وهذا ما دفع "أول يوهانسن" (Olle Johansson) الأستاذ المشارك ورئيس وحدة الأمراض الجلدية التجريبية في قسم علم الأعصاب في "معهد كارولينسكا" (Karolinska Institute) في السويد للتساؤل عن مقدار تأثر البشر بهذا الغزو الإشعاعي.
فقد نشر "أول يوهانسن" عام 2009 في مجلة "علم الفيزيولوجيا المرضية" (Pathophysiology) مقالاً يشير فيه إلى تاريخ تعرُّض الأرض لمجال مغناطيسي وإشعاعي ثابت من الشمس منذ بدء الخليقة؛ أي قبل أكثر من 3.5 مليار سنة.
ومع تطوُّر الحياة، طوَّرت الكائنات الحية طرائق للتعامل مع هذه التأثيرات، ومن ذلك تغير تصبغات الجلد للوقاية من الشمس، كما ابتكرت باقي الكائنات طرائق أخرى للوقاية من أشعة الشمس بالاختباء تحت الأرض أو تحت أوراق الشجر الكثيفة والاحتماء بالغابات المطيرة.
ولكنَّه لاحظ أنَّ الإنسان مختلف عن باقي المخلوقات الحية؛ فهو لم يطوِّر آلية وقائية من الإشعاعات المتزايدة خلال 100 عام الماضية. ويتساءل قائلاً: "هل من الممكن أن يتكيف الجسم البشري مع الظروف البيئية المتغيرة في أقل من 100 عام، أم أنَّه يحتاج إلى آلاف السنين لتطوير مثل هذا التكيف؟ وفي أثناء ذلك، ما هو نوع معايير السلامة التي يجب أن نعتمدها؟".
بعد مراجعة عدد من الأوراق العلمية عن آثار الإشعاعات - المجالات الكهرومغناطيسية - التي صنعها الإنسان في جهازه المناعي. خلُصت المراجعة إلى نتيجة واحدة وهي افتقار البشرية لضوابط الأمن والوقاية من الإشعاعات، كما أوصى بوضع قيودٍ لنشر مزيدٍ من التكنولوجيات غير المختبرة.
آثار الإشعاعات السيئة في الوظائف المناعية:
توجد الإشعاعات في كل مكان من أماكن العمل إلى المنازل والأماكن الترفيهية، كما أنَّ المستويات المنخفضة أو حتى المنخفضة جداً - غير الحرارية - قد تضر بجسم الإنسان على المستوى الخلوي.
يستشهد أستاذ قسم علم الأعصاب "أول يوهانسن" بأبحاثه التي تُظهر أنَّ التعرض للإشعاعات يحفز زيادة إنتاج الخلايا المناعية الصارية، ويُحدث تغييرات فيزيولوجية أخرى تسبب استجابة تحسسية، وحالات التهابية؛ وهذا يضر الجسم ويُبقي الخلايا المناعية في حالة تنبيه مستمرة.
كما يعتقد الأستاذ "أول يوهانسن" أنَّ أجسامنا تصدر علاماتٍ تحذيرية؛ وذلك عن طريق الارتفاع السريع في معدل الإصابة بحالات الحساسية والربو وحالات التحسس الأخرى بين الناس. وقد يؤدي التعرض المزمن للموجات الكهرومغناطيسية إلى خلل الوظائف المناعية، والاستجابات التحسسية المزمنة، أو الاستجابات الالتهابية، واعتلال الصحة العامة.
رُبِط التعرض الإشعاعي بمجموعة متنوعة من الآثار الجانبية في الجهاز المناعي بالتحديد، ومن ذلك: تنبه الجهاز المناعي تنبُّهاً كثيفاً، وإحداث تغيرات في الخلايا المناعية، والزيادة الكبيرة في إنتاج "الخلايا الصارية" في الطبقات العليا من الجلد، وزيادة في حجم "الخلايا الصارية" عند وجود "حساسية كهرومغناطيسية" لدى الأفراد.
بالإضافة إلى إيقاف أو ضعف أداء الوظائف المناعية، وانخفاض المناعة الفطرية والخلايا المناعية المساندة للخلايا القاتلة؛ لقتل الخلايا المصابة بالفيروسات والسيطرة على أعراض السرطان المبكرة أو أي آثار سلبية على الحمل.
شاهد بالفيديو: 8 نصائح هامة لتتمتع بأسلوب حياة صحية.
الأبحاث التي نشرتها "منظمة الصحة العالمية":
وتشير الأبحاث التي نشرتها "منظمة الصحة العالمية" (World Health Organization) عام 2006، إلى وجود حساسية كهربائية شديدة بنسبة 1 - 3.5% بين الناس، مع وصول التوقعات إلى 10% بين سكان الولايات المتحدة والسويد وسويسرا وألمانيا والنرويج والعديد من الدول الأخرى.
وتُعرَف هذه الحالة باسم "التحسس الكهرومغناطيسي المفرط" (EHS)، وتؤدي إلى أعراض جسدية ومعرفية عدة. ومن هذه الأعراض: الصداع، والدوار، والتعب، وصعوبة التركيز، وظهور مشكلات معرفية، والنوم المتقطع، وأعراض جلدية مثل الشعور بالوخز والحكة والحرق.
وفقاً لتحليل أستاذ قسم علم الأعصاب "أول يوهانسن": "من الواضح من البيانات التجريبية الأولية أنَّ التغيرات البيولوجية المختلفة لدى مصابي "التحسس الكهرومغناطيسي" سببها التعرض للإشعاع. تكفي التغيرات لشرح أعراض التحسس الكهربائي شرحاً كاملاً، وتأثُّر الجهاز المناعي الواضح".
لا تقتصر الأضرار الناجمة عن التعرض للإشعاع على تزايد إنتاج الخلايا المناعية القاتلة التي تعمل على حماية الجسم وتدمير أي جسم دخيل فقط، ولكنَّها تسبب انخفاض عمليات الترميم في الجسم، وتسهيل انتشار المرض.
ويستشهد تقرير منظمة الصحة العالمية بأدلة على مساهمة التعرض للإشعاع بإتلاف الحمض النووي، والتأثير السلبي في التواصل الخلوي، والتمثيل الغذائي وعمليات الترميم، ومراقبة السرطان داخل الجسم، إلى جانب التسبب في آثار قلبية وعصبية سلبية، ومن ذلك ضعف الذاكرة، والتغيرات في نشاط الموجات الدماغية، واضطراب الوظيفة الإدراكية.
قد تحدُث جميع الآثار البيولوجية السابقة إثر التعرض لمستويات ضئيلة من الإشعاع، أقل بكثير من الحدود التي وضعتها أمريكا والعالم. فتظهر الحاجة الماسَّة لفرض معايير السلامة لمنع التعرض للإشعاع، وحماية البشر من آثار التعرض حتى لمستويات إشعاعية منخفضة، ولكن، وفقاً لـ "أول يوهانسن": "سيمثل رفع تدابير السلامة للحد الأقصى، تقليل التعرض للإشعاع ليصل إلى نسبة صفر".
إنَّ الطرح المتسارع لتكنولوجيا 5G، الذي يتطلب تركيب العديد من أجهزة نقل الخلايا اللاسلكية الصغيرة في الأحياء، سيزيد زيادة كبيرة من التعرض للإشعاع وعواقبه الصحية المدمرة.
أدلة ضخامة أضرار التعرض للإشعاع:
تبيَّن من خلال الأدلة ضخامة أضرار التعرض للإشعاع والمجالات الكهرومغناطيسية التي يصعب تجاهلها. يوفر موقع "غرين ميديا إنفو. كوم" (GreenMedInfo.com) أكثر من ألف ملخص ودراسة عن الإشعاعات وعلاقتها بالإجهاد التأكسدي وتلف الحمض النووي وظهور مرض السرطان والالتهاب وغيرها.
تركز أكثر من 12 دراسة على آثار الإشعاعات في الجهاز المناعي مثل تقليل الوظيفة المناعية لدى كبار السن، والتأثير في العمليات الخلوية التي تؤدي دوراً هاماً في تطوُّر السرطان، والنمو السليم للكائنات الحية.
وكتب العالم والباحث "هنري لاي" (Henry Lai) من قسم الهندسة الحيوية في "جامعة واشنطن" (University of Washington) في مدينة "سياتل" (Seattle): "تستجيب الكائنات الحية استجابة فورية لأدنى المستويات الإشعاعية في البيئة"؛ لهذا، من الهامِّ اتخاذ إجراءاتٍ فورية لحماية نفسك وعائلتك من التعرض للإشعاعات غير الضرورية قدر الإمكان.
أضف تعليقاً