من هو مصطفى محمود؟
هو الفيلسوف والطبيب والكاتب المصري مصطفى كمال محمود حسين آل محفوظ، وُلِدَ يوم 27 ديسمبر/كانون الأول من عام 1921م في شبين الكوم بمحافظة المنوفية في مصر. يرجع نسبه إلى الإمام علي بن أبي طالب، عن طريق الإمام علي زين العابدين رضي الله عنهما. ويُطلَق على عائلته لقب الأشراف، وذلك لانتسابهم لآل بيت الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
نشأة مصطفى محمود:
وُلِدَ مصطفى محمود ونشأ في أسرة كريمة، حيث عمل والده كموظَّف حكومي في مديريّة محافظة الغربيّة، وقد كان مثقّفاً ويُجيد الانجليزيّة والفرنسيّة ويميل لشراء وقراءة الكتب وخاصّة الدينيّة منها. فكانت طفولة مصطفى محمود طفولة دينيّة من الدرجة الأولى، وممَّا أثَّر في حياته بشكلٍ كبير قُربه من مسجد "السيد البدوي" وحُضُور حلقات الذكر والموالد وابتهالات المتصوِّفة والدراويش، فقد كان لها تأثير كبير على تكوينه النفسي والروحاني.
وكان الدكتور مصطفى يُحِب العلم والقراءة منذ الصغر الأمر الذي أثر على عقليته واتجاهه الفكري فيما بعد. فشغفه بالعلوم دفعه لإنشاء معمل صغير في منزل والديه لصناعة الصابون والمبيدات الحشريّة ليقتل بها الحشرات، ثمَّ يقوم بتشريحها للتعرُّف على أسرار تكوينها، حيث كان يحلم أن يُصبح عالماً أو مخترعاً كبيراً.
درس الدكتور مصطفى الثانويّة في مدرسة طنطا الثانويّة الحكوميّة، وفيها ظهرت مواهبه الشعريّة والأدبيّة، وكتب فيها بعض القصص القصيرة، إلَّا أنَّه اهتمَّ بشكلٍ أكبر بالعلوم وبالتجارب العلميّة. وبعد حصوله على الشهادة الثانويّة العامّة بتفوُّق، التحق بكليّة الطب في جامعة القاهرة، وفي عام 1953م تخرَّج من الكليّة وعَمِلَ طبيباً حتّى عام 1960م.
تزوَّج مصطفى محمود مرّتين، فكان الزواج الأوّل في عام 1961م وأنجب من زوجته طفلين هما "أدهم وأمل)، ودام هذا الزواج 12 سنة لينتهي بالانفصال عن زوجته. أمَّا زواجه الثاني فكان بعد عشرة أعوام من طلاقه، حيث تزوَّج للمرّة الثانية في عام 1983م، إلَّا أنَّ هذا الزواج أيضاً انتهى بالإنفصال عن زوجته الثانية، ولم يُنجب منها أطفال.
بدايات مصطفى محمود:
بدأ مصطفى محمود بكتابة المقالات الأدبيّة ونشرها في المجلات والجرائد وذلك أثناء فترة دراسته في الجامعة، وخلال عمله في مهنة الطب، ومن هنا بدأت دائرة معارفه بالتوسُّع، فتعرَّف على الطبيب الأديب "يوسف إدريس"، و"ثروت عكاشة" وذلك من خلال جريدة "المساء" و"آخر ساعة" و"التحرير"، ثمَّ انتقل للعمل في مجلة "روز اليوسف" والتي كان يرأس تحريرها الصحفي "إحسان عبد القدوس"، وفي هذه الأثناء أصدر مجموعة من كتبه منها: "الله والإنسان"، و"عنبر 7"، و"رائحة الدم"، و"أكل العيش"، و"لغز الموت"، و"شلة الإنس"، و"العنكبوت"، وكلّ هذه الكتب عدا أوّل كتاب منها كانت ذات علاقة بمهنته كطبيب، وعلاقته بالمرضى.
وقد واكب مصطفى محمود ثورة 23 يوليو في مصر، وما لبث أن بدأ يكتب مقالات معارضة للسلطة الجديدة من خلال مجلة "روز اليوسف"، ممَّا أدّى لاستدعاء رئيس تحرير المجلة الأستاذ "إحسان عبد القدوس" من قِبَل أجهزة الأمن ومناقشته فيما يكتبه الصحفيون في مجلته ومن ضمنهم مصطفى محمود.
وقد استمر الحال على ذلك إلى أن أصدر الدكتور مصطفى كتاب "الله والإنسان" عام 1957، الذي طرح فيه قضايا بطريقة عقلانيّة لم يتعوَّد القارئ على مثلها، ممَّا أدّى لتقديمه إلى المحاكمة بناءً على طلب من عبد الناصر وكان سبب خلافه معه مقالين نشرهما مصطفى محمود وهما: (سقوط اليسار) و(الخروج من مستنقع الاشتراكية)، واعتُبِرَت قضيّته في المحكمة قضيّة كفر حيث قامت المحكمة بمصادرة الكتاب دون أن توضِّح أسباب الحكم، إضافة لمعارضة عدد كبير من علماء الأزهر له واتهامه بالكفر من قِبَل بعضهم.
وبعد وفاة عبد الناصر عبَّر الرئيس الراحل أنور السادات لمصطفى محمود عن إعجابه بكتابه، وعليه قام بطباعته تحت عنوان جديد وهو "حوار مع صديقي المُلحد" ممَّا أشعل الجدل ضدّه مجدَّداً واتُّهِمَ بالإلحاد، كما أثارت مقالات أخرى له زوبعة كبيرة أدّت لاتهامه بالكفر وإنكار الشفاعة والتشكيك في القرآن الكريم والأحاديث النبويّة.
في عام 1960م، استقال مصطفى محمود من عمله كطبيب واختار العمل الصحفي والكتابة بعد أن أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قراراً بمنع الجمع بين وظيفتين، والذي استغنى بسببه عن عضويته في نقابة الأطباء وآثر البقاء في نقابة الصحفيين.
أعمال مصطفى محمود:
ترك مصطفى محمود تراث فكري وأدبي ضخم تجاوز التسعين كتاباً في شتّى مجالات الكتابة، القصّة والرواية والدراسة والبحث، والمقالة المسرحيّة. فكتب سبع مسرحيات وهي: (الزلزال، الإنسان والظل، إسكندر الأكبر، الزعيم، أنشودة الدم، شلة الأنس، الشيطان يسكن في بيتنا) كما أصدر مجموعة من الروايات وهي: (الأفيون، العنكبوت، الخروج من التابوت، رجل تحت الصفر، وروايـة "المستحيل" التي تمَّ عرضها كفيلم في السينما.
كما أصدر مصطفى محمود مجموعة من القصص القصيرة وهي: (أكل عيش، عنبر7، شلة الأنس، رائحة الدم). وكتب في أدب الرحلات: (الغابة، مغامرات في الصحراء، المدينة أو حكايات مسافر)، إضافة لبعض المقالات الأدبيّة الوجدانيّة: (في الحب والحياة، يوميات نصف الليل، اعترفوا لي، 55 مشكلة حب، اعترافات عشاق).
وقد أصدر مصطفى محمود عدّة مؤلّفات والتي مثَّلت الإرهاصات الأولى للجانب الفكري والتأمُّلي والعلمي لديه وهي:
- (لله والإنسان) وهو عبارة عن مجموعة مقالات كتبت عام 1955م.
- (إبليس) وهي دراسة كتبت عام 1957م.
- (لغز الموت) وهي دراسة كتبت عام 1958م.
- (لغز الحياة) وهي دراسة كتبت عام 1967م.
- (الأحلام) وهي دراسة كتبت عام 1961م.
- (آينشتاين والنسبية) وهي دراسة كتبت عام 1961م.
وفي عام 1969م أصدر مصطفى محمود كتاب (القرآن محاولة لفهم عصري) والذي آثار جدلاً واسعاً في الساحة الفكريّة والثقافيّة، وقام بالرد عليه مجموعة من العلماء على رأسهم الشيخ عبد المتعال الجبري، وبنت الشاطئ، والشيخ مصطفى الحديدي الطير، ثمَّ توالت إنتاجاته الأدبيّة والفكريّة والتي طرح فيها قضايا جدليّة شائكة من أشهرها: (رحلتي من الشك إلى الإيمان، الطريق إلى الكعبة، الله، التوراة، الشيطان يحكم، رأيت الله، الروح والجسد، حوار مع صديقي الملحد، لماذا رفضت الماركسيّة، عصر القرود، نقطة الغليان، القرآن كائن حي)… وغيرها من المؤلَّفات العظيمة التي لا يسعنا ذكرها جميعها.
في عام 1971م بدأ مصطفى محمود بتقديم برنامج "العلم والإيمان" والذي يتحدَّث عن المعجزات في الكون وقد لاقى شهرةً واسعة، وهو برنامج تلفزيوني كان يُعْرَض على التلفزيون المصري واستمرَّ لمدّة 28 سنة قدَّم خلالها الدكتور مصطفى محمود أكثر من 400 حلقة.
علاقة مصطفى محمود بالسلطة:
شهدت فترة حكم السادات علاقة طيبة بينه وبين الدكتور مصطفى حيث جمعته به علاقة جيّدة واستمرت هذه العلاقة طوال فترة حكمه، و ممَّا لا يعرفه البعض أنَّ الرئيس السادات عَرَضَ على الدكتور مصطفى محمود أكثر من وزارة وأكثر من منصب، ولكنّه رفض واعتذر بطريقة لبقة وقال للرئيس: "أنا يا ريس بكل صراحة فشلت في إدارة أصغر وحدة في المجتمع وهي زواجي فكيف تتصوّر أنّني يمكنني أن أنجح في إدارة مؤسّسة كاملة تحوي آلافاً من الموظفين، والأدهى أن أتحمّل مسؤوليتها الاجتماعيّة وأتحاسب على اللي حققته واللي فشلت فيه قدام ربنا"..
نشاطات مصطفى محمود الخيرية:
قام الدكتور مصطفى محمود بإنشاء مؤسَّسة "محمود الخيرية" التي تتكوَّن من أكبر المستشفيات والعيادات التخصُّصيّة في مصر، وقد بَلَغَ عدد هذه المراكز ستّة مراكز. كما ضمَّت الجمعيّة مسجداً باسمه هو "مسجد مصطفى محمود" في القاهرة.
تكريمه ثقافياً:
- نال جائزة الدولة لعام 1970م عن روايته "رجل تحت الصفر".
- نال في العام 1995م جائزة الدولة التقديريّة في الآداب.
- تمَّ عرض بعض رواياته في السينما المصريّة كأفلام مأخوذة عنها ومنها فيلم "المستحيل" الذي اختير بين أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصريّة في استفتاء للنقّاد عام 1996م.
- في عام 2008م كتب الشاعر فيصل أكرم مقالاً في صحيفة الجزيرة بعنوان (ذاكرة اسمها لغز الحياة.. ذاكرة اسمها مصطفى محمود)، وتكريماً لهُ أصدرت الصحيفة في عدد الخاص يتحدَّث من الغلاف إلى الغلاف عن مصطفى محمود، وقد ضمَّ الملف كتابات لثلاثين مثقّفاً عربيّاً من مُحبّي مصطفى محمود.
- في عام 2013م أصدرت قناة الجزيرة الوثائقيّة فيلم وثائقي مؤلَّف من جزئين باسم "العالم والإيمان"، ويدور موضوع هذا الفيلم حول حياة الدكتور "مصطفى محمود".
وفاة مصطفى محمود:
توفّي الدكتور مصطفى محمود عن عمر ناهز 88 عاماً، وذلك صبيحة يوم السبت الموافق لتاريخ 31 أكتوبر من عام 2009م بعد سنوات من المرض اعتزل خلالها وابتعد عن الحياة العامة، وقد تمَّ تشييع الجنازة من مسجده الذي أنشأه بحي المهندسين في العاصمة المصريّة القاهرة.
المصادر:
أضف تعليقاً