3 استراتيجيات تساعدك على التركيز في مكاتب العمل المفتوحة

تتلاشى مقصورات العمل لتصبح من الماضي، فلم تَعُد تُقيِّد إبداعنا وحريتنا؛ بل أصبحَت لدينا فرصة للعمل مع أقراننا بشكل أقرب.



وقد قلب الاقتصاد القائم على تشارك المعرفة مكاتبنا التقليدية رأساً على عقب، وصارت المكاتب المفتوحة وتشارُك الطاولات الكبيرة والأدوات التقنية التفاعلية من أكثر السمات شيوعاً في بيئات العمل.

ويهدف نظام العمل التشاركي إلى تعزيز التعاون وإشراك التعلم فضلاً عن تعزيز ثقافة العمل النشطة، ويُعَدُّ هذا توجُّهاً شائعاً لدرجة أنَّ بعض الشركات الناشئة تُركِّز على استخدام المطاعم كمراكز عمل تشاركية في أوقات الراحة، إلا أنَّ في هذه الأماكن ما يكفي من المشتتات لدرجة أنَّه قد يكون من الصعب العمل الجاد لدقائق عدَّة في مثل هذه البيئة، وخاصة إذا كانت جلسات العصف الذهني تصل إلى مسامعك دوماً.

وفي حين أنَّ المكاتب المفتوحة قد تُعزِّز التعاون؛ إلا أنَّ إيجاد حل لتحسين تركيز أنشطة المجموعات يعتمد على التعاون بحد ذاته، ولأنَّ الخصوصية والأداء مرتبطتان بشدة بالتركيز، فإنَّ هذا الحل يركز على ثلاثة عناصر رئيسة وهي: بنية المكتب، والاستراتيجيات الفردية، والعقلية الجماعية.

مداخل المشتتات:

لن نتخلص من مكاتب العمل التعاونية في أي وقت قريب، وتبنَّت نحو 70% من الشركات الأمريكية فكرة المكاتب المفتوحة، ولكن لم يَسلَم التصميم الجديد للمكتب من النُّقَّاد، ووفقاً للأبحاث التي نشرَتها هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" (BBC) في كانون الثاني/ يناير، تنخفض إنتاجية العمال بنسبة 15% في مكاتب العمل المفتوحة، كما يواجهون صعوبةً هائلة في التركيز فيها، وقد وجد أساتذة جامعة "سيدني" (University of Sydney) أنَّ 50% من الأشخاص لم يكونوا راضين عن خصوصيَّتهم في المكاتب المفتوحة، وتدل دراسات أخرى أنَّ أكثر من نصف العاملين غير التنفيذيين قد أبلغوا عن شعورهم بعدم الارتياح وإنتاجيتهم القليلة في مساحات العمل المفتوحة، وفي دراسة استقصائية أُجرِيَت حديثاً، أفاد 58% من الموظفين ذوي الأداء العالي أنَّهم بحاجة إلى خصوصية لحل المشكلات؛ لذا لا عجب أنَّ مكاتب العمل المفتوحة تحصل على نقد سلبي مستمر.

لم تأتِ مخاوفنا عن عبث، فقد أثبتَت الأبحاث أنَّ رنين الهاتف يمكِن أن يؤثر سلباً في الإنتاجية حيث تُسبِّب تلك الموجات والاهتزازات الصغيرة التي تصدر من الأجهزة التقنية ضرراً على أدمغتنا، ومما يبعث على القلق أكثر أنَّ مجرد وجود هاتف يقلل تركيزنا، وذلك وفقاً للأدلة والأبحاث.

ورغم وجود العديد من الموارد المتاحة اليوم لمساعدتنا على التركيز، والتي قد تساعد على التركيز، فإنَّ المبادئ التقليدية التي تتمحور حول عقلية الموظفين الفردية والبنية التنفيذية للشركة قد تكون الحل الحقيقي المنشود.

إقرأ أيضاً: 9 أماكن عمل قليلة التكلفة لتنطلق في ريادة الأعمال

الاستراتيجيات الإدارية والتنظيمية:

إحدى الخطوات الهامة على طريق تحسين تركيز الموظفين في العمل هي تحسين الاستراتيجيات الإدارية والتنظيمية، ويتمثل جزء من مسؤولية المدير في تيسير التفاعل المُثمِر، مما يعني في كثير من الأحيان تسهيل التركيز، ويمكِن أن يشارك المديرون في تنظيم قواعد المكاتب بخمس خطوات رئيسة وهي:

1. إنشاء مساحات هادئة مُخصَّصة:

قد تُوفِّر هذه المساحات الصغيرة الموارد التي تُعزِّز التركيز في بيئات العمل حتى لو كانت حيزاً محدوداً، ووفقاً للمؤلفة والاستشارية، "لورا ستاك" (Laura Stack)، فإنَّ استخدام غرفة اجتماعات مجانية أو مكتبة مؤقتة - حيث يمكِن للموظفين أن يراجعوا عملهم بدل العمل عن بعد - يسهم في المحافظة على خصوصيتهم.

2. تخصيص فترة هدوء في الجدول اليومي:

قد يساعد هذا الأمر على إكمال الموظفين لعملهم بكفاءة أكبر خلال اليوم، حيث تُخصِّص بضع ساعات للهدوء أسبوعياً، مما يُشجِّع الموظفين على العمل بشكل فردي، وعندما تضع جدولاً زمنياً مرتين أسبوعياً لمدة تتراوح بين ساعتين وثلاث ساعات في الصباح أو بعد الظهر، وعندئذ يمكِن للموظفين أن يتعاونوا حسب الحاجة.

3. تشجيع الموظفين على استخدام لافتات تحمل كلمة مشغول:

تخبر هذه اللافتات زملاء العمل بعدم مقاطعة الموظف خلال ذروة تركيزه.

4. حزمة التواصل:

تُسبِّب الرسائل الإلكترونية والمتطلبات من جانب الشركة حالةً من الإحباط، وتُقاطِع العاملين باستمرار، وينبغي للمديرين الجيدين أن ينظروا في جمع التحديثات والمعلومات في رسالة إلكترونية واحدة في اجتماع سريع، بحيث يتواصل العاملون والمديرون بشكل واضح مع بعضهم، مما يساعد في النهاية على توفير الوقت، ومنع حدوث أيِّ ارتباك في أنشطة العمل.

الاستراتيجيات الشخصية:

هناك طرائق عدَّة للمساعدة في تحسين التركيز على الصعيد الشخصي، وأوَّلها وضع سماعات الرأس، وتعتمد الاستراتيجيات على نوع المهمة، ومزاج الموظف، وطريقة تعلُّمه، وشخصيته الفريدة بحد ذاتها، على سبيل المثال: اكتشفَت الباحثة "سوزان كين" (Susan Cain) حديثاً أنَّ الأشخاص الانطوائيين هم أكثر تأثُّراً بالمحفزات في بيئاتهم المباشرة، ووفقاً لأبحاث مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" (Harvard Business Review HBR)، يستخدم البشر العديد من استراتيجيات الخصوصية بوعي ودون وعي للحد من استهلاك التحفيز والمعلومات في أثناء يوم العمل، مما يساعد على التركيز، ومن هذه الاستراتيجيات:

1. الحماية:

وهي تقنية واعية تتيح اكتساب المزيد من الخصوصية، والسيطرة على المشاريع من خلال الانسحاب إلى الأماكن المغلقة، كما أنَّنا نستخدمها دائماً عندما ترِدُنا مكالمة هاتفية، ونخرج لنردَّ عليها حتى لا يسمعنا أحد، وقد يساعد وضع خطة على التركيز وحلُّ المشكلات بعيداً عن الأماكن التي تحوي مشتتات، كما ينبغي أن تحاول الجلوس في المناطق التي تعزل فيها ذاتك، ولا تستطيع من خلالها رؤية زملاء العمل يقتربون نحوك.

وهناك تقنية نفسية تسمى: "الحماية المقصودة" (intentional shielding)، والتي تتيح للموظفين المحافظة على أحكامهم من خلال حماية أفكارهم الفردية لتطويرها بدلاً من مشاركتها علناً في جلسات العصف الذهني وتحت ضغط الأقران.

2. الانعزال:

وهو الانفصال عن المجموعة عن قصد، ومنح الموظفين الوقت لإعادة العمل والتركيز، وكثيراً ما يتمُّ اختيار هذا الإجراء عندما تتاح للموظفين فرصة استخدام غرف إضافية، أو أماكن مغلقة أخرى للخصوصية البصرية أو السمعية للتركيز على مشروع ما.

3. السرِّيَّة:

إنَّها تقنية هادفة يستخدمها الموظفون ليتمكَّنوا من التركيز وسط حشد من الغرباء، حيث يمكِنهم التركيز متى وكيف يريدون لأنَّهم مجهولو الاسم؛ فقد يبدؤون العمل في مقهىً مزدحم أو مطار.

ومن المثير للاهتمام أنَّ الأبحاث التي نُشِرَت في "مجلة أبحاث المستهلك" (Journal of Consumer Research) وجدَت أنَّ العمل في بيئات ذات مستويات معتدلة من الضوضاء قد تساعد في تحسين الأداء في المهام الإبداعية، كما يمكِن أن يكون النشاط المحيط والضوضاء حافزاً استراتيجياً للعمل عند الأفراد الذين يختارون البقاء مجهولين عندما يكون الناس أقل احتماليةً لتشتيت انتباههم.

إقرأ أيضاً: 7 فوائد للمكاتب التي يستطيع الموظفون العمل خلفها وهم واقفين (وأفضلها)

الاستراتيجيات الجماعية:

يتطلب التعاون جهداً فردياً وجماعياً على حد سواء، ويستلزم تخصيص وقت للتركيز، وتوليد الأفكار، ومعالجة المعلومات، وصياغة الاستراتيجيات، وعندئذٍ يمكِن للموظفين أن يعملوا جماعياً لمواصلة تطوير رؤية مشترَكة، ثمَّ تخصيص مزيد من الوقت للتركيز على المهام الفردية، وإذا كان المشروع صعباً بشكل خاص، فسيشدِّد الموظفون على الفترات الزمنية من العمل الفردي للتفكير وإعادة شحن أفكارهم

في الختام، تنظيم التركيز:

إنَّ التركيز هو عمل بحد ذاته، حيث يكون كل شيء منظَّماً عند التركيز، ويمكِن لأماكن العمل المشترَكة أن تعطي إحساساً بالسيطرة على العمل، مما يسمح للموظفين بتغيير مركز عملهم ووقته ومَن يرتبطون بهم.

ويُطلَق عليه اسم تنظيم التركيز أو إعادة تعريف الخصوصية في العمل، ولكن لكل عامل نصيب في عبء العمل المتمثِّل في توحيد الوقت الخاص لتحسين التركيز، ويمكِن لكل فرد أن يستفيد من تحقيق التوازن بين الأهداف الشخصية والأهداف التي يُعنَى بها الفريق برمَّته في المكتب، وعندها ستكون قادراً على إدارة الرسائل الإلكترونية المزعجة بسهولة أكبر.

 

المصدر




مقالات مرتبطة