وقف في الطابور أكثر من 1000 عامل متقاعد ممن تبلغ أعمارهم 75 عاماً أو أكثر، وكانوا على وشك البدء بإجراء مجموعة من الاختبارات الشاقة للحكم على ذاكرتهم ومهارات تفكيرهم. لقد كانت هذه البداية فقط، وكان هؤلاء المتقاعدون لمدة ثماني سنوات يصطفون كلَّ 18 شهراً لإجراء المجموعة نفسها من الاختبارات والتقييمات كما لو كانوا طيوراً مهاجرةً تتبع غرائزها.
لكنَّهم لم يكونوا مجبرين على إخضاع أنفسهم لهذه المهام والأحكام المرهقة؛ فقد سعَوا لذلك بملء إرادتهم ولسبب وجيه؛ هو أنَّ أدمغة هؤلاء الرجال والنساء من كبار السن دعمت الإجابة عن سؤال اعتقد الباحثون في علم الأعصاب أنَّ بإمكانهم حلَّه وهو: هل الحياة المليئة بالضغوطات والعمل الشاق تحسِّن حقاً من صحتك الذهنية؟
بعد ثماني سنوات من الدراسة الدؤوبة وفرز كم هائل من البيانات والتحكم بكلِّ متغير ممكن توصلوا إلى الجواب:
إنَّ حياتك التي تعيشها بتوترٍ مزمن والتي تتطلب منك تحديد الأولويات واتخاذ القرارات وإيجاد الحلول السريعة خاصة في المواقف الصعبة - المهام الصعبة اليومية التي تستنزف طاقتك كلَّ يوم - تحسِّن في الواقع من صحتك الذهنية وتزيد من قوة دماغك وتجعله أكثر استعداداً لأداء المهام لسنواتٍ قادمة.
فإذا كنت قلقاً بشأن التوتر الذي تسببه كثرة الأولويات والمهام في حياتك ومحاولتك التوفيق بينها فربما يكون ذلك جيداً؛ إذ إنَّك لا تريد لهذه المهام أن تُنفَّذ بطريقة خاطئة ولا تريد أن تتخلص منها أيضاً فعملك الشاق - الأشياء التي تكافح من أجلها؛ ولكنَّك تفتخر بإنجازها - يُحافظ في الواقع على صحتك طوال الحياة.
لماذا يجعلك العمل الشاق أقوى؟
عندما ترتاد صالة الألعاب الرياضية وتعتاد على ممارسة التمرينات الرياضية تنمو عضلاتك وينمو جسمك ويصب قوياً، وهذا أمر معلوم للجميع، والطريق إلى تحقيق الصحة الجسدية معروف - حتى لو كنا نكافح من أجل اتباعه - فإذا كنت تفعل ذلك بانتظام يمكنك أن تتوقع حصولك على بنية قوية مع تقدُّمك في العمر، فمن المنطقي أن ينطبق الأمر نفسه على عقلك؛ لذا مرِّن عقلك بانتظام ولا بدَّ من أن يصبح أقوى وأكثر حدة.
على الرَّغم من أنَّ هذا التشبيه صحيح إلا أنَّ معظم النصائح الصحية التي تقرؤها اليوم تشير إلى خلاف ذلك؛ لذا لا تبالغ في العمل وقلل من توترك وتناسَ أو أشغل ذهنك عن الأشياء الصعبة فهي نصيحة جيدة؛ فالكثير من التوتر أمر مروع بالنسبة إليك؛ ولكنَّه لا يكفي لفهم الموقف كاملاً.
إنَّ ما وجدته الدراسة التي استمرت ثماني سنوات من قبل علماء الأعصاب في جامعة ليبزيغ (University of Leipzig) هو أنَّ إجبار عقلك على العمل على حلَّ المشكلات الصعبة، والتوفيق بين مجموعة متنوعة من المهام -عند القيام بذلك بحذر- هو في الحقيقة شبيه برفع الأثقال في دماغك.
فقد خضع الرجال والنساء المشاركون في الدراسة لاختبارات الرشاقة العقلية نفسها عاماً بعد عام ودون تحيز للجنس والعِرق والوضع الاجتماعي والاقتصادي وعدد لا يحصى من المتغيرات المربكة المحتملة الأخرى، فكان أداء أولئك الذين أمضَوا أيامهم في تدريب أدمغتهم أفضل.
نحن نعلم أنَّ العمل الجاد يؤدي إلى الإنجاز، ونعلم الآن أنَّه يؤدي إلى عقل أكثر صحة مع عمر أطول أيضاً، لكن السؤال هو ماذا يمكنك أن تفعل لتعزيز فوائد العمل بجد؟
شاهد بالفيديو: 8 نصائح لتغيير عاداتك الصباحية، وجعل يومك أكثر إنتاجية
كيف تزيد من قوة عقلك كلَّ يوم؟
إذا لم يكن الأمر واضحاً الآن، فإنَّ الإجابة عن زيادة قدرات أداء عقلك إلى الحد الأقصى لبقية حياتك تكمن في كيفية تدريبها تماماً مثل جسمك؛ وهذا يعني أنَّ اتباع روتين تمرينات الدماغ سيكون ناجحاً على الأرجح إذا كان يعكس أكثر الطرائق نجاحاً لإنشاء أي روتين آخر، وفي البداية هذا يعني إنشاء جدول تلتزم به حتى تكسب عادة، ثم العمل على دمجه في كلِّ جانب من جوانب حياتك اليومية.
إليك فيما يأتي بعض النصائح التي يمكنك من خلالها تحقيق أقصى استفادة من التجربة التي يخوضها عقلك في المجالات المختلفة من حياتك:
1. في العمل:
واجه تحدياتك الكبيرة أولاً، ولا تهدر صباحك في المهام الروتينية المتكررة، بدلاً من ذلك أنجز المهام التي يبقى أثرها بعد أن ترحل؛ إذ سيساعدك توفير الوقت للعمل على الأشياء الأخرى جميعها على تحسين عملك أيضاً.
2. في البيت:
لا تجلس وتشاهد التلفاز في نهاية اليوم، لكن بدلاً من ذلك درِّب نفسك على ممارسة هوايات أكثر تحدياً وحل لغز الكلمات المتقاطعة، أو ضع خططاً لتحسين المنزل فهذه هي الأشياء التي تحافظ على صحة عقلك.
3. في العلاقات:
لا تخجل من المحادثات الصعبة مع شريكك أو أصدقائك؛ إذ يؤدي التعامل معهم معاً إلى تحسين أداء عقلك وربما علاقتك أيضاً، وناقش الأفكار الكبيرة وكيف تجعلها تنبض بالحياة.
تماماً مثل رفع الأثقال؛ إذ يحدث نمو العضلات عندما تبذل جهداً أكبر من الذي كنت تعتقد بأنَّك تستطيع بذله؛ لذا راقب مستويات التوتر لديك ودعها تحت سيطرتك لكن لا تتجنب التحديات الكبيرة؛ إذ يؤكد العلم أنَّك كلَّما واجهت تحدياتٍ أكثر استمتعت بها لفترة أطول.
أضف تعليقاً