نشأة وطفولة محمد السليم
وُلد السليم في عام 1939 في قرية "مرات"، شمال غرب الرياض، في المملكة العربية السعودية. نشأ في بيئة ريفية بسيطة، وكانت الشاة (الأغنام) جزءاً أساسياً من الحياة القروية، فاعتمدوا عليها بوصفها مصدراً للرزق والغذاء، فقضى طفولته مثل كثيرين من أبناء جيله في الرعي.
كان رعي الأغنام فرصته للتأمل في الطبيعة والبحث في تفاصيل الحياة البسيطة، فنشأ لديه وعي عميق بجماليات البيئة المحيطة، سواء في الألوان، أم في الأشكال، أم حتى في الحركة الطبيعية للحيوانات والمناظر الطبيعية. كانت هذه التجربة بمنزلة الأساس الذي بنى عليه السليم رؤيته الفنية فيما بَعد.
كان شغفه بالفن واضحاً منذ الصغر، رغم أنَّه بدأ حياته في ظروف بسيطة، وأحَبَّ الرسم والتعبير عن أفكاره من خلال الخطوط والألوان حتى في وقت رعي الأغنام، ممَّا دفعه للبحث عن فرص لتطوير مهاراته الفنية بعد انتهاء مرحلته المدرسية.
السيرة الذاتية لمحمد السليم
السليم هو فنان سعودي بارز، نشأ في أسرة تتألف من خمسة أبناء، وكان والده بحَّاراً يعمل في صيد اللؤلؤ. عانى من غياب والده لفترات طويلة، فعمِلَ في رعاية الأغنام منذ سنِّ التاسعة لتأمين القوت لأسرته. تعلَّم في مدرسة قريته، وأبدى تفوقاً واضحاً، خصوصاً في مجالات الرسم والخط العربي، ممَّا أهَّله للعمل بوصفه معلِّماً في المدرسة نفسها بعد تخرجه.
انتقل إلى الرياض لاستكمال دراسته الثانوية بالتوازي مع عمله معلِّماً ومشرفاً تربوياً، وحصَلَ في عام 1970 على منحة لدراسة الفنون الجميلة في إيطاليا، حيث تأثر في البيئة الفنية الأوروبية وطوَّر أسلوبه الخاص. أسَّس بعد عودته إلى السعودية، في عام 1973، مرسمه الخاص، وأسس " دار الفنون السعودية" في عام 1979 التي دعمت الفنانين المحليين وعزَّزت الفنون في المملكة.
أطلَقَ في عام 1980 مدرسته الفنية الخاصة التي أسماها "المدرسة الآفاقية"، وهي تعكس فلسفة الصحراء وتأثيرها في إبداعه الفني، كما ألَّف كتاباً حول هذه المدرسة شرَحَ فيه مفهوم فن الصحراء وأسلوب الامتداد الأفقي الذي ميَّز لوحاته.
كان متزوجاً وله سبع بنات وابن وحيد. برزَت ابنته نجلاء محمد السليم بوصفها فنانة تشكيلية ناجحة، فأحيَت ذكرى والدها وحافظت على إرثه الفني، أمَّا ابنه طارق، فقد درس في الولايات المتحدة الأمريكية وحصلَ على درجة الماجستير في مجال المعلوماتية.
المسيرة المهنية لمحمد السليم
تُعدُّ واحدة من أهم المحطات في تطور الفن التشكيلي السعودي، فأسَّس لنفسه مكانة بارزة في الساحة الفنية من خلال أسلوبه الفريد الذي جمع بين التراث السعودي والفن الحديث. فيما يأتي أهم محطات مسيرته المهنية:
1. البداية الفنية
بدأت مسيرته الفنية في سنٍّ مبكرة، عاش طفولته في قرية "مرات"، واعتاد التعبير عن نفسه بالرسم باستخدام أدوات بسيطة، مستمداً إلهامه من الطبيعة المحيطة به والحياة الريفية التي كان يعيشها. لم يكن هناك تعليم رسمي للفنون في ذلك الوقت، لكنَّه طوَّرَ موهبته بجهوده الذاتية.
2. الانتقال إلى الرياض والتوسع الفني
كان الانتقال إلى العاصمة الرياض نقطة تحول هامة في مسيرته الفنية، فانفتح على فرص جديدة للتعليم والتعلم الفني، والتحقَ بدورات تدريبية واحتكَّ بالفنانين الآخرين وشارَكَ في الفعاليات الفنية.
3. الدراسة في إيطاليا وبداية العالمية
حصَلَ في الستينيات من القرن العشرين على فرصة للسفر إلى إيطاليا لدراسة الفن، فتعرَّض خلال وجوده فيها لتيارات الفن الحديث والمعاصر، ممَّا وسَّع من مداركه الفنية وأثرى معرفته بأساليب جديدة وتقنيات مبتكرة.
كانت التجربة الإيطالية بمنزلة انعطافة كبيرة في مسيرته الفنية، فنظَرَ إلى الفن من منظور عالمي، ولكنَّه لم يتخلَّ عن جذوره؛ بل مزَجَ بين ما تعلَّمَه من أساليب حديثة، مثل التجريد والتكعيب وبين التراث السعودي الغني، ممَّا خلق أسلوباً متميزاً جعله يبرز في الساحة الفنية السعودية والعالمية.
4. العودة إلى السعودية
عاد بروح فنية جديدة، وعرَضَ أعماله الفنية، وعزَّز الحركة الفنية المحلية من خلال تقديم رؤيته التي تجمع بين الأصالة والتجديد. شارَكَ في عدد من المعارض المحلية والدولية، فعرَضَ أعماله في معارض في السعودية وأوروبا والولايات المتحدة.
5. تأسيس مدرسة الربط بين التراث السعودي والفن الحديث
كان يعتقد أنَّ الفن يجب أن يعكس الهوية الوطنية، لكنَّه في الوقت نفسه يجب أن يكون متجدداً وحديثاً.
6. دوره في التعليم والتوجيه الفني
عملَ بوصفه مدرِّساً للفن في عدد من المؤسسات التعليمية السعودية، فدرَّس الفن والتوجيه الفني لعدد من الفنانين الشباب.
7. وفاته
استمرَّ في إنتاج أعمال فنية تعبِّر عن تطوره الفني حتى في سنواته الأخيرة، وتوفي عام 1997، لكنَّه ترك إرثاً كبيراً من الأعمال التي لا تزال محفوظة في عدد من المتاحف والمؤسسات الفنية.
إنجازات محمد السليم
كان من أبرز الفنانين السعوديين الذين تركوا بصمة مميزة في عالم الفن التشكيلي، وطوَّرَ هذا المجال في المملكة العربية السعودية، وفيما يأتي أهم الإنجازات التي حقَّقهاة:
1. تأسيس منهج فني خاص "الآفاقية"
تأثَّر في الفن الإيطالي لفترة بعد تخرجه من كلية الفنون الجميلة في فلورنسا عام 1973، لكنَّه سرعان ما طوَّر أسلوباً فنياً خاصاً به أطلق عليه "الآفاقية".
استوحى هذا الأسلوب من حبِّه للصحراء، وخاصة مشاهد الغروب وتدرُّجات الألوان فيها، ليقدِّم رؤية جديدة ومميَّزة تعبِّر عن البيئة السعودية.
2. إنشاء دار الفنون السعودية وصالة الرياض العالمية للفنون التشكيلية
افتتح من خلال تلك الدار "صالة الرياض العالمية للفنون التشكيلية"، واستقطَبَ منها الفنانين المحليين والدوليين، فأقامَ المعارض والمسابقات، ممَّا ساهم في نشر الفن السعودي ودعمه على المستويين المحلي والعالمي.
3. المعارض الفنية والدعم للفنون التشكيلية
نظَّمَ عدداً من المعارض الفنية التي أوصلَت أفكاره للجمهور.
4. الجوائز والتكريمات
حصل على عدد من الجوائز والتقديرات في المملكة العربية السعودية وعلى المستوى العربي والدولي، تقديراً لإسهاماته في الفن التشكيلي.
5. إسهامات فنية في الأماكن العامة
أنشأ مجسَّمات فنية كبيرة في أماكن بارزة بمدينة الرياض، ومن أشهرها مجسَّم على مدخل مطار الرياض القديم، وهي مبادرات لزيادة جمالية المدينة. يمتلك سبع مجسَّمات أخرى معروضة في جنوب الرياض منذ أكثر من 25 عاماً، إضافة إلى 20 مجسَّماً آخر في مكان تصنيعها، دون اهتمام من الجهات الرسمية.
6. إعادة لوحاته النادرة
عُرِضَت في عام 2018 لوحتَين نادرتَين له في مزاد كريستيز العالمي في لندن. فُقدتا بعد أن باعهما لسداد ديون مؤسسته الفنية، فاستعادتهما ابنته بعد سلسلة من المفاوضات.
التحديات التي واجهت محمد السليم
واجه عدداً من التحديات خلال حياته ومسيرته الفنية، ومن أبرزها:
1. نقص الدعم العائلي
لم يحظَ بالدعم من أسرته، التي كانت قروية وتهتم بالأعمال التقليدية، مثل الفلاحة، ولم تُظهر اهتماماً بفنه أو علمه رغم موهبته.
2. ندرة الأدوات الفنية
عانى بعد عودته إلى السعودية من إيطاليا من نقص الأدوات والخامات الفنية اللازمة، مثل الألوان واللوحات المصنوعة بجودة عالية، فلم يعد بإمكانه متابعة أعماله بالمستوى المطلوب.
3. نظرة المجتمع للفنون
تعدُّ ممارسة الفنون التشكيلية في السعودية في فترة نشاطه الفني غير مفهومة أو مستحبَّة، فجعلَته هذه النظرة السلبية للفن يواجه صعوبة في الانتشار والتواصل مع جمهور أوسع.
4. صعوبات مادية
تعرَّض السليم لأزمات مالية خلال مسيرته،وهو ما أفقده لوحات هامة لمدة طويلة، حتى استعادتها ابنته لاحقاً بعد مفاوضات.
5. قلة الاهتمام الرسمي
لم تحظَ بعض أعماله بالاهتمام الكافي من الجهات الرسمية، رغم إنجازاته.
6. الفجوة بين التجربة الأوروبية والمحلية
واجهَ بعد دراسته في فلورنسا وتأثرهفي الفن الإيطاليتحدياً في دمج الأساليب الفنية الأوروبية مع الثقافة السعودية، ومحاولة نقل هذا المزج الفني إلى الجمهور المحلي الذي لم يكن مألوفاً له تلك الأنماط الفنية.
تأثير محمد السليم في المجتمع السعودي
ترك تأثيراً كبيراً في المجتمع السعودي والعالمي من خلال أعماله الفنية ورؤيته الإبداعية، فغيَّرَ نظرة المجتمع إلى الفنون التشكيلية، ممَّا عزَّز الوعي بأهمية الفن بوصفه وسيلة للتعبير الثقافي والهوية الوطنية.
دمَجَ التراث السعودي مع الأساليب الحديثة، وأسَّس لمدرسة فنية مميزة تبرز أصالة الثقافة المحلية، ومن خلال مشاركاته في المعارض المحلية والدولية، قدَّم الفن السعودي إلى العالم.
أهم الأقوال والاقتباسات المأثورة لمحمد السليم
- الفن هو مرآة تعكس روح المجتمع.
- يجب أن نعيش الفن ونجعله جزءاً من حياتنا اليومية.
- الفن هو لغة عالمية، تتجاوز الحواجز الثقافية واللغوية.
- لا يعرف الإبداع حدوداً، وعلينا أن نحرر خيالنا لنصل إلى آفاق جديدة.
- أرى أنَّ الفن يجب أن يكون وسيلة للتغيير، ليس فقط في الحياة الفردية ولكن في المجتمع بأسره.
- الألوان هي الكلمات التي تعبِّر عن مشاعري، وأنا أستخدمها لأخبر قصتي.
- يعبِّر الفن عن ذاتي، وهو جزء لا يتجزأ من هويتي.
- الفنان هو مَن يستطيع رؤية ما لا يراه الآخرون.
الجوائز والتكريمات
حصل على عدد من الجوائز والتكريمات تقديراً لإسهاماته الفنية ودوره في تطوير الحركة الفنية في المملكة، وفيما يأتي بعض من أبرز الجوائز والتكريمات التي حصل عليها:
1. جائزة وزارة الثقافة والإعلام
حصلَ عليها تقديراً لمساهماته الكبيرة في الفن التشكيلي، مما يبرز دوره في تعزيز الثقافة الفنية في المملكة.
2. تكريم من الجمعية السعودية للفنون التشكيلية
كُرِّم تقديراً لإسهاماته المميزة في تطوير الفن التشكيلي، ممَّا يعكس تأثيره الكبير في الفنانين الآخرين.
3. جوائز في المعارض المحلية والدولية
شاركَ في عدد من المعارض الفنية وحصل على جوائز متعددة من معارض داخل المملكة وخارجها.
حقائق غير معروفة عن محمد السليم
مَرَّ ببعض التحديات رغم شهرته وإسهاماته الكبيرة في الفن التشكيلي السعودي التي قد لا يعرفها الكثيرون:
1. مشروع المجسَّمات الجمالية
نفَّذ سبعة مجسمات فنية ضخمة لتزيين مدينة الرياض، وصرف عليها كل ثروته؛ بل واقترَضَ من بنوك محلية ودولية، ورغم جهوده الكبيرة، لم يفز بمناقصة أمانة منطقة الرياض لتزيين المنطقة، فذهبَت المناقصة لمشروع آخر مرتبط بالتشجير.
تركَ ذلك المشروعُ الفنانَ في أزمة مالية حادة؛ إذ بقيت المجسمات مخزَّنة في معمله دون استخدام، فأفلسَ وأغلَقَ "دار الفنون السعودية" التي أسسها.
2. الإفلاس بعد النجاح
كان إفلاس دار الفنون السعودية حدثاً صادماً على الرغم من نجاحاته، وتزامنَ مع تراكم الديون عليه نتيجة استثماراته الفنية الكبيرة التي لم تؤتِ ثمارها.
في الختام
تجسِّد مسيرته المهنية بوصفه فناناً تشكيلياً ورمزاً للإبداع والتجديد في المشهد الفني السعودي رحلة ملهمة تتخللها التحديات والإنجازات. دمَجَ بفضل رؤيته الفنية الفريدة التراث الثقافي السعودي مع الأساليب الحديثة، ممَّا شكَّل هوية فنية مميَّزة تأسر قلوب المشاهدين، كما ألهمَ أجيالاً من الفنانين من خلال أعماله التي تعكس روح البيئة المحلية والهوية الوطنية. نأمل أن تستمر تأثيراته الإيجابية وأن تظلَّ أعماله مصدر إلهام للأجيال القادمة، ممَّا يُثري الفن والثقافة في السعودية والعالم.
أضف تعليقاً