10 مخاطر يواجهها الأشخاص السعداء يومياً

منذ ما يقرب من عقدين من الزمن طلبتُ من جدتي التوقيع على كتابي السنوي، وكان ذلك على سبيل المزاح إلى حدٍّ ما كونها علمتني طوال المدرسة الابتدائية، وقد اختتمت ما كتبته بالآتي:



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "مارك كرنوف" (Marc Chernoff)، ويُحدِّثنا فيه عن المخاطر التي يواجهها الأشخاص السعداء يومياً.

"أفضل شيء يمكنك القيام به من اليوم فصاعداً هو اتباع حدسك، خاطر ولا تتخذ فقط الخيارات الآمنة والسهلة لأنَّك تخشى ما يمكن أن يحدث؛ لأنَّك إذا قمت بذلك فلن يحدث شيء يستحق التذكر على الإطلاق".

بعد سنوات ومع ازدياد اهتمامي بعلم نفس السعادة أدركت مدى صحة كلمات جدتي؛ فالمخاطرة جزء لا يتجزأ من عيش حياة كريمة، ودون المخاطرة لا يمكنك أن تعيش حياة حقيقية؛ بل ستكون مجرد عابر سبيل في هذه الحياة، وهذا هو السبب في أنَّ أسعد الناس هم من يخاطرون قليلاً كل يوم.

فيما يأتي عشرة أمثلة عن هذه المخاطر، وبعض الأفكار عن كيفية تطبيق ذلك في حياتك الخاصة:

1. يخاطرون باحتمال تعرُّضهم للأذى:

عندما تكبر ستدرك أنَّه حتى الشخص الوحيد الذي لم يكن من المفترض أن يخذلك أبداً سيفعل ذلك بطريقة ما، من المحتمل أن يُكسَر قلبك أكثر من مرة وأنت أيضاً بالمقابل ستكسر بعض القلوب عن غير قصد؛ لذا تذكَّر كيف شعرت عندما تحطَّم قلبك، كما سوف تتجادل من حين إلى آخر مع أقرب أصدقائك، وستلوم شريكك الجديد على الأشياء التي فعلها شخص قديم، وستبكي لأنَّ الوقت يمر بسرعة كبيرة، وستفقد في النهاية شخصاً كنت تظنُّ أنَّك لا تستطيع العيش من دونه؛ فهذا ما يحدث عندما تفتح قلبك وعقلك لأعظم مسرَّات الحياة.

قال الروائي والصحفي الأمريكي "تشاك بالانيوك" (Chuck Palahniuk) ذات مرة: "الطريقة الوحيدة للعثور على السعادة الحقيقية في الحياة هي المخاطرة بالانفتاح التام"، فلا شيء يمكن أن يكون أقرب إلى الحقيقة من قوله هذا، أيُّ شخصٍ قادر على العيش والمحبة سيتعرض للأذى في مرحلة ما؛ لكنَّ هذه مخاطرة تستحق العناء، والنتيجة هي حياة مليئة بالصدق والمحبة.

لذا التقط كثيراً من الصور واضحك كثيراً وأحب كأنَّك لم تتأذَّ أبداً، ولا تخف من أن تنتهي أيامك بالألم؛ بل من ألَّا تبدأ أبداً بالصدق والحب؛ فالحياة أقصر من أن تسمح لها بأن تمر مرور الكرام؛ لذا افتح قلبك وعقلك وعش حياتك بأقصى ما تستطيع.

شاهد بالفيديو: السعادة الغاية التي ينشدها الجميع كيف نصل إليها

2. يخاطرون بإظهار حقيقتهم أمام الآخرين:

لا تحتاج إلى نيل محبة الجميع؛ فأنت قطعة فنية، ولن يرى الجميع جمالك، وفي النهاية إنَّ رأيك في نفسك هو ما يهم، وانسَ أمر أيِّ شخص لا يعجبه ذلك، توقف عن محاولة إرضاء الجميع طوال الوقت؛ لأنَّك عندما تحاول إرضاء الجميع ما عدا نفسك فأنت من سيتأذى في النهاية.

عدم قدرة شخص ما على رؤية قيمتك لا يؤدي إلى انخفاضها أبداً، إنَّها خسارتهم وليست خسارتك؛ لذا احرص على عدم إعطاء كثيرٍ من نفسك للآخرين؛ كي لا ينتهي بك الأمر بفقدان نفسك تماماً، في النهاية ستعرف من يحبك حقاً وهم الأشخاص الذين يحترمونك لما أنت عليه، وبصرف النظر عن أي شيء فهم يقفون إلى جانبك دائماً؛ لذا أحط نفسك بهؤلاء الناس.

3. يخاطرون بتفويت شيء جديد حتى يتمكنوا من تقدير ما لديهم:

ستفقد دائماً شيئاً ما؛ لأنَّك ببساطة لا يمكنك الحصول على كل شيء، ومن ثمَّ سيبدو دائماً كأنَّ شيئاً رائعاً قد يحدث في مكان آخر، ولا بأس في ذلك، فلا تتمسك بشيء، وأدرك أنَّ لديك كل شيء الآن، وأفضل ما في الحياة ليس في مكان آخر؛ بل حيث أنت الآن تماماً في هذه اللحظة، عليك أن تقبل أنَّ بعض الأشياء لن تكون لك أبداً وأن تتعلم تقدير قيمة الأشياء التي لديك.

يتمنى بعض الناس الحصول على أشياء أنت تمتلكها بالفعل وتستخف بها، والسعادة لا تأتي أبداً لأولئك الذين لا يقدرون ما لديهم بالفعل، فلا تنتظر حتى تفقد ما لديك؛ بل قدِّر الآن قيمة كل الأشياء الجيدة التي لديك في حياتك.

4. يخاطرون بمساعدة الآخرين دون توقعات:

قال الكاتب والفيلسوف الأمريكي رالف والدو إيمرسون (Ralph Waldo Emerson) ذات مرة: "الهدف من الحياة ليس أن تكون سعيداً ببساطة؛ بل أن تكون مفيداً وعطوفاً وأن تترك أثراً في الحياة يدل على أنَّك عشت حياةً جميلة".

السعادة لا تأتي من الأنانية؛ بل من خلال الإيثار؛ فكل ما تفعله يعود إليك، ابتسم في وجه الناس وشجعهم وامدحهم ولاحظ تقدمهم وارفع من معنوياتهم وكن سبباً في جعلهم يبتسمون؛ فالابتسامات مُعدية، وكلما زادت السعادة التي تحاول تقديمها للآخرين ستزيد السعادة التي تحصل عليها أنت.

5. يخاطرون بتحمل المسؤولية الكاملة عن سعادتهم:

تذكر أنَّ السعادة تأتي من اختياراتك وأفعالك؛ فانتظار شخص آخر ليقدم لك السعادة هي الوصفة المثالية للحزن، وكلما تحملت مسؤولية ماضيك وحاضرك زادت قدرتك على إنشاء المستقبل الذي تسعى إليه؛ لذا توقف عن لوم الآخرين على ما تملكه أو لا تملكه أو ما تشعر به أو لا تشعر به؛ لأنَّك عندما تلوم الآخرين على ما تمر به فإنَّك تنكر المسؤولية وتُفاقِم المشكلة؛ لذلك استجمع قواك ولا تتخلَّ عنها، وابدأ في تحمل مسؤولية حياتك؛ لأنَّ اللوم مجرد عذر مؤسف آخر، واختلاق الأعذار هو الخطوة الأولى نحو البؤس والفشل، أنت الوحيد المسؤول عن قراراتك؛ لذا اتخذها بحذر؛ لأنَّك ستشكر نفسك عليها في المستقبل.

6. يخاطرون بعواقب أخذ خطوة للأمام:

اليوم هو يوم جديد وبداية جديدة، ولقد أُعطيتَ هذا اليوم لاستخدامه كما يحلو لك، فيمكنك أن تضيعه هباءً أو يمكنك الاستفادة منه في شيء يستحق العناء، في كلتا الحالتين فإنَّ ما تفعله اليوم هام؛ لأنَّك تدفع ثمنه يوماً من حياتك، لا يمكنك دائماً انتظار الوقت المثالي؛ لأنَّه قد لا يأتي أبداً، وفي بعض الأحيان عليك أن تكون جريئاً وتُقدم على ما تريد دون تفكير.

السعادة الدائمة ممكنة فقط إذا عشت حياتك يوماً تلو يوم؛ لأنَّ الكسل والتسويف مغريين؛ لكنَّ ما يؤدي للسعادة فعلاً هو العمل، فالتحديات الكبيرة هي ما تجعل الحياة ممتعة، والتغلب عليها هو ما يجعل الحياة ذات معنى، وعندما يأتي الغد سيكون اليوم قد رحل للأبد وسيترك مكانه ما قمت به؛ فاجعله شيئاً قيِّماً يُشعرك بالامتنان.

7. يخاطرون بتحمُّل الاضطراب الذي يأتي مع النضج:

القلق الذي لا داعي له يضخِّم الأشياء الصغيرة، ولك الخيار في أن تركز على ما يشتتك أو على ما يدعمك، عليك أن تسير مع تيار الحياة بدلاً من السباحة عكسه، ودوماً في النهاية سيكون كل شيء على ما يرام؛ لكنَّك ستكون أنضج وقد تعلمت درساً جديداً في الحياة.

لا تهرب من معاناتك الحالية؛ فالألم والهزيمة المرافقان لها ضروريان لنضجك على الأمد الطويل، وتذكر أنَّ ثمة فرق بين مواجهة الهزائم وبين الانهزام، ولن تنتهي معاناتك حتى تتعلم منها الدرس الذي جاءت لأجله.

8. يخاطرون بإمكانية الفشل:

إذا كنت خائفاً جداً من الفشل فلن تستطيع فعل ما يجب القيام به للنجاح في الوصول إلى حياة مُرضية، والسر هو أن تتقبل شعورك بعدم الارتياح؛ فالراحة هي حالة من السكون والتجديد لفترة مؤقتة؛ لكنَّها تصبح كئيبة ومملة إذا كانت دائمة، فإذا كنت لا تتحدى نفسك دائماً من خلال اتخاذ خطوات صغيرة خارج منطقة الراحة الخاصة بك فإنَّ قدراتك وفاعليتك ستصبح هشَّة وضعيفة، والسبب في أنَّ الحياة يمكن أن تكون مجزية للغاية هو عدم وجود شيء مضمون.

لن تحصل على خبراتك وفرصك الحياتية إلا بعد أن تجرؤ على قبول الخسارة؛ فعندما تُقابَل جهودك بالفشل أنت تعلم أنَّك على وشك تحقيق شيء ما؛ لأنَّه على الجانب الآخر من هذا الفشل يوجد إنجاز حقيقي وجوهري لا يأتي بسهولة، ومحاولتك الفاشلة هي ببساطة دليل على أنَّك وصلت إلى مستوى أعلى، و"أعلى" هو دائماً أفضل اتجاه للسعي إليه.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح بسيطة لحياة أكثر سعادة

9. يخاطرون بقبول الحقيقة حتى لو كانت تعني خيبة الأمل:

أيام الإحباط وخيبات الأمل طبيعية تماماً، وليست شيئاً يجب أن تشعر بالذنب تجاهه؛ فالسعادة ليست ثابتة أبداً والاستسلام لحزنك - أو أي عاطفة سلبية أخرى تشعر بها - لا يجعلك شخصاً سيئاً، ولكن تذكَّر أنَّه إذا لم تكن ممتناً بصدق لكل ابتسامة فلا تكن مصدوماً بكل دمعة، أبقِ الأمور في مسارها الصحيح.

بمجرد أن تتلقى الأخبار السيئة على أنَّها دليل على ضرورة القيام بتغيير إيجابي – وليس على أنَّها أخبار سلبية - فإنَّك تتعلم منها وتنضج، ومهما واجهت في الحياة حتى لو كان ما تواجهه مؤلماً فكن قوياً وقاتل، وتذكَّر أنَّ الجدران القوية تهتز؛ لكنَّها لا تنهار أبداً، وتقدم لك الحياة دائماً فرصة أخرى في الغد.

إقرأ أيضاً: التعامل مع خيبات الأمل في الحياة

10. يخاطرون بالتخلي عمَّا لديهم والبدء من جديد:

يعوقنا التمسك بما لم يعد لدينا، فيقضي بعضنا معظم حياته في سرد الماضي وتركه يقود مسار الحاضر؛ لذا لا تُضعْ وقتك في محاولة العيش في زمان ومكان آخر؛ بل دع الماضي يذهب، ويجب أن تقبل نهاية شيء ما لتبدأ في بناء شيء جديد؛ لذا أغلق بعض الأبواب القديمة اليوم ليس بسبب الكبرياء أو عدم القدرة أو الأنانية، ولكن ببساطة لأنَّك جربتهم في الماضي وأدركت أنَّها أبواب لا تؤدي إلى أي مكان.

عندما نستمر في تكرار فكرة ما في رؤوسنا - كما نفعل جميعاً - فإنَّنا في النهاية نصدق تلك الفكرة ونتبناها سواء أكان ذلك يمنحنا القوة أم لا؛ لذا حاول أن تكون الأفكار في رأسك تدعمك وتعطيك القوة ولا تضع حوادث الماضي المؤسفة في ذهنك فقد تؤدي إلى تحطيم إمكاناتك الحالية؛ بل ضعهم تحت قدميك واستخدمهم منصةً ترفعك لترى الأفق، وتذكر أنَّ الأشياء كانت صعبة قبل أن تصبح سهلة، فما يهم هو ما تبدأ بالعمل الآن.

إقرأ أيضاً: كيف تتعلم التخلي عمَّا لا يمكنك التحكم به؟

في الختام:

تذكر أنَّ ما يهم ليس ما تعلمته من خلال قراءة هذا المقال ولكن كيفية تطبيقه، فيجب عليك أخذ خطوة ولو صغيرة، ولكن الهام أن تبدأ الآن؛ لذا اختر واحدة من النقاط العشرة أعلاه تعبِّر عنك، وتدرَّب على العمل عليها اليوم، وغداً، وكل يوم للأشهر القليلة القادمة، وفي النهاية ستجد أنَّك يوماً ما ستبدأ في فعل ذلك تلقائياً ودون التفكير حتى، وستدرك فجأة أنَّ عملك الدؤوب قد تطور إلى عادة تقودك إلى سعادة دائمة.




مقالات مرتبطة