لقد نتج عن احتمالات زيادة الإمدادات فى السوق العالمية قبل الموعد المتوقع إلي تراجع سعر النفط عقب قرار أوبك، وعلى الرغم من وصول خام برنت إلي ما يزيد قليلًا عن مستوي 85 دولار للبرميل إلا أنّ تلك الأخبار غيرت من المعادلة لسوق النفط العالمية في النصف الثانى من العام.
يقول أحد محلِّلي السوق أن إعلان أوبك بلس قد فاجأ السوق مما تسبب فى تراجع أسعار تداول النفط وبالنسبة للمستهلكين، قد يؤدي قرار أوبك بلس بزيادة مستوي الإنتاج إلى الحد من أسعار البنزين، وبالنسبة للشركات يمكن إبقاء تكاليف المدخلات القائمة على النفط تحت السيطرة، مما يساعد فى تقليص الضغوط التضخمية.
حقّق خام برنت ارتفاعًا بنحو 20% منذ بداية العام وحتي منتصف أبريل ليصل عند مستوي 93 دولار للبرميل، ثم تراجع إلى ما دون 80 دولار للبرميل بحلول نهاية شهر مايو، لكن أداء الاقتصاد العالمى الذي كان أقوى من المتوقع والإحتمالات المتزايدة بخفض أسعار الفائدة في المستقبل بما يصب في صالح الأسعار من جانب البنوك المركزية العالمية والبنك الاحتياطى الفيدرالى دفعت الكثير من المحلِّلين إلي اعتبار أن هذا التراجع كان مجرد انزلاق قصير الأجل.
لقد كان أداء الاقتصاد العالمى أفضل بكثير مما كان متوقّعًا في بداية هذا العام، حيث نما النشاط الاقتصادي خارج الولايات المتحدة وشهد الاقتصاد الصينى استقرارًا، وبرغم ذلك، من غير المرجح أن يقوم البنك الاحتياطى الفيدرالى بخفض سعر الفائدة بالسرعة التى توقعها المحلِّلون في السابق، حيث يعتقد أغلب محافظى البنك الاحتياطى الفيدرالى الآن خفضاً واحداً فقط لأسعار الفائدة خلال هذا العام، في حين توقع غالبية المحلِّلين تخفيضات متعددة مع بداية العام.
ومع تعديل التوقعات بشأن موعد خفض البنك الاحتياطى الفيدرالى لأسعار الفائدة، وزيادة الإنتاج المحتملة من قبل أوبك بلس فى أكتوبر القادم، قلّص خبراء السوق من توقعاتهم لأسعار النفط خلال النصف الثانى من العام بين 80 دولار – 85 دولار للبرميل.
يمثل النفط حوالي نصف سعر البنزين في الولايات المتحدة، الذي تراجع بنحو 15 سنت للغالون فى شهر مايو ليصل إلى 3.55 دولار للغالون، في العادة، تشهد أسعار الغاز ارتفاع مع اقتراب موسم العطلات الصيفية، ولكن إعلان أوبك الأخير قد يخفف من ارتفاع البنزين المعتاد في فصل الصيف.
توقعات الطلب المتباينة تؤثر أيضًا علي الأسعار:
في وقت سابق من شهر يونيو خفضت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية توقعاتها لمتوسط خام برنت خلال هذا العام من 88 دولار للبرميل إلى 84 دولار، وفي اليوم التالي قامت وكالة الطاقة الدولية بتخفيض توقعاتها لمعدلات الطلب العالمية علي النفط هذا العام بواقع 100 ألف برميل يوميًّا ليصل إلي 960 ألف برميل.
وقد تساعد التوقعات المتباينة لمعدلات الطّلب أيضًا على إبقاء الأسعار تحت السيطرة، نظرًا لتأثيرها علي عملية صنع القرار، علي سبيل المثال: تؤكد منظمة أوبك أن معدلات الطلب العالمية على النفط سترتفع بنحو 2.2 مليون برميل يوميًّا هذا العام، وهو ما يزيد على ضعف توقعات وكالة الطاقة الدولية، وكان تفاؤل أوبك هو الذى قادها إلى قرارها بإلغاء تخفيضات الإنتاج.
فى الوقت نفسه، اقترح محلِّلوا جي بي مورجان أنّ عددًا من دول أوبك تخطّت بالفعل مستويات خفض الإنتاج المقررة، وأن الطّلب الموسمي قد يدفع الطلب علي النفط الخام إلى الإرتفاع بنحو 4 ملايين برميل يوميًّا حتى أغسطس، مما يقلِّص من المخزونات العالميَّة الحالية.
أشار التقرير إلى أن عملية سحب المخزونات في فصل الصيف يجب أن يكون كافيًا لإعادة خام برنت إلى نطاق 80-90 دولار بحلول سبتمبر. حيث تتوقع وكالة الطاقة الدوليّة أيضًا أن يكون الإستثمار العالمى السّنوي فى الطّاقة النظيفة سيضعف من الإستثمار فى الوقود الأحفوري خلال هذا العام، ممَّا سيحد من ارتفاع أسعار النفط.
العوامل التي تؤثر على أسعار النفط:
1. العرض:
لقد سعت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) إلى التأثير على أسعار النفط العالميّة من خلال الحد من إمدادات الخام لعقود من الزمن وبدرجات متفاوتة من النجاح، وفي السنوات الأخيرة، تقوضت قدرة أوبك على تحديد الأسعار بسبب تطوير إمدادات النفط الصخري في الولايات المتحدة القاريّة، لكنها تعزّزت بتحالف أوبك مع روسيا وغيرها من المصدِّرين تحت مظلة جديدة تسمي أوبك بلس، وتواصل الحكومات وشركات النفط والمضاربون إيلاء اهتمام وثيق لكل قرار تتخذه أوبك بلس.
وقد تتأثر سياسات أوبك بدورها بالتطورات الجيوسياسية، فبعض أكبر منتجي النفط في العالم غير مستقرّين سياسياً.
في الماضي، تسببت الإضطرابات في العرض الناجمة عن الأحداث السياسية في تحول أسعار النفط بشكل كبير، علي سبيل المثال: كانت الثورة الإيرانية والحرب بين إيران والعراق والحظر النفطي العربي وحروب الخليج الفارسي من الأحداث البارزة بشكل خاص المؤثرة على أسعار النفط، كما تسببت الأزمة المالية الآسيوية والأزمة الاقتصادية العالمية في عامي 2007 و 2008 في حدوث تقلبات.
يمكن أن تؤثر الإبتكارات التكنولوجية والظروف المالية أيضًا على مستويات إمدادات النفط الخام من خلال التأثير على أحجام الإنتاج والتكاليف، على سبيل المثال: أدَّت التطورات في تكنولوجيا التكسير الهيدروليكي إلى زيادة كبيرة في إمدادات النفط الخام المستخرج من الصخور، حيث جعل ما يسمى بالنفط الصخري الولايات المتحدة مصدرًا صافيًا للنفط الخام والمنتجات ذات الصلة لأول مرة منذ أربعينيات القرن العشرين في عام 2018.
2. الطلب:
يميل النمو الاقتصادي القوي والإنتاج الصناعي إلى تعزيز الطلب على النفط، كما ينعكس في زيادة الطلب من الدول النامية سريعة النمو في السنوات الأخيرة، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية:
انخفض استهلاك النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بين عامي 2000 و2010، بينما زاد استهلاك النفط غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأكثر من 40%، لقد شهدت الصين والهند والمملكة العربية السعودية أكبر نمو في استهلاك النفط بين الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خلال هذه الفترة.
وتشمل العوامل المهمة الأخرى التي تؤثر على الطلب على النفط النقل والنمو السكاني والتغيُّرات الموسمية، على سبيل المثال: يزداد استخدام النفط خلال مواسم السفر المزدحمة في الصيف، وفي الشتاء عندما يتم استهلاك المزيد من وقود التدفئة.
3. المشتقات والتقارير:
على نحو متزايد، يشتري المشاركون في السوق ويبيعون النفط الخام ليس في شكله المادي ولكن من خلال العقود الآجلة وعقود الخيارات، على سبيل المثال: تستخدم شركات الطيران ومنتجو النفط المشتقات مثل العقود الآجلة وعقود الخيارات للتحوط ضد التقلبات في أسعار النفط الخام، في حين يستخدم المضاربون نفس الأوراق المالية على أمل الإستفادة من تحركات الأسعار في النفط الخام.
إنّ مثل هذه الأدوات التحوُّطية مهمّة للعديد من منتجي النفط والمستهلكين لأن أسعار النفط يمكن أن تكون متقلِّبة للغاية، أحد الأسباب التي تجعل أسعار النفط متقلِّبة في كثير من الأحيان هو أنَّ مستهلكي النفط الخام بطيئون نسبيًّا في تغيير استهلاكهم استجابة للتغيرات في أسعار النفط، ويميل المنتجون إلى أن يكونوا بطيئين بشكل مماثل في تعديل الإنتاج، لذا فإن السعر لابد وأن يتحرك أكثر لتحقيق التوازن بين العرض والطلب في أوقات الإضطرابات لكلٍّ منهما.
إن التقارير المتعلقة بأرقام الإنتاج والقدرة الإحتياطية والإستثمار قد تؤثر جميعها على أسعار النفط الخام في الأمد القريب، كما قد تؤثر على تصورات المخاطر التي تهدِّد العرض ومعنويات السوق بشكل عام، ومن بين التقارير الأكثر متابعة تقرير أوبك الشهري عن النفط وتقرير وكالة الطاقة الدولية عن سوق النفط وبيانات المخزون الأسبوعية من كل من إدارة معلومات الطاقة الأميركية ومعهد البترول الأميركي.
ما مدي تأثير أوبك على أسعار النفط العالمية؟
إن العديد من أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم هي جزء من كارتل يُعرف باسم منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، في عام 2016 تحالفت أوبك مع دول أخرى من كبار الدول المصدِّرة للنفط من خارج أوبك لتشكيل كيان أكثر قوة يسمى "أوبك بلس"، ويتمثل هدف الكارتل في فرض السيطرة على سعر الوقود الأحفوري الثمين المعروف بالنفط الخام.
وفقًا لأرقام عام 2021 من المنتدى الاقتصادي العالمي، تسيطر أوبك بلس على حوالي 40% من إمدادات النفط العالمية وأكثر من 80% من احتياطيات النفط المؤكَّدة، يضمن هذا الموقف المهيمن أن يكون للتحالف تأثير كبير على سعر النفط على الأقل في الأمد القريب، ولكن على المدى البعيد، تتضاءل قدرته على التأثير على سعر النفط، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى أن الدول الفردية لديها حوافز مختلفة عن أوبك بلَس ككل.
إذا كانت دول أوبك بلَس غير راضية عن سعر النفط، فمن مصلحتها خفض إمدادات النفط حتى ترتفع الأسعار، ومع ذلك، لا تريد أي دولة على حدة خفض العرض لأنّ هذا يعني انخفاض الإيرادات، ومن الناحية المثالية، تريد أن يرتفع سعر النفط بينما تزيد العرض حتى ترتفع الإيرادات أيضًا.
ومع ذلك، هذه ليست الطريقة التي تعمل بها ديناميكيات السوق، يتسبب تعهد أوبك بلَس بخفض العرض في ارتفاع فوري في سعر النفط، وبمرور الوقت، يعود السعر إلى مستوى أقل عادة، عندما لا يتم خفض العرض بشكل ملموس أو عندما يتكيَّف الطلب.
على العكس من ذلك، يمكن لأوبك بلَس أن تقرِّر تعزيز العرض، على سبيل المثال: في يونيو 2018 اجتمعت الكارتل في فيينا وأعلن أنه سيزيد العرض، وكان السبب الرئيسي وراء ذلك هو تعويض الإنتاج المنخفض للغاية من قبل فنزويلا (العضو في أوبك بلس).
تعتبر المملكة العربية السعودية وروسيا هما من أكبر مصدِّري النفط في العالم، وكلاهما لديه القدرة على زيادة الإنتاج، ومن المؤيِّدين الكبار لزيادة العرض، لأن ذلك من شأنه أن يزيد من عائداتهما، ومع ذلك، فإن الدول الأخرى التي لا تستطيع زيادة الإنتاج، إمَّا لأنها تعمل بكامل طاقتها أو لا يُسمح لها بذلك، سوف تعارض ذلك، في النهاية، تحدِّد قوى العرض والطلب توازن الأسعار، على الرغم من أنّ إعلانات أوبك بلَس التي يمكن أن تؤثر مؤقتًا على سعر النفط من خلال تغيير التوقعات.
في حين أنّ تطورات سوق النفط لها تداعيات في جميع أنحاء الاقتصاد، فإن التغيرات في أسعار النفط لها تأثير خاص على التضخُّم، ومع ذلك، انخفضت قدرة النفط على دفع التضخُّم في الولايات المتحدة على مدى العقود الأخيرة مع انخفاض اعتماد الاقتصاد على النفط.
تميل أسعار النفط إلى التأثير بشكل أكبر على مؤشر أسعار المنتجين (PPI) الذي يقيس الأسعار على مستوى البيع بالجملة، مقارنة بمؤشر أسعار المستهلك (CPI) الذي يقيس الأسعار التي يدفعها المستهلكون.
في الختام:
لقد كان النفط لفترة طويلة المحرِّك للاقتصاد العالمي وحتى اليوم، وعلي الرغم من اكتساب البحث عن مصادر بديلة للطاقة الأرضية إلا إنّه يظل سلعة أساسية، وفي حين يلعب النمو العالمي دوراً رئيسيًّا في تحديد أسعار النفط، فإن ديناميكيَّات العرض المتأثرة بالتطورات السياسية فضلاً عن الابتكارات التكنولوجية في استخراج النفط الخام ومصادر الطّاقة البديلة تشكل أيضًا عوامل مهمّة في سوق النفط.
أضف تعليقاً