التطوير:
الخيال النشط والخصب هو الأرضية والبداية للعملية الإبداعية، وبالنسبة للطفل الصغير فالواقع والخيال، الحلم واليقظة، الحاصل والتمني، وجهات النظر والحقيقة، كلها أمور لا فرق جلّي بينها ويمكن التعامل معها بطرق وآليات ومواقف مختلفة.
هذا النمط من التفكير يجعل منهم دوماً أشخاصاً متفتحين وجاهزين لأي احتمالات إبداعية. ولكن مجتمعنا "الناضج" يرغب وبشدة في أن يتواكب الأطفال معه ويكون شأنهم شأن البقية الآخرين. على سبيل المثال بإمكان الطفل ذا العامين أن يفكر بطرق مختلفة للاستفادة من قدر صغير من مطبخ والدته كأن يستخدمه كخوذة أو مقود سيارة أو أي شئ قد يطرأ في خياله الخصب، ولكن فيما بعد وحين يكبر بعض الشئ فإن عليه أن يتخلّى عن كل ذلك مجبراً ويستخدمها تماماً كما يفعل الآخرين.
من الطبيعي جداً للأطفال الصغار أن يتعلموا وفق طرق إبداعية، التعلم بالتجربة والممارسة، المحاكاة، التلاعب بالأشياء، الحركة، القصص، كلها وسائل تنمي عملية الإبداع لدى الصغار إن نحن حرصنا على تعليمهم بهذه الوسائل المتعددة وابتعدنا عن التعليم التقليدي.
فواحد من أكبر وأخطر تحديات عملية التخيل الإبداعي هو المدارس التقليدية، المعلمون والآباء في هذه المرحلة يحرصون على جعل الأطفال يتصرفون وكأنهم آلات وأجهزة التحكم بأيديهم، وعلى أن يتصرف هؤلاء الأطفال التصرف الأمثل من وجهة نظر الكبار/ كأن يكونوا مهذبين، مطيعين، يتبعون النظام والتعليمات، تسليم العمل في الوقت، الخ.
غالباً ما بين سن التاسعة والعاشرة يصطدم الطفل المبدع بالسقوط المريع لعملية التعلم حين يصل للصف الرابع، فيفاجئ بعملية التناقص الخطير في عملية الانتاج الإبداعي (هذا بالطبع لا يعني أن ما قبله كان يواكب تطلعاته ولكنه على الأقل ليس بقدر صدمة الرابع)،
الضغط الذي يواجهه للرضوخ وأن يكون مثل البقية يتزايد كلما تقدم هذا الطفل في العمر وكثير من هؤلاء الأطفال لا يتعافون من هذه الصدمة المريعة.
فيواصلون حياتهم بعدها كأناس عاديون جداً.
المزايا الشخصية التي يطورها بعض الأطفال المبدعين غالباً يراها الآخرون على أنها سلوكيات غريبة أو غير منتجة:
التفكير الحر: التلاعب بالأفكار قد يظهر وكأنه عدم انضباط أو قصور في تحديد الأهداف.
السذاجة: الأطفال المبدعون تثيرهم الأفكار النصف ناضجة، وقد لا ينتبهون لنقاط الضعف أو النقص الذي قد يراه الكبار بسهوله.
الدعابة: الأطفال المبدعون يوجدون الفكاهة في الأفكار التي يعتبرها الكبار في منتهى الجدية، هذه القابلية للسؤال ورؤية وجهات نظر أخرى قد تفسر على أنها سخرية أو سلوك بغيض.
الخيال (حلم اليقظة): الأطفال المبدعون يتعلمون من خلال الخيال ويحلون كثير من مشاكلهم من خلال استخداماته، فجعل العقل يتساءل يساعد الخيل على تكوين صلات جديدة ولكن قد يراه الآخرين على أنه غير يقظ أو ..
الوحدة: الأطفال المبدعون يطورون من الأفكار الدقيقة والغير مشكلة، وهنا يحتاج الأطفال لأن يكونوا وحدهم في مرحلة تلاقح ومزج الأفكار، ولكن "لقافة" المجتمع فيما يتعلق بالمعيّة يجعل من هذا امرأ صعباً جداً،
النشاط: الأفكار غالباً تتكون عندما لا نفعل شيئاً، ولكن متى تولدت الفكرة، فالأطفال المبدعون سيتحولون من حالة الخمول إلى النشاط والحيوية. هذا التأرجح قد يعتبره الكبار من الكسل أو التعلق بشئ واحد فقط، وهو فعلاً مقلق وغير مفهوم من قبلهم وقد يتصرفون حياله بطرق تقتل بذرة الابداع لدى الصغار قبل أن تثمر.
ما الذي مكن أن أفعله كوالد؟
كن قدوة: احتف بفضولك الصبياني، حماسك، أفكارك المجنونة، أبق نفسك منفتحاً لتجارب جديدة، شارك رغباتك وطموحاتك، وابتهج لرغبات وطموحات طفلك. أعط لنفسك مهلة فأنت لا تعرف كل الأجوبة الصحيحة فاقبل بما هو أقل من الكمال وشارك كل ذلك مع طفلك من سن مبكرة وخصوصاً ما بين الثانية والخامسة، على أن يتواصل الأمر بعد ذلك.
اختبر سلوكياتك: الأطفال الذين يشعرون بالحب والاعتمادية يحصلون على الثقة ليكونوا مختلفين والشجاعة للابتكار. الاهتمام المبالغ به تبعاً للعادات الاجتماعية، أو الاختلافات الجنسية، أو الآراء الشائعة قد يكبح الإبداع والابتكار. إذا كنت تؤمن بأن الطفل المبدع هو طفل مزاجي، فإن هذا الإيمان سيدفع طفلك لأن يشعر بالخجل أو الحرج من أن يعرض ابتكاراته أو أفكاره على الآخرين.
شجع طفلك: شجع التجربة والمغامرة، مارس الإصغاء لطفلك من دون أن تكون حكماً عليه وعلى ما يقول، عدّل، انتقد واسأل طفلك حول أفكاره ولكن بحذر شديد. لا تقف عند عدم نجاحه في بعض مساعيه أو تنتقده بشده بل شجعه وسانده واحذر من قولك "ما قلت لك"، احذر من الإطراء المجوّف لكل ما يفعله طفلك وأظهر حماستك فقط عندما تشعر بها.
وفر البيئة الخصبة: هذا بالطبع لا يعني أن تصرف الكثير من المال، الأطفال غالباً يتنازلون عن الألعاب الغالية مقابل الصناديق التي تأتي فيها هذه الألعاب. مواد اللعب الغير مركبة مكن الطفل من ابتكار أفكراهم الخاصة وتشجع الخيال. المجلات القديمةو الكتب، الصحف، الألعاب، الملابس القديمة، الإكسسوارات الغير مرغوبة كلها تمثل كنوزاً غالية لاحتمالات غير محدودة. قم ببعض الرحلات، تكلم مع الناس، فكر بصوت عال وتحدث عن ردود أفعال الطفل. وفر تجارب تحفز خيال الطفل مثل تمثيل بعض المواقف والأدوار، "أتساءل هل كان ذلك ليحصل لو ...؟ "ماذا لو فعلنا كذا ... فهل سيحصل كذا" !! إن تفعيل الحوارات وإخبار القصص الرمزية، العادات اليومية الشبه ثاتبة، مثل وقت النوم ووقت الأكل من الممكن أن تكون فرص لتنمية الإبداع من خلال تفعيل الحوارات وإخبار القصص.
قم ببناء البيئة بنفسك: يمكننا القول بصحة مقولة أن الأطفال المبدعون قد يحدثون بعض المشاكل، ولكن ليس كل الأطفال الذين يحدثون مشاكل أطفالاً مبدعين. كل الأطفال يخضعون لضوابط وحدود تضبط سلوكياتهم داخل وخارج المنزل، التفكير الخلاّق أو المبدع قد يقود الطفل للتساؤل عن هذه الأنظمة والضوابط أو ربما لخرق هذه الضوابط. القوانين يجب أن تكون قليلة ما أمكن ولكن يجب أن تكون واضحة وتطبق من أجل ضبط السلوكيات ومصلحة الجميع لا من أجل استعراض المقدرة الوالدية، الأطفال المبدعون يحتاجون لوقت وبعض المراقبة والتحكم حيال كيف يقضون وقتهم. (اليوم 99% من الأطفال لا يملكون الخيار في كيفية قضاء وقتهم وذلك بسبب زحمة الواجبات والمتطلبات المدرسية وكثرة الملهيات). وهذه بالطبع تتعارض مع تنمية الإبداع لدى الأطفال، فاحرص على أن تضع جدولاً لهذه المشغلات يعطيها الحد الأدنى من وقت الطفل لتكون له الحرية في كيفية التصرف مع ما تبقى من وقته مع بعض المراقبة والتوجيه.
مشاهدة التلفاز: احذر كل الحذر من هذا الجهاز، فإنه قد يدفع الطفل للمحاكاة والتقليد والخيال المفيد إن استخدم بالطريقة الصحيحة وتم اختيار ما يشاهده الطفل بعنايه (سبق وأن بينت طرق ووسائل للتعامل مع التلفاز بشكل مفصل في موضوع بعنوان "الوقاية العائلية من الوسائل الاعلامية"). الأشخاص المبتكرون ليسوا فقط زبائن لأفكار الآخرين، بل إنهم في الغالب هم مصدرون للأفكار الجديدة. منح جهاز التلفاز وقتاً واهتماماً أكثر من اللازم سيحول الطفل من مولد للأفكار لشخص مقلّد من الطراز الأول.
شجع طفلك على تسجيل "كتبة" أفكاره: الأطفال يحبون الرسم والتلوين منذ سن مبكرة جداً، هذه وسيلة رائعة جداً وابتكارية لحل المشكلات، فقبل أو يبدؤوا بالكتابة يمكنهم طلب مساعدة الآخرين أو الأطفال الأكبر منهم سناً لتسجيل أفكارهم. بعد ذلك يمكنك أن تشجع طفلك على الاحتفاظ بمذكرات أو مدونة شخصية له.
اعمل مع مدرسة طفلك: معظم المدارس ليس لها أي برامج معدة للأطفال المبدعين، ساهم في تحصل المدرسة التي فيها أطفالك على متبرعين ومصادر لبرامج في فن الإبداع والابتكار أو على الأقل استضافة بعض الشخصيات المبدعة في المجتمع. أبق على قناة الاتصال مع مدرسي أطفالك فيما يتعلق بالسلوكيات التي تقود للإبداع لينتبهوا هم لذلك ولا يقاطعوا أو يعطلوا إبداعات طفلك والآخرين بل يساهموا في تنميتها. كن بجانب طفلك ومحامياً عنه ولكن لا تنسى أن الأطفال المبدعون يحثون مشاكل عديدة للمعلمين فلا تنسى المعلم أو المعلمة من بعض التقدير والشكر اللفظي على الأقل بين الحين والآخر. تذكر أن كل ما يمكنك فعله من أجل تخفيف الضغط على المعلم هو في النهاية في مصلحة طفلك.
أخبر طفلك عن الأطفال المبدعين: عملية الإبداع لا تسير بشكل سلس فقد ينتقل الطفل إلى المزاج السئ في أي وقت خصوصاً في حين شعروا بالإحباط. أخبرهم أنه من الطبيعي جداً أن يحلموا أحلام اليقظة، يتظاهروا، يكون لهم أصدقاء يتمتعون بخيالات خصبة، يفكروا بأشياء لا يفكر بها الآخرون، وألا يكونوا مهتمين بكل شئ يهتم به الأطفال الآخرون.
بالطبع أنت كوالد لن تستطيع أن تتحكم بكل ما يتعلق بمسيرة الابداع الخاصة بطفلك، يمكنك أن تتبع التعليمات والتوصيات، ولكن طفلك سيستجيب تبعاً لنظامه هو فانتبه فاختلاف ردة فعله عمّا تتوقعه أنت قد يكون أول مؤشر لإبداعه فلا تقتله وأنت تحاول صنعه، رؤيتك أنت قد لا تماثل رؤية طفلك، وهذا لا يعني أن طفلك على خطأ أو بعيد عن طريق الإبداع.
نقطة مهمة: لدى الكثير من الناس قناعة أن الفتيات أكثر إبداعاً وتفوقاً من الفتيان، والبعض يؤمن أن هذا أمر فطري والحقيقة أننا نحن كآباء وأمهات نساهم في تنمية إبداع الفتاة وقتل إبداع الفتى في مراحل مبكرة جداً وذلك بسبب الاعتقاد القوي لدينا أن الفتاة ومن الصغر تحتاج إلى حب وحنان أكثر من الفتى فيجعلنا ذلك أكثر جفافاً في عواطفنا مع الفتى فينمو فاقداً للحب أو الحنان أو لديه نقص في هذا الجانب وهذا يساهم كثيراً في قتل أو تقييد الإبداع لديه.
أضف تعليقاً