إظهار اللطف مع أنفسنا، يساعدنا في الواقع على الشعور بالأمان؛ ممَّا يحدُّ من الإحساس بالتعب والإجهاد؛ لذا يجب أن تسأل نفسك: "ما الذي أحتاج إليه في هذه اللحظة لأعتني بنفسي؟"

قد يتمثَّل ذلك في أخذ إجازة ليوم واحد، أو أخذ قيلولة - وهي إحدى مزايا العمل من المنزل - أو السير لبعض الوقت.

ولكن لا يجب أن يمنعك هذا من الحصول على دعم الآخرين؛ إذ تقول "كريستين" إنَّ الحصول على الدعم أمر جيد أيضاً، ويُعدُّ جزءاً من الاهتمام بأنفسنا، كما تقول إنَّه يجب أن نمنح أنفسنا الأهمية والشعور بالقيمة، وأن نتعامل مع أنفسنا في المواقف العصيبة، كما سنتعامل مع صديق مقرَّب يمرُّ بالموقف نفسه.

شاهد بالفيديو: 10 طرق للاعتناء بالنفس

3. تذكير أنفسنا بإنسانيتنا:

عندما نعاني من شيءٍ ما، نشعر أنَّ لا أحد يشعر بقدر الألم الذي نشعر به؛ ممَّا قد يؤدي إلى الشعور بالعزلة والغيرة من الآخرين، وقد يخلق هذا حلقة مفرغة من اليأس، ويجعل رؤيتنا قاصرة وأُفقنا العاطفي ضيقاً؛ ممَّا يعزِّز المزيد من الانفصال.

ولكن من خلال التفكير بإنسانيتنا، وإدراك أنَّنا جميعاً غير كاملين وغير معصومين من الخطأ، نستطيع التعامل مع تجربتنا المؤلمة؛ وذلك لأنَّنا سندرك أنَّه في مرحلة أو أخرى من الحياة، نعاني جميعاً ونشعر بالإحباط والتحدي وحتى الفشل؛ وهذا ما أسمته "كريستين" "حكمة التذكُّر أنَّنا لسنا وحدنا".

يساعدنا تطوير هذه الحكمة ورؤية إنسانيتنا المشتركة على الشعور بمزيدٍ من الترابط مع الآخرين، وبأنَّنا لسنا وحدنا في هذا العالم؛ لذا تتمثل إحدى أقوى الطرائق التي تساعد على بناء شعور بالإنسانية المشتركة، في تشجيع الناس على الانضمام إلى مجموعات صغيرة لتبادل الأفكار والتجارب؛ حتى يدركوا أنَّهم يمرُّون بالظروف نفسها.

لقد تحدَّثت "كريستين" عن حاجزين رئيسَين يعوقان التعاطف مع الذات، أحدهما فيزيولوجي والآخر ثقافي؛ على الصعيد الفيزيولوجي، عندما يطرأ علينا شيء سلبي - مثل جائحة على سبيل المثال - أو نفشل بطريقة ما، تستقبل أدمغتنا هذه المعلومات السلبية على أنَّها تهديدٌ؛ ممَّا ينشِّط النظام العصبي الودي (sympathetic nervous system) وندخل في وضع استجابة الكر أو الفر، كمحاولة للشعور بالأمان، ومن ثم لا نستطيع التفكير بوضوح، ولا رؤية الصورة الكبيرة.

بينما يتمثَّل الحاجز الثقافي الرئيس للتعاطف مع الذات في الاعتقاد أنَّ التعاطف مع الذات سوف يقوِّض دوافعنا؛ فنحن نريد أن نقسو على أنفسنا لنتحلَّى بالدافع لبذل قصارى جهدنا، ولكن في الواقع، يُعدُّ التشجيع الذاتي حافزاً أكثر فاعلية من النقد الذاتي، أما العوائق الثقافية الأخرى، فهي مرتبطة بنوع جنس المرء، فالنساء اللواتي يضعن الآخرين في المقام الأول، يعتقدن خطأً أنَّ ممارسة التعاطف مع الذات أمر أناني، أمَّا بالنسبةِ إلى الرجال، تتمثَّل العقبة في عدِّ التعاطف مع الذات نوعاً من أنواع الضعف.

لا تتعلق ممارسة التعاطف مع الذات بالإفلات من العقاب أو اختلاق الأعذار؛ بل يضع الأشخاص المتعاطفون مع أنفسهم أهدافاً كبيرة، لكنَّهم لا يشعرون بالقلق إذا فشلوا في تحقيق هذه الأهداف؛ وذلك لأنَّهم أكثر عرضة لتطوير عقلية النمو والتعلُّم من فشلهم أو من الصعوبات التي مروا بها، بالإضافة إلى ذلك، يستطيعون النهوض بعد السقوط ووضع أهداف أخرى.

كما يجب أن نعرف أنَّ التعاطف مع الذات لا يجعل معاناتنا تختفي تلقائياً، ولكنَّه يسمح لنا بالتعامل مع أفكارنا ومشاعرنا السلبية تعاملاً أفضل وألطف؛ حتى نتمكَّن من استعادة إحساسنا بالتوازن وتعزيز مرونتنا والصمود في وجه التحديات التالية.

المصدر




مقالات مرتبطة