هل سمعت بالمعلَّقات سابقاً؟
وهل تعرف أنَّ للمعلَّقات أصحاباً عرفوا واشتهروا بها؟
أما عدد المعلقات فهو سبعة، ويقال إنَّها عشر معلقات، وأصحابها الأشهر سبعة أيضاً، وهم:
- امرؤ القيس الذي اشتهر بغزله الجريء الفاحش، فلقَّبوه بحامل لواء الشعراء إلى النار.
- طَرَفة بن العبد أجود وأذكى شعراء الجاهلية منذ صغر سنه.
- زهير بن أبي سلمى الذي نشأ ضمن عائلة معظم أفرادها شعراء فكان حكيم شعراء الجاهلية.
- لبيد بن ربيعة الفارس الشجاع والشاعر المجيد.
- عمرو بن كلثوم.
- عنترة بن شداد العبسي أشهر الفرسان في العصر الجاهلي.
- الحارث بن حِلِّزة اليشكري الشاعر الجاهلي المشهور الذي يعد من أعظم الشعراء في ذلك العصر وما بعده أيضاً.
لذا قرَّرنا في مقالنا الحالي التحدث عنه للتعرف إليه وإلى شعر الحارث بن حِلِّزة وأيضاً مرض الحارث بن حِلِّزة وموته، فتابع القراءة.
نبذة عن الحارث بن حِلِّزة:
يعود نسب الحارث بن حِلِّزة اليشكري إلى قبيلة بكر بن وائل، والتي تنتمي إلى البدو في العراق، وهو الحارث بن حِلِّزة بن مكروه بن يزيد بن عبد الله بن مالك بن عبد بن سعد بن جشم بن ذبيان بن كنانة بن يشكر بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار، ويعرف بالحارث بن حِلِّزة اليشكري، أما كلمة "حِلِّزة" فتلفظ بكسر الحاء وكسر اللام المشددة، وهو لقب تم إطلاقه على والد الحارث نتيجة بخله.
نشأ في بادية العراق، وقد عرف شعر الحارث بن حِلِّزة بفخره الكبير بقومه ونسبه، فجعله ذلك مثالاً يحتذى به في الافتخار بالنسب، أما تاريخ ولادة الحارث بن حِلِّزة فلم يذكره المؤرخون بشكل مؤكد إنَّما يُقدَّر بأنَّه ولد قبل الهجرة في تاريخ يوافق 430 م.
حياة الحارث بن حِلِّزة:
الحارث بن حِلِّزة شاعر عرف بأنَّه لم يحمل الصفات الخلقية الجميلة في شخصيته، فكان أبرصاً إلا أنَّ البرص لم يمنعه من الافتخار والاعتزاز بنفسه، وكما هو معرف عن فتيان البادية فإنَّ بهم من الشجاعة والقوة البدنية والفروسية والصلابة والإقدام الكثير، فتعد تلك الصفات عماد شخصياتهم، فلا بد أنَّ الحارث بن حِلِّزة أيضاً تميز بتلك الصفات.
أما الصفات العقلية التي ميزته فكانت الحكمة أهمها، وبرز ذلك في شعر الحارث بن حِلِّزة، فقد تميز بالعقل والسياسة والدهاء والبلاغة، وأثبت ذلك عندما أراد أن يحكم عمر بن هند وهو ملك الحيرة لقومه بكر على قوم تغلب، والذي جمعهم بعد أن أخذ من كل منهم مئة غلام رهيناً، ليكفوا عن بعضهم بعضاً، فأقنعه بحقه باستخدام عقله الرزين وشعره الحكيم، فانتصرت قضية قومه عندما قام وارتجل معلقته ارتجالاً، والتي عدها الملك عمر بن هند من المقدسات، فقيل إنَّه أمر ألا ينشدها أحد قبل أن يتوضأ، وكان حينها الحارث بن حِلِّزة في العقد الرابع بعد المئة بحسب الروايات، ولكن لا توجد أرقام تؤكد قطعاً ذلك.
شعر الحارث بن حِلِّزة:
البرص هو مرض الحارث بن حِلِّزة الذي عانى منه كثيراً، فقد وقف بينه وبين حضور معظم المناظرات الشعرية التي كانت تجري في زمانه، وخاصة المناظرات التي تقوم بحضور الملوك، لذلك يعد مرض الحارث بن حِلِّزة سبب عدم تمثيله لقبيلته ومواجهته لعمرو بن كلثوم، وهو شاعر تغلب والذي وقف أمامه ومثَّل القبيلة النعمان بن هرم، ولكنَّه كان رجلاً متعاظماً ومغروراً، وذلك ما جعل خطابه مع الملك غير مستحسن الأمر، الذي أغضب الملك فأمر بطرده من مجلسه، ونتيجة ذلك تأثر الحارث بن حِلِّزة وارتجل المعلقة الشهيرة في قصر الملك، فأدهشه كما ذكرنا آنفاً.
وتُظهر حكاية إلقاء الحارث لمعلقته خلف ستائر سبع مدى تأثير الشعر الجاهلي في تلك الفترة، حيث كان يتمتع بقدرة هائلة على التأثير على الحكام والجمهور.
وتُعدّ معلقة الحارث بن حلزة نموذجًا رائعًا لشعر الفخر الذي تميز به العصر الجاهلي، حيث يظهر فيها فخر الشاعر بقومه وقبيلته، وبراعته في استخدام اللغة العربية الفصيحة.
لا يعد شعر الحارث بن حِلِّزة كثيراً، ومن قصائده قصيدة "طرق الخيال ولا كليلة مدلج" عدد أبياتها 12 بيتاً، وقصيدة "ألا بان بالرهن الغداة" وعدد أبياتها 7 أبيات، وقصيدة "يا أيها المزمع ثم انثنى" وعدد أبياتها 12 بيتاً، وقصيدة "لو أنَّ ما يأوي إليَّ" وأيضاً عدد الأبيات 12 بيتاً، وقصيدة "لما جفاني أخلائي وأسلمني" وعدد أبيات القصيدة 4 أبيات فقط، كما عدد الأبيات في قصيدة "أهلي فداء بني شبيم كلهم"، وقصيدة "نحن من عامر بن ذبيان" وعدد أبيات القصيدة 7 أبيات.
من شعر الحارث بن حِلِّزة أيضاً قصيدة "لمن الديار عفون بالحبس" وعدد الأبيات فيها 14 بيتاً، وأيضاً قصيدة "يا آل زيد مناة هل من زاجر" وعدد الأبيات في القصيدة 6 أبيات فقط، أما المعلقة الشهيرة فهي "آذنتنا ببينها أسماء" وعدد الأبيات فيها 85 بيتاً.
خصائص شعر الحارث بن حِلِّزة:
يوجد القليل من الخصائص التي تميز فيها شعر الحارث بن حِلِّزة، ومنها ما يأتي:
- نظم الحارث بن حِلِّزة معلقته الشهيرة على البحر الخفيف.
- شعر الحارث بن حِلِّزة بشكل عام، ومعلقته بشكل خاص، تميَّز بأنَّه كُتِب من أجل الدفاع عن قبيلته، فقد أطلق عليها أقاويل وإشاعات من قبل عمرو بن كلثوم.
- ذكر الحارث بن حِلِّزة في مقدمة المعلقة وقوفه على ديار أسماء، ووصف الناقة، وقد بكى على فراق الأحبة أيضاً بالرغم من أنَّ الغرض من المعلقة مختلف، ولكن حال شعر الحارث بن حِلِّزة كحال شعر شعراء الجاهلية معظمهم.
كما اشتملت القصيدة على ذكر كثير من الأيام والوقائع التي مر بها العرب؛ لذلك تعد معلقة الحارث بن حِلِّزة مثالاً عن الشعر السياسي والخطابي في عصره ذاك، كما تعد أرثاً هاماً للشعر العربي بشكل عام.
- تميَّز شعر الحارث بن حِلِّزة بمدح الملك باستخدام تشابيه ومصطلحات غزلية عذبة وصافية ابتعد فيها عن التكلف والتصنع والمبالغة بهدف كسب ود الملك ونيل رضاه ليتم توصيد العلاقة بين الملك وبني بكر، وقد ذكر وجود قرابة بين البكريين وبين الملك في شعره.
- ينمُّ شعر الحارث بن حِلِّزة عن نضوجه ووقاره وحكمته الذي لم يختلف يوماً عليه أحد.
- يتميز شعر الحارث بن حِلِّزة بأنَّه مرتجل، ويدل ذلك على قوة شاعريته وسرعة بديهته أيضاً.
- ابتعد شعر الحارث بن حِلِّزة عن الحشو في الكلام والإطالة غير المجدية، فقد حاول إيصال المعنى بشكل مختصر قدر الإمكان، كما تميز بقوة وتماسك ومتانة التراكيب.
- اقترب الحارث بن حِلِّزة في شعره من الالتزام وابتعد بشكل كبير عن التهور أو الجرأة أو السفه أو الحماسة المبالغ بها، فكان لبقاً دائماً حتى عند التحدث عن عدوه.
- تميَّز شعر الحارث بن حِلِّزة بوجود القصص والتشابيه الحسية البسيطة، فقد استخدم التاريخ واستفاد من قصصه في شعره وخاصة في الهجاء فقد عده دليلاً على صدق كلامه.
- اعتمد الحارث بن حِلِّزة في شعره على أسلوب السرد.
- اتَّسم الحارث بن حِلِّزة بالمباشرة في شعره.
وفاة الحارث بن حِلِّزة:
مرض الحارث بن حِلِّزة الوحيد الذي تم التحدث عنه عبر التاريخ هو البرص لأثره الكبير في حياته كما تحدَّثنا آنفاً، أما أخبار أخرى عن حياة أو مرض الحارث بن حِلِّزة فلم يذكرها المؤرخون، إنَّما اتفق أكثرهم على أنَّه عاش 150 عاماً تقريباً.
بالرغم من عدم وجود أرقام تحدد تاريخ الوفاة إلا أنَّ الحارث بن حِلِّزة هو أحد المعمرين في عصره، وقيل إنَّه كان يكبر عمرو بن كلثوم حين قام بمناظرته في مجلس الملك عمرو بن هند، وبشكل تقديري يمكننا القول إنَّ وفاة الحارث بن حِلِّزة كانت في عام 43 قبل الهجرة، والذي يوافق عام 580م.
في الختام:
الحارث بن حِلِّزة هو شاعر من شعراء الجاهلية الذي عرفوا بكتابتهم للمعلقات، وقد تميز في عصره بأنَّه شديد البلاغة والحكمة، كما أنَّه سريع البديهة، فقام بارتجال الشعر في المواقف المناسبة بشكل مثير للدهشة، كما حدث عندما كتب معلقته التي هدف فيها إلى نصرة قبيلته أمام ملك الحيرة.
لكن مرض الحارث بن حِلِّزة وهو البرص منعه من الوقوف ومناظرة الشعراء، وخاصة في المناظرات التي أقيمت بوجود الملوك، وبالرغم من مرضه فإنَّ الحارث بن حِلِّزة عُرِف بفخره واعتزازه بنفسه وبقبيلته، ويؤكد شعره على ذلك.
من خصائص شعره الالتزام، والابتعاد عن السفاهة وحشو الكلام، وأيضاً قوة التراكيب، والابتعاد عن التصنع والتكلف، وكذلك الاعتماد على قصص التاريخ بوصفها حججاً وأدلة على كلامه.
أضف تعليقاً