ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون "كريس جيلبو" (Chris Guillebeau)، ويُحدِّثنا فيه عن الصعوبات التي واجهها في تعلُّم الرياضيات في حياته.
لقد حاولت كثيراً ولكن لم أستطع التعلم، وحاولت مراراً وتكراراً ولم يكن الأمر سهلاً، فشلت في التقدم في أكثر من مستوى رياضيات الصف السابع، ويمكنني فهم المبادئ الأساسية جداً للجبر والهندسة ولكن لا شيء أكثر من ذلك، وحاول ناس كثيرون مساعدتي وقرأت الكتب والتحقت بدورات تعليمية، ولكن على الرَّغم من كلِّ ما فعلته لم يفلح شيء.
بعد ذلك بسنوات عديدة في عام 1997 كنت أحاول التخرج من الجامعة؛ إذ تمكنت من الالتحاق بكلية المجتمع، وكنت قد نجحت في الفصول جميعها باستثناء الرياضيات وكنت أدرس للحصول على شهادة في علم الاجتماع والذي لحسن الحظ لم يتطلب دراسة الرياضيات المتقدمة؛ ولكنَّه تطلب بعض المهارة في الرياضيات.
في الربع الأخير من العام قبل التخرج ذهبت إلى الكلية لحضور فصل رياضيات بسيط للغاية، وكان معظم زملائي الطلاب أشخاصاً تتوقع أن يكونوا غير مؤهلين أو لا يستطيعون تحمل تكاليف جامعة عادية، كانوا أشخاصاً يعملون فوق طاقتهم غالباً في وظائف عديدة بدوام جزئي، وكان لدى معظمهم أطفال صغار ولا يستطيعون الحصول على رعاية الأطفال؛ وبعبارة أخرى كنت محظوظاً نسبياً موازنة بهم.
في تلك المرحلة كنت أتمتع أيضاً بمهارات اجتماعية وكانت تظهر لدي العلامات المبكرة للقدرات القيادية؛ لذلك استثمرتها بعدِّها نقطة قوتي الوحيدة، طرحت أسئلة في الفصل وحاولت عموماً أن أبيِّن أنَّني منتبه، وعندما كان علينا القيام بعمل جماعي نظمت المجموعة وتحدثت نيابة عنها، وبصفتي قائداً حاولت تسليط الضوء على الآخرين في المجموعة وإبراز مساهماتهم.
مع ذلك أبقتني هذه الاستراتيجية في طليعة الفصل لمدة أسبوعين فقط بمجرد أن بدأنا في تعلم أشياء أصعب من الرياضيات الأساسية للغاية تخلفت عن الركب، وقد حاول زملائي شرح الصيغ لي، وتظاهرت بالفهم لأنَّه كان محرجاً أن أكون جاهلاً لتلك الدرجة.
لكن كونها كلية مجتمع كان من الصعب أن تفشل طالما بذلت جهداً، وقد بذلتُ بالتأكيد جهداً كبيراً لا أتذكر الدرجة التي حصلت عليها في ذلك الفصل ولكن إذا كانت أعلى من درجة ضعيف فأنا متأكد من أنَّني لم أستحقها.
تكرر هذا الموضوع بعد عام في الدراسات العليا عندما كان لدي مادة إحصاء، كانت التجربة كارثية من بدايتها إلى نهايتها، شعرت بأنِّي في عالم لا أفهم فيه كلمة، وفي مثل هذه الحالات قد يبدو أنَّ أمامي واحداً من خيارين؛ أن أتعلم أو أفشل، ولكن توجد استراتيجية أخرى وهي التي اتبعتها حضرت كلَّ فصل ولم أتأخر أبداً، وجلست في الصف الأمامي وطرحت أسئلة لأثبت أنَّني منتبه.
في يوم الاختبار النهائي نظرت إلى الورقة ولم أفهم أياً من الأسئلة تقريباً، كتبت كلاماً غير مفهوم على الجانب الأمامي من الورقة ورسمت سهماً للإشارة إلى أنَّ التتمة على الجانب الخلفي وعلى هذا الجانب كتبت قائمة "أهم 10 أشياء تعلمتها في فصل الإحصاء" وتأكدت من أنَّ بعضها يتعلق فعلاً بمعلومات في الفصل حتى لو لم أفهمها وفي النتيجة حصلت على درجة متوسط.
شاهد: 12 نصيحة لتسريع عملية التعلم
عسر الحساب:
أخبركم كلَّ هذا لأنَّني أفترض أنَّك إذا كنت ما تزال تقرأ، السبب غالباً هو أنَّك تعاني أيضاً صعوبة في الرياضيات؛ فقد قرأت كتاباً بعنوان "الجاسوس الذي لا يستطيع التهجئة" (The Spy Who Couldn’t Spell). يحكي الكتاب قصة الجاسوس الأمريكي "بريان ريغان" (Brian Regan) وهو شخص ذكي ولكن أخرق، كان لديه تصريح أمني يتيح له الوصول إلى معلومات بالغة السرية، وكان قد خبَّأ آلاف الصفحات من المعلومات الاستخبارية في حاويات طعام في أنحاء غابات ماريلاند وفيرجينيا جميعها، وكلُّ ذلك في محاولة فاشلة لكسب ملايين الدولارات من حكومات أجنبية مقابل هذه المعلومات.
سأختصر القصة، كان جزء من حلِّ الجريمة يعتمد على خبير حكومي يدعى "دانييل أولسون" (Daniel Olson) الذي استُدعى للمساعدة في فك شيفرات الرموز العديدة التي وضعها ريغان حتى لا ينكشف أمر تجسسه، وهنا يصبح الأمر ممتعاً وليس قصة التجسس بحد ذاتها؛ بل علاقتها بقصتنا هنا:
"لم يكن أداء أولسون سيئاً في المدرسة بقدر ريغان، ولكن تماماً كما عانى ريغان عسر القراءة كافح أولسون مع ما كان يُعده إعاقة شديدة تتمثل في عدم القدرة على حلِّ المسائل الرياضية، فلو طلب استشارة طبية حينها لكان تشخيصه عسر الحساب، وهو خلل وظيفي في الدماغ يجعل من الصعب للغاية إجراء العمليات الحسابية واستيعاب مفاهيم الرياضيات.
على الرَّغم من أنَّ أولسون لم يعانِ مثل ريغان بعدِّ الأصدقاء والمعلمين له غبياً، إلا أنَّ الصعوبات التي واجهها مع الرياضيات كانت مصدر شعور عميق بعدم الكفاءة لازمهُ في المدرسة وخارجها، وآخر درجة ضعيف حصل عليها في هذه المادة كانت في الصف الثالث، منذ ذلك الحين كان يحصل باستمرار على درجة ضعيف جداً أو أسوأ ولم تكن المشكلة أنَّ أولسون كان غير قادر على التفكير المنطقي، فقد كان بارعاً عندما يتعلق الأمر بحلِّ مشكلات الكلمات؛ ولكنَّه وقف عاجزاً حين واجه العمليات والصيغ والمعادلات العددية".
يُلاحظ لاحقاً في القصة قائد بارز قدَّر قدرات أولسون وجنَّده في وظيفة رفيعة المستوى في واشنطن؛ إذ يعمل على مهام من شأنها أن تؤدي في النهاية إلى كونه جزءاً من القبض على الجاسوس، ولكن توجد مشكلة واحدة فقط، وهي أنَّه لم ينهِ دراسته مطلقاً:
"لم يستطع إخبار أيِّ شخص في مكتب التحقيقات الفيدرالي لماذا لم يكن لديه شهادة بعد، لقد فشل في اجتياز اختبارات الرياضيات على الرَّغم من المحاولات العديدة، ولم يفده تغيير الكلية، وفي النهاية وبعد مساعدة مستشار تربوي فقط، تمكن أولسون من إكمال دراسته الجامعية في الأشهر الثلاثة المتاحة له واجتاز اختبار الرياضيات في الكلية؛ فساعده مدرس لطيف في الحصول على درجة متوسط".
عندما قرأت ذلك بدا الأمر مشابهاً جداً لقصتي، وفي هذه الأيام يفهم معظمنا أنَّ ثمة أنواعاً عديدة للذكاء، وفي الواقع توجد تسعة: الذكاء الرياضي والذكاء اللغوي والذكاء الموسيقي والحركي والذكاء الوجودي أو الاجتماعي والذكاء عميق الشخصية والذكاء الطبيعي والذكاء المكاني، ومع ذلك يمكن لمعظمنا أن يلاحظ أيضاً أنَّ بعض أنواع الذكاء هذه تحظى بتقدير أعلى من غيرها في العصر الحديث.
تسمى الحالة التي قد يعانيها أولسون بعسر الحساب، وتصفه صفحة "ويكيبيديا" على النحو الآتي: "عسر الحساب هو صعوبة في تعلم الحساب أو فهمه مثل صعوبة فهم وتعلم كيفية التعامل مع الأرقام وتعلم الحقائق في الرياضيات، ويُنظر إليه عموماً على أنَّه اضطراب تنموي محدد.
يمكن أن يصاب الأشخاص من معدلات الذكاء جميعها بعسر الحساب، ولكن غالباً ما يكون معدل ذكائهم أعلى من المتوسط، ويترافق مع صعوبات في قياس الوقت والتفكير المكاني، وتتراوح تقديرات انتشار عسر الحساب بين 3 و6% من السكان، وربع الأطفال المصابين بعسر الحساب مصابون باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط".
من الواضح أنَّ الشخص الذي يعمل في مجال كتابة الشيفرات يتمتع بمهارات تفوق مهارات معظم الأشخاص المؤهلين تأهيلاً عالياً، ومن المحتمل جداً أن يتمتع بذكاء عال، ومع ذلك فإنَّ هذا الشخص قد يعاني أيضاً هذه الحالة التي تجعل إتقان الرياضيات أمراً صعباً.
ركزت على الجملة الأخيرة المتعلقة باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط لأنَّ هذا أمر آخر يحظى الآن باهتمام أكبر ممَّا كان عليه في السابق، خاصة بين البالغين، شُخِصتُ باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط وقبل عامين بدأت في تناول الأدوية ممَّا غير حياتي.
لا أشخص نفسي بعسر الحساب ولا يمكنني تشخيصك بعسر الحساب أو اضطراب نقص الانتباه أو أيِّ شيء آخر، كلُّ ما أعرفه هو أنَّني بصرف النظر عمَّا فعلته لا يمكنني أبداً تعلم الرياضيات المتقدمة، ولم تكن المشكلة المعلم ولا نقص الطموح أو إهمال الدراسة، وافترض أنَّه لم يكن بسبب تأخر في النمو لأنَّني تمكنت من القيام بأشياء أخرى على الرَّغم من هذا العائق.
في الختام:
إذا لم تتمكن من تعلم الرياضيات أيضاً أو إذا كنت تقرأ هذا الآن ولا يمكنك تعلم الرياضيات فربما لا يكون الذنب ذنبك، بدلاً من محاولة التغلب على هذه الصعوبة يجب أن تجد طريقة للتحايل عليها؛ إذ يجب أن تركز على أنواع الذكاء الأخرى، خاصة تلك التي تتمتع بموهبة فيها، حينها ربما ستجد مجالاً تكون مميزاً فيه حقاً.
أضف تعليقاً